Eng. Ahmedzoubaa Admin
عدد المساهمات : 1216 تاريخ التسجيل : 28/08/2010 العمر : 50
| موضوع: الفصل الثامن - عصر الاكتشافات والمواجهة الأربعاء 15 يونيو 2011 - 0:17 | |
| المبادرة الأوروبيةلنتمهل قليلاً عند عام 1000 للميلاد، لأن هذا التاريخ ذا معنى خاص عند أهل القرون الوسطى، فضلاً عن أنه رقم مدور يسهل تذكره. مع اقتراب الألفية من نهايتها صار كثير من الناس في أوروبا المسيحية يعتقدون أنها سوف تجلب نهاية العالم ويوم الدينونة، وكان بعضهم في الحقيقة راغبين بقدوم نهاية العالم ومتأهبين لملاقاة خالقهم، إلا أن أكثرهم كانوا يعيشون في عالم ليس فيه ما يبعث على الأمل أو التفاؤل، فقد كانت أوروبا في ذلك الزمان بلاداً فقيرة، ومازالت تحرر نفسها من الشعور بأنها محاصرة من الهون الأفار والفايكنغ والعرب، ولم يكن للقانون والنظام وجود في أراضيها. أما في حوالي 1500 م فكانت الصورة قد بدأت بالتغير، صحيح أن أوروبا كانت فقيرة بالمقاييس الحديثة ولكنها كانت أوفر ثروة بكثير مما كانت عليه قبل خمسة قرون، فكانت مدنها أكبر وأوسع ازدهاراً، والتبادل والتجارة فيما بينها أكثر نشاطاً، والأعمال الفنية والأدبية فيها أكثر وفرة، كما كانت حكوماتها أحدث وأكثر فعالية، ونظرتها للعالم الخارجي نظرة جديدة، وإنه لتكثر فيها الدلائل على الاندفاع والمغامرة والشوق لبلوغ آفاق جديدة.النهضةتطلق تسمية النهضة Renaissance أحياناً على ازدهار الفنون والآداب بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر، وهي بالأصل كلمة فرنسية معناها البعث أي الولادة من جديد. وقد شعرت جميع البلاد الأوروبية الواقعة إلى الغرب من روسيا بتأثير تلك النهضة بدرجات مختلفة، وساهمت أكثرها فيها بقسط ما، إلا أن مركزها وقلبها الحقيقي إنما كان في إيطاليا، فقد عاشت في مدنها بين عامي 1350 و 1450 أعداد من الأدباء والفنانين والعلماء والشعراء هي أكبر منها في أي بلد آخر، وكانت أوروبا كلها تقصد إيطاليا لكي تتعلم منها وتحاكي الأشياء الجميلة التي برع الإيطاليون في ابتكارها، وكان هؤلاء بدورهم يتطلعون إلى الماضي الكلاسيكي لليونان وروما.تكمن جذور النهضة في إعادة اكتشاف جزء من ماضي أوروبا كانت قد حجبته الحضارة المسيحية أثناء العصور الوسطى، فقد مجد المصور رافايلو فلاسفة اليونان العظام في لوحاته، وراح الكتاب الإنسانيون يحاكون أسلوب الخطيب والكاتب الروماني شيشرون من أجل أن يضفوا الأناقة والجمال على لغتهم اللاتينية، والحقيقة أنه بعث الآداب الكلاسيكية هو الذي أعطى النهضة اسمها. ولكن يبقى الدليل الأبرز على إنجازات النهضة هو فنها، فقد خلفت لنا في التصوير والنحت والحفر والعمارة والموسيقى والشعر أعداداً هائلة من الإبداعات الجملية التي صاغت أفكار الناس عن معايير الجمال لقرون طويلة. وقد بلغ هذا الفن ذروته في القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر، وهو العصر الذي ظهر فيه عدد من الرجال العظام منهم مايكل أنجلو النحات والمصور المعماري والشاعر، ورافايلو المصور والمعماري، وليوناردو دافنشي المصور والمهندس والمعماري والنحات والعالم. وكان أهل عصر النهضة يعجبون بأمثال هؤلاء من ذوي البراعات العديدة، الذين أعطوا الناس فكرة جديدة عن قدرة الإنسان على الإتقان والتفوق، وبينوا عظمة مواهبه الدنيوية أعظم مما كانت تعلمه الكنيسة. وإن للفنان مايكل أنجلو لوحة تصور خلق آدم أبي البشر، وتراه فيها بصورة بطل عملاق يفوق في قوته وحدة تعبيره خالقه نفسه، الذي يمده بالحياة من خلال سبابته.كان أدباء النهضة أول من بدأ باستخدام تعبير العصور الوسطى بل العصر الوسيط، لأنهم كانوا يتحدثون عنها في البداية بصيغة المفرد لوصف ما يقع بينهم وبين الماضي الكلاسيكي الذي كانوا واعين لأهميته وعياً كبيراً. إلا أن الحقيقة الأهم في حياة الأوروبيين لم تكن قد تغيرت كثيراً في عام 1500م، وهي أن الدين مازال قلب حضارتهم، بل إنها الآن قد كست نفسها بثوب الدين وتظاهرت للعالم بأشكال دينية أيضاً. إن أول كتاب طبع في أوروبا إنما هو الكتاب المقدس، فكان يطبع في عام 1500م بترجمات ألمانية وإيطالية وفرنسية أما النسخة الإنكليزية فلم تظهر حتى عام 1526م، وكان أعداد الناس الذين يقرؤونه في ذلك الزمان أكبر مما كانت عليه في أي عهد سابق. وبعد سقوط القسطنطينية شعر الكثير من الأوروبيين أنهم المسيحيون الوحيدون في العالم، إذ لم يكونوا يعرفون عن أهل موسكو إلا القليل القليل، فكانت هذه الفكرة تحرك مشاعرهم، وربما كانت تدفعهم إلى اعتبار أوروبا مركز العالم، مثلما كانت أورشليم ذات يوم.