رسالة مصرية ثقافية
مرحبا بك أخي الزائر نشكر زيارتك ونتمني انضمامك للمنتدي
زيارتك تسر إدارة المنتدي ومشاركتكك تسعدنا وتساهم معنا بارتفاع الثقافة العامة
بعض المنتديات الفرعية والموضوعات
لا يمكنك الإطلاع عليها إلا بعد التسجيل كعضو في المنتدي
رسالة مصرية ثقافية
مرحبا بك أخي الزائر نشكر زيارتك ونتمني انضمامك للمنتدي
زيارتك تسر إدارة المنتدي ومشاركتكك تسعدنا وتساهم معنا بارتفاع الثقافة العامة
بعض المنتديات الفرعية والموضوعات
لا يمكنك الإطلاع عليها إلا بعد التسجيل كعضو في المنتدي
رسالة مصرية ثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رسالة مصرية ثقافية

ثقافية - علمية - دينية - تربوية
 
الرئيسيةرسالة مصريةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 50

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان    الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:50

نحو حافة الهاوية

لقد جرت في النصف الأول من القرن العشرين حربان أوربيتان كبيرتان، حطمتا نظام القوى الأوروبي القديم، وحطمتا معه أيضاً على المستوى العميق اتفاقاً فكرياً واحداً كان يضم البنى السياسية والاقتصادية للعالم المتحضر عند بداية القرن العشرين، كما أن الإمبراطوريات الاستعمارية التي رسمت شكل القرنين أو الثلاثة السابقة قد تقوضت هي الأخرى.

وإن هذه المواضيع كامنة في أساس الأحداث التي جرت ولابد أن تبقى حاضرة في أذهاننا عند روايتها، لأن القصة لامعنى لها من دونها.

لقد ابتدأت أولى الحربين الكبريين اللتين حطمت أوروبا نفسها فيهما في عام 1914، وكانت تلك نهاية سلام طويل بين القوى الأوروبية العظمى استمر منذ عام 1871، فانفجر أخيراً الصراع العميق بين الدولة النمساوية الهنغارية وبين روسيا، وهي مقاطعة كانت تحتلها مع أنها كانت قانونياً ملكاً للدولة العثمانية.

وكان النمساويون يخشون مثل بعض دول البلقان الأصغر أن يتمكن المصلحون في الإمبراطورية العثمانية من تجديد قوتها، إذ كان قد بزغ حزب تركيا الفتاة الذي يطمح إلى ذلك. لذلك كان الهابسبرغ يرغبون بإحكام قبضتهم على البوسنة كي لايستردها الأتراك، والأسوأ من هذا أن يستولي عليها الصرب. وكانت فيينا تعتقد أن صربيا تحاول توحيد جميع الشعوب السلافية الجنوبية، وكان عدد السلاف كبيراً جداً ضمن الملكية الثنائية خاصة في شطرها الهنغاري، لذلك اعتبرت طموحات الصرب تلك خطراً كبيراً.

ولكن النمساويون لم يدركوا مدى الغضب الذي شعر به الروس، إذ أنهم لم يحصلوا بالمقابل على أي تعويض، فلم تعد روسيا تؤمن بإمكانية التفاهم مع الملكية الثنائية في تدبير أمور البلقان، وقد انزعج الصرب كثيراً أيضاً، ولكن صربيا كانت أضعف من أن تقاوم، أما روسيا فكانت هي القوة السلافية الكبرى، وإذا ثارت المتاعب من جديد فقد يجد الصرب فيها حليفة مستعدة لمساندتهم.

وانتهت الأزمة أخيراً دون حرب، إلا أن السماء كانت قد أظلمت، كانت روسيا تنتظر بثقة منذ قرن كامل انهيار الإمبراطورية العثمانية، فهل يمكن أن ينقذها حزب تركيا الفتاة في اللحظة الأخيرة؟ وكان مضيقا القسطنيطينية قد أصبحا الآن على أهمية كبيرة لروسيا، إذ أنها بدأت تصدر كميات هائلة من الحبوب من مقاطعات البحر الأسود.

وكانت لدى روسيا أسباب عديدة تدفعها إلى أن تؤكد من جديد مكانتها كقوة عظمى، فقد كانت على طريقها لأن تصبح قوة صناعية، ومع أنها كانت متأخرة كثيراً عن ألمانيا وإنكلترا فإن إنتاجها الصناعي كان ينمو بأسرع منهما. كما أن مشكلتها الزراعية بدأت تستقيم أخيراً، لأن التشريعات الجديدة سرعت ظهور طبقة مزارعي الكولاك الجديدة المهتمة بالفعالية والربح، والتي نجحت جهودها في رفع الإنتاجية أخيراً.

ومع ازدياد ثقة روسيا بنفسها صار حكامها واثقين بقدرتهم على الدفاع عن مصالحها، وبأن الجيش الروسي يؤمن لهم الوسيلة اللازمة لذلك بفضل شبكة الخطوط الحديدية المتنامية والقاعدة الصناعية المتوسعة اللتين تدعمانه.

ولكنك من ناحية أخرى كنت تجد فيها فقراً مروعاً مثل الذي كنت تراه في آسيا، مع أنها بالاسم دولة أوروبية، كانت روسيا دولة متخلفة بعد، وكان الدين فيها متداخلاً في شؤون الحكم والمجتمع بصورة لم يعد لها وجود في أوروبا منذ قرن كامل، صحيح أنها كانت تحوي عدداً قليلاً من الجامعات والمدارس الجيدة وبعض العلماء والأدباء البارزين، إلا أن السواد الأعظم من شعبها كانوا فلاحين أميين، والأهم من كل هذا أن الحكم فيها ظل رغم ثورة 1905 يعتمد في النهاية على سلطة الأتوقراط، التي تعتبر مستمدة من الله.

كانت ألمانيا وفرنسا متخاصمتين بسبب قضية الإلزاس واللورين اللتين أخذتهما ألمانيا من فرنسا في عام 1871، وكان من المحتم أن تتورطا في أي صراع قد ينشأ بين النمساويين والروس، لأن فرنسا كانت حليفة لروسيا. وكان القادة العسكريون الألمان يخططون لتجنب خوض الحرب على جبهتين معاً عن طريق هزم فرنسا أولاً، ثم نقل قواتهم إلى الجبهة الثانية، ومع أن أعداد الروس كانت أكبر من أعدادهم فقد كانت أبطأ منها حركة.

وهكذا كان الألمان يخططون لهزيمة فرنسا في البداية في حملة سريعة مثل حملة 1870 عن طريق دولة بلجيكا المحايدة، وكانوا يأملون أن القوى التي ضمنت حياد بلجيكا بجدية كبيرة منذ معاهدة عام 1939 لن تمانعهم تلك الخطوة، أو أنها على الأقل سوف تغض الطرف حتى يمر الأسبوع اللازم لتنفيذها، ولكن هذا الأمل كان مقامرة على أفضل تقدير.

لم تكن لدى ألمانيا أسباب للصراع مع بريطانيا، ولكن جماعات الضغط فيها المهتمة بشؤون الاستعمار وتوسيع البحرية كانت تحاول إثارة مشاعر الألمان ضد بريطانيا تأييداً لأهدافها، وقد سبب هذا قلقاً كبيراً لدى البريطانيين من سياسة ألمانيا. وعندما ضايقت ألمانيا فرنسا حول نفوذها في المغرب بدأ بعض رجال الدولة البريطانيين يشعرون بضرورة وضع حد لذلك قبل أن ينتهي فيلهلم غليوم الثاني بالسيطرة على القارة الأوروبية، مثلما فعل نابليون ولويس الرابع عشر في أيامهما.

فبدأت المحادثات العسكرية مع فرنسا لدراسة احتمالات التصرف في حال وجدت الدولتان نفسيهما في خندق واحد، وكان هذا تغيراً كبيراً بالنسبة لهذين الخصمين التقليديين، وأعيد تنظيم الجيش البريطاني بحيث يمكن إرسال قوة منه إلى فرنسا، ولم يكن من الواضح في أية ظروف سوف ترسل، عدا عن أنها سوف تكون للمساعدة في حالة حدوث غزو ألماني.

كانت الكثيرون من الإنكليز يسعون لإقامة علاقات طيبة مع ألمانيا، ولكن الألمان زادوا الأجواء تعكيراً بجهودهم لبناء سلاح بحرية كبير، وشعر حكام إنكلترا أن تلك الجهود لايمكن إلا أن يكون وراءها رغبة بمنافسة البحرية الملكية البريطانية. فدفعهم هذا الخوف إلى البدء ببعض الإصلاحات وعمليات إعادة التنظيم من أجل تقوية البحرية الملكية في مياه بلادها، ثم أطلقوا ثورة تقنية عن طريق بناء سفينة حربية ذات تصميم جديد كل الجدة.

كانت تلك هي السفينة دردنوطDreadnought * وكانت أقوى وأكبر وأسرع من أي سفينة كبرى في البحار، وتحمل عدداً من المدافع الثقيلة أكبر بمرتين في عدتها الأساسية، فبطل بذلك عهد جميع السفن الحربية السابقة، وسرعان ماراح الجميع يبنون سفناً من هذا الطراز الجديد وصار النوع الأقدم يسمى ماقبل دردنوط إلا أن ألمانيا أمعنت في تحديها لتفوق البحرية البريطانية، فبدأ بين الدولتين سباق لبناء سفن الدردنوط.

وبعد بداية بطيئة قرر البريطانيون أن يكسبوا السباق ولولم يتمكنوا من إيقافهن وسرعان ما سبقوا ألمانيا وصاروا في عام 1914 متقدمين عليها مسافة كبيرة، ولم تكسب ألمانيا شيئاً من برنامجها البحري، بل صرفت عليه مبالغ كبيرة من المال وسببت ضرراً كبيراً لثقة البريطانيين بنواياها، كما سببت لنفسها عداوة الرأي العام البريطاني.

سراييفو

إلا أن وادي الدانوب ظل أكثر بؤر الصراع عرضة للانفجار، فقد ظلت الحكومة النمساوية الهنغارية ترتاب بنوايا صربيا، وكانت روسيا تزداد بأساً وخلال سنوات قليلة سوف تزداد جيوشها قوة بفضل إعادة تنظيمها وتجهيزها وسوف تكتمل شبكة الخطوط الحديدية الاستراتيجية فيها.

فإذا أرادت فيينا تلقين الصرب درساً فيجب أن يتم ذلك قبل أن يقوى الروس ودعموهم عن طريق التهديد بالحرب، ولهذا السبب أدى اغتيال الأرشيدوق النمساوي في حزيران/يونيو 1914 في مدينة سراييفو الصغيرة في البوسنة إلى اندلاع حرب عالمية.

لقد كانت خطة الاغتيال هزيلة، وكذلك خطة حماية الأرشيدوق، كان فرانتز فرديناند قد حذر من خطر زيارة البوسنة لأنها تعج بالسلاف الذين يمقتون الاحتلال النمساوي، وبدا كأن التاريخ المقرر للزيارة أي 28 حزيران/يونيو قد اختير عمداً لإغاظتهم، لأنه يوم أكبر الاحتفالات الوطنية الصربية، وكانت قد جرت محاولات عديدة لاغتيال وجهاء من أسرة هابسبرغ في السنوات الأخيرة ومع هذا لم تتخذ أي احتياطات خاصة، بل أرسل عدد قليل من أفراد الشرطة السرية في بودابست وتريستا، وكان على الشرطة المحلية التي لايزيد عدد أفرادها على 120 رجلاً أن تحرس بنفسها الأرشيدوق خلال رحلته في سيارة مكشوفة عبر شوارع تمتد مسافة أربعة أميال 6.5 كم تقريباً.

في آخر صورة للأرشيدوق حياً تراه هو وزوجته يغادران دار البلدية ليركبا سيارتهما، في هذه اللحظة كان أحد المتآمرين يقف في مكان قريب، وقد سأل رجل شرطة أي واحدة هي سيارة الأرشيدوق، فأجابه الشرطي السري، فألقى عليها المتآمر قنبلة من فوره، ولم يصب الأرشيدوق بأذى ولكن أشخاصاً آخرين كثيرين جرحوا وكانت جراحهم بعضهم بليغة.

إلا أن الأرشيدوق كان شجاعاً فقرر متابعة الرحلة ولكن مع تغيير الطريق، وانطلقت السيارات من دون أن يخبر أحد السائقين عن تغيير خطة السير، وعندما صاح الحاكم العسكري بأن سيارة الأرشيدوق تذهب في اتجاه خاطئ فرمل السائق وهو تشيكي فرملة شديدة وتوقفت السيارة تماماً، وكان بين الواقفين هناك شاب اسمه غافريلو برنسيب، وهو أحد المتآمرين في عملية الاغتيال، فسحب مسدسه وأطلق النار عن كثب، ومات الأرشيدوق وزوجته على الفور، ثم قبض على برنسيب وانتهت الحادثة، وكانت أوروبا في طريقها إلى الحرب.

وكان الإرهابيون قد سلحوا من قبل جمعية وطنية صربية سرية، ولكن الملكية انتهزت هذا الاغتيال كفرصة رائعة لكي تلقن الحكومة الصربية درساً، وصار بمقدورها الآن أن تفرض عليها إهانة تبعد السلاف عن التطلع إلى دعمها إلى الأبد. ووافق الألمان على أن الملكية يجب أن تتحرك، وبالقوة إذا اقتضى الأمر.

وهكذا وجهت للصرب بعد أربعة أسابيع من حادثة الاغتيال تقريباً، أي في يوم 23 تموز/يوليو إنذاراً يفرض عليهم مطالب باهظة، وقد قبلها الصرب كلها تقريباً عملاً بنصيحة الروس، ولكن النمساويين لم يكتفوا بهذا، بل أعلنوا الحرب على صربيا في 28 تموز أي بعد شهر واحد من الاغتيال.

وسارت الأحداث الآن نحو الكارثة بصورة تلقائية، فعندما بدأت روسيا تعبئتها لكي تضغط على الدولة النمساوية الهنغارية أعلن الألمان الحرب عليها فوراً، كما أعلنوا الحرب على فرنسا وغزوا بلجيكا مثلما كانوا يخططون منذ زمن بعيد، وكان هذا الاعتداء على حياة بلجيكا هي الحجة اللازمة للحكومة البريطانية لكي توحد الرأي العام في البلاد، ثم تعلن الحرب على ألمانيا في الرابع من آب/أغسطس والمفارقة الغريبة هي أن آخر قوتين كبيرتين أعلنتا الحرب إحداهما على الأخرى رسمياً كانتا الدولة النمساوية الهنغارية وروسيا، اللتين كانت مخاوفهما وخصوماتهما المتبادلة هي أصل هذا الصراع.

ولن تجد لهذا الحرب سبباً واحداً أو بسيطاً، فلولم يذل النمساويون الروس في عام 1909، ولو كان الأرشيدوق أقل شجاعة، ولو كان برنسيب جالساً في مقهى آخر، ولو لم يبن الألمان أسطولاً،، وإنك تستطيع أن تجد ألف شيء آخر لو حدث بطريقة مختلفة لكانت النتيجة مختلفة. ولكن كانت ستبقى في جميع الأحوال مشاكل عميقة لابد من حلها، فلماذا ستكون النتيجة الأخيرة لانهيار قوة الأتراك في البلقان؟ هل سوف تسيطر الحكومة الألمانية الإمبراطورية على أوروبا؟ هل ستعود الإلزاس واللورين إلى فرنسا ذات يوم؟ هل الملكية الثنائية قادرة على حكم رعاياها السلاف وإرضائهم بحكم الهابسبرغ؟ إن أية محاولة لحل هذه المشاكل كانت ستؤدي حتماً إلى خطر نشوب حرب شاملة.





* أي التي لاتخشى شيئاً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 50

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان    الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:50

الحرب العظمى 1914-1918

من المفارقات الغريبة لحرب 1914 أن أعداداً هائلة من الناس في كل بلد من بلدان العالم، ومن جميع اللغات والعقائد والأجناس، قد شاركت فيها برغبة وسعادة، ولم ير الكثيرون فيها كارثة بل فرصة. ولكن الذي تبين هو أن الواقع مختلف تماماً عما كان متوقعاً، فقد كانت الحرب أفظع وأبشع بكثير مما كان يتخيل الذين سببوها، وسوف تعرف بالحرب الكبرى، لأنها كانت أوسع بكثير من الصراعات السابقة، وأدت إلى عمليات حربية في كافة أنحاء المعمورة.

وقد استمرت هذه الحرب أكثر من أربع سنوات، ولم يكن هذا بالأمر المألوف لأن الحروب التي جرت قبلها لم تسبب مثل ذلك الاقتتال المستمر. وحدها الحرب الأهلية الأمريكية استبقت المجازر المديدة التي جرت بين عامي 1914-1918، والتي راح ملايين الرجال فيها يتواجهون شهراً بعد شهر وعاماً بعد عام، لاتفصل بينهم إلا بضع مئات من الأمتار، وهم يحاولون إخضاع أعدائهم وإرضاخهم.