الاكتشافاتيفسر هذا التغير في الأجواء مجيء العصر الذي سمي عصر الاكتشافات، وهي في الحقيقة اكتشافات اقتصرت على الأوروبيين تقريباً منذ القرن الخامس عشر فما بعد. كانت خريطة العالم لبطليموس قد وصلت إلى الغرب في عام 1400م، ثم طبعت ونشرت من جديد في عام 1477 فأعطت الأوروبيين أفكاراً جديدة، ولكن المعلومات التي توافرت في ذلك الحين قد سبقت بطليموس بأشواط بعيدة، خاصة من ناحيتين اثنتين: أولاُ: بسب اكتشاف أراضي في الغرب وراء المحيط الأطلسي لم يكن بطليموس على علم بها. ثانياً: بسبب إمكانية الوصول إلى آسيا عن طريق الدوران بحراً حول أفريقيا. وكان للتقدم التقني في مجالي بناء السفن والملاحة أهمية كبيرة في تلك الاكتشافات، ولكن التقنية وحدها لاتكفي لتفسير روح هذا العصر، فالصينيون كانوا يعرفون البوصلة المغناطيسية منذ زمن بعيد، وكانوا قد بنوا سفن الينك الشراعية العابرة للمحيطات، بينما كانت مراكب الدَّهْو العربية تجوب عرض المحيط الهندي، كما قام سكان جزر المحيط الهادي البعيد برحلات طويلة وغامضة في قوارب الكنو المفتوحة، وكانوا ذوي مهارة كبيرة في شؤون الملاحة. ويبقى السؤال الأساسي: لماذا كان الأوروبيون هم الذين وحدوا الكرة الأرضية من خلال مغامراتهم البرية والبحرية الطويلة، والتي امتدت حتى استكشاف القطبين الشمالي والجنوبي في القرن العشرين؟ لماذا لم يسبقهم العرب أو الصينيون إلى الأمريكيتين؟ في الحقيقة أننا لانستطيع أن نجيب على هذا السؤال بجواب واحد وبسيط، بل كانت هناك عوامل كثيرة تراكمت وتضافرت فيما بينها، ويفضل ألا نعطي أيا منها الدور الحاسم في إنجازاتهم تلك.من الواضح أن تحسن تصميم السفن وبنائها كان عاملاً هاماً في تحضير أوروبا لدورها العالمي الجديد، كان الأوروبيون يستخدمون القائم الكوثلي (الدفة الخلفية) في عام 1300، كما تحسنت الأشرعة أيضاً فصارت السفن أسهل قيادة وآمن وأسرع. وفي عام 1500م كان المركب الثخين الذي استخدمه بحارة العصور الوسطى في شمال أوروبا قد زال وحل محله مركب صغير ذو ثلاث صواري وأشرعة مختلطة بعضها عرضاني وبعضها طولاني، وهذا هو التصميم الأساسي للسفينة الشراعية التي سوف تسود البحار طوال ثلاثمائة وخمسين سنة. وقد حصلت أيضاً تطورات هامة في الملاحة، فقبل قرون عديدة كان بحارة الفايكنغ البارعون يقومون برحلات طويلة في المحيط بعيداً عن مرأى اليابسة، لأنهم كانوا يعرفون الإبحار على خط عرض ثابت مهتدين بارتفاع الشمس عن الأفق عند منتصف النهار لكي يبقيهم على مسارهم. ثم وصلت البوصلة في القرن الثالث عشر إلى المتوسط وبدأ البحارة باستخدامها ولعلها أتت من الصين، ولكن ما من دليل مباشر على ذلك، وفي عام 1270م تجد أول إشارة لاستخدام الخريطة في سفينة، وقد سهلت الخرائط معرفة الأوروبيين بالجغرافية وانتشار تلك المعرفة بصورة متسارعة خلال القرنين القادمين.إن لقصة الاكتشافات هذه ناحية أخرى شكلتها مجموعة من الدوافع الجديدة، منها دافع هام هو دافع الربح والأمل بالمكاسب التجارية، إذ كان من المعروف أن الذهب والتوابل تأتي من جنوب الصحراء الكبرى، فربما أمكن اكتشاف مصدرها إذن؟ ثم كان فشل الحملات الصليبية وعودة الإسلام للبزوغ والتقدم في شرق المتوسط والبلقان والهند أيضاً، ولو أنه كان ينسحب في إيبريا، وإن تزايد الخطر العثماني قد حفز أحلام الأوروبيين بإيجاد طريقة للالتفاف حوله أو حلفاء يمكن الاستفادة منهم ضده. ولاتنس أيضاً دافع الحماس الديني والرغبة بالتبشير بالمسيحية، لأن المستكشفين الأوائل كانوا رجالاً من العصور الوسطى يرون العالم بمنظار ديني، فكانوا يأملون بإيجاد الكاهن يوحنا* Prester John ملك إثيوبيا المسيحي، الذي تتحدث عنه الأساطير، فضلاً عن رغبتهم بهداية الناس وضمهم إلى كنيسة المسيح. وكان هناك أخيراً دافع الفضول. ولكن مهما كان الدافع الأقوى في كل حالة من الحالات، فإن النتيجة كانت في المحصلة تزايد اهتمام الأوروبيين الغربيين برحلات المغامرة واستكشاف المحيطات في القرنين الثالث عشر والرابع عشر. البرتغاليونكان من أبرز المهتمين بتلك المغامرات الاستكشافية الأمير هنري شقيق ملك البرتغال، وقد سمي لاحقاً هنري الملاح ، ويبدو أن ماء البحر يجري في عروق البرتغاليين، كما هي الحال لدى رجال جنوب غرب إنكلترا. إن ساحل البرتغال بأكمله واقع على المحيط الأطلسي، ومن مرافئه الصغيرة كانوا يرسلون المئات من المراكب من أجل صيد السمك والمتاجرة، وعليها تدرب البحارة الذين نقلوا المستوطنين الأوروبيين الأوائل إلى الأطلسي، وكان أكثرهم من البرتغاليين، وعدد قليل من الإسبانيين الباحثين عن الأراضي في جزيرة ماديرا وأرخبيل الكناري. وحتى في مغامراتهم التجارية كان البرتغاليون مضطرين للتطلع إلى الأطلسي أيضاً، لأن إسبانيا تطوقهم على البر كما أن الجنوبيين والبنادقة كانوا يستأثرون بتجارة المتوسط لأنفسهم ويمنعونهم عنها بشراسة، وقد قاد البرتغاليون حملات صليبية لهم في المغرب ولكن من دون أن يحرزوا تقدماً هاماً فيها. كانت رعاية الأمير هنري لعمليات الاستكشاف هذه أشبه برعاية الأبحاث العلمية في أيامنا، وقد نظم الحملات نحو الجنوب على امتداد ساحل أفريقيا، ففي عام 1434 م دار البرتغاليون للمرة الأولى حول رأس بوجدور، وبعد عشر سنوات ثبتوا أقدامهم في جزر الآزور، وكانوا قد بلغوا الرأس الأخضر على ساحل أفريقيا. وفي عام 1445م وصلوا إلى السنغال وسرعان مابنوا حصناً فيها، ثم عبروا خط الاستواء في عام 1473م وبلغوا طرف أفريقيا في عام 1487، أي رأس الرجاء الصالح، وكان بانتظارهم غنيمة عظيمة، هي تجارة التوابل عبر المحيط الهندي التي طالما احتكرتها مراكب الدهو العربية، إلا أن وجود تلك التجارة قد مكنهم من الاستفادة من البحارة العرب. وعند نهاية القرن تقريباً كلف ملك البرتغال مواطنه القبطان فاسكودوغاما بإيجاد طريق إلى الهند، فأخذ معه بحاراً عمانياً من شرق أفريقيا، وأبحر صوب الشرق إلى أن رسا بسفينته في كلكتا على الساحل الغربي لشبه القارة، وكان هذا في أيار (مايو) من عام 1498. عصر الاكتشافات الكبرى 1445 | البرتغاليون يرسون في جزر الرأس الأخضر | 1455 | المرسوم البابوي يعترف باحتكار البرتغاليين لاستكشاف أفريقيا | 1460 | وفاة الأمير هنري الملاح | 1469 | ألفونسو الخامس ملك البرتغال يبرم عقد إيجار باحتكار تجارة أفريقيا الغربية مقابل الاستمرار باستكشافها | 1479 | إسبانيا توافق على أن تتمتع البرتغال بحقوق احتكار التجارة مع غينيا | 1481 | تأسيس حصن في إلمينا في غانا الحالية كقاعدة لتجارة البرتغال مع أفريقيا | 1482 | البرتغاليون يصلون إلى الكونغو | 1488 | بارتولوميو دياز يدور حول رأس الرجاء الصالح | 1492 | كريستوف كولومبس يصل إلى جزر الهند الغربية | 1494 | معاهدة توردسيلاز تعطي إسبانيا الحقوق الحصرية بالاستكشاف إلى الغرب من خط شمالي جنوبي عبر الأطلسي، والبرتغال تأخذ حقوقاً مشابهة إلى الشرق من الخط نفسه | 1496 | أول رحلة استكشاف للإيطالي جون كابوت، بتفويض من هنري السابع ملك إنكلترا | 1497 | كابوت يصل على نيوفونلند في رحلته الثانية | 1498 | فاسكو دو غاما يصل إلى كلكتا بعد أن اكتشف الطريق البحرية إلى الهند | 1499 | الفلورنسي أمريغو فسبوتشي يكتشف أمريكا الجنوبية تحت علم إسبانيا | 1500 | البرتغالي بيدرو ألفاريز كابرال يكتشف البرازيل | 1507 | استخدام تسمية أمريكا للدلالة على العالم الجديد | 1508 | كابوت ينطلق بحثاً عن الممر الشمالي الغربي | 1513 | بالبوا يعبر مضيق دارين ويصل إلى المحيط الهادي | 1519 | البرتغاليان فرديناند ماجلان وخوان سيباستيان دل كانوا يبحران غرباً بحثاً عن جزر التوابل | 1522 | دل كان يعود إلى إسبانيا بعد أن أتم الدوران حول الكرة الأرضية |