كما أن الحرب البحرية كانت منذ البداية حرباً ضارية، وصارت أبشع حين راح كل طرف من الأطراف يحاول تجويع الطرف الآخر عن طريق الحصار، وحتى الجو أصبح أخيراً مكاناُ للقتال، فقد استخدمت الطائرات العسكرية في الحرب للمرة الأولى في عام 1911 عندما هاجم الإيطاليون الإمبراطورية العثمانية في شمال أفريقيا، وكان الفرنسيون قد استخدموا المناطيد قبل ذلك بأكثر من قرن في حروب الثورة، إلا أن الأجواء أصبحت الآن للمرة الأولى مكاناً لمعارك تمتد بعيداً وراء خطوط المعركة.

لقد تمكنت الحرب بصورة لاسابق لها، فبنهايتها باتت أهمية الشاحنات مثل أهمية الخيول في تموين الجنود في ساحة المعركة، كانت السكك الحديدية قد بدلت إمكانية حشد الجيوش منذ القرن السابق وأضيف إليها الآن النقل المعتمد على البترول. كما أن الأسلحة تحسنت بالطبع بصورة مرعبة إذا صح أن نسمي هذا تحسناً.

ففي عام 1914 كانت جميع الجيوش تمتلك البنادق التي تحشى من الخلف والرشاشات والمدافع، وقد أدت قوتها ودقتها إلى مجازر واسعة، وكان جندي المشاة البريطاني العادي الذي ذهب إلى فرنسا في عام 1914 يحمل بين يديه بندقية يمكنها أن تصيب هدفاً بحجم الإنسان من على بعد نصف ميل /0.8 كم، وكان يدعمه مثل خصومه وحلفائه رشاشات تطلق 600 طلقة في الدقيقة، ومدافع تطلق ثلاث أو أربع مرات في الدقيقة بمدى قد يصل على حوالي 10.000 ياردة/9000 م، ومدافع أثقل يمكنها أن تصيب أهدافاً على بعد ستة أو سبعة أميال/10-11 كم وبعض المدافع العملاقة ذات المدى الأبعد من هذا أيضاً.

وكانت المجازر التي جلبتها هذه الأسلحة مجازر مستمرة لاتهدأ ، فطوال أربع سنوات كان حوالي 5.000 رجل يقتلون كل يوم في مكان ما، وكانت خسائر فرنسا وألمانيا من بين القوى العظمى هي الأكبر بالقياس إلى عدد سكانها، بينما كانت خسائر الأمريكان هي الأدنى، الذين دخلوا الحرب في عام 1917.

لقد جرت في عام 1916 أمام قلعة فيردان الفرنسية معركة فظيعة استمرت خمسة أشهر خسر فيها الفرنسيون والألمان معاً أكثر من 600.000 إصابة من القتلى والجرحى والمفقودين، وفي اليوم الأول من معركة السوم التي جرت في العام نفسه خسر الجيش البريطاني 20.000 قتيل وحوالي 40.000 جريح، وكان في ذلك الحين مؤلفاً كله من متطوعين، وتجد في الصرح التذكاري الكبير الذي أقيم في ثيبغال للجنود البريطانيين الذين ماتوا خلال عام تقريباً في السوم أكثر من 70.000 اسم، وماهذه إلا أسماء الذين لم تكتشف جثثهم قط.

في جميع الحروب السابقة كان أكبر القتلة هو المرض، إذ كان الرجال يحشرون معاً بأعداد كبيرة في ظروف غير ملائمة وبتجهيزات صحية مؤقتة، وقد يكون الماء ملوثاً والطعام غير طازج، وكانت هذه كلها ظروفاً مثالية لانتشار الأوبئة من زحار/ديزنطاريا وكوليرا وجدري وتيفوس، فقد قتلت الأمراض من الجنود البريطانيين ثلاثة أمثال العدد الذي قتله البور في حرب جنوب أفريقيا التي جرت بين عامي 1899-1902.

أما في أيام الحرب الكبرى فقد كثرت المعلومات عن العلاج والوقاية، وكانت المجتمعات الصناعية قادرة على تموين جيوش هائلة في ساحة القتال بالطعام والألبسة المناسبة والمدد الطبية، وللمرة الأولى منذ توفر السجلات صار أكثر الضحايا العسكريين يسقطون بسبب عمليات الأعداء المباشرة.

وقد ازدادت معاناة المدنيين أيضاً مع توالي أيام الحرب، فكان الجوع والمرض تسبب موت الأطفال والمسنين أولاً لأنهم أضعف قدرة على تحملهما من الجنود الذين كانوا عادة رجالاً في ريعان العمر، وكان الحصار الذي يفرضه كل طرف يسعى أيضاً لحرمان المعامل من المعادن والمواد الكيميائية والوقود والآلات المستوردة.

وكانت الحاجات العسكرية هائلة، من جزمات وبذلات وأسلاك شائكة وخشب للبناء وأدوات للحفر، وقد بلغت الحاجة لهذه الأشياء كلها مستوى لم يكن أحد يتصوره قبل سنوات قليلة، أما الأسلحة والذخيرة فحدث ولاحرج، لقد كان يخصص لكتيبة المشاة البريطانية في عام 1914 رشاشان، وبعد سنوات قليلة صار لديها أكثر من خمسين رشاشاً، وأدى هذا بالطبع إلى ارتفاع هائل في استخدام الذخيرة، وأدت سرعة انطلاق القذائف إلى نفاذ كمياتها في السنة الأولى من الحرب.

وبعد ذلك حصلت عمليات القصف الهائلة، وإن عمليات القصف التي جرت قبل معركة السوم قد تمت من خلال ألف مدفع تقريباً على جبهة يبلغ طولها عشرة أميال/16كم تقريباً وقد سمع دويها في هامستد هيث التي تبعد عنها حوالي ثلاثمائة ميل/480 كم.

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  World-War-I

المناطق التي اجتاحتها الحرب العالمية الأولى

في عام 1918 كانت الحرب قد امتدت على نطاق العالم بأسره، وكانت القوتان المركزيتان أي الدولة النمساوية الهنغارية وألمانيا منذ البداية ضد قوى التحالف أي بريطانيا وفرنسا وروسيا، وخلال أشهر قليلة انضمت اليابان إلى قوى التحالف وانضمت تركيا إلى الجانب الآخر، ثم دخلت إيطاليا الحرب ضد الدولة النمساوية الهنغارية في عام 1915، وفي عام 1917 دخلت الولايات المتحدة الحرب إلى جانب الحلفاء، وعندما انتهت الحرب بعد عام ونصف عام لم يبق في أوروبا إلا إسبانيا وسويسرا وهولندا والدول الاسكندينافية في حالة الحياد، حتى الصين انضمت شكلياً إلى قضية الحلفاء.

لقد أدى جمود الوضع العسكري في أوروبا إلى توسع الحرب بسبب الأسلحة الحديثة ذات القوة الدفاعية العالية، فحتى بعد عمليات القصف المدمرة كان المدافعون يظلون مسلحين برشاشات قادرة على إيقاف هجمة عن بعد بضعة آلاف من الأمتار بل بضع مئات أحياناً، لقد تمسك الألمان ببلجيكا وبجزء كبير من شمال فرنسا، التي اكتسحوها خلال الأسابيع الأولى من الحرب، واستقرت حال الجبهة الغربية في نوع من حرب الحصار كان ملايين الرجال يعيشون خلالها في الخنادق وتحت الأرض. أما على الجبهة الشرقية فإن القتال الذي لايهدأ قد نال شيئاً فشيئاً من قوة الجيش الروسي وقوض الأساس السوقي (اللوجستي) الذي يعتمد عليه.

وفي سعيهم للخروج من هذا الطريق المسدود راح الناس يخترعون أسلحة جديدة، مثل الغاز السام والدبابة، كما راحوا يبحثون عن حلفاء ويسعون لزيادة أعدادهم، وجربوا الحصار أيضاً.

وعند نهاية عام 1916 كان الألمان قد فشلوا في كسب معارك الصيف التي جرت في فرنسا، وكانت روسيا واقفة على قدميها بعد، فاستنتجت القيادة العليا الألمانية أن ألمانيا سوف تخسر الحرب، وأن حصار البحرية البريطانية سوف يخنق البلاد مالم تتحرك بسرعة، فقررت حصار بريطانيا بدورها باستخدام الغواصات، وراحت تغرق من دون أي إنذار كل سفينة متجهة نحو مرفأ بريطاني، سواء كانت محايدة أو معادية، مسلحة أو غير مسلحة، حاملة لمواد حربية أو غير حاملة لها.

وقد سبب هذا التصرف أخيراً دخول الولايات المتحدة في الحرب فلم يعد على الحلفاء بعد ذلك إلا أن يكسبوا المعركة ضد الغواصات الألمانية، وصارت الكفة ترجح لصالحهم بمرور الوقت، مع وضع أمريكا لجيوشها الهائلة في ساحة المعركة.

وعندما انهارت روسيا بسبب الثورة في عام 1917 كانت تلك ضربة حظ أخيرة لألمانيا، التي استطاعت عندئذٍ أن تحول قواتها إلى الجبهة الغربية، وبواسطتها أطلق القادة الألمان في عام 1918 آخر هجماتهم الكبرى، إلا أنها منيت بالفشل. وعاد الحلفاء فردوا عليهم بهجمة مضادة، وفي أواخر الصيف كان الألمان وحلفاؤهم ينسحبون في كل مكان ماعدا روسيا وفي تشرين الأول/أكتوبر طلب ألمانيا وقف العمليات الحربية، فأعطيت هدنة قاسية جداً، وفي الساعة الحادية عشر من صباح يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1918 ران الصمت أخيراً على الجبهة الغربية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 50

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان    الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:51

عالم مابعد الحرب

عندما توقف القتال كان الكثيرون يظنون أن الأمور يمكن أن تعود إلى حالتها الطبيعية، ولكن هذا الأمر كان مستحيلاً، فقد زال عالم 1914 بلا رجعة أقله في أوروبا، وانهارت أربع إمبراطوريات في أوروبا الشرقية والشرق الأدنى.

كان الجيش الروسي رغم سوء تغذيته ومعداته وأسلحته قد حارب بشجاعة رائعة، بل إنه أحرز انتصاراً كبيراً على النمساويين في عام 1916، إلا أنه في عام 1917 كان قد استنفذ قواه، ولم تعد الصناعة الروسية وحدها قادرة على تلبية حاجات جنودها. وكان أكثر هذا الجيش في بولندا، التي كان واحدة من ساحات القتال الأساسية، وكانت الخطوط الحديدية الروسية قد انهارت في عام 1916، فكانت البلاد تدفع ثمن تأخرها في عملية التصنيع.

ولم يكن الحلفاء قادرين على تزويد روسيا بالعدد والمؤن إلا من خلال مرافئها الشمالية التي تبقى مياهها متجمدة طوال قسم كبير من السنة، أو من فلاديفوستوك التي تبعد ستة آلاف ميل/9600 كم عن الجبهة الأمامية.

وابتدأت في عام 1917 ثورة آذار/مارس بأحداث شغب في العاصمة سببها قلة الطعام، وكان الروس يسمونها ثورة شباط/فبراير، لأنهم كانوا يتبعون حينذاك تقويماً مختلفاً، ثم تمرد الجنود الذين كان يفترض بهم قمع ذلك الشغب، وظهرت حكومة مؤقتة أدت إلى تنحي القيصر عن العرش.

وقد رحب حلفاء روسيا بهذا التغير في البداية، لأن الحكومة الجديدة قالت أنها سوف تتابع محاربتها للقوات المركزية، وكانت حكومة ديمقراطية وبدا أنها حليف أفضل من النظام القيصري السابق. ولكن الشعب كان يريد السلام، وكان الكثيرون يريدون استغلال الثورة للإطاحة بالمظالم السابقة، فكان الفلاحون يطمعون بأراضي النبلاء، وكان القوميات المقموعة راغبة بالاستقلال، وكان بعض العمال راغبين في القضاء على الملكية الخاصة للمصانع.

كان نفوذ الأغلبية الماركسية المتطرفة في الحزب الاشتراكي الروسي أي البلاشفة، نفوذاً قوياً في المدن، فأزاحوا في تشرين الثاني/نوفمبر أي تشرين الأول/أكتوبر في التقويم القديم الحكومة المؤقتة من السلطة، ثم لزمهم عامان أو ثلاثة أعوام أخرى لكي يثبتوا أقدامهم في مواجهة الغزو الأجنبي والحرب الأهلية ومعارضة الجماعات الثورية الأخرى إلى أن نجحوا في النهاية، وهكذا أصبحت روسيا أول دولة في العالم ذات حكومة ماركسية ومكرسة رسمياً لدعم قضية العمال في العالم كما يراها البلاشفة.

أما الدولة النمساوية الهنغارية فكانت بحلول أيلول/سبتمبر 1918 قد بدأت بالتمزق بفعل الثورات، وبعد أسابيع قليلة أدت الثورة في ألمانيا بفيلهلم الثاني إلى التنحي عن السلطة، وكانت الثورات قد اندلعت قبل ذلك بوقت طويل في الإمبراطورية العثمانية في أراضيها العربية، وعندما انتهت الحرب لم يبق منها إلا تركيا نفسها، وسوف تنشأ في الأراضي العثمانية السابقة في الشرق الأدنى وشبه الجزيرة العربية سلسلة من الدول العربية الجديدة، فضلاً عن تركيا جديدة.

أما من الأراضي السابقة لألمانيا والدولة النمساوية الهنغارية وروسيا فقد ظهرت ثلاث دول جديدة في البلطيق هي لاتفيا وليتوانيا وإستونيا، ودولة جديدة اسمها تشيكوسلوفاكيا، وجمهورية نمساوية جديدة، وهنغاريا أصغر بكثير من السابق، كما بعثت بولندا وولدت دولة سلافية جنوبية جديدة سوف تسمى لاحقاً يوغوسلافيا تضم مملكتي صربيا ومونته نيغرو (الجبل الأسود) السابقتين، وقد استغرقت التفاصيل سنوات عديدة لكي تستقر، ولكن حقيقة تقسيم أوروبا الشرقية إلى وحدات جديدة كانت أمراً محسوماً منذ أن كانت رحى الحرب دائرة.

تسويات السلام

من بين معاهدات عام 1919 كانت أهمها هي المعاهدة التي عقدت مع ألمانيا، وكانت عملية التسوية كلها من صنع قادة القوى المنتصرة، أي بريطانيا وفرنسا وخصوصاً الولايات المتحدة. لقد نظر الأوروبيون إلى الرئيس الأمريكي دروولسون نظرة مثالية لأنه أعلن عن تأييده لمبادئ القومية والديمقراطية.

ولكن الفرنسيين كانوا يريدون قبل كل شيء ضمانة ضد انتعاش قوة ألمانيا وقيامها بغزو جديد في المستقبل، وكانوا البريطانيون حريصين على إعادة توازن واقعي للقوى في أوروبا. وكانت النتيجة سلسلة من الأعباء التي فرضت على ألمانيا عقاباً لها كما أنها اضطرت لإعادة الإلزاس واللورين وخسرت قسماً كبيراً من أراضيها في الشرق، ومجموعة من المحاولات المتفرقة وغير المنظمة لتسوية الحدود من أجل مراعاة مطالب الشعوب التي نشأت على أرض الواقع من الإمبراطوريتين الروسية والنمساوية الهنغارية.

إلا أن الولايات المتحدة لم تصدق في النهاية على معاهدة فرساي مع ألمانيا، كما أن روسيا لم تكن ممثلة في أي من مفاوضات السلام، وكانت هاتان الحقيقتان نذيري شؤم للمستقبل.

ليس من الغريب أن أوروبا الجديدة لم ترض الجميع، بل إن بعضهم كان ينفر نفوراً عميقاً، ومع ذلك بدا أنها سوت مسائل كثيرة كانت تؤرق الناس طوال القرن السابق، فقد صار بالإمكان التفكير على الأقل بإمكانية تحرر الشعوب المقموعة في أوروبا من الحكم الأجنبي، وكان هذا هو الهم الأكبر لقوميي القرن التاسع عشر.

من المؤسف أن إرضاء بعض القوميين يؤدي دوماً إلى إغضاب بعضهم الآخر، فقد تم إحياء بولندا، ولكن الكثيرين من مواطنيها لم يكونوا بولنديين، وربما وافق التشيك والسلوفاك على العيش معاً في جمهوريتهم الديمقراطية الجديدة، ولكن الألمان في الأراضي التشيكية كانوا يفضلون البقاء تحت حكم الهابسبرغ، وربما رضي السلاف الجنوبيون والرومانيون بالتخلص من حكم المجريين، ولكن هؤلاء شعروا بالمرارة جراء فقدانهم لأراضيهم، وسرعان مارح الكروات يتشكون من معاملة الصرب لهم في دولة يوغوسلافيا الجديدة.