العالم الجديدقبل ست سنوات من هذا التاريخ كان البحار الجنوبي كريستوف كولومبس قد خطا خطوة أخرى أعظم من سابقتها، لقد طلب في البداية من ملك البرتغال أن يدعمه في رحلة استكشاف كان يعتقد بناء على جغرافية بطليموس أنها سوف تسمح له ببلوغ قارة آسيا عن طريق الإبحار غرباً عبر المحيط الأطلسي، ولكن الملك لم يستجب لطلبه. ثم نجح في عام 1492 في إقناع الملكة الكاثوليكية إيزابيلا ملكة قشتالة بأن تمنحه دعمها، وهذا ما مكنه أخيراً من أن يستهل رحلته. وبعد 69 يوماً رست سفنه الصغيرة الثلاث في جزر البهاما، وبعد أسبوعين اثنين اكتشف كوبا وسماها هسبنيولا، ثم عاد في العام التالي بحملة أفضل تجهيزاً بكثير واستكشف الجزر التي تعرف منذ ذلك الحين بجزر الهند الغربية الأنتيل. لقد اكتشف كولومبس في الحقيقة العالم الجديد من دون أن يعلم، واستخدمت التسمية للمرة الأولى في عام 1494م، وإن قفزته في الظلام قد بدلت تاريخ العالم. كان البحارة البرتغاليون قد أبحروا بشجاعة ومهارة كبيرتين، ولكن بصورة منظمة حول قارة معروفة ونحو هدف معروف أيضاً، أما كولومبس فقد وقع على قارتين كاملتين لم يكن أحد يعلم بوجودهما من قبل ولا كان أحد ينتظر اكتشافهما، لهذا فقد كانتا جديدتين حقاً. وفي عام 1495 ظهرت أول خريطة تبين اكتشافاته، وكانت كوبا فيها بشكل جزيرة وليس كجزء من بر آسيا، وكان قد جعل رجال طاقمه يقسمون على ذلك، ولكن كولومبس رفض الاعتراف باحتمال وجود قارة جديدة، وظل حتى آخر يوم في حياته متشبثاً بفكرة أنه إنما اكتشف الجزر القريبة من قارة آسيا.رحلة كولومبوس الرابعة إلى أمريكا بين عام 1502 و 1504إن لهذه القصة تتمة هامة لابد لنا من ذكرها هنا، ففي عام 1502م انطلق رجل إيطالي في مركب برتغالي من ساحل البرازيل الحالية وأبحر حتى نهر بلات جنوباً، وقد بينت رحلته هذه بصورة جازمة أن ثمة قارة كاملة إلى الجنوب من منطقة الكاريبي حيث تمت أولى الاكتشافات الكبرى. هذا الرجل الإيطالي كان اسمه أمريغو فسبوتشي، وتكريماً له قام عالم جغرافي ألماني بعد خمس سنوات بتسمية القارة الجديدة على اسمه، فصارت تدعى أمريكا. وقد استخدمت هذه التسمية نفسها بعد ذلك للدلالة على القارة الشمالية أيضاً.وهكذا كان الاستكشاف آخر القوى العديدة والمعقدة التي أدت بالأوروبيين إلى رؤية علاقتهم ببقية العالم بطريقة جديدة، ثم أنهم بعد أن اكتشفوا العالم راحوا يعملون على تغييره وتبديله أيضاً، وكان تدفعهم ثقة عظيمة بأنفسهم تتزايد مع تزايد نجاحاتهم وتراكمها الواحد فوق الآخر.إن الاكتشافات الأخرى التي أحرزوها بحلول عام 1500م قد وضعتهم على عتبة عصر جديد سوف تزداد قوتهم فيه نمواً وتوسعاً حتى بدت وكأنها لاحدود لها. وإن العالم لم يأت إليهم بل إنهم خرجوا وأخذوه بأنفسهم، وقد بلغوا في ذلك نجاحاً أكبر بكثير من أجدادهم الصليبيين. ومن أجل أن نفهم أسباب نجاحهم هذا وطريقة حدوثه ينبغي علينا الآن، أن نلتفت إلى العالم الذي كانوا يكتشفونه ونعرف قصته، وقد كان ذلك العالم أيضاً ثمرة تواريخ طويلة، ولو أن قصتها مختلفة جداً عن قصة المكتشفين والفاتحين. * زعم بعضهم أنه كان يحكم في الشرق الأقصى وسموه ملك الهند - المترجم | |
|
Eng. Ahmedzoubaa Admin
عدد المساهمات : 1216 تاريخ التسجيل : 28/08/2010 العمر : 50
| |
Eng. Ahmedzoubaa Admin
عدد المساهمات : 1216 تاريخ التسجيل : 28/08/2010 العمر : 50
| موضوع: رد: الفصل الثامن - عصر الاكتشافات والمواجهة الأربعاء 15 يونيو 2011 - 0:18 | |
| | |
|
Eng. Ahmedzoubaa Admin
عدد المساهمات : 1216 تاريخ التسجيل : 28/08/2010 العمر : 50
| موضوع: رد: الفصل الثامن - عصر الاكتشافات والمواجهة الأربعاء 15 يونيو 2011 - 0:19 | |
| بدايات الاستعمار الأوروبي
إن مانسميه اليوم الاستعمار الأوروبي قد ترك أولى آثاره الباقية على الشعوب الأخرى في القارتين أمريكا وأفريقيا. وقد اكتسبت كلمة استعمل أو إمبريالية Imperialism معاني عامة جداً، فهي تستخدم للدلالة على أي نوع من أنواع السيطرة المستمرة، سياسية كانت أو اقتصادية أو حتى ثقافية، التي تمارسها جماعة من البشر بصورة مقصودة أو غير مقصودة على جماعة أخرى. وينبغي على المؤرخين أن ينظروا إلى هذه المجموعة الغامضة من الأفكار بدقة أكبر إذا أرادوا أن يفهموا كيف حدثت الأمور وماهي العوامل التي كانت تؤثر في مراحلها المختلفة. إن أوضح نواحي الاستعمار وأسهلها تقصياً هي قصة الاستيلاء على أراضي الغير في بلاد أجنبية بصورة مباشرة واستملاكها استملاكاً مطلقاً. ويتم هذا الأمر بطرق عديدة، إما عن طريق حكومة قائمة في أوروبا نفسها، أو عن طريق مستوطنين يفدون ويستقرون في أراض يقيم فيها سكان أصليون، وكان الفايكنغ في القرنين التاسع والعاشر أول المستعمرين الأوروبيين من هذا النوع في الأمريكتين أو حتى عن طريق تأسيس وحدات سياسية جديدة يحكمها المستعمرون ويسيطرون عليها مثل الدول الصليبية التي تأسست في بلاد الشام ولم تعمر طويلاً.
لقد أتاح عصر الاكتشافات فرصاً جديدة للفتوحات فيما وراء البحار خاصة أمام الدول ذات المنافذ السهلة إلى المحيط الأطلسي، وكان التوسع على بر أوروبا يشرف في ذلك الحين على نهايته في الشرق الألماني، وكذلك استعادة شبه الجزيرة الإيبرية، أما إحياء الدول الصليبية القديمة فلم يكن إلا أضغاث أحلام بالنظر إلى قوة تقدم العثمانيين. وهكذا كان أهل البرتغال وإسبانيا، وأقل منهم أهل إنكلترا وفرنسا، هم الذين أطلقوا موجة كبيرة من توسيع حكم الأوروبيين ومستوطناتهم فيما وراء البحار، وفي عام 1600م كان الإيبيريون وحدهم قد حققوا إنجازات كبيرة، فكانت للبرتغاليين سلسلة مترامية الأطراف من المرافئ والحصون التي تحرس هيمنتهم التجارية الممتدة من الصين واليابان من جهة، إلى قارة أفريقيا حيث كانت لهم أراضي سوف يستوطنوها ويحولونها إلى مستعمرات زراعية، وحتى البرازيل من جهة أخرى. وكان الإسبان في هذه الأثناء قد ضموا في القارتين الأمريكيتين، نظرياً على الأقل، مساحات شاسعة جداً من الأراضي هي في الحقيقة أوسع أراضي استملكتها مملكة واحدة حتى ذلك الزمان، وهي مملكة قشتالة أما الفرنسيون والبريطانيون فلم يكونوا قد قاموا بعد إلا بمحاولات قليلة للاستكشاف والاستيطان في أمريكا الشمالية، صحيح أن الفرنسيين عينوا نائباً للملك عن كندا ونيوفوندلند ولابرادور في أربعينيات القرن السادس عشر، إلا أن هذا لم يكن في الواقع إلا ادعاء لا أساس له، وكانوا قد ابتدأوا تقليداً راسخاً وناجحاً من القرصنة والسلب والنهب على حساب الإسبان في نصف الكرة الغربي؛ وإن مستوطناتهم الكبرى في أمريكا سوف تأتي في مرحلة لاحقة، مثل مستوطنات الهولنديين.
الإمبراطورية الإسبانية
ابتدأت عملية الاستيطان في جزر المحيط الأطلسي في القرن الرابع عشر، لهذا كان الرجال الذين صنعوا أولى الإمبراطوريات الأوروبية رجالاً من العصور الوسطى، أي أن تفكيرهم قد صيغ في قالب التراث الكلاسيكي لليونان وروما، والأهم منها المسيحية. إن هذا التراث هو الذي صنع الرجال الذين سماهم الإسبان الفاتحينconquistadores والذين تراهم في تسعينيات القرن الخامس عشر مستوطنين جزر الكاريبي أولاً، ثم مستكشفين يقومون بغاراتهم على البر الرئيسي في البلد التي سوف تسمى فيما بعد فنزويلا. وفي عام 1513 عبر بعضهم برزخ بنما، ثم استقروا وراحوا يبنون لهم الأكواخ ويزرعون المحاصيل، فكانت هذه علامة على أنهم ينوون البقاء، وتأسست عندئذٍ في منطقة بنما أول أرض تابعة للقانون الإسباني على البر الرئيسي للقارة. كان المستوطنون قد كثروا في جزر الكاريبي في ذلك الحين، وكانوا قد أتوا بالعبيد من أفريقيا لتشغيلهم في الأعمال المختلفة، ومابرح صغار النبلاء والجنود الإسبان المتلهفون لاستملاك الأراضي والثروات يزدادون انجذاباً نحو الأمريكتين مع وصول المزيد والمزيد من المعلومات عنهما.
كان أشهر أولئك الفاتحين الإسبان ضابطاً تمتزج فيه البطولة بالقرصنة ويدعى هرنان كورتس، انطلق كورتس من كوبا إلى المكسيك في عام 1518، وما إن رسا فيها حتى أحرق قواربه وخرج عن سيطرة رؤسائه، ثم أسس مدينة فيرا كروز وقاد رجاله نحو الداخل حتى الهضبة العالية التي كانت قلب إمبراطورية الأزتيك، ومالبث أن فتحها خلال أشهر قليلة. وبعد بضع سنوات في عام 1531، سار رجل إسباني آخر هو بيزارو وهو مغامر أشد وحشية حتى من كورتس عبر جبال الآندس إلى عاصمة الإنكا حيث قوض نظامهم، وبذلك صارت كل من المكسيك والبيرو تابعة لعرش إسبانيا، وأضيفت إلى الأراضي التي استملكها سابقاً في فنزويلا وأمريكا الوسطى الحاليتين.