عصبة الأمم

كان من دواعي التفاؤل المحاولة التي جرت من أجل تنظيم الحياة الدولية بصورة جديدة، وغير مسبوقة، فقد تأسيس عصبة الأمم مركزها في جنيف كخطوة أولى نحو تنظيم سلوك الدول المستقلة ذات السيادة، وتدين هذه العملية بالكثير للرئيس ودرو ولسون الذي دفع بحماسة حلفاءه إلى تبنيها، مع أنه فشل بعد ذلك بإقناع مواطنيه بالانضمام إليها، وبدأت العصبة تتدخل ببعض النجاح في نزاعات بين الدول ربما كانت ستؤدي لولاها إلى الصراع المسلح، كما أنها تبنت المشاكل الاقتصادية ومآسي اللاجئين، الذين كان الملايين منهم يشكلون متطلبات شديدة على أوروبا الوسطى والشرقية والشرق الأدنى بمواردها المحدودة والمثقلة أصلاً.

لقد كان تحطيم الإمبراطوريات وانتصار المطالب القومية المقموعة، منذ زمن طويل، وخلق عصبة الأمم هي أبرز ملامح النظام الدولي الجديد، ولم يلاحظ الناس في البداية أن مستقبل أوروبا قد حددته قوة خارجية للمرة الأولى منذ أن هددها الأتراك في القرن السادس عشر.

فقد انهار القادة العسكريون الألمان قبل عام مما توقع خصومهم لأنهم كانوا يعلمون أنهم سيخسرون الحرب متى ألقت أمريكا بثقلها الكامل في الميزان، وهكذا انقضت أيام السيطرة السياسية الأوروبية على شؤون العالم، وكانت أكثر الدول الموقعة على معاهدة فرساي دولاً غير أوروبية، وراحت الحركات القومية الجديدة تهدد مابقي من الإمبراطوريات الاستعمارية.

وكانت اليابان أيضاً قوة كبيرة منتصرة، وسوف يسمع الكثير عن مطالبها خلال السنوات القليلة القادمة ، وأخيراً فإن قوة أوروبا الاقتصادية قد أصيب إصابات فادحة وبليغة بسبب الحرب، وعلى هذه الخلفية القائمة سوف تواجه القارة خطراً جديداً وكبيراً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 50

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان    الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:51

الثورة المؤسساتية

منذ عام 1789 كان بعض الأوروبيين يأملون بحدوث الثورات الشعبية وبعضهم يخشون حدوثها، ويبدو أن تاريخ القرن التاسع عشر مؤيداً لكل من هذين الموقفين للوهلة الأولى على الأقل، إذ حصلت بين عامي 1821 و 1914 انتفاضات كثيرة، ودبرت اغتيالات كثيرة، وقامت إضرابات كثيرة وفجرت قنابل كثيرة، فكان ذلك العصر عصراً عنيفاً جداً.

وكثيراً ماكنت تجد القوى السياسية الجديدة، خاصة الاشتراكية الماركسية، تستخدم الشعارات الثورية وما يشبه الأساليب الثورية أيضاً، ولكن رغم كل هذا الهيجان لم تحصل ثورة شعبية ناجحة في أية دولة كبرى، وكانت الأنظمة تعالج انفجارات العنف والقلاقل الشعبية بثقة ومن دون صعوبة كبيرة.

لقد كانت بعض الدول قد سمحت بليبرالية متزايدة في الترتيبات السياسية، فكانت هذه صمامات أمان للتعبير عن الغضب كما أنها كانت وسائل لتلبية المظالم الاجتماعية، ورغم أن بعض حكام أوروبا كانوا يخشون الثورة في عام 1914، فإن استجابة شعوبهم لمتطلبات الحرب قد بينت لهم أنه لم يكن ثمة داع لذلك الخوف.

ولكن الأمور تغير بعد عام 1918 لأن الحرب خربت السلطة التقليدية والرفاه الاقتصادي تخريباً بشعاً وحطمت البنى السياسية للنظام القديم، وعلاوة على هذا كله ظهرت للمرة الأولى دولة عظمى ينادي حكامها بنية صادقة أو غير صادقة بالإطاحة بكل المجتمعات القائمة وإحلال نموذج مختلف محلها، هذه الدولة هي روسيا الجديدة، أي اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية (الاتحاد السوفييتي).

الاتحاد السوفييتي

إن أكثر رجلين عملا من أجل كسب السلطة للبلاشفة في روسيا هما فلاديمير إيليتش لينين وليون تروتسكي، قبل عام 1914 كان لينين قد علم حزبه أن يكون نخبة ثورية صغيرة عالية التنظيم والانضباط، وأن يطهر صفوفه بلا رحمة من كل من يحاول الاختلاف مع قرارات قيادة الحزب أو يرفض تفسيراتها لتعاليم كارل ماركس.

وكانت بداية الحرب قد سببت لجوءه إلى الخارج، ولكنه عاد بمساعدة الألمان الذين كانوا حريصين على القيام بأي شيء يمكن أن يسرع بانهيار روسيا في عام 1917 بعد ثورة شباط/فبراير، ولايدين انهيار الدولة القيصرية بشيء للبلاشفة، بل كان من عمل الجيش الألماني الذي حطم إرادة شعب روسيا بالقتال، وما إن عاد لينين إلى روسيا حتى راح يمهد الأرض لبناء دولة يقودها البلاشفة على أسس اشتراكية.

لقد قام لينين بحملة سياسية بارعة من أجل تقويض سلطة الحكومة الجديدة، وجاءت اللحظة المناسبة لإزاحتها من السلطة في تشرين أول / أكتوبر، فاحتل البلاشفة قصر الشتاء مقر الحكومة وغيره من النقاط الحساسة في العاصمة من دون سفك دماء تقريباً وبفضل تكتيك تروتسكي وتخطيطه، كان مجلس السوفييت تحت سيطرتهم، وهو مكون من مجالس العمال والجنود التي نشأت في الصيف والتي يسود فيها المتعاطفون معها، ومع هذا كان على البلاشفة أن يصارعوا صراعاً شديداً خلال الأشهر القليلة التالية، وقدم تروتسكي مساهمته الثانية الهامة في الثورة عن طريق تنظيم وقيادة الجيش الأحمر الجديد، الذي سحق الراغبين بإعادة النظام القديم وصد البولنديين، ولو أن الألمان قد أكرهوا الاتحاد السوفييتي على عقد صلح مهين في برست-ليتوفسك. لقد كان استخدام الرعب من أجل سحق المعارضين في الداخل أو إرهابهم تقليداً مألوفاً في روسيا بالطبع، ولم يتخلى حكامها الجدد عن أساليب الأوتوقراطية في ثورتهم.

لكن الأمر الأهم من هذا هو أن النظام الجديد قد أعطى الفقراء في المدن والفلاحين ماكانوا يريدونه، أي السلام والأرض. وقد قال أول قرار له أن على جميع الحكومات التجارية المتحاربة أن تناقش فوراً شروط السلام، ومن دون ضم أية أراضين ولم تستجب أي حكومة لهذا المطلب، ولكن هذا الأمر لم تكن له أهمية لأنه كان رسالة للروس مثلما هو رسالة للحكومات الأجنبية.

أما القرار الثاني الذي أصدره مجلس السوفييت في اليوم التالي للاستيلاء على قصر الشتاء فقد أعلن أن الأراضي كلها ملك للشعب، وخلال سنوات قليلة انتقلت ملكية 500 مليون أكر /200 مليون هكتار إلى الفلاحين الفقراء، وألغيت أملاك أصحاب الأراضي السابقين والكنيسة والعائلة المالكة، وهكذا صار لأكثرية هائلة من الروس حصة في النظام الجديد ومصلحة في الحفاظ عليه.

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Linien

فلاديمير إيليتش لينين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 50

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان    الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:52

البقاء

كانت الحياة في عهد الاتحاد السوفييتي حياة قاسية، كان الألمان قد انتزعوا شروط صلح وحشية، وكان الاقتتال خلال الحرب الأهلية شرساً، فارتكبت الفظائع ودمر المزيد من الموارد الاقتصادية الهزيلة للبلاد. وقد حاولت بعض أجزاء الإمبراطورية القيصرية السابقة أن تنفصل عن النظام الجديد، فنجحت بعضها مثل فنلندا ومقاطعات البلطيق، وفشلت بعضها الآخر مثل أوكرانيا، وأدت مصادرة الطعام من الفلاحين من أجل إطعام المدن إلى المزيد من المقاومة للنظام، وبالتالي إلى قمع أشد وحشية، وإن بعض الذين أيدوا البلاشفة في البداية قد انقلبوا ضدهم، ونشبت في عام 1921 في قاعدة كرونستات البحرية الكبيرة ثورة للملاحين طالبوا فيها الانتخابات الديمقراطية وحرية الكلام والصحافة وتحرير جميع السجناء السياسيين، ولكنها قمعت بلا رحمة.

وكانت تلك أياماً عصيبة، ففي عام 1921 كانت نصف الأراضي المنتجة للحبوب في روسيا لاتنتج شيئاً، وحصلت مجاعة رهيبة اكتسحت قسماً كبيراً من جنوب البلاد إذ حل بها الجفاف، فمات الملايين وصار الناجون يلجأون إلى أكل القش من سقوف البيوت وجلود عدة الفرس بل حتى لحوم البشر.

وقرر لينين ضرورة تقديم تنازلات، فمنح المنتجون حرية أكبر في أخذ بضائعهم للسوق وبيعها بالأسعار المتداولة فيها، ولم يعجب هذا الأمر الشيوعيين المتشددين ولكنه كان خطوة ناجحة. وراحت البلاد تستعيد عافيتها شيئاً فشيئاً، مع أن الإنتاج الصناعي والزراعي لم يرتفع إلى مستوى عام 1913 حتى عام 1928.

وحتى في ذلك الحين كانت روسيا الجديدة أقل قوة بكثير مما كانت عليه في أيام القياصرة في عام 1914، وظلت قاعدتها الاقتصادية والتقنية هزيلة جداً رغم قوتها العسكرية الكبيرة من ناحية العدد، ولكن تغيراً هائلاً كان قد بدأ، وعادت روسيا من جديد إلى طريق التحديث التي استهلته على عهد القياصرة.

لقد أعطت الثورة روسيا حكاماً كانوا متوحشين في نظر الغرب، ولكنهم كانوا واثقين ثقة عمياء بأن التاريخ إلى جانبهم وبأن القضية الاشتراكية التي يشكلون طليعتها كان من المحتم أن تنتصر في كافة أنحاء العالم. وقدمت هذه العقيدة على أنها التفسير الصحيح لتعاليم كارل ماركس، فكانت أسطورة قوية تبث الشجاعة في النفوس.

أما الروس غير الشيوعيين فكانوا يشعرون هم أيضاً أن ما يقومون به هو لمصلحة وطنهم ذي الإمكانيات الهائلة، لقد انتصرت الثورة في بلد تعاني من التخلف والفقر، ولم تكن هذه الحقيقة متفقة مع التنبؤات الماركسية، ولكنها قد تصبح أساس واحدة من أعظم القوى على سطح الأرض.

انحسار الثورة

كانت الثورة الروسية واستيلاء البلاشفة على السلطة حدثين هامين في تاريخ العالم، في عام 1919 تأسست في موسكو المنظمة الاشتراكية الدولية الثالثة، التي سرعان ما عرفت باسم كومينترن COMintern* ، وكان هدفها تنظيم الأحزاب الشيوعية دولياً، وكانت قد ظهرت في جميع الدول التي ألقي فيها اللوم على الأحزاب الاشتراكية السابقة لأنها أولاً فشلت في تجنب حرب 1914 ثم لم تشجع على الثورة بعد ذلك.

وكان محك الاشتراكية الحقة عند لينين هو الالتزام با COMintern، وهكذا سرعان ما انقسم الاشتراكيون الماركسيون في كل بلد إلى معسكرين، يضم أحدهما الأحزاب المسماة عادة أحزاباً شيوعية، وهي تتطلع إلى توجيهات موسكو، كما أنها صارت من الناحية العملية أدوات السياسة السوفييتية الدولية.

وكان أولئك الشيوعيون يشجبون شجباً شديداً ويحاربون الاشتراكيين الآخرين الذين بقوا في الأحزاب الاشتراكية السابقة، والذين كان الكثيرون منهم مخلصين مثلهم في قولهم أنهم ماركسيون، وهكذا حكم على اليسار الأوروبي أن يبقى منقسماً لعقود عديدة.

لقد سبب خطر الثورة الجديد هذا الرعب لدى البعض من غير الماركسيين، ولكنه سرعان ماخبا، فقد ظهرت حكومة بلشفية لفترة وجيزة في هنغاريا، كما قام الماركسيون بانقلابات قليلة في ألمانيا نجحت بعضها لفترات قصيرة. ولكن رغم سيطرة الاشتراكيين السياسية على حكومة الجمهورية الجديدة التي ظهرت هناك، فإنها كانت تتطلع إلى القوى المحافظة من أجل منع الثورة، خاصة إلى الجنود المحترفين في الجيش القديم.

والحقيقة أن السياسية الشيوعية جعلت توحيد المقاومة ضد النزعة المحافظة أمراً أشد صعوبة، لأنها أخافت المعتدلين وأبعدت الحلفاء اليساريين المحتملين. وكثيراً ما كان الخطر الاشتراكي في أوروبا الشرقية والوسطى خطراً قومياً في الوقت نفسه، ولم تنته الحرب هناك إلى أن عقدت معاهدة سلام في آذار/مارس 1921 بين روسيا والجمهورية البولندية الجديدة وضعت حدوداً سوف تستمر حتى عام 1939.

لقد كانت بولندا أكثر الدول عداء لروسيا بتقاليدها، وأكثر عداء للبلاشفة بديانتها، كما أنها كانت أكبر الأمم الجديدة وأكثرها طموحاً، ولكن تلك الدول جميعاً كانت تخشى عودة روسيا إلى قوتها السابقة، وقد ساهمت هذه الرابطة في دفع الكثير منها قبل عام 1939 نحو حكومات دكتاتورية أو عسكرية.





* أي المنظمة الشيوعية الدولية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 50

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان    الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:53

مصاعب الديمقراطية

لقد غيرت الحرب الكبرى عالم الليبراليين والديمقراطيين مثلما غيرت عالم المحافظين والثوريين، فهي من ناحية أولى قد بعثت آمالاً كبيرة بظهور الدساتير الديمقراطية في بلاد كثيرة لم تعرفها من قبل قط، ولكن كانت هناك من ناحية أخرى حقائق اجتماعية واقتصادية كثيرة تثير الخوف والقلق.

في عام 1918 كانت الظروف في الكثير من الدول الأوروبية الكبرى ظروفاً مروعة نتيجة الحصار، فقد تخربت أجزاء كبيرة من فرنسا بفعل الاقتتال الضاري التي لم تشهد البلاد من قبل مثيلاً له، فتحولت مدن بأسرها إلى ركام ومحيت قرى عن بكرة أبيها.

وكان الخراب المادة في أوروبا الشرقية أقل شدة، ولكنها كانت بالأصل أقل نمواً، وقد توقفت عمليات الزراعة فيها مرة تلو المرة، ولم يكون مزارعو الحبوب في أوروبا بقادرين على إطعام المدن الجائعة على كل حال ولو توفرت لديهم البذار واليد العاملة اللازمة، إذ لم تعد هناك بعد نهاية الحرب سكك حديدية.

كانت جميع الدول الأوروبية قد بددت مدخراتها وأموالها التي كان يجب أن تعود لتغذية الاستثمار، وانخفض إنتاجها خلال الحرب لأن اليد العاملة أخذت المزارع والمصانع لتخدم في الجيوش، وقد هبط الإنتاج الصناعي لأوروبا بين عامي 1913 و 1920 بمقدار الربع تقريباً، وكانت ألمانيا أكبر قوة صناعية في أوروبا قبل الحرب، ولكنها بعد معاهدة فرساي فرض عليها دفع تعويضات للحلفاء وقفت في طريق تعافيها.

أما روسيا التي صارت بلشفية فلم تكن بقادرة ولا راغبة في لعب الدور الهام الذي كانت تلعبه قبل الحرب في الاقتصاد الأوروبي كمستوردة للمواد المصنعة ورأس المال ومصدرة للحبوب. وزالت الوحدة الاقتصادية التي كانت ملكية هابسبرغ تؤمنها لجزء كبير من وادي الدانوب، وجاءت الحدود السياسية الجديدة فقطعت ماكان بين أراضيها من روابط اقتصادية في الماضي.

وقد بلغت بعض الدول الجديدة من العجز ماجعلها تخشى السماح لعربات قطاراتها بعبور الحدود خشية ألا تعود. وجاعت أوروبا الشرقية خلال الشتاء الأول بعد الحرب، وعاد الجنود فلم يجدوا عملاً، وكان الأطفال والمسنون يموتون من الأمراض وسوء التغذية. وفوق كل هذه المصائب بلغت واحدة من آخر الجائحات الكبرى ذروتها في عام 1919، عندما قتلت موجة من الإنفلونزا أعداداً من الناس أكبر مما قتلته الحرب الكبرى نفسها، بين خمسة وعشرة ملايين في أوروبا وحدها.