وتسربت إلى إسبانيا الأساطير عن الثروات الخيالية في الأمريكتين، وراحت تجتذب الإسبان إلى جزر الهند مثل قوة مغناطيسية لاتقاوم، وكانت تحركهم دوافع عديدة ومتضاربة، أقواها بلاريب هو الرغبة بالاستيلاء على ثروات تلك الحضارة التي أذهلتهم وحملها إلى بلادهم، وسوف يظل الناس زمناً طويلاً يستكشفون أمريكا الجنوبية بلا كلل بحثاً عن المدينة الأسطورية التي كان الإسبان يسموها إلدورادو أي أرض الذهب وعن ثرواتها الطائلة. وكانت لدى الفاتحين دوافع أخرى أيضاً، فقد كان الكثيرون منهم يبحثون عن الأراضي من أجل استملاكها، أو عن العبيد لتشغيلهم في المزارع التي كانوا قد بنوها في الجزر، ولهذا كانوا يعاملون الهنود بلا رحمة ولا شفقة. صحيح أنهم كانوا في بعض الأحيان راغبين في تبشيرهم بإنجيل المسيح، وأن رجال الدين الأسبان قد سعوا لردعهم عن وحشيتهم، إلا أن أولئك المستوطنين كانت تدفعهم موجة الجهاد المسيحي الذي استعاد إسبانيا من المسلمين، ولم تكن تلك بعقيدة تحترم الفروق الثقافية، كما أن الكثيرين منهم روعتهم عادات الأزتيك في التضحية بالبشر، مع أن الناس في أوروبا كانوا يألفون فكرة إحراق من يتبع مذهباً هرطقياً في الديانة المسيحية.
الأمريكيون قديماً وحديثاً
لقد سبب قدوم الإسبان كوارث عظيمة للسكان الأصليين في كل بقعة من بقاع البلاد، ولو أنهم لم يكونوا مسؤولين عنها كلها، إلا إذا قيل إنهم ماكان يجب عليهم أن يذهبوا إلى أمريكا أصلاً، فقد جلبوا معهم أمراضاً، كان أسوأها مرض الجدري، فتكت بالسكان فتكاً مريعاً في الجزر أولاً ثم على البر الرئيسي. وربما أحدثت قوة الإسبان الهائلة صدمة في نفوس الهنود ساهمت في تقويض معنوياتهم، فهم لم يكونوا قد رأوا في حياتهم خيولاً مثلاً، لهذا فقد ذهل الأزتيك عندما وقعت أنظارهم على الأحصنة الستة عشر التي جلبها معه كورتس، ولما شاهدوا الخيالة يترجلون عنها حسبوها وحوشاً عجيبة تشطر أجسادها إلى شطرين.
وسرعان ما نقصت الأيدي العاملة ولم تعد كافية للمستوطنين، فراحوا يستغلون مابقي منها بلا أدنى رحمة، وقد حارب رجال الدين وحشيتهم، ولكنهم لم ينجحوا في حماية الهنود منهم، وكانت الترتيب الشائع أن يمنح مستوطن إسباني خدمات السخرة من جماعة من السكان الأصليين مقابل أن يحكمها ويحميها. ومع ازدياد أعداد الناس الذين قضوا نحبهم ضحية للأمراض والإنهاك ازداد حرص المسؤولين الملكيين والمستوطنين معاً على منع العمال من مغادرة المزارع التي يعملون فيها، فضاق الخناق بذلك عليهم أكثر.ومازالت الكلمة المستخدمة للدلالة على الفلاح في مناطق واسعة من أمريكا الجنوبية حتى اليوم هي كلمة peón، وهي كلمة إسبانية معناها حجر البيدق في الشطرنج، أي أدنى الأحجار قيمة في اللعبة.
وراحت جماعات السكان الأمريكية في الأراضي الإسبانية تنمي أعدادها رويداً رويداً عن طريق التكاثر والهجرة من أوروبا على مدى القرنين التاليين، فكانت النتيجة ظهور عدد من المجتمعات الأمريكية من أصل إيبيري طبقاتها العليا والوسطى من أصل أوروبي ولكنها تحكم سكاناً سوادهم من الهنود. ورغم أن الإسبان والبرتغاليين لم يعارضوا التزاوج مع الهنود – ولاننس أن الإسبان طالما عاشوا في مجتمع متعدد العروق- فقد كان المقام الأعلى في مجتمع المستعمرات للدم الأوروبي، وكلما كان المرء أقرب عرقياً من الأصل الأوروبي كلما ازدادت ثروته وسلطته. وكان الأشخاص المولودين في الأمريكتين من أصل أوروبي يسمون بالإسبانية الكريول، وكانوا هم الحكام والسادة على من بقي من هنود الحضارات القديمة، التي زالت جميع إنجازاتها الباهرة تقريباً، فصار الكثيرون من الهنود يتحدثون شكلاً من أشكال اللغة الإسبانية، كما أصبحوا مسيحيين بالاسم على الأقل.
المؤسسات والحكم
لاتختلف القصة في البرازيل التي استوطنها البرتغاليون كثيراً عن قصة المكسيك والبيرو، عدا عن أن البرازيل لم يكن فيها شيء من الحضارة الأصلية، والفرق الآخر هو أن أعداداً كبيرة من العبيد قد جلبت من أفريقيا للعمل في مزارع السكر، بحيث صارت أهمية التراث الثقافي الأفريقي في البرازيل مساوية لأهمية تراثها الهندي. وكما كان الأمر في المستعمرات الإسبانية، كانت المسيحية في البرازيل واحداً من أبرز مظاهر الحضارة الأوروبية التي زرعت في بيئة غير أوروبية، فأكثر الأبنية القديمة في البرازيل اليوم إنما هي كنائس.
كما أن عناصر أخرى من القارة القديمة قد ضربت جذورها شيئاً فشيئاً في أمريكا الوسطى والجنوبية، فقد اعتبر المستوطنون والحكومات في إسبانيا والبرتغال أن من الطبيعي تطبيق أشكال الحكم التي يعرفونها، مع أنها مبنية على قوانين وتقاليد ومؤسسات تعود إلى الماضي الأوروبي البعيد، وليس لها علاقة منطقية بالمجتمع الأمريكي على الإطلاق، وقد فرضوها فرضاًَ، وبعد أن زالت الإمبراطوريات استمرت في أمريكا الجنوبية الدول المبنية على أسس أوروبية بإدارتها ومحاكمها، مثلما استمرت الهيمنة للغات الأوروبية.
كانت الإمبراطوريتان الإسبانية والبرتغالية في أمريكا تمتدان على مساحات هائلة، ولكن سكانهما كانوا قليلين جداً، فلم يكن هناك إلا عدد قليل من المهاجرين الأوروبيين الذين يستثمرون البلاد، كما أن أعداد الهنود قد هبطت، وربما لم يتجاوز عدد السكان من المجموعتين معاً 10 ملايين نسمة في عام 1600م. وفي عام 1700م كان الإسبان يحكمون، بصورة نظرية على الأقل، منطقة تمتد من نهر بلات في الجنوب حتى نهر كولورادو في الشمال، وتشمل كافة ساحل المحيط الهادي تقريباً من جنوب تشيلي حتى شمال كاليفورنيا، حيث يشهد اسم سان فرنسيسكو على السيادة الإسبانية، كما تضم أراضي أخرى كثيرة إلى الشمال من نهر ريو غرانده فضلاً عن فلوريدا. ولكن عدد السكان في هذه البلاد بقي قليلاً جداً حتى عام 1800م، وكان وجود الإسبان فيها مقتصراً على بعض محطات الإرساليات وبعض الحصون القليلة، ولو أن بعضها سوف يشكل مواقع مدن هامة جداً في أزمنة لاحقة. أما بقية أسبانيا الجديدة فكانت مكونة من المكسيك، وهي غنية بالمستوطنين، ومن الأراضي الواقعة في منطقة البرزخ، وكانت إسبانيا الجديدة هذه تابعة لنائب الملك. ثم كانت هناك تجمعات هامة للسكان ومدن كبيرة في البيرو وبعض الجزر الكاريبية الواسعة، أما جزر الهند فكانت نظرياً ممالك شقيقة لمملكتي قشتالة وأراغون، يحكمها نواب عن الملك، ولكنها كانت في الحقيقة تحكم بدرجة كبيرة من الاستقلال بالطبع، ومع هذا كانت في الوقت نفسه جزءاً من إمبراطورية عالمية ترتبط عن طريق أكابولكو وبنما بجزر الفيليبين وبإسبانيا.
أمريكا الشمالية
لقد بقي الاستيطان الأوروبي لأمريكا الشمالية لزمن طويل ضعيفاً جداً بالقياس إليه في الجنوب، ولكنك إذا نظرت إلى المنطقة الساحلية الشرقية للقارة في عام 1700 وجدتها مليئة بالمستوطنات الإنكليزية، وكانت إحداها مستوطنة فيرجينيا التي سميت على اسم ملكة إنكلترا إليزابيث الأولى، التي لم تتزوج لأن virgin معناها العذراء، وكان هذا أول مكان جرت فيه محاولات لتأسيس مستوطنة في ثمانينيات القرن السادس عشر، ولو أنها كانت محاولات فاشلة. ثم جرت محاولات أخرى في بداية القرن التالي، ولكن جاذبية أمريكا الشمالية من الناحية الاقتصادية ظلت لزمن طويل أضعف بكثير من جاذبية منطقة الكاريبي، والحقيقة أن المستوطنين الإنكليز كانوا في عشرينيات القرن السابع عشر قد بلغوا جزر الهند الغربية نجاحاً أكبر بكثير مما بلغه أبناء عمومتهم على البر الرئيسي.
وأخيراً بلغ استيطان أمريكا الشمالية في القرن السابع عشر مستوى عالياً من النجاح ضمن له أن يستمر ويتطور بصورة متسارعة، حتى صار هناك في عام 1700 حوالي 400.000 شخص من أصول أجنبية أكثرهم بريطانيين يعيشون في أمريكا الشمالية في اثنتي عشرة مستعمرة إنكليزية. وقد أسست أولى المستوطنات الناجحة في جيمستاون الواقعة في ولاية فرجينيا الحالية في عام 1607، وبعد عام واحد بنى المستكشف الفرنسي شامبلان حصناً صغيراً في كيبك، وبعد سنوات قليلة ظهر المستوطنون الهولنديون في موقع مدينة نيويورك الحالية، وكانت أمريكا الشمالية تضم أراضي كثيرة يمكن زراعتها بالأساليب الأوروبية، فراح الإنكليز ينقلون إليها جماعات بأكملها من رجال ونساء وأطفال، وراح هؤلاء يعملون في الزراعة فمنحهم هذا قدراً هاماً من الاستقلال عن بلدهم الأم، مثلما كانت الحال في مستوطنات المدن الإغريقية في العصور القديمة. ثم أتت زراعة التبغ التي ابتدأت في فرجينيا، فكانت هذه سلعة ملائمة للتصدير، وكان التبغ على أهمية عظيمة في التاريخ الباكر لفرجينيا ولمستوطنة ماريلاند التي أتت بعدها أيضاً، بل إنه كان يستخدم بدلاً من المال من أجل حساب الديون. ثم جاءت من بعده محاصيل هامة أخرى مثل القطن والأرز وصبغة النيلة، أمدت كلها المستوطنين بالإيرادات اللازمة لشراء ما يلزمهم من البلد الأم، كما كانت لهم أيضاً موارد أخرى من صيد السمك ومايرتبط به من نشاطات. أما كندا فلم يكن فيها يوماً منتج على هذه الأهمية، وكانت تجارة الفرو فيها ضئيلة، فكان هذا من أسباب البطء الشديد الذي كنت تراه في نمو المستوطنات الفرنسية، والحقيقة أن عدد الفرنسيين في كندا في عام 1661 لم يتجاوز الثلاثة آلاف تقريباً.
لقد سلكت المستعمرات الإنكليزية منذ البداية مناحي خاصة في تطورها بسبب مناخ منطقتها وجغرافيتها، كانت مجموعة المستوطنات الأبعد شمالاً تسمى نيوإنغلند أي إنكلترا الجديدة، وقد تميزت أيضاً من حيث أنها بدأت تجتذب إليها أناساً ذوي آراء دينية خاصة تعكس عادة الأشكال الأكثر تطرفاً من بين العقائد البروتستانتية الكالفينية، فكانت لديهم أفكار متشددة جداً حول السلوك، وكانوا يكرهون الطقوس والشعائر في عبادتهم، مع أنهم كانوا يغالون في فرض أساليبهم في الحديث والسلوك وكأنها طقوس مقدسة وكان هؤلاء يسمون في إنكلترا بيوريتانيين أي طهريين وكان الكثيرون منهم يعتبرون أنفسهم منتمين لكنيسة إنكلترا الرسمية عندما يرحلون إلى أمريكا، ولكنها ينشقون عنها في العادة متى حلوا في العالم الجديد، وصار يفصل بينهم وبين بلدانهم الأصلية حوالي خمسة آلاف كيلو متر من المحيط الأطلسي. كان البيوريتانيين متزمتين للغاية، بل قد يمتعضون إذا ما رأوا المهاجرين الآخرين يحتفلون بالأعياد والمناسبات السعيدة، وقد صارت منطقة نيوانغلند تعرف بالإجمال بأنها مكان الراغبين بالانقطاع عن الأساليب القديمة، بينما كان الأكثر تعلقاً بتقاليد بلدهم القديمة وعاداتها يذهبون إلى المستعمرات الجنوبية مثل فيرجينيا وكارولاينا الشمالية وكارولاينا الجنوبية.
وفي عام 1620 رست مجموعة من المستوطنين البيورتانيين في سفينتهم مايفلاور، وأسسوا لهم مستوطنة بليموث في ماساشوستش، وسرعان ما عرفوا بلقب الآباء المهاجرين، ودخلوا عالم الأساطير. وقد ارتبطت قصتهم أيضاً بتقاليد الحكم الذاتي، ولايعني بالضرورة الديمقراطية، وكان الحكم في ماساشوستس يقع عادة في أيدي حلقة ضيقة جداً من الأثرياء ورجال الدين الكالفينيين، بينما ظهرت أشكال من الحكم ديمقراطية في ولايات أخرى مثل كونكتيكت ورود آيلند. إلا أن قدرة الحكومة في إنكلترا على التحكم بمستوطناتها كانت ضئيلة في كل مكان تقريباً بسبب بعد المسافات في البر كما في البحر، وبفعل الظروف الخاصة في العالم الجديد؛ وسرعان ما أصبح الحكم الذاتي حقيقة قائمة في المستوطنات الأنكلوسكسونية بصرف النظر عن الترتيبات التي كانت قد بنيت على أساسها.
لم تكن أي من مستوطنات أمريكا الشمالية مضطرة للتعامل مع مجتمعات أصلية معقدة وغنية مثل التي كانت في المكسيك والبيرو، لأن هنود أمريكا الشمالية في القرن السابع عشر كانوا بعد على عتبة المرحلة الزراعية في تطورهم، وكانت تقنيتهم نيوليتية على أفضل تقدير. ولكنهم أعطوا نصائح قيمة للمستوطنين البيض، والحقيقة أنهم أنقذوا مستوطني ماساشوستس في أيامهم الأولى من المجاعة بأن قدموا لهم الطعام. والمؤسف أن كرمهم هذا لم يجعل الأوروبيين يحسنون معاملتهم على المدى البعيد، بل راحت مستوطنات البيض تمتد بالتدريج على حساب أراضي صيدهم التقليدية، فابتدأت بذلك مرحلة طويلة من الصراع سوف تنتهي بانقراض الكثير من الشعوب الأصلية انقراضاً تاماً تقريباً، وإن الذين تمكنوا من البقاء إنما أمكنهم ذلك بأن رحلوا نحو الغرب. ولكن بالمقابل قدمت الأمريكتان فرص العيش لآلاف الأوروبيين الفقراء، فقد اجتذبت الألمان والهوغنوت أي البروتستانت الفرنسيين والسويسريين، فصاروا يفدون إليها عند نهاية القرن السابع عشر بعد أن كان الهولنديون قد سبقوهم إليها، وهكذا كانت أمريكا الشمالية منذ عام 1700 بوتقة تنصهر فيها شعوب من أصول عديدة. | |
|
Eng. Ahmedzoubaa Admin
عدد المساهمات : 1216 تاريخ التسجيل : 28/08/2010 العمر : 50
| |