كان على الكثير من الدول الجديدة ومنها ألمانيا أن تجرب الديمقراطية للمرة الأولى ضمن هذه الظروف المريعة، وقد قامت اثنتان من الملكيات الدستورية القائمة، وهما بريطانيا وإيطاليا، بتوسيع جماهير الناخبين فيهما لتشمل جميع الذكور البالغين، كما أعطيت بعض النساء في بريطانيا حق التصويت في عام 1918 ثم شملهن جميعاً في عام 1929، وحاولت عصبة الأمم أن تساعد السياسات المتحضرة عن طريق تبني حقوق الأقليات، التي ضمنتها بعض معاهدات السلام مثل المعاهدة مع بولندا. كما أن عدداً من المسائل المعلقة منذ مفاوضات فرساي للسلام قد سويت بواسطة استفتاءات عامة مباشرة للسكان القاطنين في المناطق المعنية، وساهمت هذه الخطوات كلها في توسيع صورة الديمقراطية.

إلا أن للقصة جانباً آخر، فالبلاشفة قد أزاحوا الحكومة الديمقراطية في روسيا، وحلوا الجمعية التأسيسية الوحيدة المنتخبة انتخاباً حراً في تاريخ روسيا بعد استيلائهم على السلطة بزمن قصير، وفي أوروبا الشرقية والوسطى قام المحافظون ذوو العقلية البالية والكارهون للجمهورية والديمقراطيون والاشتراكيون معاً، والنادمون على زوال الإمبراطوريات القديمة، بوضع دكتاتوريين ورجال أقوياء في السلطة، وساعدهم في هذا المخاوف من الثورة البلشفية وتأثيراتها.

وكانت الديمقراطية أيضاً في خطر من الذين خسروا بسببها فالكثيرون لم تعجبهم تلك الاستفتاءات العامة التي أدت بهم إلى العيش تحت الحكم الأجنبي، كما أن بعض الدول المهزومة خاصة في ألمانيا كانوا يتذمرون من أن الحلفاء يتحدثون كثيراً عن الديمقراطية ولكنهم لايسمحون لأعدائهم السابقين بإدارة شؤونهم من دون تدخل، ويعيقون اقتصادهم بالتعويض التي يفرضونها عليهم.

الفاشية

استلمت السلطة في إيطاليا في العشرينيات حركة معادية للديمقراطية أعطت للسياسة تعبيراً جديداً هو الفاشية. وقد أيدها وشجعها الإيطاليون الساعون لكسب الدعم من خلال إرهاب خصومهم والدعاية لقوتهم ووحشيتهم وتبني الأساليب الدكتاتورية القاسية من أجل حل مشاكل إيطاليا.

فرغم أن إيطاليا كانت في الجانب المنتصر فقد شعر الكثيرون من أهلها بالمرارة لأنها لم تحصل على المزيد من المكاسب من خلال تسويات السلام، واستغل الفاشيون هذه المشاعر الوطنية، فاتهموا حكومة إيطاليا الديمقراطية وحلفاءها الديمقراطيين بخيانة البلاد.

لقد كانت خسائر إيطاليا فادحة بالقياس إلى عدد سكانها وثروتها، وكانت أضرار جسيمة قد لحقت باقتصادها، الذي لم يكن قط اقتصاداً قوياً، وبعد الحرب خرب التضخم أوضاع الناس في كافة مستويات المجتمع، وازدادت محنة الفقراء سوءاً على سوء، فارتفعت الأسعار ارتفاعاً مذهلاً ولم يعودوا قادرين على شراء الطعام، بينما راحت البطالة تتفشى في المدن. وتحول بعض الإيطاليين إلى الاشتراكية والشيوعية، ولكن الخوف من الثورة دفع بالكثيرين غيرهم إلى أحضان الفاشية.

في عام 1922 صار هناك العديد من الفاشيين بين أعضاء البرلمان، وكان الفاشيون قد استخدموا العنف في مدن إيطالية كثيرة لطرد السلطات المحلية الشيوعية، كما حطموا مكاتب النقابات المهنية والصحف الإشتراكية، ولم تكن الحكومة القائمة تستطيع أو تريد أن تحافظ على القانون والأمن، فصار أكثر الإيطاليين في أماكن عديدة مستعدين على مايبدو لترك الفاشيين يفعلون مايريدون.

كان زعيمهم بلا منازع هو الصحفي الاشتراكي السابق بنيتو موسوليني، كان موسوليني ذا أسلوب منمق طنان يحاول أن يرهب به الآخرين، وكان داهية في أمور الخطابة والعلاقات العامة، ومع هذا يصعب أن نفهم الآن سبب نجاحه الكبير.

فقد تمكن من خداع الملك وحمله على حل الحكومة القائمة والسماح له بتشكيل حكومة جديدة فيها أعضاء من الأحزاب الأخرى، وما إن استلم زمام الحكم حتى راح يستخدمها لإحداث تبديلات جذرية خطوة فخطوة، وهو لم يفرض الديكتاتورية إلا بصورة تدريجية، ولكنه أبطل في عام 1925 الدستور الليبرالي القديم العائد لعام 1861 فانتهت بذلك الحياة البرلمانية الديمقراطية. وسرعان ماراح يعتقل معارضي النظام، وقد قتل عدداً قليلاً منهم، ولم يكن نظام موسوليني بوحشية النظام البلشفي الذي كان معجباً به، ولكنه كان سيئاً جداً على كل حال، ورغم ادعاءاته بأنه يحل مشاكل إيطاليا بأعماله الديناميكية والقوية فهو في الحقيقة لم يحل شيئاً منها.

انحراف نحو الديكتاتورية

لم تكن روسيا السوفييتية وإيطاليا الفاشية الدولتين الوحيدتين اللتين أدارتا ظهريهما للديمقراطية بحلول عام 1930، بل كانت كل من ليتوانيا ويوغوسلافيا قد أصبحتا دكتاتوريتان أيضاً، وكانت تشيكوسلوفاكيا هي الدولة الوحيدة بين الدول الجديدة التي ظهرت في عام 1918 التي احتفظت بدستورها الديمقراطي بعد عشرين عاماً. بينما صارت كل من بلغاريا ورومانيا واليونان من بين الدول التي كانت دستورية قبل عام 1914 بأيدي قادة عسكريين أو ملوك ديكتاتوريين بحلول عام 1938.

أما على الطرف الآخر من أوروبا فكان يحكم البرتغال أيضاً نظام ديكتاتوري بينما كانت جمهورية إسبانيا الديمقراطية تختنق على يد قائدها فرانشيسكو فرنكو. وليس من تفسير بسيط لهذا الوباء الذي حل بالديمقراطية في كل مكان، فقد ساهمت كل من الصعوبات الاقتصادية والخوف من الشيوعية والقومية العنيفة في تقويضها، عدا عن الأقليات والمظالم المتعلقة بالحدود منذ عام 1919، ولم تبق الديمقراطية حية إلى في عدد قليل من الدول الغربية والاسكندنافية حيث كان الناس يألفون التقاليد اللازمة لعملها. أما في بعض الدول التي كان فيها تنافس قديم بين السلطتين الدينية والعلمانية فقد كان الكاثوليك يعتبرون الديمقراطية والليبرالية عدوتين للكنيسة، فليس من الغريب إذاً أن تكون الديمقراطية في أوروبا قد خيبت الآمال العظيمة التي انتعشت أيما انتعاش في أيام الرئيس الأمريكي ولسن وأحلامه المتفائلة.

ألمانيا فايمار

ومع هذا ظل بعض الليبراليين متفائلين بعد عشر سنوات من نهاية الحرب وساعد في هذا عودة الازدهار، خاصة في ألمانيا. كانت جمهورية فايمار التي سميت على اسم المدينة التي وضع فيها دستورها، قد ابتدأت بعقبات كبيرة، وكان الكثيرون من الوطنيين الألمان يعتبرون الجمهورية نفسها إهانة منذ البداية لأنها إنما نشأت من هزيمة البلاد، كما أنها وقعت شروط الصلح وسوف يوجه اللوم إليها في ذلك دوماً، وولدت من رحم الثورة، ثم أنها واجهت صعوبات عملية جمة.

وبدأ السياسيون الاشتراكيون في الحكومة الجديدة يعطون بلادهم دستوراً ديمقراطياً وليبرالياً، ولكن الاشتراكيين الراديكاليين تخلوا عنهم فوراً بدلاً من التحالف معهم، وكانوا يطالبون بجمهورية ثورية مبنية على مجالس العمال والجنود مثل السوفييت، وبقي الأمر معلقاً بضعة أشهر إلى أخمد الجيش أولئك الراديكاليين.

في ذلك الحين كان قد ظهر الحزب الشيوعي الألماني KPD المتطلع إلى قيادة موسكو كمنافس للحزب الديمقراطي الاجتماعي القديم SPD. فصار على جمهورية فايمار أن تحارب الملكيين ذوي العقلية البالية من اليمين والشيوعيين من اليسار، بينما راح الحلفاء يزيدون الطين بلة بشروط السلام القاسية التي فرضوها عليها.

لقد ظلت جمهورية فايمار مكروهة كرهاً عميقاً رغم أنها أنهت الحصار في عام 1919، وسرعان ما راح الناس يتهمون معاهدات فرساي بتسبب التضخم الفظيع الذي عانت منه البلاد، إذ خسر المال قيمته بمعدل مذهل، وارتفعت الأسعار حوالي 1.000.000.000 مرة بين عامي 1918-1923 ، وساهم هذا في انقلاب الطبقات الميسورة ذات المدخرات المالية ضد الجمهورية، كما أنها كانت تعتقد أن الجمهورية خاضعة لسيطرة الماركسيين.

ثم حدثت نقطة تحول هامة في عام 1924 عندما حصلت ألمانيا على قرض دولي كبير مهد الطريق لاستقرار عملتها، فتعافى الاقتصاد بصورة باهرة خلال السنوات القلية التالية، وصار رجال الدولة والاقتصاديون الأجانب يرون أن ألمانيا لايمكن لها إلا أن تلعب دوراً أساسياً في حياة أوروبا، بالنظر إلى عدد سكانها الكبير ومخزونها الهائل من الخبرة والعبقرية والتنظيم والموارد الطبيعية والصناعية والمستوى العالي للثقافة فيها.

ونتج عن هذا سؤال ظل بحاجة إلى جواب هو:إذا كانت ألمانيا تتمتع بكل نقاط القوة هذه، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي في قلب أوروبا وتقاليدها العسكرية الفذة وشعورها الوطني القوي، فلن تلعب إذا دوراً سياسياً مهيمناً كقوة عظمى في أوروبا؟ وكانت هذه المشكلة الألمانية التي سيطرة على الدبلوماسية الأوروبية بين عامي 1918-1939.

لقد جعل هذا الازدهار الجمهور تبدو بأمان، وانحسرت أخطار الثورة والعنف، أو بدت أنها انحسرت، وازدهرت ألمانيا على عهد جمهورية فايمار، فكانت مجتمعاً ديمقراطياً حراً يحظى بإعجاب كبير في الخارج بسبب حياته الفنية والعلمية والأدبية النشيطة. وكان دستورها يضمن للناس حقوقهم الأساسية ومحكمتها العليا تعززها، وقد أعطت الانتخابات فيها الدعم والتأييد لحكومات ائتلافية حريصة على المحافظة على الدستور.

إلا أن الكثير من الألمان ظلوا معادين لها، فكان الحزب الشيوعي يهاجم الحزب الديمقراطي الاجتماعي المؤيد لها هجوماً مريراً، وكان الوطنيون والمحافظون ينظرون بحنين وأسى إلى أيام بسمارك العظيمة عندما كانت ألمانيا تسيطر على أوروبا، أو تبدو أنها تسيطر عليها، كما أنهم صاروا يجتذبون تياراً قومياً جماهيرياً جديداً يريد أن يدفن الخلافات الداخلية ضمن معتقد قبلي يؤمن بالروح القومية الخاصة بالشعب الألماني.

صحيح أن معاهدة فرساي كانت تتلاشى في العشرينيات، مثل موضوع التعويضات التي كانت قد خففت، وأن معاهدة جديدة في لوكارنو بين الدول الأوروبية الكبرى في عام 1925 انضمت إليها ألمانيا طوعاً قد وضعت حداً للصراعات في الغرب على مايبدو إلا أن الأراضي التي خسرتها ألمانيا في الشرق ومصير الألمان في الدول الجديدة بأوروبا الوسطى ظلت مواضيع تهيج مشاعر الغضب القومية.

أدولف هتلر

سوف يستغل هذه الأفكار واحد من الرجال القلائل الذين صاغوا بلا ريب مسيرة التاريخ الحديث وبصورة بشعة، ألا وهو أدولف هتلر، كان هتلر نمساوياً، وكانت حياته في البداية تعيسة، إلى أن وجد المتنفس والرضا في الحرب الكبرى، وكان جندياً كفؤ وقد قلد وسامين، وكانت الهزيمة تجربة مرة له، جعلته يكرس بقية حياته من أجل تغيير المصير الذي كتب لألمانيا في عام 1918، فصار في عشرينيات القرن مهيجاً قومياً يشجب معاهدة فرساي، وقد شارك في محاولة للإطاحة بالحكومة المحلية في بافاريا في عام 1923، كخطوة أولى للزحف إلى برلين، ولكن المحاولة فشلت واعتقل لفترة من الزمن.

إلا أنه استمر بالخطابة والكتابة، فكتب عندما كان في السجن كراسة سياسية غير مترابطة عنوانها كفاحي، وهو مزيج غريب من المفاهيم الداروينية عن الاصطفاء الطبيعي عن طريق الصراع، وعن العداء للسامية وعن الإعجاب بإمبراطورية ألمانيا في العصور الوسطى، لم يكن لها وجود، وأشياء أخرى من هذا القبيل. وسرعان ماصار لهتلر جماعة صغيرة من الأتباع هي حزب العمال القومي الاشتراكي، الذي كان أعضاؤه يسمون اختصاراً النازيين.

لقد ساعد الازدهار الذي عرفته ألمانيا في أواخر العشرينيات في كبح زمام النازيين وغيرهم من الجماعات المتطرفة، فلم يكن أمامهم إلا أن يبشروا بأفكارهم الغامضة والعنيفة، ويتشاجروا مع خصومهم ويشجبوا معاهدة فرساي ويؤمنوا بتوجيه الألمان جميعاً في دولة قومية واحدة تضم إليها أراضي الأمة في الشرق.

وكانوا ينادون بحملة واسعة ضد أعداء ألمانيا، خاصة منهم الماركسيين واليهود، وكانت لبعض أفكارهم هذه جذور عميقة في الثقافة الألمانية، وقد تبين أنها ذات جاذبية كبيرة، ولكن النازيين كان لهم أيضاً مظهر حديث، فكانوا يتحدثون عن الثورة الاجتماعية وينبذون الديمقراطية الليبرالية بصورة جازمة وكاملة. ولم يأخذهم الناس على محمل الجد، ولم تكن شوكتهم قد قويت بعد في نهاية العشرينيات بل ظل الناس متفائلين بمستقبل الديمقراطية في ألمانيا.

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Hitler_portrait
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 50

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان    الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:53

الاقتصاد بين عامي 1919-1939

لقد تلقت الصناعة في اليابان والهند دفعة هائلة أثناء الحرب، وازدهرت الدول الزراعية وراء المحيطات ومثلها الدول المصدرة للمواد الأولية اللازمة للصناعة، من قصدير ومطاط وخشب وخام حديد وبوكسيت ونترات، وكانت الولايات المتحدة أكثر الدول استفادة، فقد كانت بالأصل أكبر اقتصاد صناعي في عام 1914، وأصبحت الآن مصدرة كبرى للبضائع المصنعة.

وكانت بريطانيا تسيطر على البحار، فلم تستطع القوى المركزية أن تستورد كميات كبيرة من المواد بسبب الحصار البحري الذي فرضته عليها، لهذا كان الحلفاء هم المستوردين الأساسيين للبضائع الصناعية والزراعية الأمريكية أثناء الحرب الكبرى، فكانت أموالهم تغذي الفورة الاقتصادية التي عرفتها أمريكا في أثنائها.

وتغيرت أيضاً بنية التجارة العالمية برمتها، فقبل عام 1914 كانت بريطانيا وألمانيا وفرنسا دولاً مصدرة لرأس المال، بينما كانت الولايات المتحدة مستوردة له. وعندما جاءت الحرب عكست الآية، إذ كان الحلفاء يدفعوا ثمن مايشترونه، وكان هذا ممكناً نظرياُ عن طريق تصدير بضائعهم، ولكن الحقيقة أن الأمريكان لم يكونوا بحاجة لها، كما أن الصناعة البريطانية كانت مشغولة بطلبات حكومتها.

لهذا كان على الحلفاء تسديد فواتيرهم بالدولارات أو بعملة أخرى مقبولة ويعني هذا الذهب بالمحصلة، لأنه كان العملة الدولية في ذلك الحين، فلكي يتمكنوا من جمع تلك الدولارات باعوا أولاً استثماراتهم في الولايات المتحدة للأمريكيين، ثم راحوا يقترضون الأموال منهم. وهكذا لم تعد الولايات المتحدة دولة مدينة تدفع الفوائد على رؤوس الأموال التي تقترضها من الخارج، بل صارت دولة دائنة تصدر رؤوس أموالها إلى الخارج. وقد أعطاها هذا الأمر بعد الحرب وزناً جديداً في الاقتصاد العالمي.

لقد تعرض الاقتصاد العالمي بين عامي 1919-1939 إلى تقلبات واسعة، ويمكننا أن نقول بصورة عامة جداً أن أوروبا ظلت حتى عام 1924 مشغولة بإصلاح الأضرار التي سببتها الحرب، ثم جاءت حوالي خمس سنوات من الازدهار والتفاؤل بدت فيها الأمور على مايرام، إلى أن ابتدأت في عام 1929 مرحلة من الانهيار انتشرت في كافة أنحاء العالم وبلغت أشدها في أوائل الثلاثينيات، ولم تصطلح الأمور إلى عند نهاية العقد.

من نتائج هذا الركود أن الحكومات في جميع الدول الصناعية صارت بحلول عام 1939 تزداد تدخلاً في الاقتصاد، وزالت سياسة عدم التدخل القديمة التي كانت سائدة قبل عام 1914، ولم يكن هذا التغير مخططاً له، وقد حصل بصورة تدريجية ومتباينة جداً من دولة لأخرى، لهذا يسهل أن يغيب عن النظر رغم أهميته الكبيرة.

ولكن أكثر الناس بالطبع لم يكونوا يلاحظون إلا المكاسب والأضرار التي تحصل في حياتهم الشخصية، مثل تبدل قيمة مدخراتهم بتقلب أسعار العملات، أو الانحدار من حياة الأمان إلى مهاوي اليأس بين ليلة وضحاها بسبب فقدانهم لوظائفهم.

كانت الأضرار المادية للحرب قد أصلحت بحلول عام 1925، وعادت المحاصيل إلى مستوياتها الطبيعية، وتجاوز الإنتاج الكلي للغذاء والمواد الأولية مستويات ماقبل الحرب، كما استقرت العملات بعد هجمات من التضخم الشديد. وعاد الرفاه الاقتصادي يلوح أخيراً في أكثر الدول، مع أن إنتاج بريطانيا وألمانيا وروسيا ظل دون مستويات عام 1913.

واستمرت الأمور على مايرام خلال السنوات الأربع التالية وكان عام 1929 أفضل عام في التجارة الأوروبية حتى عام 1954، فقد ارتفع الإنتاج العالمي للبضائع المصنعة بأكثر من الربع، والتجارة العالمية بحوالي الخمس، وعادت العملات الأساسية على الاستقرار، فصار بالإمكان مبادلتها بالذهب بأسعار ثابتة. وحتى الدول المتلكئة لحقت بالركب، فعاد الإنتاج الصناعي لبريطاني إلى مستوى عام 1913 في عام 1929، بينما كان إنتاج ألمانيا قد سبقه بمسافة بعيدة.

أما الأسباب الأساسية لهذا التطور فهو تبدل المناخ السياسي في أوروبا بفضل معاملة ألمانيا معاملة الند من جديد، وإصلاح الأضرار التي أحدثتها الحرب، وخصوصاً بفضل الازدهار الطويل في الولايات المتحدة، التي تشكل أكبر اقتصاد وطني في العالم.

كانت أمريكا قد سددت ديونها الخارجية، وكانت فيها سوق داخلية كبيرة لبضائعها، كما أنها ساهمت في إعادة تجهيز دول أخرى، وقد حصل فيها ركود اقتصادي بسبب هبوط الطلب بعد الحرب مباشرة، خاصة في مجال الزراعة، ولكن سرعان مابدأت أول سوق عالمية واسعة للبضائع المصنعة بالجملة تستجمع زخمها.

فتراكمت الثروة وصار لدى الأمريكان مدخرات استثمروا قدراً كبيراً منها في أوروبا، خاصة في ألمانيا. وعزز هذا الاستثمار التعافي الاقتصادي الذي حدث في منتصف العشرينيات. لقد اقترض الأوروبيون بين عامي 1925-1929 حوالي 2.900 مليون دولار من الأمريكان، وهذا فوق الديون المتبقية من أيام الحرب. وكان لهذه الديون الفضل في ازدهار أوروبا، الذي امتد إلى بقية أنحاء العالم مع ازدياد شهيتها لمنتجات أفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا والجزر الواقعة إلى الجنوب منها.

الركود الأمريكي والكساد العالمي

في عام 1928 بدأ الازدهار الأمريكي بالاقتراب من نهايته، وراح الأمريكيون الذين أقرضوا أموالهم للدول الأوروبية يسحبون قروضهم، فسبب هذا الأمر المصاعب المقترضين، الذين صار عليهم في أفضل الحالات أن يقتصدوا في مصاريفهم ويخففوا من استهلاكهم من أجل تسديد ديونهم، وإن بعضهم لم يكن قادراً على تسديدها فوراً.

أما في الولايات المتحدة فبدأت الأعمال تنهار وانحسرت الثقة لأن المزيد والمزيد من الناس صاروا يريدون الحصول على أموالهم نقداً بين أيديهم. وكان من المظاهر الكارثية لذلك انهيار سوق الأسهم في نيويورك في تشرين الأول (أكتوبر) 1929، الذي يعرف بانهيار وول ستريت. وقد حطم هذا الانهيار مابقي من الثقة في أمريكا، وفي عام 1930 كانت الأموال الأمريكية المستثمرة في الخارج قد نضبت، وصار الأمريكان مضطرين لتقليص مستورداتهم، فبات الكساد العالمي عن الطريق.

إذا اعتبرنا مستويات الإنتاج الصناعي لعام 1929 هي 100، فإن الإنتاج في الولايات المتحدة قد هبط بحلول عام 1932 إلى 52.7، وفي ألمانيا إلى 53.3، وفي المملكة المتحدة إلى 83.5. وإن هذه الأرقام هي باختصار تعبير عن كارثة مروعة.

عندما قلصت الدول المصنعة إنتاجها خسر العمال وظائفهم، وهبط الطلب على الواردات، فلم يعد المشترون في الخارج بدورهم قادرين على شراء الصادرات المصنعة، ومع هبوط التجارة العالمية انخفضت أعمال شركات الشحن والتأمين والمصارف، ولم يعد المال متوفراً لإقراض الراغبين بابتداء أعمال جديدة أو تحسين أعمالهم الموجودة، وهكذا تعاقبت التأثيرات السلبية الواحدة تلو الأخرى بلا نهاية.

لقد هبط الدخل القومي لأغنى دولة في العالم أي الولايات المتحدة بمقدار 38 بالمئة خلال هذه السنوات أي أنه لو وزع العبء الناجم عن ذلك على جميع سكانها بالتساوي لانخفض مدخول كل إنسان في عام 1932 إلى أقل من ثلثي قيمته قبل ثلاث سنوات.

وقد حاولت الدول المدينة أن تخفض مستورداتها من أجل أن توفر العملة الصعبة وتحمي أسواقها الداخلية، فانخفضت الأسعار نتيجة لذلك بسرعة أكبر، وألحقت أضراراً فادحة بمنتجي المواد الأولية في القارات الأخرى. وفوق كل هذا وقعت أزمة مالية كبيرة في أوروبا عندما انهار مصرف نمساوي في عام 1931 فأدى بذلك إلى قاعدة الذهب، وكانت المصانع في ذلك الحين تغلق أبوابها في كل مكان.

كانت الدول الصناعية أكثر الدول تضرراً وقد تجاوز عدد العاطلين عن العمل 40.000.000 في أسوأ مراحل الأزمة، ولكن الكارثة لم تكن موزعة عليها بالتساوي، فروسيا التي كانت بلداً فقيراً كانت محمية بالنظر إلى نظامها السياسي والاقتصادي، إذ لم تكن قط معتمدة على التجارة العالمية.

وفي أوروبا كانت السويد أقل الدول تضرراً، وكانت معاناة بريطانيا أقل من دول كثيرة غيرها، وقد جاءت معاناة فرنسا في وقت لاحق، بينما كانت الحصة الأثقل من نصيب ألمانيا. إلا أن أشد الدول الصناعية تضرراً كانت على الأرجح هي الولايات المتحدة واليابان. أما العالم غير الصناعي فقد عانى أكثر من هذا أيضاً، وأصيب المزارعون في أوروبا الشرقية بخسائر جسيمة بسبب انهيار أسعار المواد الزراعية، إذ راح المنتجون يضاربون بعضهم بعضاً بأسعار ما برحت تتهاوى، وأما الفلاح في أمريكا الجنوبية وأفريقيا فقد أصابته الكارثة بأدهى أشكالها قاطبة، لأنه كان مرتبطاً عادة بمنتج واحد، مثل الحنطة أو السكر أو الكاكاو.

وظلت الأسعار العالمية للمنتوجات الزراعية منخفضة طوال الثلاثينيات، بحيث صارت الحياة في النصف الثاني من العقد مريحة إذا كان لديك عمل وكنت تعيش في دولة صناعية، لأن كلفة المعيشة كانت منخفضة وأقل مما كانت عليه بالقيم الحقيقية في عام 1929.

وظلت التجارة الدولية في عام 1939 أقل من نصف مستواها في عام 1929، ومن أسباب بطء التعافي من الركود أن الدول راحت تحاول حماية أنفسها وراء الضرائب العالية التي فرضتها على الوردات من أجل صد المنافسة الأجنبية، وكان من الطبيعي أن تلجأ إلى هذا الحل على المدى القصير، ولكنه أعاق الدول المصنعة المعتمدة على الصادرات.

وقد ازداد تدخل الحكومات بصورة كبيرة جداً بسبب تعالي مطالب الناس بأن تفعل شيئاً حيال هذا الركود، وكانت بعض أشكال هذا التدخل الحكومي مفيدة، فقد شجع في الولايات المتحدة وبريطانية مثلاً أنواعاً معينة من الاستثمار، خاصة في مجال الأشغال العامة. كما أن تلك الأيام العصيبة قد زادت مطالبة الحكومات بتأمين الإعانات لمواطنيها، وهكذا فإن الدول التي كانت قد قطعت شوطاً بعيداً نحو دولة الرفاهة مثل الدول الاسكندنافية وبريطانيا سارت الآن شوطاً أبعد.

وكان العامل البريطاني العاطل عن العمل يحصل في الثلاثينيات دخلاً حقيقياً من حصته من الإعانات أعلى من دخل العامل الذي كان يكسب معيشته من عمله عند بداية هذا القرن، ولكن هذه الحقيقة لاتؤثر كثيراً في الصورة العامة، لأن استياء الناس من هذا النظام الاقتصادي القادر على الإتيان بمثل هذه الاضطرابات الشديدة في حياتهم قد سبب مطالب سياسية جديدة وعنيفة في كل مكان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 50

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان    الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:54

الاضطراب في آسيا

وكان العالم قد تغير خارج القارة الأوروبية أيضاً، فرغم أن الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة قد استمرت ماعدا إمبراطورية ألمانيا، فإن سلطة أوروبا وراء البحار كانت في انحسار، ويصح هذا الوصف بالأخص على آسيا.

وكان عام 1911 م معلماً هاماً في تاريخ هذه القارة، إذ تأسست فيها جمهورية صينية كانت خاتمة ألفي عام من الإمبراطورية فيها، كما كانت اليابان قد تحدثت وصارت قوة عظمى. ثم جاءت الحرب الكبرى، وانضمت كل من اليابان وجمهورية الصين الجديدة إلى الحلفاء، ولو أن اليابانيين قد تصرفوا بحذر فتجنبوا إرسال جيش إلى فرنسا طلبه منهم الحلفاء، ولم يرسل الصينيون إلا قوة عاملة.

إلا أن البضائع المصنعة لهذين البلدين كانت هامة، وقد ازدهرت الصناعة في اليابان وفي الضواحي الصناعية الجديدة حول المدن الساحلية الكبيرة في الصين، والهند أيضاً كانت ذات أهمية اقتصادية كبيرة جداً في الحرب، وقد حشد زعماؤها قوتها بولاء خلف المجهود الحربي للإمبراطورية ومنهم عدد كبير من الزعماء الوطنيين الذين كانت بريطانيا قد بدأت بتقديم التنازلات لهم قبل عام 1914 وقد تمكن جيش الهند من حشد ملايين الرجال من دون الحاجة للتجنيد الإلزامي.

لقد حركت الحروب الأمور من نواح أخرى أيضاً، فقد تعلم بعض الآسيويين أفكاراً جديدة من خلال أسفارهم أثناء الحرب، إذ خدم حوالي مئة ألف رجل من الهند الصينية في الجيش الفرنسي بفرنسا، ولابد أن يكونوا قد رأوا وجهاً للإمبراطورية الفرنسية مختلفاً جداً عن وجهها في سايغون أو هانوي.

وكان الوطنيون في الهند والصين واليابان يتمنون أن يأتي السلام بالمزيد من التقدم ولو من أنواع مختلفة، والحقيقة أن هذه الدول الثلاث كانت بالفعل ممثلة بصورة منفصلة في مؤتمر السلام. ولكن قبل أن ينعقد هذا المؤتمر بزمن طويل كانت الثورة البلشفية قد غيرت بصورة مباشرة مصير الملايين من الآسيويين وجزء كبير من القارة، ولا ننس أن القسم الآسيوي من روسيا أكبر من الهند بحوالي أربع مرات ويساوي حجم الصين مرتين تقريباً، كما أن الثورة سوف يكون لها تأثير أكبر في آسيا بطريقة غير مباشرة، لأن الروس راحوا على الفور يبنون لأنفسهم فيها نفوذاً سياسياً عن طريق الدعاوى، وظهرت الأحزاب الشيوعية الآسيوية في الأراضي المستعمرة من قبل القوى الأخرى، وفي الدول المستقلة أيضاً. وتعمق شك القوى الاستعمارية بروسيا، خاصة في بريطانيا، التي لم تطمئن يوماً إلى الهند ولا إلى العالم العربي.

الثورة في الصين

سوف تجد الشيوعية أرضاً خصبة تستغلها في الصين. فبعد أن ابتدأت الجمهورية الجديدة بدايتها العنيفة أدت الحرب الأهلية إلى الانقسام والفوضى، ولم يتم شيء لتلبية الحاجات الاجتماعية والاقتصادية الملحة لجماهير الفلاحين المتزايدة في البلاد، فظلت أعداد الذين لا أرض لهم والمدينين ترتفع باطراد، وازداد معها الفقر والجوع والبؤس.

وقد استغل اليابانيون ضعف الصين ليطالبوا الجمهورية الجديدة بالأراضي وغيرها من المطالب، ولكن في عام 1919 حدثت أول حركة جماهيرية واسعة لتأييد استقلال الصين عن التدخل الخارجي وسميت حركة الرابع من أيار/مايو على اسم اليوم الذي ابتدأت فيه، وقد أدت إلى مقاطعة البضائع اليابانية، وإلى شجب واستنكار عنيفين للطريقة التي عوملت بها الصين في معاهدات السلام، التي منحت أراضي ألمانية سابقة في إقليم شان تونغ لليابان.

كان قادة الصين منقسمين، فكان بعضهم يتطلع إلى الماركسية وإلى موسكو للإلهام والمساعدة، وقد تأسس حزب شيوعي صيني في عام 1921، إلا أن مهاجمة الرأسمالية أثارت المصاعب، لأن الكثيرين من الرأسماليين وأصحاب الأراضي في الصين كانوا يؤيدون حزب كوميتانغ الوطن الساعي نحو الإصلاح والتحديث.

أثناء حياة الرئيس الأول للجمهورية سون ياتسن كان الحزبان الشيوعي والكوميتانغ يتعاونون كل منهما مع الآخر، وقد تمكنا من كسب المزيد من التنازلات من الأجانب، خاصة من البريطانيين، وكان الروس يراقبون هذه التطورات باستحسان.

ولكن بعد موته في عام 1925 قرر حزب الكوميتانغ أن يقضي على خطر خصومه، وقد تم القضاء على الشيوعيين في المدن بعد مجازر كبيرة، إلا أنهم ظلوا متحصنين في الريف حيث كانوا يحظون بدعم الفلاحين، ونظموا في عام 1930 في مقاطعة كيانغ سي الجنوبية جيشاً وقالوا أنهم يحكمون خمسين مليون إنسان. فقرر حزب الكوميتانغ تدمير معقلهم هذا، وأكرهت هجماته في عام 1934 الجيش الشيوعي على أن يبدأ في تشرين الأول/أكتوبر مسيراً طويلاً، من أجل الحفاظ على نفسه.

فانطلق حوالي 100.000 جندي بينهم كثيرون مع عائلاتهم من إقليم كيانغ سي عبر الأرياف الجبلية، وانضمت إليهم وحدات شيوعية أخرى متفرقة، فوصلوا في عام 1936 إلى إقليم شن سي في الشمال، وهي منطقة يتعذر حصارها، وكان فلاحوها خاضعين لقمع وحشي وأكثر استعداداً حتى من الجنوب لدعم الشيوعيين، لذلك لم يكسب حزب الكوميتانغ الحرب الأهلية، مع أنه طرد الشيوعيين من الجنوب، لأن جيشهم قد نجا ولو تقلص حجمه تقلصاً رهيباً بنهاية المسير الطويل، ومن هنا أتت الملحمة الشهيرة للثورة الصينية.

لقد شعر اليابانيون أيضاً بالظلم من نتائج السلام، فرغم أنهم كسبوا من خلاله أراضي كثيرة فهم لن يحصلوا على إعلان مؤيد للمساواة العرقية في ميثاق عصبة الأمم كما كانوا يأملون، وشعروا بأنهم عوملوا معاملة دونية.

وكانت انتصارات اليابان على روسيا في حرب 1904-1905 وقوتها أيضاً مصادر وحي وإلهام لقادتها، وكانت تمتلك ثالث أكبر سلاح بحرية في العالم في عام 1918 وكانت في عام 1929 قد أحرزت خلال عشرين سنة ارتفاعاً في إنتاج الفولاذ بمقدار عشرة أمثال، وفي إنتاج الأقمشة بمقدار ثلاثة أمثال، وفي إنتاج الفحم بمقدار مثلين. ولكنها كانت بحاجة ماسة للأسواق الخارجية من أجل إطعام سكانها الذي ارتفع عددهم من خمسة وأربعين إلى ستين مليون منذ عام 1900، وكانت هذه الأسواق في آسيا بشكل أساسي وقد انهارت أثناء الكساد العالمي.

ففي عام 1931 كانت نصف مصانع اليابان متوقفة عن العمل وكان الملايين معدمين، ورأى بعض المتطرفين أن القوى العظمى الأخرى كانت في حال من التشويش والفوضى، وأنها لن تقدر على مقاومة اليابان إذا قامت بجهود حثيثة لتضمن أسواقها في الصين. ولكن إذا أرادت اليابان أن تكون القوة المهيمنة في آسيا، فيجب عليها أن تتحرك بسرعة، وقبل أن يتمكن حزب الكوميتانغ من إعادة بناء استقلال الصين.

في عام 1931 كانت الحكومة الصينية على وشك إعادة تثبيت مطالبها القديمة في منشوريا، حيث كان لليابانيين استثمارات كبيرة منذ أن انسحب منها الروس في عام 1905، ونظم المسؤولون اليابانيون المحليون اصطداماً مع الجنود الصينيين اتخذوه ذريعة لاحتلال المقاطعة بأسرها. ونشأت دولة جديدة هي دولة منشوكو التي كانت ألعوبة بيد اليابانيين، ثم حدث المزيد من الاقتتال، وفي عام 1933 عبرت القوات اليابانية سور الصين واحتلت للمرة الأولى جزءاً من أرض الصين التاريخية.

ثم عاودوا الهجوم في عام 1937 وبدأ بذلك ماسموه حادثة الصين وثماني سنوات من الصراع، وكانت هذه هي إحدى النواحي بداية الحرب العالمية الثانية. أما القوى الغربية فكانت مشغولة بأمور أخرى ولم تكن قادرة على التدخل. وفي عام 1941 كانت الصين معزولة عن العالم الخارجي، ولكن ذلك الهجوم عليها قد جعل حزب الكوميتانغ والحزب الشيوعي ينضمان معاً في تحالف جديد ضد اليابانيين.

وهكذا كسبت اليابان سباقها مع الصين في سبيل التحديث والسيطرة في شرق آسيا، إلا أن جهودها لكسب الحرب كانت تتطلب المزيد والمزيد من الموارد الاقتصادية، وقد اقتضى هذا على المدى البعيد أن توسع صراعها إذا هي أرادت أن تضمن النفط والثروات المعدنية التي تحتاجها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 50

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان    الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:54

الثورة في الاتحاد السوفييتي

لقد لعبت الظروف دوراً في تشكيل الإمبراطورية الروسية الجديدة لايقل أهمية عن دور الماركسية نفسها. ولم يكن بإمكان حكامها أن يمحوا الماضي كله ويبدؤوا من جديد، بل كان عليهم أن يبدؤوا من أنقاض أكثر الدول الأوروبية تخلفاً، إذ كانت روسيا بلداً أمياً أكثر سكانها من الفلاحين، وكانت همجية من نواح كثيرة، وكان عليهم أن يحكموا شعوباً من أصول ولغات كثيرة ومختلفة، وكان عليهم أن يحكموا شعوباً من أصول ولغات كثيرة ومختلفة قد ترغب بالانفصال. وكان الرعايا السابقون للقيصر معتادين على وحشية الحكم وعلى مضايقة الشرطة، ولم يكن حكامهم الجدد قد أحكموا قبضتهم على البلاد بعد، فاستمروا على هذا الأسلوب نفسه.

كان البلاشفة يؤمنون أن التاريخ إلى جانبهم ويبرر استخدامهم القوة لسحق المعارضة نحو الحزب، الذي كانوا يعتبرونه طليعة البروليتاريا، لذلك لم يظهروا الاحترام للحكم الديمقراطي أو الحقوق الشخصية إلا عندما كان التكتيك يتطلب ذلك. كما أن المجاعة والحرب الأهلية جعلتهم أكثر وحشية.

وسرعان ما وضعوا شرطتهم السرية محل الشرطة السرية القديمة، وبحلول عام 1922 كان الفوضويون وغيرهم من السياسيين اليساريين يسجنون، وكان الحزب الشيوعي قد طهر نفسه من خمس أعضائه تقريباً، صحيح أن التنازلات التي قدمها لينين قد سببت ارتياحاً في الحياة السياسية والاقتصادية، إلا أن هذا الأمر لم يستمر طويلاً، بل جاء بعده إرهاب ومركزية اقتصادية لاسابق لهما، فكانت تلك ثورة حقيقية بدلت روسيا بأكثر مما بدلتها ثورة 1917.

ستالين

لقد هيمن لينين على السنوات الأولى من عمر الاتحاد السوفييتي، وكان خطيباً ومناظراً قوياً، وحتى الذين يخالفونه في سياساته كانوا معجبين بإخلاصه للحزب. ولكنه أصبح منذ عام 1921 مريضاً في أكثر الأحيان، وتنامت المنافسات والصعوبات الشخصية بين زملائه.

وعندما مات في عام 1924 حصل صراع معقد داخل الحزب بزغ منه قائد جديد سوف تصبح سلطته أكبر بكثير مما كانت عليه سلطة لينين في أي يوم من الأيام، هذا القائد هو جوزيف ستالين، وهو أهم شخصية في تاريخ روسيا منذ بطرس الأكبر، وللسبب نفسه أيضاً، وهو أن كليهما قد غيرا التاريخ، وكان كلاهما متوحشين لايعرفان الرحمة، على طريقة الأوتوقراط الكبار.

كان ستالين من جورجيا، وكان البعض يرون فيه مستبداً من النمط الشرقي، وكان أبرع في المناورات من زميله تروتسكي، الذي كان لامعاً ولكنه معتد بنفسه، فأرسله ستالين إلى المنفى بعد أن كان تروتسكي الشخصية الوحيدة القادرة على خلعه، إلا أن ستالين قد أخذ عن تروتسكي السياسة التي كان ينصح بها، وهي تحويل روسيا إلى دولة صناعية بأسرع مايمكن.

ويمكننا اعتبار بداية هذه الثورة في عام 1928 عندما أطلقت أولى خطتي الخمس سنوات الاقتصاديتين، كانت تعاليم الماركسية الرسمية تقول دوماً أن الاقتصاد هو الذي يحدد شكل السياسة والحكم، أما ثورة ستالين التي تمت باسم الماركسية وخلف واجهة من النظريات الماركسية فقد كانت دليلاً على عكس هذه الفكرة تماماً، أي أنك إذا أحكمت قبضتك على الحكم والشرطة والجيش أمكنك تغيير الاقتصاد بالقوة.

ولقد دفعت روسيا ثمناً باهظاً من المعاناة والجرائم الكبيرة حتى أصبحت في عام 1941 قوية وقادرة على مواجهة محنة الحرب الجديدة.

في عام 1928 عاد الإنتاج الصناعي والزراعي إلى مستويات ماقبل الحرب تقريباً، وكانت السياسة الاقتصادية الجديدة التي تبناها لينين قد أدت على نمو في عدد الشركات الخاصة وإلى ازدهار الفلاحين أصحاب المزارع أيضاً، الذين حصلوا أخيراً على أسعار جيدة لحبوبهم.

ولكن خلال عشر سنوات أي في عام 1937، كانت الأعمال الخاصة قد قضي عليها، وقيل أن ارتفاعاً مذهلاً في الإنتاج الصناعي قد حدث، فارتفع إنتاج الحديد الخام أربعة أمثال خلال عشر سنوات، وارتفع إنتاج الكهرباء سبعة أمثال. كما كان استثمار رأس المال عالياً، وكان 80% من الإنتاج الصناعي الروسي يأتي من مصانع بنيت خلال السنوات العشر السابقة.

ولكن الشعب دفع الثمن غالياً، فقد كبح نظام الاستهلاك كما هبطت الأجور الحقيقية لكي تتمكن الدولة من توفير المزيد من المال للاستثمار، ولم يتوزع هبوط مستويات المعيشة بالتساوي، بل إنه أصاب الفلاحين بدرجة أشد. ومن أجل إكراههم على التخلي عن الحبوب التي كانوا سيأكلونها أو يمتنعون عن بيعها من أجل الحصول على أسعار أعلى، اشترى ستالين الأرض في المناطق الأساسية التي تزرع فيها الحبوب وحولها إلى مزارع جماعية، فنشبت مقاومة ضارية لهذه الإجراءات، وكان الحزب دوماً ضعيفاً في الريف، وقد تم سحق المعارضة عن طريق الشرطة السرية والجيش.

وقتل الملايين من الفلاحين الفقراء وصغار الملاكين الأحسن حالاً أيضاً الكولاك في هذه الحرب التي كانت حرباً أهلية ثانية، وأخذت الحبوب لإطعام العمال في المدن الصناعية.

وقد جاءت أسوأ الأزمات في عام 1933، عندما حلت المجاعة بعد المجازر وعمليات التهجير الجماعية، وإن الأرقام الرسمية نفسها كانت تعترف بأن محصول الحبوب السنوي بقي حتى عام 1935 أقل منه في عام 1928. وراح الفلاحون الغاضبون يذبحون حيواناتهم كيلا يضطروا للتخلي عنها، فانخفض عدد رؤوس البقر من 70 مليون في عام 1928 إلى 45 مليون في عام 1935.

واختفت خلال سبع سنوات خمسة ملايين عائلة في الشطر الأوروبي من روسيا، وقد قال ستالين فيما بعد إن إدارة الأمور عن طريق الملكية الجماعية كانت امتحاناً لايقل قسوة عن الحرب العالمية الثانية. إلا أن روسيا كانت قد أصبحت في ذلك الحين قوة صناعية كبرى، وكان هذا هو هدف العملية برمتها.

إن الصمت الذي كان سائداً حيال الحقائق الجارية، فضلاً عن الدعاية السياسية التي لاتهدأ، يساعدان على تفسير غياب المعارضة بين جماهير المدن لأعمال ستالين الوحشية في الأرياف. لقد كانت ثمة شكوك لدى زعماء الحزب، ولكن ستالين مابرح يحكم قبضته على الأمور.

وجرت سلسلة كبيرة من عمليات التطهير والمحاكمة بين عامي 1934-1938، وراح العالم ينظر مذهولاً وهو يرى البلاشفة السابقين يعترفون أمام المحاكم بجرائم غير معقولة، ثم يطلق عليهم النار أو يختفون في السجون ومعسكرات الأشغال الشاقة التابعة للشرطة السرية، ولم يكن محاكمات الأشخاص المعروفين إلا غيضاً من فيض، فقد اختفى مئات الألوف من الموظفين المدنيين ومسؤولي الحزب، وأزيح نصف ضباط الجيش وأعدم تسعة أعشار قادته، وفي عام 1939 كان أكثر من نصف المندوبين الذين حضروا مؤتمر الحزب لعام 1934 قد اعتقلوا.

وهكذا أصبحت روسيا بين أيدي رجال ستالين، وفي عام 1939 كان 70% من أعضاء الحزب منضمين إليه منذ عام 1929، ونشأ جيل جديد يعتبر نظام ستالين أمراً طبيعياً ويعجب به. ولم يكونوا يتعلمون شيئاً عن الماضي إلا من خلال الرواية الرسمية للتاريخ، كما أن المكاسب الهائلة والواضحة التي أحرزها الاتحاد السوفييت منذ عام 1917 قد طرحت الشكوك جانباً.

كان الاتحاد السوفييتي يغطي أكثر من سدس مساحة العالم، وقد استطاع على امتداد هذه الرقعة الشاسعة أن يخفض الأمية تخفيضاً هائلاً، وأن يضع أسس شبكة من خدمات الرفاهة، ويستغل الموارد الجديدة والذكاء والموهبة والمهارة، وحرر المرأة وخلق نظاماً تعليمياً وعلمياً هائلاً يمده بالتقنيين والمدرسين الذين يحتاجهم المجتمع الجديد.

كما أنه بنى قوات مسلحة هائلة لحماية هذه المكاسب، وبعد أن كان الدفاع يستهلك أكثر بقليل من 3% من ميزانية روسيا في عام 1933 صار يستهلك 32.6% منها في عام 1940.

هل كان بالإمكان ياترى إحراز هذه المكاسب بوسائل أخرى، من دون هذه الوحشية وبمعاناة أقل؟ إن هذا السؤال مازال بلا جواب، لقد أعاد ستالين روسيا إلى طريق التحديث الذي استهله بطرس الأكبر، ولكنها ربما كانت ستصل إليه قبل ذلك لولا الحرب الكبرى، إذ أن اقتصادات السوق قد غيرت الدول الأخرى بنفس هذه الدرجة من الحدة خلال القرنين السابقين وكان من المحتم على روسيا أن تصبح قوة عالمية عاجلاً أم آجلاً بالنظر إلى مواردها الضخمة، ولن نعرف أبداً ما إذا كان الإرهاب والاقتصاد الموجه ضروريين لذلك.
الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Stalin
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 50

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان    الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:55

البديل الأمريكي

وفي عام 1918 كانت الولايات المتحدة أغنى الدول المنتصرة في الحرب وأقواها، وبعد أربع عشر سنة فقط، كان ريع قوتها العاملة عاطلاً عن العمل، وكان إنتاجها الصناعي قد هبط إلى النصف تقريباً وصار البعض يعتقدون أن أمريكا باتت على طريق الثورة.

إن فورة الازدهار التي عرفتها بعد الحرب فضلاً عن عزلتها قد جعلناها غير مهيأة لأزمة كهذه، كانت الإدارات الجمهورية في العشرينيات تحكم البلاد من غير أن يؤرقها شيء إلى موضوع حظر المسكرات، وهي مشكلة نشأت في تعديل دستوري يمنع صنع المشروبات الكحولية وبيعها، وكانت له تأثيرات حادة الكثير منها مؤسفة، فقد شجع الجريمة المنظمة على دخول ميدان صنع المسكرات وبيعها بصورة غير شرعية، وكانت تلك ضربة للحياة المدنية وللأخلاق العامة يعتقد البعض أن تأثيراتها لم تمح بعد. ومن نتائجه الهامة أيضاً أنه قسم الحزب الديمقراطي فضمن للجمهوريين عهداً طويلاً من التفوق عليهم.

وفي عام 1928 استلم الرئاسة ثالث رئيس جمهوري جديد على التوالي، بينما كان الازدهار الاقتصادي يبدي علامات الوهن، وفي تشرين الأول/ أكتوبر من العام التالي حصل انهيار وول ستريت فاجتث جذور الثقة التي كانت عماد الاستثمار طوال عقد كامل. وفجأة تقلصت الدخول وانهارت الخدمات وتجارة المفرق، وحبست الرهون العقارية فحرم الراهنون من حق استرجاع العقارات المرهونة، وكثرت الإفلاسات ولم تعد المصارف قادرة على جمع الديون فأغلقت أبوابها تارك المودعين في حالة إفلاس، وهكذا بدأ الكساد الكبير، ودفع الحزب الجمهوري الثمن في الانتخابات الرئاسية لعام 1932.

العقد الجديد* The new deal

كان الرئيس فرانكلن روزفلت أول رئيس ديمقراطي منذ ولسن، وربما كان هو الذي أنقذ الديمقراطية في الولايات المتحدة، كان روزفلت سياسياً بارعاً، وقد حظي بدعم واسع وكسب 42 ولاية من أصل 48، لقد خلق ائتلافاً انتخابياً جديداً وحافظ على لم شمله، وكان مؤلفاً من أكثر الناس معاناة من الكساد، أي المزارعين والكاثوليك المتحدرين من أصول مهاجرة في الساحل الشرقي، والعمال الصناعيين ونقاباتهم، والسود، والطبقة الوسطى من البيض الليبراليين، وسوف يمنح هذا الائتلاف حزبه الغلبة في واشنطن حتى عام 1952.

إلا أن أعظم انتصارات روزفلت كانت انتصارات نفسية، لأن الملايين من الأمريكان كانوا يؤمنون أنه يهتم لأحوالهم وأن لديه الإرادة اللازمة لمعالجة مشاكل البلاد. وقد قال لهم في خطاب توليته منصبه: "أن الشيء الوحيد الذي علينا أن نخافه إنما هو الخوف نفسه"، فتدفقت على البيت الأبيض خلال أسبوع واحد نصف مليون رسالة شكر على رسالة الأمل هذه.

كان الكونغرس مقتنعاً بإصدار تشريعات لمعالجة أكثر المشاكل إلحاحاً، وقد أنهى قانون حظر المسكرات أيضاً فكان هذا أساس البرنامج الجديد الذي بدل تاريخ أمريكا، صحيح أنه لم يكن شاملاً بالقدر الذي كان منتقدوه يخشون ومؤيدوه يتمنون، إلا أنه رفع الإعانات التي تقدمها الدولة إلى مستوى جديد وأصلح النظام المصرفي وأنقذ الزراعة وأغدق الأموال الفيدرالية على الولايات والمناطق الفقيرة.

ورغم أنه لم يقدر على تخفيض البطالة عن 10% حتى عام 1941 فقد بين أن الديمقراطية الأمريكية قادرة على الاستجابة الفعالة في حالات الطوارئ، وكانت تلك دفعة قوية للديمقراطية لا في الولايات المتحدة وحدها بل في الخارج أيضاً. كما أنه قد حمى النظام الدستوري الأمريكي من أخطار أكبر قادمة كانت تلوح في الأفق، منذ عام 1939.





* التسمية الإنكليزية مستوحاة من الجدة وتساوي الفرص عند إعادة توزيع أوراق اللعب deal- قاموس ميريام- وبستر (المترجم)

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 50

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان    الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:55

الثورة في ألمانيا

في عام 1933 استلمت الحركة النازية التي كانت صغيرة في الماضي زمام الأمور في ألمانيا، وكان هذا أهم تغير سياسي في أوروبا منذ عام 1918 وفي عام 1929 بينما أخذت الأجواء الاقتصادية تضطرب، باتت جمهورية فايمار في مهب الريح، وسرعان ما تحولت العاصفة إلى إعصار بلغ أشده في عام 1932 عندما وصل عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا إلى ستة ملايين شخص، وصار الناس يخشون حدوث تضخم مثل الذي قضى على مدخراتهم قبل عشر سنوات.

وقد حصد هتلر والنازيون الفوائد السياسية لتلك التطورات، فكانوا يجتذبون الألمان الكثيرين الراغبين باتخاذ إجراءات صارمة وبالوحدة الوطنية، واستغلوا نفاذ صبر الناس بالسياسيين البرلمانيين الذين عجزوا عن منع الكارثة الاقتصادية، والرغبة بإيجاد كبش فداء، والحقد على تسوية فرساي التي كان الكثيرون من الألمان يعتقدون أنها أساس مشاكلهم وأنها أيضاً غاشمة بحقهم.

ومع تفاقم الأزمة ازدادت أعداد قوات العاصفة ازدياداً سريعاً، وهي تنظيمات شبه عسكرية للحركة النازية شكلت بالأصل من أجل حماية اجتماعاتهم، ولكنها تحولت إلى عصابات من قطاع الطرق الذين يتشاجرون في الشوارع مع أندادهم من الشيوعيين، وسرعان ما راحوا يرهبون خصومهم السياسيين مثلما فعل الفاشيون الإيطاليون في البداية واليهود أيضاً من دون أن تتدخل الشرطة.

في عام 1930 كسب النازيون 107 مقاعد في البرلمان، أي أقل بقليل من خمس العدد الكامل، فتحولوا بذلك إلى قوة سياسية كبرى، وفي تموز/يوليو 1932 أصبحوا في الانتخابات الجديدة أكبر حزب في البرلمان، فقرر رئيس الجمهورية المارشال هندنبرغ ضرورة منح زعيمهم الفرصة لكي يبين ما إذا كان قادراً على مشاكل البلاد. فطلب من هتلر أن يصبح مستشاراً، أي رئيساً للحكومة.

وفي 30 كانون الثاني/يناير 1933، استلم هتلر منصبه وطلب عقد انتخابات جديدة، وكان هذا من حقه، كما وعد بائتلاف مكون من الجماعات المحافظة، وقد كتب لوندورف أعظم العسكريين الألمان في الحرب العالمية الأولى إلى هندنبرغ يدين عمله هذا ويتنبأ للبلاد بكارثة وطنية.

الثورة النازية

كان عمل هندنبرغ عملاً شرعياً تماماً، واستمر استلام النازيين للسلطة بأساليب دستورية، لقد حذرت صحيفة حزبهم ألمانيا من أنهم إذا حصلوا على مايريدون فإن الانتخابات القادمة ستكون آخر انتخابات في البلاد، ومابرحوا يعملون لكسبها. ولما كانوا هم الحكومة فقد كانوا يسيطرون على الإذاعة ويستخدمونها لدفع حملتهم.

وكانت الشرطة تغض الطرف عن الأعمال التي يقومون بها من إرهاب لخصومهم وضربهم جسدياً، وراح هتلر يتنقل بين أنحاء ألمانيا في طيارة كأسلوب جديد من الدعاية السياسية التي مكنته من الاستفادة القصوى من شخصيته الخلابة.

ولكن رغم أن سبعة عشر مليون شخص صوتوا للنازيين أي حوالي 44% من أصوات الناخبين فإنهم لم يحصلوا على أكثرية من المقاعد أو الأصوات. إلا أن هتلر طلب من البرلمان، حيث كانت له تحالفات متينة مع جماعات أخرى، سلطات استثنائية للحكم بقرار، وقد حصل عليها في آذار/مارس 1933، واستطاع النازيون عندئذٍ بدء ثورتهم مسلحين بهذه السلطات.

وسرعان ما أزاحوا حلفاءهم المؤقتين من الحكومة، وكانوا قد سجنوا النواب الشيوعيين وحلوا الحزبين الشيوعي والديمقراطي الاجتماعي، فأصبح الحزب النازي هو الوحيد المسموح به. ومنعت الإضرابات وحلت النقابات المهنية وحصلت الآلاف من الاعتقالات والمئات من جرائم القتل السياسية، وتزعزعت الحياة في ألمانيا من رأسها إلى قدميها، وانتهكت الكنائس واضطهد أصحاب المهن العملية وطهرت الجامعات، وحتى منظمة الكشافة تم منعها كما في روسيا، أما القوة المحافظة الوحيدة التي كان يخشاها هتلر، أي الجيش الألماني الذي كان وحده قادراً على التصدي لقوات العاصفة، فسرعان ما رضخ هو الآخر وحول ولاءه إلى هتلر، وقدم له قسم ولاء خاصة بعد موت هندنبرغ عام 1934.

كانت الدعاية السياسية تصور ألمانيا بصورة بلد جديد ذي شعب موحد وديناميكي، ولكن النازيين لم ينجزوا شيئاً هاماً في الشؤون الداخلية، ولم يستمر شيء مما حققوه زمناً طويلاً. لقد كان هناك برنامج أشغال عامة ابتدأ قبل أن يستلم هتلر السلطة، فتابعه النازيون وكثفوا العمل به بحيث هبطت أرقام البطالة حوالي 40% خلال سنة واحدة، إلا أن التعافي الاقتصادي بلغ ذروته في عام 1936 ولم ترتفع الدخول الحقيقية بعد ذلك.

وكان إعادة التسليح تشكل أولوية عليا لدى هتلر، وقد امتصت الأرباح التي كانت ستذهب للمستهلك ومع هذا بقي النظام في السلطة وظل يحكم البلاد تحت إجراءات الطوارئ لعام 1933.

وكانت أسباب هذه الثورة معقدة، منها سبب نفسي هو أن هتلر أعاد للألمان شعورهم بكبريائهم، كما أنه أتى بسلسلة من النجاحات في الشؤون الخارجية لاغبار عليها. أما أتباعه فقد منحتهم الحركة شعوراً بالمكانة، مع أن زعماءها كانوا بالإجمال من الصنف الرديء، واستمد النازيون قوتهم أيضاً من سياستهم العرقية المقيتة، التي كانت موجهة في البداية ضد اليهود ثم توسعت لتشمل غيرهم فيما بعد.

لقد كان هتلر يبغض اليهود ويتهمهم بتلويث الطهارة العرقية للألمان، ومنذ عام 1935 بدأت القوانين الجديدة تحرمهم من حقوقهم القانونية والمدنية التي كانوا يتمتعون بها منذ بداية القرن التاسع عشر، وكانوا يخضعون لإرهاب وحشي وتنتزع منهم ممتلكاتهم، وكانت بيوتهم ومحلاتهم وكنسهم تنتهك وتنهب. وكانوا أبرز ضحية لهذا النظام الذي كان الإرهاب فيه يلعب دوراً أكبر فأكبر بدعم صارخ من الشرطة السرية، الغستابو وفي عام 1939 لم يعد في ألمانيا حرية صحافة لا حرية كلام ولا حرية برلمان، وأضحى الاقتصاد يدار بالقوة من أجل تأديب العمال وكبح أجورهم.

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Hindenburg_hitler

صورة للرئيس هندنبرغ بعد أن عين هتلر رئيسا للوزراء 1933


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 50

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان    الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:56

نحو حرب عالمية ثانية

كانت إنجازات هتلر الدائمة إنجازات هدامة كلها، فقد قاد ألمانيا في طريق انتهت بتحطيم وحدتها القومية التي حققها لها بسمارك، كما سلمت أوروبا الشرقية كلها تقريباً للروس الذي كان يحتقرهم وتحت حكم البلاشفة الذي كان يبغضهم. وهلك الملايين في أثناء هذه العملية في حرب عالمية ثانية لم ينج منها الألمان أنفسهم. إلا أن سياسته الخارجية حققت في البداية نجاحات هائلة.

لقد سعى هتلر لإبطال معاهدة فرساي وكسب الأراضي لألمانيا في الشرق على حساب الشعوب السلافية التي كان يعتبرها شعوباً متدنية، وساعدته الظروف في ذلك، لأن آخر قوات الحلفاء المحتلة كانت قد غادرت ألمانيا في عام 1930، وانهارت التعويضات أخيراً مع الانهيار الاقتصادي.

والأهم من هذا أن الدول الأخرى ظلت لزمن طويل غير راغبة بمقاومة مطالبه، فكان الكثيرون خاصة في إنكلترا يرون شروط الصلح قاسية للغاية ويشعرون بتأنيب الضمير نحوها، والأهم من هذا وذاك أن ذكريات الحرب الكبرى الفظيعة جعلت الناس مستعدين لتقديم أية تنازلات من أجل تجنب نشوب صراع مماثل، كما أن البعض كانوا يرون في ألمانيا النازية القوية حاجزاً أمام الشيوعية.

أما الأمريكان فكانوا بعد عام 1929 مشغولين تماماً بهمومهم الداخلية، وأما الروس فكانت تقع بينهم وبين هتلر دول أخرى جديدة لابد من كسب مساعدتها إذا أرادت روسيا فعل شيء ضد ألمانيا.

كان موسوليني في البدء حذراً من طموحات هتلر، ولكنه صار في النهاية حليفه فيما سمي بالمحور وقد جعل هذا الوضع فرنسا وبريطانيا تتذكران بمرارة كيف اقتضت هزيمة ألمانيا في الحرب الكبرى أربع سنوات من القتال الدامي والحصار، وكانت روسيا إلى جانبهم في ثلاث منها، فضلاً عن مساعدة الولايات المتحدة أيضاً في النهاية.

لقد تبنى هتلر من توه مطلباً كان من سبقوه قد قدموه، هو أن يحق لألمانيا أن تكون لها قوات مسلحة مثل القوى المنتصرة في عام 1918، فانسحب من عصبة الأمم التي كانت تحاول الترويج لنزع السلاح، وأعاد التجنيد الإلزامي في عام 1935، وكان هذا خرقاً واضحاً لمعاهدة فرساي، وأعلن أن لديه سلاح جو. ثم قضى على تسوية فرساي المتعلقة بالأراضي، فتحرك الجنود الألمان في آذار/مارس 1936 إلى حوض الراين، وهي الأراضي الألمانية التي كان محرماً على ألمانيا أن تضع جنوداً فيها أو تبني تحصينات، ولم ترد فرنسا وبريطانيا على ذلك وفي الوقت نفسه قال هتلر أنه لن يلتزم بعد الآن بالحدود المتفق عليها في الغرب والتي قبلتها الحكومات الألمانية السابقة على عهد جمهورية فايمار. ولم تحرك عصبة الأمم ساكناً لكبح هذه الأعمال العدوانية، ولكن البريطانيين والفرنسيين أخذوا يحسنون تسليحهم بصورة أسرع.

وقد سبب اندلاع الحرب الأهلية في إسبانيا في عام 1936 مشكلة أخرى، فقد كان الألمان والإيطاليون يساندون أحد الطرفين فيها، وكان الروس يساندون الطرف الآخر، ورأى الكثير من الناس أن الموضوع ليس إلا صراعاً إيديولوجياً؛ وكان هناك مؤيدون لكل من الطرفين في الديمقراطيات، ولكن هذا الانقسام الشديد في الرأي العام أعاق الحكومتين الفرنسية والبريطانية في تعاملهما مع قوى المحور.

وكانت لديهما مشاكل أخرى أيضاً مثل مشكلة الاتحاد السوفييتي، فصحيح أن ستالين قد يساعدهم ضد هتلر، إلا أنه لايقدر على ذلك إلا بعبور أراضي بولندا وهي حليفة لفرنسا، وكان البعض يتساءلون كيف يمكن وضع الثقة بروسيا وهي تقوم بإعدام نصف أفراد أركانها العامة؟ ثم أنه كانت هناك مشاكل أخرى في بقاع أبعد، خاصة مشكلة التقدم الخطر لليابانيين في الشرق الأقصى.

لقد جلب عام 1938 لهتلر، المزيد من النجاح؛ ففي آذار/مارس تم توحيد النمسا وألمانيا، واستطاع الاستفتاء العام أن يسكت منتقدي هذا الخرق لمعاهدة فرساي، ولم يسمع احتجاج كثير في فرنسا وبريطانيا مع أن الأراضي الألمانية صارت الآن تطوق تشيكوسلوفاكيا، وهي دولة تحوي ثلاثة ملايين ألماني.

وقرر هتلر استخدام الحقوق القومية وهو نداء كان يسمع كثيراً أثناء معاهدة فرساي قبل ذلك بتسع عشرة سنة، فطلب حق تقرير المصير لألمان السوديت كما كانوا يسمون في منطقة جبلية شمال شرقي بوهيميا، واستطاع خلال أسابيع من المفاوضات أن يحصل على أكثر من هذا، لأن البريطانيين والفرنسيين كانوا يخشون أن يضطروا للقتال من أجل تشيكوسلوفاكيا، وكانوا يعتقدون أن آخر عيوب تسوية فرساي يمكن إصلاحها عن طريق القبول بمطالبه، فقبلوا في اجتماع عقد في ميونيخ بتحويل مساحات شاسعة من تشيكوسلوفاكيا إلى ألمانيا.

وقد أعاق هذا التصرف الدولة الديمقراطية الوحيدة في أوروبا الوسطى التي كانت أيضاُ حليفتهم الحقيقية الوحيدة، كما أنه كان إهانة للروس لأنهم لم يستشاروا في هذا الأمر. واقتنع الألمان عندئذٍ أن هتلر رجل يجترح المعجزات ويمكن السير وراءه بثقة عمياء، أما هو فقد استنتج أن الديمقراطيات تتراجع دوماً أمام التهديد بالحرب.

كانت ميونيخ ذروة تلك السياسة التي سميت سياسة الاسترضاء أي تلبية المظالم الألمانية التي اعتبرت مظالم معقولة. ولكن عندما استولى هتلر على ما بقي من تشيكوسلوفاكيا في آذار/مارس التالي بحجة أن الجمهورية قد انهارت، حصل اشمئزاز كبير في بريطانيا، وأدخلت الحكومة التجنيد الإلزامي في وقت السلم للمرة الأولى في تاريخ بريطانيا، وقدمت ضمانات للعديد من دول أوروبا الشرقية بحمايتها من العدوان ومنها بولندا.

وكان الكثير من الألمان يريدون أن يستعيدوا من بولندا أراضيها الألمانية السابقة، خاصة الممر الذي يصل الجمهورية بالبحر ويفصل ألمانيا عن شرق بروسيا وعن مدينة دانتزيغ (غدانسك) الألمانية التاريخية؛ التي كانت منذ عام 1919 مدينة حرة تحت حكم عصبة الأمم.

وقد رحب البولنديون بضمانات بريطانيا ولكنهم أعلنوا عن رفضهم القاطع للسماح لقوات سوفييتية الدخول من أراضيهم. وجعل هذا الوضع التعاون العسكري بين بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفييتي أمراً مستحيلاً ، فرأى ستالين عندئذٍ أنه يستطيع عقد صفقة أفضل مع هتلر، ولما كان يشارك ألمانيا استياءها من حدود بولندا فقد عقد في آب/أغسطس 1939 معاهدة مع النظام النازي، وبدأت الحرب في الأول من أيلول / سبتمبر عندما قامت ألمانيا بغزو بولندا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 50

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان    الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:56

الحرب العالمية الثانية 1939-1945

في الثالث من أيلول أعلنت الحكومتان البريطانية والفرنسية مكرهتين الحرب على ألمانيا، وهكذا ابتدأ صراع جديد لتحديد مكانها في أوروبا.

لقد كانت بولندا معزولة وسرعان ماغزتها القوات السوفييتية من الشرق، فانهارت وتقاسمها غزاتها من جديد، ثم قام الاتحاد السوفييت بعد أشهر بابتلاع ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، وهكذا صار وجهاً لوجه مع ألمانيا بعد أن أضحت أكبر مما كانت عليه على عهد بسمارك، وأضحى هو أشبه بامبراطورية قيصرية بعثت إلى الحياة من جديد.

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Hitler

انتصارات هتلر

لقد ظل البريطانيون والفرنسيون في الغرب في حالة الدفاع، إذ لم تفارقهم ذكرى مجازر حرب 1914-1918، وكانوا يتمنون أن يتمكن الحصار من تحقيق النصر لهم، ولكن هذا الحصار كان خطراً على تزويد ألمانيا بالخامات المعدنية من اسكندينافيا، لذلك قام الألمان بحملة سريعة في نيسان/أبريل 1940 لاكتساح النرويج والدنمارك، وقبل أن تكتمل هذه العملية هاجموا الغرب أيضاً، وسرعان ما انهارت هولندا وبلجيكا، بينما صد الجيشان الفرنسي والبريطاني فقفلا على أعقابهما، وتمكن الجيب البريطاني من أن ينقذ نفسه على حساب خسارة معداته، بعملية إجلاء بحرية بارعة من مرفأ دنكرك.

وبعد فترة وجيزة وقع الفرنسيون هدنة تخلوا فيها للاحتلال الألماني عن حوالي ثلاثة أخماس بلدهم بما فيها السواحل الشمالية بكاملها، وكان موسوليني بذلك الحين قد انضم إلى الجانب المنتصر، بحيث لم يعد في نهاية حزيران (يونيو) للألمان خصم واحد في الساحة في كل بر أوروبا.

كان الاتحاد السوفييتي يتعاون مع ألمانيا عن طريق تزويدها بالمواد الأولية، وكان على الدول الحيادية القليلة الباقية أن تلزم جانب الحذر، لهذا بقيت بريطانيا وحدها ولم يكن لها من حلفاء إلا بعض الحكومات الشهمة القليلة من حكومات أوروبية في المنفى ودول الكومنولث.

ولكنها من ناحية أخرى كانت لها قاعدة متينة طالما هي تسيطر على البحار، كما كانت قد غيرت قيادتها السياسية مؤخراً، فصارت لها حكومة ائتلافية جديدة بقيادة ونستون تشرشل، الذي كان بعيداً عن العالم السياسي إلى حد ما، ولكنه أثبت أنه أعظم رجل إنكليزي في عصره.

لقد راح تشرشل يحث شعبه على بذل الجهود والتضحيات بصورة لايضاهيه فيها أي قائد بريطاني في الحرب من قبل، فكان هو رجل الساعة الذي جاء لينقذ بلاده.

وتحقق النصر على الفور في معركة جوية كبرى جرت في جنوب إنكلترا في آب وأيلول/أغسطس وسبتمبر 1940، ومن بعدها لم بعد بمقدور هتلر أن يأمل بأكثر من استقرار الأمور في الغرب، إذ لم يكن بمقدوره أن يغزو بريطانيا من دون أن يسيطر على الأجواء فوق القنال الإنكليزي (المانش).

إلا أن الصورة ظلت كئيبة أمام خصوم هتلر، وكان على البريطانيين أن يتحملوا شتاء من القصف الليلي القاسي، ولو أنه كان أقل فظاعة بكثير مما عانت منه المدن الألمانية فيما بعد، في ربيع عام 1941 أضاف هتلر يوغوسلافيا واليونان إلى فتوحاته، وكان يلحق إصابات جسيمة بالشحن البريطاني عن طريق حرب الغواصات. إلا أنه عاد إلى حلم قديم، وأخبر قادته في كانون الأول/ديسمبر 1940 بالتحضير لغزو الاتحاد السوفييتي.

الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  Churchill

تشرشل

1941: السنة الحاسمة

وبدأ الغزو في 22 حزيران/يونيو 1941، فألحق الألمان بسرعة خسائر هائلة بالجيوش الروسية واحتلوا مساحات شاسعة من الأراضي.

ورحب بعض المواطنين السوفييت بالغزاة ترحيباً حاراً خاصة في أوكرانيا، ووصل الألمان على مرأى موسكو ولكنهم لم يتمكنوا من تحطيم المقاومة السوفييتية، ثم حل الشتاء ولم يكن الجيش الألماني مهيئاً له بشكل كاف، فكانت الهجمات المضادة الأولى من قبل السوفييت ناجحة. وعجز هتلر عن التقدم أمام هذه القوة البرية الهائلة التي مل يتمكن من هزمها.

وبينما كانت هذه الأحداث جارية كان التعاطف مع بريطانيا والعداوة لألمانيا النازية يتناميان في الولايات المتحدة، ولكن الرأي الأمريكي ظل معارضاً بشدة للتدخل المباشر في الحرب، ولم يتمكن روزفلت من دفع السياسة الرسمية إلى الأمام إلا ببطء.

فمنح في عام 1941 سلطة إعارة أو تأجير المعدات الدفاعية لأية دولة يبدو أمنها مرتبط بأمن الولايات المتحدة، وكان هذا الأمر ذا أهمية حاسمة، لأن الحصول على ترسانة الديمقراطية كما كان يسميها روزفلت كان أساسياً من أجل استمرار مجهود الحرب البريطاني أولاً ثم السوفييتي.

وبينما كانت معركة الأطلسي بين قوافل السفن البريطانية والغواصات والسفن والطائرات الألمانية تزداد ضراوة تمكن روزفلت أيضاً من كسب التأييد لخطواته في حماية السفن الأمريكية التي قد تتعرض لهجوم من ألمانيا.

وفي هذه الأثناء كانت اليابان في عام 1940 قد استغلت ارتباك بريطانيا وفرنسا لكي تحتل الهند الصينية، وتغلق طريق بورما الذي كانت ترسل عبره المؤن إلى الصين، وتعاطفت الولايات المتحدة كثيراً مع الصين، وسرعان ما منعت مواطنيها من تزويد اليابان بالبضائع ذات الأهمية الاستراتيجية، خاصة البترول.

ونقل أسطول أمريكا في المحيط الهادي من قاعدته في كاليفورنيا إلى بيرل هاربر في هاواي، وظلت الآراء في طوكيو منقسمة لزمن طويل حول ما يتوجب فعله، إلى أن قررت الحكومة اليابانية أخيراً في خريف عام 1941 أن تخوض الحرب ضد الولايات المتحدة، وكانت المعلومات الاستخبارية تدل على أن روزفلت كان بنهاية تشرين الثاني/نوفمبر يعلم أن الحرب باتت على الأبواب.

وفي يوم الأحد 7 كانون الأول/ديسمبر انطلقت أفواج من الطائرات اليابانية في الصباح الباكر مهاجمة قاعدة بيرل هاربر، وبحلول الساعة التاسعة والنصف صباحاً كانت قد محت الوحدات الجوية الأمريكية فيها عن بكرة أبيها وأغرقت ثلاثة بوارج وعددا ً من السفن الأخرى، إلا أن مبادرة اليابانيين بالعدوان هذه قد ضمنت تكاتف الأمريكان وراء إعلان الحرب في 8 كانون الأول.

ثم أقدمت ألمانيا على عمل أحمق بإعلانها الحرب على الولايات المتحدة في 11 كانون الأول فكانت تلك ثاني غلطة استراتيجية كبرى يرتكبها هتلر، وهكذا اندمجت جميع الحروب الدائرة في أنحاء العالم ضمن صراع واحد كبير.

لقد أحرز اليابانيون بسرعة سلسلة مذهلة من الانتصارات منحتهم إندونيسيا الهولندية والفيليبين وملقا وجزءاً كبيراً من بورما، وهددوا الهند بالغزو، وكانت القواعد البحرية والجوية في جزر المحيط الهادي تشكل درعاً بحرياً هائلاً يمتد من نيوغينيا وجزر سلمون إلى الشمال حتى جزر مارشال وجزيرة ويك، فصاروا بذلك يهددون جزر ألويسيان في ألاسكا من جهة وأستراليا من تاجهة الأخرى.

إلا أن استمتاعهم بهذا النصر كان قصيراً، ففي أيار وحزيران/مايو ويونيو 1942 كسرت شوكة قوتهم الجوية البحرية في بحر المرجان (بحر كورال) وجزر ميدوي في عمليات بعيدة المدى قامت بها الطائرات على ظهر ناقلات كانت تسير في البحر من دون أن تظهر لها سفن الأعداء، ومنذ ذلك الحين بدأت الهجمات الأمريكية المضادة في المحيط الهادي ببطء ولكن بعناد.

وفي نفس تلك السنة الحاسمة نجا الحلفاء من أقسى مراحل معركة الأطلسي، ومن بعدها راحت خسائرهم البحرية تنخفض وخسائر الغواصات الألمانية ترتفع باستمرار. أما على الجبهة الشرقية فقد بلغ الجيش الألماني أعمق اختراق للاتحاد السوفييتي، حيث وصل إلى القوقاز وكاد يبلغ بحر قزوين، ولكنه انهار أمام هجمة من الجيش الروسي في الشتاء حرمته من ربع مليون من مقاتليه، عندما حوصروا في ستالينغراد بحلول نهاية العام. وفي الجبهة الداخلية أيضاً كان القصف قد بدأ يلحق شقاء حقيقياً بالمدن الألمانية.

وأخيراً قام البريطانيون في شمال أفريقيا بحملة هجومية في مصر، ونزلت القوات الإنكليزية-الأمريكية في شمال أفريقيا فقضت على قوى المحور في عام 1943 وعلى الإمبراطورية الإيطالية التي لم تعمر طويلاً في تلك القارة، وكانت الأراضي الإيطالية في شرق أفريقيا قد استولي عليها أثناء عام 1942 ومنذ ذلك الحين، لم يعد ثمة شك بالنتيجة النهائية للحرب.

وظل الجيش الأحمر زمناً طويلاً يحمل العبء الأساسي في محاربة ألمانيا، لقد زادت عمليات نزول القوات الإنكليزية- الأمريكية في إيطاليا في عام 1943 من الضغط على قوى المحور، ولكن الحلفاء الغربيين لم يتمكنوا من إعادة دخول شمال فرنسا وتأسيس جبهة كبرى أخرى فيها إلا في حزيران/يونيو 1944.

وفي ذلك الحين كان موسوليني قد أطيح به، وكان الألمان ينسحبون انسحاباً مستمراً في كل مكان، وفي نهاية عام 1944 كانت أراضي الاتحاد السوفييتي خالية من القوات الألمانية، وكان الجيش الأحمر قد بلغ عمق بولندا ورومانيا وبلغاريا. ثم دخل برلين أخيراً في نيسان عام 1945، فكانت تلك نهاية رائعة لإنجازاته البطولية، بينما كان الحلفاء الغربيون قد بلغوا ساحل البلطيق واكتسحوا القسم الأكبر من جنوب ألمانيا والنمسا، وجاءت نهاية الرايخ الثالث الذي كان قد أعلنه هتلر في 8 أيار/مايو بعد انتحاره والاستسلام غير المشروط لما بقي من قوات ألمانيا.

ولم تكن اليابان بعيدة عن الهزيمة أيضاً فسلاحها الجوي قد زال، وأكثر أسطولها قد أغرق، كما أنها خسرت درعها الواقي من الجزر، وراحت أساطيل قاذفات القنابل الأمريكية تنطلق من قواعدها مدمرة مدنها الواحدة تلو الأخرى، ثم استخدم ضدها في شهر آب/أغسطس سلاحان من نوع جديد تماماً هما القنبلتان الذريتان، وهما أول قنبلتين لاتستخدمان المتفجرات التقليدية بل الطاقة الهائلة الكامنة في نواة الذرة، فسخرت بذلك ثورة الفيزياء في خدمة المعركة.

لقد سقطت إحدى القنبلتين على هيروشيما، والثانية على ناغازاكي التي كان الاتصال الحقيقي بين الأوروبيين واليابانيين قد ابتدأ فيها قبل ذلك بأربعة قرون، وكانت نتائج هاتين القنبلتين مروعة، فقرر الإمبراطور عندئذٍ إنقاذ بلاده من المزيد من الكوارث عن طريق الاستسلام، وبهذا آلت الحرب العالمية الثانية أخيراً إلى نهايتها.

المحصلة النهائية

ربما كان من الصحيح أنه لايوجد إنسان واحد على الأرض لم يتأثر بالحرب العالمية الثانية، التي فاقت كل صراع عرفته البشرية قبلها بما سببته من رعب وخراب. وقد بذلت فيها موارد وطاقات لاسابق لها. ولم تكن المذابح الهائلة والخراب المادي إلا جزءاً يسيراً مما كلفته، إلا أنها قضت على أفظع خطر تعرضت له الحضارة والإنسانية.

لقد احتاج الأمر سنوات كثيرة لكي تنكشف المآسي الكاملة لهذه الحرب، ولكن لها صورة حية برزت بصورة مباشرة ومروعة بينما كانت جيوش الحلفاء تتقدم ضمن ألمانيا وأوروبا الوسطى، فقد وجدوا أنفسهم يجتاحون معسكرات بلغت فيها الوحشية السادية والإهمال الفظيع درجات لم تخطر ببال إنسان.

كان السجناء فيها يعانون منذ سنين من التعذيب والتجويع والأعمال الشاقة التي تهد الإنسان هداً، وكان هؤلاء أحياناً معارضين سياسيين للنازيين وأحياناً رهائن أو أيدي عاملة مستعبدة، وأحياناً أخرى مجرد سجناء حرب.

ولم يكن هذا أسوأ مافي الأمر، فإن أكثر الذين عانوا كانوا يهوداً حكم عليهم بالمعاملة غير الإنسانية والموت لمجرد أنهم يهود، لقد قام النازيون بجهود خاصة للقضاء على من اعتبروهم غير مرغوب بهم من الناحية الوراثية، وفي حالة اليهود كانوا يتحدثون عن حل نهائي للمشكلة اليهودية، وقد أطلقت تسمية المحرقة Holocaust بحق على مافعلوه بهم. وقد لاتعرف الأرقام الكاملة بدقة أبداً، ولكن خمسة ملايين يهودي، وربما ستة ملايين، قد هلكوا إما في غرف الغاز في معسكرات الاعتقال أو في المصانع والمقالع حيث كانوا يموتون من الإنهاك والجوع، أو في الحقول حيث كانت مفرزات خاصة تجمعهم وتطلق عليهم النار.

لذلك كان الإطاحة بالنظام الذي سبب هذه الأشياء كلها إنجازاً عظيماً ونبيلاً، وانتصاراً للحضارة وكرامة الإنسان. ومن سخرية القدر أن أياً من قوى الحلفاء لم تخض الحرب بغرض الوصول إلى هذا الهدف الأخلاقي، بل كان المحارب الإيديولوجي الوحيد من بداية هذا الصراع حتى نهايته هو هتلر، وكانت أهدافه العنصرية مقيتة.
الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان  World-War-II-in-Europe


المناطق التي اجتاحتها الحرب العالمية الثانية في أوروبا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
 
الفصل الرابع عشر - العصر الأخير: الجيشان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الفصل الخامس عشر -العصر الأخير: حقبة متقلقلة
» الفصل الأول - العصر الراشدي
» الفصل الرابع - العالم اليوناني
» الفصل الرابع - الدول الإسلامية في الأندلس
» الفصل الثالث - أسس عالمنا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
رسالة مصرية ثقافية :: قسم العلوم التربوية والأدبية :: التاريخ العربي :: كتاب تاريخ العالم-
انتقل الى: