رسالة مصرية ثقافية
مرحبا بك أخي الزائر نشكر زيارتك ونتمني انضمامك للمنتدي
زيارتك تسر إدارة المنتدي ومشاركتكك تسعدنا وتساهم معنا بارتفاع الثقافة العامة
بعض المنتديات الفرعية والموضوعات
لا يمكنك الإطلاع عليها إلا بعد التسجيل كعضو في المنتدي
رسالة مصرية ثقافية
مرحبا بك أخي الزائر نشكر زيارتك ونتمني انضمامك للمنتدي
زيارتك تسر إدارة المنتدي ومشاركتكك تسعدنا وتساهم معنا بارتفاع الثقافة العامة
بعض المنتديات الفرعية والموضوعات
لا يمكنك الإطلاع عليها إلا بعد التسجيل كعضو في المنتدي
رسالة مصرية ثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رسالة مصرية ثقافية

ثقافية - علمية - دينية - تربوية
 
الرئيسيةرسالة مصريةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الفصل الثالث - أسس عالمنا

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 50

الفصل الثالث - أسس عالمنا  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الثالث - أسس عالمنا    الفصل الثالث - أسس عالمنا  - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 14 يونيو 2011 - 7:30

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

تفاعل وتبادل

في عام 1000 ق.م كانت قد ظهرت أنماط عديدة من الحضارة في الشرق الأدنى وشرق المتوسط، وكانت أنماط أخرى قد زالت. وكانت القوى العظمى قد ألفت التعامل إحداها مع الأخرى عبر هذه المنطقة من خلال الدبلوماسية الرسمية، بينما كان الحرفيون والتجار والمرتزقة يتحولون فيها بحثاً عن معيشتهم، والناس يتبادلون الأفكار وأساليب الفن والمهارات التقنية في كافة أنحائها. وكانت تلك بحق أول مجموعة عالمية من المجتمعات. ولقد بقيت هذه المنطقة لزمن طويل المكان الوحيد في العالم الذي يبدي هذه الحيوية والتبادل الخلاق، وفيها يمكنك أن تميز بدايات تيارات سوف تسيطر على تاريخ العالم في قرننا هذا. وإن أفضل نقطة للبدء بفهم الأمور هي مرة ثانية تحركات الشعوب وترحالها. تفسر تلك الهجرات جزءاً كبيراً من التبدّلات الدينامية الجارية، فطوال الألف الثاني ق.م يظهر في كل من الهند وإيران وبلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر وبحر إيجة تأثير الشعوب التي نسمي لغاتها هندية أوروبية. تقول إحدى الفرضيات إن الهنود الأوروبيين قد أتوا من جنوب روسيا، وكان ذلك على الأرجح قبل عام 2000 ق.م بزمن طويل، وربما كان السبب أن التغيرات المناخية في آسيا الوسطى قد دفعت شعوباً أخرى في الشرق إلى الهجرة غرباً، فشكلت بذلك ضغطاً على "الهنود الأوروبيين" ودفعتهم بدورهم. ومن الطرق التي سلكوها طريق تمتد في شبه جزيرة البلقان نزولاً إلى اليونان وتراقيا، ومن هناك عبر الأناضول. وفي هذه الأثناء كان هنود أوربيون آخرون قد نزلوا عبر القوقاز، ومن تركستان إلى بلخ وإيران والهند، وإن اسم إيران مرادف لصفة ”آريAryan وعدا عن الهنود الأوروبيين الذين كانوا في منطقة الدانوب بجنوب شرق أوروبا، كان آخرون قد تحركوا غرباً إلى ألمانيا وشمال فرنسا بل وحتى الجزر البريطانية، ولكن لنترك قصتهم لمرحلة لاحقة.

في الهلال الخصيب دخلت هذه الشعوب صراعاً مع الإمبراطوريات القديمة التي كان تسيطر عليه منذ الإطاحة بسومر، وكانت الشعوب السامية تنتقل فيه أيضاً. ويخبرنا العهد القديم من الكتاب المقدس المسيحي أن إبراهيم، الذي يعتبره اليهود الآن في بداية تاريخهم التقليدي، قد انطلق من أور عبر بلاد الرافدين والشام سعياً إلى المرعى، وهي على الأرجح قصة حفظتها ذاكرة الشعوب. وكانت هناك قبائل كثيرة تنتقل في ذلك الحين، كما أن الهنود الأوروبيين كانوا أيضاً رعاة رحل، وتتنازع فيما بينها على الكلأ والماء في الهلال الخصيب، وقد انجذبت تلك الشعوب إلى الثقافات المتطورة التي كانت في هذه البلاد، وراحت تستعير منها وتقلدها.

ولابد أن تكون الهجرة قد سرعت في انتشار الحضارة بصورة كبيرة، والدليل على هذا هو انتشار الكتابة. في عام 2000 ق.م كانت الكتابة محصورة إلى حد كبير بحضارات وديان الأنهار، ولو أن المسمارية كانت منتشرة في كافة أنحاء بلاد الرافدين وكانت تكتب بها لغتان أو ثلاث؛ ففي مصر مثلاً كان يحفر على الصروح بالكتابة الهيروغليفية، وكانت الكتابة اليومية تتم بشكل مبسط منها يدعى الهيراطية، أما المسمارية فكانت مستخدمة في الدبلوماسية. ولكنك بعد حوالي ألف سنة صرت تجد شعوباً تعرف الكتابة في كافة أنحاء الشرق الأدنى، وفي كريت واليونان أيضاً، ويمكن تمييز هذه الشعوب من خلال لغاتها المختلفة. كما أنها كانت تخترع كتابات جديدة، ففي كريت مثلاً تجد في حوالي عام 1500 ق.م كتابة كانت مستخدمة لتدوين شكل من اللغة اليونانية، أي أنها تصل بك إلى مشارف عالم جديد. وإن أول كتابة دوّن بها أدب غربي كانت مستخدمة في عام 800 ق.م، وهي مشتقة من أبجدية اخترعت لكتابة لغة سامية ومأخوذة من الفينيقيين.


عدل سابقا من قبل Admin-ahmed في الثلاثاء 14 يونيو 2011 - 7:42 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com

كاتب الموضوعرسالة
Eng. Ahmedzoubaa
Admin



عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010

الفصل الثالث - أسس عالمنا  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثالث - أسس عالمنا    الفصل الثالث - أسس عالمنا  - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 14 يونيو 2011 - 7:38

حضارة جديدة

عندما انتعشت التجارة من جديد بعد غزوات الدوريين، أي في حوالي القرن التاسع، راح الرجال يغامرون بالسفر ويعيدون ربط شبكات التجارة القديمة التي مزقها الزمن. وكانوا ينقلون أشياء كثيرة في قدور وجرار تمكننا بقاياها من تتبع هذه العملية. كان تصميم تلك الأوعية وإتقان صنعها قد تراجعا كثيراً عند نهاية المرحلة الميقينية، ولكن حتى نحو عام 1000 ق.م كان الخزف يصنع بأسلوب جديد وجذاب جداً، ربما ابتدأ في أثينا. وكان يزين برسوم بسيطة جداً ولكنها جميلة ومكونة من أشكال مجردة مثل الخطوط والدوائر المتحدة المركز وشرائط الألوان ولهذا سميت رسوماً هندسية. ثم تطورت هذه الرسوم الجميلة فأصبحت أكثر تعقيداً، ولكن لم تظهر فيها الأشكال البشرية حتى القرن الثامن ق.م، أي بعد أن كان عمرها حوالي 250 سنة، وحتى هذه الأشكال البشرية كانت ترسم في البداية بطريقة هندسية ومجردة. وكان الخزف علامة على أن الحياة في بحر إيجة تزداد تحضراً من جديد.

تخبرنا رسوم السفن على مزهريات القرن الثامن القصة نفسها، أي عن وجود عالم إغريقي جديد في بحر إيجة بعد عام 776 ق.م بقليل وهو العام الذي صار الإغريق يعتبرونه بداية لتاريخهم. كان ذلك تاريخ حدث هام هو الألعاب الأولمبية الأولى، التي أخذت اسمها من اسم المكان الذي كانت تعقد فيه، أي أوليمبيا الواقعة في غرب اليونان، ويشك العلماء بهذا التاريخ (كما يبدو أنه كان ثمة احتفال أقدم سابق لهذه الألعاب المكونة من الملاكمة والجري والغناء والرقص)، ولكنه يبقى مع ذلك معلماً جيداً لبداية تاريخ اليونان. وقد ظلت هذه الألعاب تعقد بشكل منتظم تقريباً كل أربع سنوات طوال ألف سنة كاملة؛ ومع أنها صارت في حوالي عام 200 ق.م استعراضاً للمحترفين يجتذب السواح من الخارج، فإنها كانت في أيامها الأولى مسابقات لفرق الهواة التي تفد إليها من كافة أنحاء اليونان لتمثل مدنها. فكان هذا هو الاحتفال الوحيد الذي يجمع الأثينيين والطيبيين والإسبرطيين وممثلي مدن أخرى كثيرة بصورة منتظمة، وقد ساعدهم بذلك على أن يروا أنفسهم جميعاً كإغريق.

اللغة والهلينية

كان الإغريق يسمون أنفسهم Hellenes أما كلمة إغريقي Greek فهي مشتقة من اللاتينية، أي لغة الرومان الذين أتوا بعدهم، عند نهاية عصور الظلام كانت جماعات مختلفة عديدة في بحر إيجة تشعر أنها تشترك بأشياء كثيرة بالرغم من اقتتالها المتكرر فيما بينها. وأهم ما كانت تشترك به هو اللغة. وكانت اللغة اليونانية في القرن الثامن ق.م على وشك التطور بطريقة جديدة. إن أول شكل مكتوب من اللغة اليونانية وجد على رقم في كنوسوس وفي القصور الميقينية، ولكنه لم يستخدم إلا في المحاسبة، ولم تكتسب اليونانية شكلها الحالي إلا عندما أخذ الإغريق ربما من خلال التجارة اختراع الأبجدية الذي أوجده الفينيقيون وكيفوه لحاجاتهم الخاصة. وإن أول كتابة بالأحرف اليونانية الجديدة وجدت حتى الآن هي على إبريق يعود لعام 725 ق.م تقريباً. وعندما صارت اليونانية لغة مكتوبة كان الإغريق قد ساروا خطوة جديدة نحو فكرة أنهم بالرغم من جميع الفروق فيما بينهم يشتركون بأشياء كثيرة. والحقيقة أن شعورهم هذا كان قوياً إلى حد أن الكلمة الدالة على غير الإغريقي لديهم كانت مبنية على فكرة أنه لا يتحدث اليونانية: فكانوا يسمونه barbaraphonoi أي من ”يبربر” أو يتكلم كلاماً غير مفهوم، ومازالت كلمة بربري مستخدم للدلالة على الشخص غير المتحضر.

إن تدوين اللغة يثبت أفكارها، وعلى مدى مئات السنين كان الشعراء والقصاصون يكررون روايات وأغاني وأساطير الشعوب التي نشأ منها الإغريق. صحيح أن استظهار الأدب على هذه الصورة يعطيه عمراً مديداً، ولكن تفاصيله تتغير رويداً رويداً لأن الذين يؤدونه قد يرغبون بإظهار ناحية ما تبدو لهم مناسبة أو إدخال تلميح جديد يجعل أداءهم أقوى أثراً في مستمعيهم. أما عندما تدون القصص فلا يعود ثمة مجال كبير أمام الأفراد لتغييرها، لقد كانت هناك بالتأكيد مئات من القصص المعروفة عن الآلهة والأبطال في اليونان القديمة قبل أن يمكن تدوين أي منها، إلا أن ثمة مجموعة صارت أهميتها محورية في الثقافة والتربية عند الإغريق، لأن أول أعمال مكتوبة في الأدب الإغريقي قد أُخذت منها. تتحدث هذه القصص والأساطير عن حملة إخائية على طروادة، وهي مدينة في آسيا الصغرى، وتشكل أحداث تلك الحملة خلفية القصيدتين الطويلتين اللتين نسميهما الإلياذة والأوديسة، واللتين يبلغ طولهما معاً حوالي 28000 بيت شعر، وهما اثنان من أعظم الأعمال الأدبية في العالم. ويأتي اسم الإلياذة من الاسم اليوناني لمدينة طروادة (إليون) التي تخبرنا القصيدة أنها كانت تحت الحصار بينما تسرد لنا أياماً قليلة من حياة بطل إخائي عظمي هو أخيل. أما القصيدة الثانية فهي على اسم بطلها أوديسيوس، الذي ذهب إلى طروادة في نفس الحملة الإخائية، وهي تتحدث عن ترحاله طوال عشر سنوات بعد نهاية الحصار، وعن مغامراته الرائعة وسعة حيلته، ثم عودته أخيراً إلى وطنه وانتصاره على الذين حاولوا اغتصاب مكانه في غيابه. وتنسب التقاليد هاتين القصيدتين إلى رجل واحد وهو شاعر كفيف اسمه هوميرس، ربما كان يعيش على جزيرة خيو، ولكن هذا الأمر مازال موضوع خلاف، مثل أشياء كثيرة متعلقة بالقصيدتين.

يرجح أن الإلياذة والأوديسة قد دونتا للمرة الأولى في القرن السابع ق.م، وإذا كان الأمر كذلك فإنهما لم تكونا إلا أحدث نسختين من مواد قديمة جداً، فيها أفكار ونبذ حقائق من قرون عديدة، مخلوطة فيما بينها من دون أي معرفة بما يناسب كل حقبة تاريخية. وإذا أردت أن تتخيل شيئاً مشابهاً إلى حد ما فلك أن تتصور قصيدة من القرن العشرين تتحدث عن اكتشاف كولومبس لأمريكا مغلوطة ببضعة قرون، يسافر فيها في سفن شراعية، ولكنه يملك مع ذلك مذياعاً، ويقابل سكاناً أصليين يلبسون ويتكلمون ويفكرون مثل الأسبان، ومحبوك فيها فوق هذا كله تفاصيل وذكريات باهتة وبعض من لغة قصيدة بيولف*. وقد سبب هذا الخليط اختلافاً كبيراً بين الباحثين، وحاولوا ربطها بالآثار المكتشفة، ولكن كثيراً ما تبين أن الواقع كان مختلفاً جداً عما تصفه القصيدة. فحصار طروادة العظيم مثلاً الذي يستمر عشر سنوات في القصة لم يكن على الأرجح إلا غارة سريعة مثل غارات الفايكنغ قام بها بضع مئات من قطاع الطرق على مستوطنة صغيرة لا يزيد حجمها عن ثلاثة أو أربعة هكتارات. ولكنك بالرغم من هذا تجد ضمن هذا الخليط تفاصيل تلقي ضوءاً على عصور الظلام التي تحدرت منها بعض عناصر القصيدتين.

كانت هاتان القصيدتان عند الإغريق بمثابة كتب مقدسة، وكانت مكانتهما المحورية تشبه مكانة العهد القديم لدى اليهود. وقد بقي الشعراء المحترفون طوال أجيال يحصلون معيشتهم من التنقل وسرد الإلياذة والأوديسة، وفي الحالات القليلة التي يتلقى فيها الإغريق تعليماً رسمياً تكون هاتان القصيدتان أساسه. لقد لخص هوميروس الأمور التي جعلت الإغريق يعتبرون أنفسهم مختلفين، وقصيدتاه هما أول وثيقتين عن وعي الإغريق لذاتهم، فقد كانوا يعتقدون أنهما تضمان تاريخهم القديم، ومعلومات جوهرية عن آلهتهم وعلاقتها بالبشر وكيف تتصرف، وتفسيراً لمصير الإنسان والهدف من الحياة، ودليلاً للأخلاق ونماذج من السلوك السليم والخصال التي تجعل الإنسان يعيش حياة صالحة، وغير ذلك الكثير. لقد وجد الإغريق في الإلياذة والأوديسة نصوصاً لحل النزاعات، ومعايير للحكم على السلوك، وأبهى نموذج من أسلوب استعمال لغتهم، وساهمت هاتان القصيدتان في تشكيل أفكارهم وأذواقهم طوال مئات السنين، ثم أفكار البشرية لزمن أطول، واللافت أن الإغريق لم يكونوا يسمون هوميروس باسمه في العادة، بل كانوا يكتفون بلقب " الشاعر".

ديانة الإغريق

تجد في قصائد هوميروس الشيء الكثير عن الآلهة والآلهات وبالتالي عن الديانة التي كانت تجمع بين الإغريق. وقد صارت تلك الآلهة التي وصلتنا أسماؤهما مجمعاً مشتركاً في العالم الكلاسيكي بأكمله. ولكن لديانة الإغريق أبعاداً أخرى كثيرة ، ومن أجل أن تحاول فهمها يجب عليك أن تبعد عن تفكيرك بعض المعاني المرتبطة بالدين اليوم، إذ لم يكن لدى الإغريق مجموعة واضحة من العقائد ولا رجال دين مختصون بهذه الأمور -كانت لكهنتهم وعرافيهم وظائف أضيق- ولا كنيسة تجمع المؤمنين في منظمة مشتركة. بل كان لديهم خليط من الأساطير والأفكار والخرافات التي لم يكن أي منها مفروضاً عليهم جميعاً. إلا أن بعضها كانت تحاول فهم مشاكل الإنسان العميقة والدائمة، مثل سهولة انقلاب الحظ السعيد، والنقمة التي تترصد من يهزأ بقواعد الحياة أو يتكبر. لقد كانت الأساطير إذاً محاولة لمعالجة أحاجي الحياة. ونحن أيضاً لدينا أساطير، ولكنها في العادة مرتبطة بالعلم وليس بالآلهة. فنحن نقول مثلاً إن سلوك شخص ما يمكن تفسيره بشقاء عاشه في طفولته أو بضغوط العمل، ويعطينا هذا شعوراً بأننا نستطيع معالجة مشاكلنا، كأن نذهب إلى الطبيب مثلاً أو نأخذ عطلة. وعندما نحصل على نتيجة حسنة يتعزز إيماننا بهذه المعتقدات. والإغريق مثلنا كانت لديهم علاجات مبنية على الإيمان، ولكنه إيمان بأشياء غير التي نثق بها اليوم، إلا أن وسائلهم كانت تبدو لهم نافعة أيضاً، وكانت ممارسة الدين لديهم تعني أداء طقوس الغرض منها الحفاظ على رضا الآلهة.

كانت هناك أشياء مختلفة كثيرة قد يمارسها الإغريقي كجزء من ديانته، فقد كانت توجد مثلاً أشكال من العبادة بشكل طقوس أو أسرار تؤدى لتمثيل عمليات الطبيعة الكبرى مثل إنتاش النبات ونموه أو مرور الفصول. كما كانوا يفسرون الفأل أيضاً ويستشيرون العرافين في الأمور الهامة. كانت العرافة الأساسية هي عرافة أبولو في دلفي، ولكن كانت هناك أماكن كثيرة غيرها يحج الناس إليها من مسافات بعيدة من أجل أن تبين لهم مصائرهم. كان لكل مدينة آلهة تعيش في المعابد التي توجد عادة في الأكروبوليس*، وكانوا يخدمونها بخشوع في احتفالات المدينة التي تمتزج فيها الطقوس الدينية بالألعاب والعروض المسرحية، أو يقدمون لها القرابين في البيوت وفي مذابحها المقامة على جوانب الطرقات. كانت الآلهة أثينا مثلاً هي الآلهة الحارسة للمدينة التي تحمل اسمها، وقد تعبد في أماكن أخرى أيضا. ولا ننس التوقير الذي كانوا يؤدونه لمئات من الآلهة الصغرى والأرواح وقوى الطبيعة في آلاف المقامات. وإن القدر الكبير المقدم لها والجهود المبذولة لاسترضائها عن طريق القرابين مثلاً لتشير إلى أن عبادتها ربما كانت أكثر نواحي ديانة الإغريق شعبية.

كان الإغريق يعتقدون أن هذه الآلهة والإلهات التي يشتركون في عبادتها قد تتدخل في حياة البشر، ولكن ربما كان الاهتمام بها أكبر على المستوى الرسمي منه على مستوى الأفراد. وهي الآلهة التي تظهر قي قصائد هوميروس. وكانوا يعتقدون أن أكبرها تقيم على جبل ألومبس، وقد دخلت أسماؤها لاحقاً مثل زفس، وآريس، وأفروديت، إلى تراث أوروبا من الأساطير. وهي أوضح أمثلة على صورة الآلهة لدى الإغريق، وأبرز صفاتها هي أنها بشرية إلى حد بعيد. فصحيح أن زفس ملك الآلهة يكون في بعض الأحيان شخصية رهيبة يقذف صواعقه من حوله، إلا أنه في الوقت نفسه سيد إغريقي في أواسط العمر، طيب السرية وذو تصرفات خرقاء، كما أنه ميال إلى ملاحقة الفتيات. كذلك تجد في أفروديت إلهة الحب والخصب الكثير من صفات المرأة من غرور وأهواء. ولا تعيش هذه الآلهة بعيداً عن شؤون البشر بل تتدخل فيها مبدية عواطف بشرية إلى حد بعيد. فترى هوميروس يصور بوسيدون إله البحر والزلازل وهو يزرع درب أوديسيوس بالبلاء بسبب ضغينة يحملها عليه، بينما تنحاز إلى البطل وتساعده أثينا إلهة الحرب والحكمة العذراء التي تؤثره على سواه.

تشكل الديانة أساساً عميقاً من اللاعقلانية قد يغيب عن البال عندما ننظر إلى الحضارة الإغريقية في مرحلة نضجها القادمة. وقد نتجت عن هذه اللاعقلانية نظرات للعالم تكون أحياناً متعارضة أو متضاربة. كما أنها استعارت وضمت إليها عناصر من الخارج، مثل الأسطورة الآسيوية التي تقول بعصور الذهب والفضة والبرونز والحديد. إلا أن النتيجة كانت تجربة دينية مختلفة عن تجارب الشعوب الأخرى. وربما كان لهوميروس الدور الأكبر في تنظيم عالم ما فوق الطبيعة على هذه الصورة، وهو لا يفسح مجالاً كبيراً للعبادات الشعبية. وقد تذمر ناقد إغريقي في زمن لاحق من أن هذا الشاعر "قد نسب إلى الآلهة كل ما هو شائن ومعيب بين البشر، من سرقة وزنى وخداع". وكان محقاً في ذلك، لأن عالم الآلهة كما صوره هوميروس كان يسير بصورة مشابهة للعالم الحقيقي. فرغم أن ميثولوجيا الإغريق وفنهم قد يدينان بالكثير لمصر والشرق، فقد بقيا يصوران آلهتهم كرجال ونساء أفضل وأسوأ. وكان هذا العالم بعيداً كل البعد عن وحوش آشور وبابل أو عن شيفا* ذي الأذرع الكثيرة. ويشير هذا الأمر إلى تغير عظيم في المواقف الفكرية فإذا كانت الآلهة مثل البشر، فربما كان بإمكان الإنسان أن يصير مثل إله!!!

العالم الإغريقي

إن اليونان بحد ذاتها صغيرة جداً، ولكنها كانت جزءً من عالم أكبر بكثير. ولم يكن هناك في اليونان أو جزرها من يعيش على بعد أكثر من سبعين كيلو متر عن البحر، وهذا ما جعل الإغريق يألفون السفر في البحر وهو قوام الأوديسة، ولا يخافون منه مثل سكان البلاد البعيدة عنه. لذلك راحوا يستكشفون بيئتهم الأوسع ويستفيدون منها، ومنذ البداية كان سكان بحر إيجة من المستوطنين والمهاجرين، إذ لم يكن في بر اليونان فرص كثيرة للزراعة المجزية. والحقيقة أن زيادة عدد السكان قد سببت الضغط على الأراضي المتاحة، منذ القرن العاشر، فكان هذا هو المحرك البعيد لموجة كبيرة من الاستيطان، أدت عند نهايتها في القرن السادس إلى ظهور عالم إغريقي يمتد بعيداً وراء بحر إيجة، من البحر الأسود في الشرق حتى جزر البليار* وفرنسا وصقيلة في الغرب وليبيا في الجنوب. وكان هناك قوى أخرى تفعل فعلها أيضاً، فبينما كان المزارعون الباحثون عن الأرض يستوطنون تراقيا** استقر إغريق آخرون على ساحل بلاد الشام وجنوب إيطاليا من أجل المتاجرة. لقد كان الفينيقيون هو الذين فتحوا هذا الطريق، وربما شجع ذلك الإغريق على التشبه بهم أو نبههم إلى مواقع مناسبة لإقامة المستوطنات، فصاروا يرسلون إليها الأعداد الزائدة من السكان. إن أول مستوطنة إغريقية في غرب المتوسط قد أسستها في خليج نابولي حملة أرسلتها مدينتا خلقيس وأرتريا في حوالي عام 750 ق.م. وفي القرن التالي راحت مدن أخرى تنشئ مستوطنات صغيرة لها سوف تصبح مكتفية بذاتها ومستقلة مثل المدن الأصلية. فضربت المستوطنات جذورها في السهول الزراعية بصقلية كما نشأت على سواحل شمال أفريقيا وفرنسا، وكان إحداها أصل مدينة مرسيليا. كان أنجح تلك المستوطنات هي سيراكوزا (سرقوسة) في صقيلة، وقد صارت بين عامي 500 و 350 ق.م تقريباً، أي ما يسمى الأزمنة (الكلاسيكية) المدينة الإغريقية الوحيدة التي تضم أكثر من مئة ألف نسمة، فضلاً عن أثينا، وتذكرنا تلك الحقيقة بالضآلة النسبية لأعداد السكان في الحضارة الإغريقية.

بعد أن استولى الإغريق على المواقع الطيبة في صقلية وإيطاليا تحول اهتمامهم نحو الشرق. ولكن الشرق كانت فيه عقبات سياسية، إذ لم يكن بإمكان أي مدينة إغريقية باحثة عن المستوطنات الجديدة أن تجازف وحدها بمواجهة القوى البرية الكبرى القائمة هناك. لذلك تحول اتجاه الاستيطان نحو الشمال مبتعداً عن ساحل بلاد الشام. فاستقر بعض الإغريق في أشباه جزر شمال بحر إيجة حيث طردوا من بقي من شعوب الـPelasgoi أو استعبدوها، بينما أبحر آخرون عبر مضيق الدردنيل إلى البحر الأسود، الذي كان البقعة المفضلة لموجة ثانية من الاستيطان الإغريقي، أتت بعد قرن واحد من الموجة الأولى تقريباً. وفي عام 500 ق.م صارت هناك سلسلة من المدن الإغريقية تحيط بالبحر الأسود كله، كانت بعضها تصلح للزراعة، إلا أنها اهتمت بالتجارة أكثر من المستوطنات الغربية، وقد ساهمت كثيراً في تنشيط الأعمال التجارية في بحر إيجة. أما في الشمال منها فكانت تعيش شعوب بربرية بالمعنى الحديث للكلمة، منها السقيتيون وهم بالأصل شعب بدوي يمارس الزراعة في القرن السادس في السهول الواقعة بين نهري الدون والدانوب. وفي الغرب أيضاً واجه الإغريق في تراقيا شعوباً جبلية أكثر بربرية وشراسة.




* Beowulf


* قلعة أو قمة محصنة تشرف على المدينة


* أحد آلهة المثلث الهندي إله الدمار والخراب – المنجد في الأعلام


* أحد آلهة المثلث الهندي إله الدمار والخراب- المنجد في الأعلام


* أرخبيل إسباني في غرب المتوسط شرقي خليج بلنسية


* تدل هذه التسمية اليوم على المستبد أو الطاغية - المترجم


* ومعناها الحديث هو الأحمق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin



عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010

الفصل الثالث - أسس عالمنا  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثالث - أسس عالمنا    الفصل الثالث - أسس عالمنا  - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 14 يونيو 2011 - 7:39

إيطاليا والإتروريون*(الإتروسك)

لم يواجه الإغريق في الغرب أي إمبراطورية كبيرة، ولكن شغلتهم مدينة قرطاجة. كانت قرطاجة دولة مدينة في شمال أفريقيا أسسها الفينيقيون في حوالي عام 800 ق.م، ثم كبرت خلال بضعة قرون فصارت أعظم قوة وثروة من مدن الفينيقيين القديمة الواقعة على الساحل الشرقي للمتوسط مثل صور وصيدون**، وباتت تهدد الإغريق المقيمين في جنوب إيطاليا وصقيلية. أما على المدى الطويل فإن الخطر الآتي من الغرب إنما كان يكمن في الشمال، عندما كانت حركة الاستيطان الإغريقية جارية على قدم وساق لم تكن هناك على الهضاب المطلة على نهر تيفيرة (التيبر) إلا بضعة أكواخ للرعاة، ولكن موقعها هذا سوف يصبح عاصمة إمبراطورية قادمة، هي إمبراطورية روما. إن تأثير روما الكبير على التاريخ وولع الرومان بحبك روايات خيالية مثيرة حول أصولهم تجعل من الصعب أن تتخيل كم كانت بدايات قصتهم ضئيلة. تقول التقاليد إن روما مدينة تقوم على سبعة تلال، ويختلف علماء الآثار حول ما إذا كان تاريخ تأسيسها أقرب إلى عام 100 ق.م أو 800 ق.م، إلا أننا نعلم أن أبكر المستوطنات قد ظهرت على قمتي تلتين من التلال السبعة، وكان يسكنها رعاة أتوا إليها من المرتفعات المجاورة. ويبدو أن المراعي هناك كانت أفضل منها في القسم الداخلي البعيد عن البحر، وكان من السهل حماية هذين الموقعين، فضلاً عن وجود معبر مناسب لنهر تيفيرة، وهو في الحقيقة أخفض معبر يمكن اجتيازه قبل البحر.

الفصل الثالث - أسس عالمنا  - صفحة 2 Chp3-3

موقع إريتوريا في إيطاليا الحالية

صحيح أن هذا الموقع كان دوماً يؤهب المنطقة لأن تصبح مركزاً أساسياً للمواصلات، إلا أن تلك المستوطنات الصغيرة ما كانت لتصبح ذات شأن لولا وصول شعب نسميه الآن الشعب الإتروري، قبل عام 600 ق.م بقليل، وهو اسم مشتق من اسمهم اليوناني. مازال الأتروريون شعباً غامضاً، ويرجح أن يكونوا قد أتوا أولاً عبر البحر من البلقان في القرن العاشر، وربما انضم إليهم فيما بعد مهاجرون من آسيا الصغرى في حوالي عام 700 ق.م. وعندما انتقل الأتروريون إلى موقع روما كانوا بالتأكيد شعباً مزيجاً يعرف مهارات وثقافات غريبة عن إيطاليا في ذلك الزمان. ومنذ وصولهم إلى شبه الجزيرة الإيطالية كانوا ماهرين في شغل المعادن فاستغلوا مكامن خام الحديد الغنية في جزيرة إلبا وفي البر أيضاً.

مازلنا نجهل الكثير عن الإتروريين، ولكن يبدو أنهم كانوا يعيشون في اتحاد فضفاض من المدن التي يحكمها ملوك. وقد بلغ موطنهم إتروريا الذي كانوا يسيطرون عليه مساحة كبيرة تمتد من نهر البو في الشمال حتى السهل الساحلي إلى الجنوب من نهر تيفيرة. وكانوا يعرفون الكتابة وقد تبنوا الأبجدية الإغريقية من المدن الإغريقية في الجنوب على الأرجح، ولكن الكثير من نقوشهم مازالت غير مفهومة. وكانوا يعيشون في مدن إحداها مدينة كايرة* التي كان فيها حوالي 25000 نسمة في عام 600 ق.م أكثرهم من الإغريق، ولابد أن يكون وصولهم بأعداد كبيرة إلى روما قد بدل من طبيعة المكان. لقد شدد الرومان فيما بعد على فكرة المدينة والمواطن، وبدؤوا تقويمهم ad urba condiat أي (من تأسيس المدينة) الذي أرخ خطأ بعام 753 ق.م في التقويم المسيحي. ولكن الرومان كانوا يدينوا للإتروريين بأشياء كثيرة غير هذه، فمن خلالهم تعرفوا على الحضارة الإغريقية، وعنهم ورثوا الأسطورة الإغريقية التي تقول إن إنياس بطل طروادة المذكور في الإلياذة قد هرب منها عند هزيمتها وأبحر غرباً ليؤسس مدينة روما. كما أن هناك عادات رومانية كثيرة مثل إقامة ألعاب المصارعة وارتداء ثوب التوغة وقراءة المستقبل أتت كلها من الإتروريين. ولقد تشكلت أهم معتقدات الرومان الدينية في الأزمة الإترورية أيضاً؛ حتى أنثى الذئب التي ظهرت في أسطورة رومولس وريمس عن تأسيس روما هي على الأرجح بقية من عبادة الإتروريين لهذا الحيوان. وربما كان اهتمام الرومان بتصريف المياه أيضاً شيئاً آخر تعلموه من الإتروريين.

كانت روما مدينة في بداية القرن السادس ق.م ومنذ ذلك الحين أو بعده بقليل لم يعد هناك شعبان يعيشان في المكان نفسه، ولو بقيت هناك لغتان ضمن المدينة بسبب امتزاج الإتروريين بالسكان السابقين الذين يدعون باللاتينيين أحياناً ، وعندما اكتمل هذا الامتزاج صار بإمكاننا أن نتحدث عن الرومان كشعب متميز. ومازالت السنوات مابين عام 600 و 500 ق.م غامضة جداً، وقد نسج الرومان فيما بعد أساطير كثيرة حولها، ولكن خلالها كانت روما قد اكتسبت مؤسسات عديدة سوف تستمر زمناً طويلاً جداً. إحدى هذه المؤسسات كانت مؤسسة لتجنيد المواطنين الإلزامي في الخدمة العسكرية، وقد كان من الواجب العسكري في الأيام الأولى لروما مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالحقوق المدنية. كما كانت هناك مؤسسة أخرى، وهي مؤسسة للحكم المقتصر على النبلاء Patricians، الذين أتت تسميتهم من مرتبتهم كأرباب أسرPatres.

تقول التقاليد إن آخر ملك إتروري قد طرد في عام 510 ق.م، ولكن هذا التاريخ مغلوط بمقدار ثلاث أو أربع سنوات على الأرجح. ويمكننا أن نقول إن روما قد خرجت عندئذٍ من الشرنقة الإترورية. بينما كان الإتروريون يعانون الأمرين، فقد طردهم الإغريق من كمبانيا كما أخذوا منهم جزيرة ألبا. كانت روما دولة مدينة جديدة ظلت علاقاتها بالمدن الإترورية المجاورة علاقات ودية، لأنه كانت تواجه أخطاراً شديدة من جيرانٍ أخر، كما كانت طرق الاتصالات التي تسيطر عليها هامة لتجارة الإتروريين. إلا أن القرن الخامس ق.م قد شهد أيضاً بداية حقبة طويلة من الحرب بين روما والمدن الإترورية، وفي نفس الوقت تقريباً تظهر آخر علامات الوجود الإتروري في روما، مثل النقوش والبضائع التجارية. لقد كانت روما في ذلك الحين مستقلة استقلالاً حقيقياً، ولكن لم يكن فيها بعد ما يدل على ما ستبلغه في المستقبل من قوة عالمية.




* إتروريا هو الاسم القديم لتوسكانا


** صيدا الحالية


* caere وهي اليوم تشيرفيتيري الواقعة على بعد 50 كم شمال غربي روما – الموسوعة البريطانية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin



عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010

الفصل الثالث - أسس عالمنا  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثالث - أسس عالمنا    الفصل الثالث - أسس عالمنا  - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 14 يونيو 2011 - 7:39

المعجزة الإغريقية

كان إغريق إيطاليا معرضين لضغط الإتروريين في القرن السادس ق.م، كما كان القرطاجيون مصدر خطر دائم على إغريق صقلية، ولكن هذين الخطرين قد أمكن صدهما، وعند بداية القرن الخامس صار الإغريق الشرقيون هم الذين يعانون الأمرين على أيدي جيرانهم. ولم يكن هذا بالأمر الجديد، فلطالما كانت مدن إيونيا الإغريقية عرضة للابتزاز والغزو من القوى الآسيوية. ولقد بدا الآن أن بر اليونان بات مهدداً هو الآخر، إذ ازداد احتكاك الإغريق والفرس ببعضهما في آسيا الصغرى مع غزو الفرس للممالك غير الإغريقية هناك، والذين اندفعوا عبر مضيق الدردنيل واحتلوا المدن الواقعة على ساحل تراقيا. وفي عام 499 ق.م ثار إغريق إيونيا على المطالب المفروضة عليهم، وأغضبهم بالأخص تدخل الفرس في شؤونهم الداخلية، ودعمهم للطغاة ضد رعاياهم. وقد نجحوا في ثروتهم لفترة من الزمن بفضل مساعدة بعض مدن بر اليونان، ولكنهم هزموا في النهاية، ثم قرر الفرس معاقبة إغريق بر اليونان على مساعدتهم للمتمردين.

فقام الفرس بغارة بحرية فاشلة، ثم أطلقوا أسطولاً آخر في عام 490 ق.م، وقد رسا الجيش الذي يحمله حسب الخطة المرسومة، إلا أن الأثينيين انتصروا عليهم في معركة ماراتون، حيث أثبتت قوات الهبليت المنظمة أنها قادرة على هزيمة جيش الفرس العظيم. ولكن الفرس عادوا بعد عشر سنوات، وقد جاءوا هذه المرة عن طريق البر، فراحوا يتقدمون على طول الساحل، ثم بنوا جسراً عظيماً من القوارب عند مضيق الدردنيل لكي يعبر عليه جيشهم إلى أوروبا، وتابعوا مسيرهم ببطء نحو الغرب والجنوب تحت حماية أسطولهم الذي كان يغطي ميسرتهم. واستلم الإسبرطيون عندئذٍ زعامة الدفاع عن الإغريق، وعند مضيق ترموبيل هزم الملك الإسبرطي ليونيداس مع 300 من جنوده، ولكنهم تركوا للمستقبل أسطورة خالدة من البطولة. ومابرح الفرس يتابعون تقدمهم، واضطر الإغريق للتخلي عن سهل الأتيك، فاحتلت أثينا وخربت، وانسحب الإغريق إلى كورنتس وجمعوا أسطولهم في خليج سلامينا. كان الخريف قد حل، وربما خاف ملك الفرس من الشتاء لأن شتاء اليونان قاسياً، فقرر أن يحسم الأمر ويهاجم سفن الإغريق. كان عددهم أكبر، ولكنه هذه الميزة ضاعت في المياه الضيقة حول جزيرة سلامينا، فحطم الإغريق أسطوله واضطر جيش الفرس للانسحاب عندما خسر دعم أسطوله وتموينه. وفي العام التالي 479 ق.م هزم الفرس في معركة بلاتيا، وفي اليوم نفسه أحرز الإغريق انتصاراً عظيماً آخر في ميكالي على الساحل الآسيوي، حيث أحرقوا أسطولاً فارسياً ثانياً، ورغم أن الحرب بقيت تجرجر أذيالها سنوات بعد ذلك، فقد كانت هذه الحقيقة نهاية خطر الفرس، وهي التي استهلت أعظم عصور تاريخ الإغريق.

وتم تحرير المدن الإيونية تحت زعامة الأثينيين، وقد اتسمت العقود التالية بنمو قوة أثينا، وخاصة في البحر، وأدى هذا الأمر إلى خوف بقية الدول منها، وبالأخص اسبرطة. ويبين الفرق بين أثينا واسبرطة مدى التباين الذي قد تبلغه إحدى دول المدن عن الأخرى. فقد كان تحكم اسبرطة ارستقراطية واسعة (حوالي 5000 رجل حسب كتاب القرن الخامس) بطريقة متقشفة جداً بل متزمتة، وكانت الرفاهية فيها ممنوعة، ولم يكن يحق للإسبرطيين أن يمتلكوا ذهباً ولا فضة. وكان دورهم ضئيلاً في حركة الاستيطان، فظلوا شعباً زراعياً يحتل أراضي جيرانه كلما احتاج إلى ذلك. ولم يكونوا أغنياء ولكنهم كانوا يحتفظون بجماعة كبيرة من عبيد الأرضي يسمون الهلّوت وكانوا يخشون ثوراتهم. وكانوا يفخرون بانتصاراتهم العسكرية، وكانت تقاليد الهبليت عندهم قوية بشكل خاص.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin



عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010

الفصل الثالث - أسس عالمنا  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثالث - أسس عالمنا    الفصل الثالث - أسس عالمنا  - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 14 يونيو 2011 - 7:40

سيادة أثينا

أما أثينا القرن الخامس، التي بنيت من جديد وعاد لها ازدهارها من بعد كارثة عام 480 ق.م، فقد كانت مدينة تجارية، وكانت حكومتها أكثر حكومات الدول الإغريقية ديمقراطية، إذ إن جميع القرارات كانت تتخذ عن طريق المجلس العام للمواطنين ولو أنهم لم يكونوا جميعاً قادرين على حضور الاجتماعات، ولا كانوا يشكلون أغلبية السكان، كما أن إدارييها كانوا يختارون عن طريق القرعة. وفي أعقاب الحروب مع الفرس أغرى الأثينيين أن يحاولوا تزعم بلاد اليونان، فشكلت عصبة من أجل دعم أسطول مشترك لمحاربة الفرس، لم ينضم إليها الإسبرطيون، كان أعضاؤها في البدء يساهمون بالسفن، ثم صاروا يدفعون المال للأثينيين بدلاً من ذلك من أجل بناء السفن وتزويدها بالرجال. وعندما بدأ أعضاء العصبة يشعرون أن خطر الفرس قد بات بعيداً رفضوا دفع ما يترتب عليهم، إلا أن الأثينيين أكرهوهم على ذلك. وحتى بعد عقد السلم في عام 449 ق.م استمرت هذه العصبة الديلية (سميت بهذا الاسم لأن قيادتها كانت أولاً في جزيرة ديلوس) وفي ذروتها كان هناك 150 دولة تدفع كلها الجزية لأثينا.

نادراً ما يحظى الغالبون بالشعبية، ولكن الأثينيين قد حظوا بالدعم والإعجاب بدلاً من العداوة، وكانوا ميالين إلى التدخل في الشؤون الداخلية للمدن الأخرى ودعم النظم الديمقراطية حيثما وجدت. إلا أن هذا الأمر لم يرق للمواطنين الأغنياء في المدن الأخرى، وكانوا هم الذين يدفعون الضرائب التي أضحت الآن جزية لأثينا. من ناحية أخرى كانت الأغلبية الفقيرة تحوز على دعم الأثينيين وكثيراً ما كان ذلك بالقوة، ولم يضرها أن يدفع الضرائب مواطنوها الأغنياء، ولا همها على ما يبدو المال المجتبى لم يعد يصرف على أسطول أثينا بل على تجميلها بالأبنية والصروح الفخمة. وقد كان إغريق القرن الخامس في العادة يعترفون لأثينا بالصدارة الثقافية وبأنها مثال لبقية اليونان. إلا أن العالم الإغريقي ما فتئ يزداد انقساماً، في أحد الجانبين وقفت دول ديمقراطية كثيرة تتطلع إلى زعامة أثينا، وقد ربط هذا الأمر الديمقراطية بالصراع ضد الفرس وبتفوق أسطول الأثينيين مثلما كان الإنكليز في القرن التاسع عشر يعتقدون أن انتشار الحضارة والحكم الدستوري عملية لا تنفصل عن البحرية الملكية التي تصون إمبراطوريتهم، بينما وقفت في الجانب الآخر الدول الأكثر أوليغرشية وأرستقراطية، والتي كانت حريصة على تجنب الصراع مع الفرس وتخشى زيادة امتداد قوة أثينا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin



عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010

الفصل الثالث - أسس عالمنا  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثالث - أسس عالمنا    الفصل الثالث - أسس عالمنا  - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 14 يونيو 2011 - 7:40

الحياة في اليونان

صحيح أن إغريق القرن الخامس كانوا يعيشون تحت دساتير مختلفة، وأنهم كانوا يفكرون بالعالم بطرائق مختلفة جداً عن الرجال والنساء في الحضارات الأولى، إلا أن بعض الأشياء لم تتغير كثيراً منذ نهاية عصور الظلام، إننا قد ننسى أحياناً حتى اليوم الكثيرين من الناس هم فلاحون، وفي العالم الإغريقي كان أكثر الناس يحصلون معيشتهم من الأرض، حيث ظلت الزراعة شاقة وبدائية حتى مع ظهور الأدوات الحديدية. أما في مجال التصنيع، فلم يكن هناك إلا بضع مئات من الفخارين هم الذين يصنعون الأعمال التي اشتهرت أثينا بتصديرها. وكان أكبر معمل للتروس في المدينة يعتبر هائلاً لأن فيه 120 عاملاً. وكان هناك عدد قليل نسبياً من الحدادين والحجارين وصناع الدروع والمجوهرات وغيرها من الاختصاصات. لقد بقيت الزراعة عماد الاقتصاد، مثلما هي الحال اليوم في كثير من دول العالم، ولكنها لم تنتج ثروة كبيرة، ولو أن الزيتون والكرمة قد وسعا من إمكانياتها، لأن تربة اليونان ليست غنية في العادة، فظلت المحاصيل قليلة وضعيفة النوعية طوال الأزمنة الكلاسيكية. وكانت بقع الأرض صغيرة جداً ، فحتى الرجل الغني لم يملك إلا 20-30 هكتاراً من أراضي الحبوب والكرمة معاً كما يبين تصنيف لمواطني أثينا بحسب الثروة وضع في القرن السادس. وقد ظل الاتجاه العام هو تقسيم الأملاك مرة بعد الأخرى عند الميراث، وكان أكثر الرجال الأحرار من صغار الملاك بمقاييسنا. وقد اقتضى الاعتماد على الزراعة في أراض صغيرة أن تكون الحياة شاقة وبسيطة، فإنك حين تنظر إلى آثار اليونان العظمية مثل بناء البارثينون في أثينا أو المعابد الإغريقية الكثيرة الباقية فقد تشكل انطباعاً خاطئاً عن الحياة في اليونان القديمة، لأن هذه كانت أبنية عامة تمول بموارد جماعية، ولكن الحقيقة أن أكثر الإغريق كانوا يعيشون في بيوت صغيرة متواضعة ويأكلون طعاماً بسيطاً، ولم يكن لديهم عبيد ولا حتى خدم.

لم يكن الفرق الأساسي بين الناس في دولة المدينة هو الفرق بين الأغنياء والفقراء ولا بين الأحرار والعبيد، بل كان بين المواطنين وغير المواطنين. لقد كان هناك الكثير من الفقراء بين مواطني دولة ديمقراطية مثل أثينا، وكان تزايد فقر الفلاحين في أماكن كثيرة مشكلة تتكرر باستمرار، كما يبدو أن عدد الأحرار الذين لا يملكون أرضاً كان يزداد بمرور الزمن، وكانت أعداد الأجانب المقيمين تزداد حيث تزدهر التجارة، أحد التقديرات يقول أن حوالي أربعين بالمئة من سكان أثينا الذكور في القرن الخامس ق.م كانوا من غير المواطنين على اختلاف أنواعهم. إلا أن هذه المدينة تبقى حالة خاصة، فقد كانت أكثر اعتماداً على التجارة والصناعة من أكثر المدن، لذلك كانت فيها نسبة أعلى من الرجال الأثرياء، وكان بعضهم ينتمون للعائلات الأرستقراطية القديمة، ويعيش هؤلاء على الدخل الذي تؤمنه له أملاكهم وهذا ما يفسر استهجان الإغريق لكسب المال عن طريق ممارسة المهن أو التجارة. إلا أن طبقة الأثرياء هذه كانت تتسع عن طريق انضمام التجار الأغنياء إليها أيضاً، ولم يكن الغنى يعني الكثير قياساً إلى أنماط الاستهلاك الحديثة ولكنه كان على كل حال يجعل الحياة مختلفة اختلافاً كبيراً عن حياة الفلاحين.

الرق

هناك جماعة أخرى هامة من سكان دولة المدينة كان لها وضع قانوني خاص، هي جماعة العبيد. في الأزمنة البعيدة القدم كان المهزومون في الحرب يستعبدون أحياناً، ولكن الرجال كانوا يقتلون في العادة بينما يبقى على النساء للاستفادة منهن في أشغال البيت واستغلالهن جنسياً. وعدا عن حالة الحرب هذه، كان الإنسان يصير عبداً إما بحكم ولادته أو بحكم محكمة أو بأن يشترى من أحد أسواق الرق الكبيرة في آسيا الصغرى. لقد نما بين القرنين الخامس والرابع ق.م شعور أن استرقاق الإغريق للإغريق أمر ظالم وشاذ، ولكن بقي هناك عبيد إغريق بالرغم من ذلك. كان عدد العبيد في اليونان أقل منه في إمبراطوريات الشرق الكبيرة أو في الأزمنة الرومانية اللاحقة، وإن لهذا الأمر علاقة أساسية بصغر حجم الأراضي الزراعية في اليونان، فقد كان بإمكان المزارعين أن يدبروا معيشتهم بالاعتماد على أنفسهم وعلى عائلاتهم، ولم يكونوا قادرين على شراء عبد ولا على إطعامه، لأنه لا ينتج ما يقوم بأود نفسه. ولم تكن هناك أملاك كبيرة تعتمد على عمل العبيد، وكان أكثرهم يعيشون في المدن، حيث يؤدون أنواعاً مختلفة من الأعمال كخدم وحرفيين. وقد ذاعت شهرة أحدهم وهو القاص ايزوبس. يبدو أن ربع عدد سكان أثينا في القرن الخامس كانوا من العبيد، ولكن لم يكن هناك أي قطاع في الاقتصاد يعتمد عليهم اعتماداً مطلقاً، ماعدا مناجم الفضة التي كانت تملكها الدولة، وكان بعض العبيد لا يعملون في خدمة شخص واحد بصورة دائمة بل يستأجرون ضمن جماعات ويدفع لهم أجر مثل العمال الأحرار، وكانوا يعملون إلى جانبهم في الأشغال نفسها، وكان على العبد أن يعطي سيده جزءاً من أجره، ولكن وضعه لم يكن يختلف كثيراً من الناحية العملية عن وضع عامل حر فقير.

كان من الممكن تحرير العبيد، كما كان بإمكانهم شراء حريتهم، ولكن يبدو أن هذا الأمر لم يكن شائعاً. على كل حال ما كان وضعهم ليتحسن كثيراً إذا تحرروا ماداموا يعملون مقابل أجر. إننا لا نسمع عن ثورات العبيد ماعدا ثورات عبيد الأرض الهلوت في إسبرطة، وهي حالة خاصة، ولكن هذا الصمت لا يعني الكثير، إذ يبدو أن أكثر العبيد المنزليين لم يعاملوا معاملة سيئة، ولكنهم كذلك كانوا معرضين لظروف قاسية جداً في مناجم الفضة بسهل الأتيك. إلا أن هذا الأمر لم يكن يصدم الإغريق القدامى كما يصدمنا اليوم، والحقيقة أن كل الناس كانوا يعيشون حياة قاسية بالنسبة إلى معاييرنا الحديثة، ويبقى الشيء الذي يميز العبد هو أن هناك إنساناًً آخراً يملك عليه سلطة مطلقة.

المرأة في اليونان القديمة

كانت النساء الحرات أيضاً مستثنيات من المواطنة، وتشير بعد الأدلة إلى أن حياتهن كانت مقيدة ومحجوبة من نواح أخرى أيضاً، وإن اختلفت العادات من مكان لآخر. يبدو أن أكثر الإغريق كانوا يرون أن الفتيات الاسبرطيات يتمتعن بحرية زائدة، وكانوا يستهجنون ارتدائهن السراويل الصغيرة أثناء ممارستهن التمارين الرياضية مع الفتيان. أما في منزل غني بأثينا مثلاً فكانت النساء يعشن في قسم منفصل من البيت تقفل أبوابه أثناء الليل، وهذا يذكرنا بعزلة النساء في الحريم الشرقي، والهدف منه كان على الأرجح هو منع الرجال من الوصول إلى الخادمات، لأنهن إذا حملن أو ولدن فسوف تضعف فائدتهن في العمل، وسوف تصير في البيت أفواه جديدة لابد من إطعامها. ونحن نعلم أيضاً أن النساء المتزوجات المحترمات كن يرتدين الحجاب عند الخروج من المنزل عادة، ولا يغادرنه وحدهن، ولا يجوز أن يتكلمن مع أحد في الطريق. كان الإغريق يحبون الحفلات كما تدل أعمالهم الخزفية، ولكن يبدو أن جو حفلاتهم كان مختلفاً كل الاختلاف عن جو الاسترخاء الذي يجمع بين النساء والرجال من النبلاء في رسوم المدافن المصرية. وقد لا يقابل رجال الإغريق نساء أصدقائهم أبداً، وإذا قابلوا امرأة في حفلة ما فهي حتماً امرأة تحترف مهنة الترفيه وتسمى hetaera وقد بلغت بعضهن من الشهرة ما سمح لأسمائهن بالوصول إلينا، ولم يكنّ مجرد مومسات بل كنّ يجدن الغناء والمحادثة والرقص، ولكنهن لم يكن محترمات أبداً لأن مفاتنهن هذه كانت معروضة للبيع.

لم يكن خارج البيت نشاط متاح لسيدة إغريقية من عائلة كريمة، كان بإمكان النساء الفقيرات أن يعملن عند الناس، ولكن السيدة لا تستطيع ذلك. لم يكن أمام المرأة أن تصبح ممرضة أو ممثلة أو كاتبة أو أي شيء من ذلك لأن هذه المهن لم تكن متاحة للإناث. ويبدو أن الإغريق كانوا في العادة يعتبرون الفتيات غير جديرات بالتعليم، أما في البيت فكانت هناك أشغال كثيرة، إذ كن يغسلن الملابس ويصنعنها ابتداءً من غزل الخيوط ثم حياكتها لصنع النسيج، وقد كان تدبير أمور البيت شاقاً ومضنياً.

من أسباب قلة الحقوق القانونية للمرأة بالنسبة إلى الرجل في أثينا كمثال خاص، أن المجتمع الإغريقي مثل كل مجتمع قبل مجتمعنا ومثل القسم الأكبر من العالم اليوم، كان يهتم بالعائلة وليس بالفرد. لقد كان مجتمعاً أبوياً، ولم يكن بإمكان النساء أن يمتلكن أو يدرن أعمالاً، وكن دوماً تحت الوصاية القانونية لأزواجهن أو لأقرب أقاربهن الذكور.وإذا صارت المرأة الوريثة الوحيدة لأملاك أبيها فيحق لأقرب أقاربها الذكور بل يفرض عليه أن يطلب يدها من أجل ضمان بقاء الأملاك للعائلة. أما عدا عن هذه التفاصيل فمن الصعب أن نقول أشياء عامة حول النظرة إلى المرأة في اليونان، ومن أسباب ذلك أن الأدب لا يكاد يذكر شيئاً عن الحياة في المنزل، ولكننا نعلم أيضاً أن النساء كن يذهبن إلى المسرح في أثينا، ولابد أنهن كن يشاهدن ويستمعن إلى الشخصيات الأنثوية الكبرى في التراجيديا الإغريقية، مثل أنتيغون وإلكترا وجوكاستا، وميديا، وغيرها من الأدوار الأنثوية المتنوعة جداً ولا يمكن أن يفهمنها إذ كن مجرد شغالات هامشيات. كما أنك تجد على شواهد القبور والمزهريات صور زوجات وأمهات راحلات يودعن عائلاتهن ويوحي هذا الأمر بحنان عميق، ولا تجد ما يشير إلى الازدراء في معاملتهن، بأن تحجب وتعيش حياة معزولة. لقد كانت زوجة سقراط تناكده باستمرار وهي حتماً لم تتصرف بصورة خانعة، ولابد أن تكون هناك زوجات كثيرات مثلها في اليونان القديمة، ففي المحصلة يستحسن أن نكون حذرين حين حكمنا على مواقف الإغريق من المرأة. قال هوميروس: ”لاشيء أجمل من أن يعيش الرجل وزوجته معاً في وحدة حقيقية، وأن يشتركا بالأفكار نفسها”. وكان جميع الإغريق المتعلمون يقرؤون هذا الكلام.

عندما يكون أطفال الإغريق صغاراً كانت تربيهم أمهاتهم، أما إذا أريد للصبية أن يذهبوا إلى المدرسة، ولم تكن البنات يرسلن إليها قط، فإنهم يخرجون عن نطاق رعاية الأم في عمر مبكر، وكان التعليم متاحاً للصبية الإغريق إذا كانت عائلتهم قادرة على دفع تكاليفه، وكان يشدد تشديداً كبيراً على حفظ الأشياء عن ظهر قلب، فتسمع عن صبية حفظوا أعمال هوميروس كلها بهذه الطريقة، وكان الأدب والكتابة والموسيقى والجمباز تشكل الجزء الأكبر من منهاج الدراسة. كان الهدف هو صنع "الرجل الكلي" وإعطاؤه تعليماً شاملاً ومتوازناً يؤهله لأن يأخذ مكانه في دولة المدينة ويشارك في قيمها وأذواقها، ولم يكن الغرض من التعليم التدرب على مهارات خاصة، بل كان الإغريق يعتبرون هذا الأمر أجدر بالعبيد. ولم تكن هناك جامعات إلى أن ظهر ما يشبه الجامعة في أثينا في أواخر القرن الخامس، ولكن يبدو أن المستوى العام لمعرفة القراءة والكتابة كان عالياً جداً، إذا حكمنا على ذلك من استخدام لوحات الإعلان والنقوش العامة في أثينا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin



عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010

الفصل الثالث - أسس عالمنا  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثالث - أسس عالمنا    الفصل الثالث - أسس عالمنا  - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 14 يونيو 2011 - 7:41

الفكر الإغريقي

لقد كانت قبضة العادات والتقاليد في اليونان محكمة وكان الإغريق متشبثين بها بقوة، إلا أنهم استطاعوا في هذه الأثناء أن يأتوا على حين غرة بدفق متتال من الإنجازات التي كانت مدهشة بجدتها، ومنذ ذلك الحين يتعجب الناس كيف حدث هذا، وقد سماها بعضهم ”المعجزة الإغريقية” لشدة ما أذهلتهم. لقد تم ذلك على امتداد فترة أطول من العصر الكلاسيكي العظيم نفسه، فخلال أربعمائة عام تقريباً اختراع الإغريق السياسة والفلسفة وقسطاً كبيراً من الحساب والهندسة. وأسماء هذه العلوم كلها في اللغة الإنكليزية أسماء يونانية الأصل*ومفاهيمهم عن الفن مازال الأوروبيون يقبلون بها حتى يومنا هذا تقريباً. وتدل هذه الخطوة العملاقة على مدى اختلاف الحضارة الإغريقية عن سابقاتها. لقد كانت أكثر إبداعاً منها بقدر كبير. وفي قلب هذا الإنجاز كانت الأهمية الجديدة التي أعطاها الإغريق للتحري العقلاني الواعي للعالم الذي يعيشون فيه، صحيح أن الكثيرين منهم ظلوا يؤمنون بالخرافات والسحر، ولكن لا يجوز لهذا الأمر أن ينسينا إنجازاتهم. إن طريق الإغريق في استخدام المنطق والحجة قد أعطت البشر سيطرة على العالم الذي يعيشون فيه أكبر من أي شعب قبلهم، ورغم أن أفكارهم لم تكن صحيحة دوماً، فإنهم كانوا يستنبطونها ويفحصونها بطرائق أفضل من أي طرائق سابقة. لقد ساهمت المعجزة الإغريقية مساهمة عظيمة في تطور طاقات العقل البشري، ولم يقم أحد قبلهم بمثل هذا المجهود المركز لمعالجة أعمق مشاكل الفكر والحياة، ولن يظهر مثله إلا بعد زمن طويل.

من الأمثلة البارزة على ذلك العلم، فقد كان العلم الإغريقي مختلفاً كل الاختلاف عن المحاولات السابقة لمقاربة العالم الطبيعي. ففي القرن السادس ق.م وضع عدد من المفكرين في إيونيا للمرة الأولى تفاسير لطريقة عمل الكون بصورة قوانين وقواعد متناسقة بدلاً من صورة الآلهة والشياطين. بيد أن الفيلسوف الإغريقي ديمقريطس قد توصل إلى فكرة أن المادة كلها مؤلفة من ذرات atoms وكانت تلك نظرية سابقة لأوانها بألفي سنة، ولكنها لم تنتشر. إن النظرية التي استمرت أيضاً نظرية إغريقية تقول إن المادة مؤلفة من أربعة عناصر هي التراب والماء والهواء والنار، التي ترتبط فيما بينها بطرق تختلف من مادة إلى أخرى. لقد كانت هذه النظرية أبعد عن الحقيقة من نظرية الذرات، ولكنها مع ذلك مكنت من استمرار التفكير في هذا الموضوع وسيرت العلم حتى القرن السابع عشر الميلادي تقريباً. وبالصورة نفسها بقيت تعاليم أبقراط أساس الطب حتى أزمنة حديثة جداً، وهو إغريقي من جزيرة كوس كان تلميذاً لديمقريطس، إن من الصعوبة بمكان أن تميز الحقيقة من الأسطورة في ما يروى عن أبقراط، ولكن من الواضح أن تعاليمه كانت البداية الحقيقية للدراسة العلمية لصحة الإنسان، عن طريق ملاحظة الأعراض وتأثيرات العلاج، وإعطاء توصيات معقولة حول الغذاء وفصل المعرفة عن الخرافة. ومازال قسم أبقراط الذي سمي على اسمه أساس الأخلاق الطبية في يومنا هذا.

بل إن الإغريق قدموا مساهمات أعظم حتى من تلك في مجال الرياضيات، وتبدأ هذه القصة أيضاً بعيداً عن بر اليونان. كان يعيش في كروتون بجنوب ايطاليا في القسم الثاني من القرن السادس ق.ن فيلسوف اسمه فيثاغورث، هو أول الذين استخدموا عملية الاستدلال أو الاستنتاج، أي تطبيق حجج منطقية محضة على المبادئ الأولى أو البديهيات. وكان هذا التطور هاماً لا لأنه أدى إلى تطور علمي الحساب والهندسة، بل أيضاً لأنه ساهم في جعل الناس يفكرون بصورة واضحة ودقيقة في مسائل غير المسائل الرياضية. ويعرف فيثاغورث أكثر ما يعرف بنظرية المثلث القائم الزاوية التي سميت على اسمه، مع أنها في الحقيقة تعود لتاريخ لاحق.

الفلسفة

من أشهر الإغريق الذين أصروا على أهمية الفكر الدقيق الصارم رجل أثيني هو سقراط الذي عاش في أواخر القرن الخامس. لم يؤلف سقراط كتباً ولا نعلم عنه إلى من خلال ما يخبرنا به أشخاص آخرون، ولكن أكثر الأشياء التي يعتقد أنه قالها وعلمها (ومن الجلي أنه كان واحداً من خير المعلمين قاطبة) مسجلة في سلسلة ”المحاورات” أو المحادثات التي دونها أعظم تلاميذه، الفيلسوف أفلاطون. مازال الناس مختلفين حول ما إذا كانت تلك التعاليم هي حقاً تعاليم سقراط أم أن أفلاطون هو الذي كتبها بنفسه، إلا أن رسالتها واضحة:” يقول سقراط إن أهم شيء ينبغي على الإنسان فعله هو أن يحاول معرفة كيف يمكنه أن يعيش حياة صالحة، وما هي الحياة الصالحة التي يجب على الإنسان أن يسعى لها؟ يجيب سقراط بأن السبيل الوحيد لمعرفة ذلك بصورة أكيدة هو الفحص الدقيق لمفاهيم مثل الخير والعدالة الحقيقية، أي باختصار أن نمحص القيم التي يعيش الناس بحسبها.

لقد قال سقراط أشياء كثيرة غير هذه، ولكن الناحية الأهم في تعاليمه هي اتجاهها العام وطريقته فيها وليس النتائج التي توصل إليها. ويبدو أنه كان يشكك في جميع الأشياء التي تعتبر بديهية. لقد مثل سقراط أخيراً للمحاكمة في أثينا عام 399 ق.م بتهمة نكران الآلهة التي تعترف بها الدولة، وإفساد الشباب عن طريق الدعوة لازدراء مؤسسات أثينا والسخرية من الديمقراطية والأخلاق العامة، خصوصاً وأنه ذكر فقرات من هوميروس بصورة مسيئة، وبأنه علم الشباب التمرد على والديهم. وربما كان وراء هذه التهم عداوة سياسية، ولكن لاريب أن محاكمته والحكم عليه قد تما بطريقة شرعية، وليست الديمقراطية بأكثر تسامحاً مع الآراء غير التقليدية من أشكال الحكم الأخرى، ثم أمر سقراط بالانتحار وقد انتحر فعلاً، ويبدو أنه كان يعتقد أن للدولة كل الحق في إدانته، وربما كان هذا دليلاً على الولاء الذي يمكن لدولة المدينة أن تستدعيه من خيرة مواطنيها. ومنذ ذلك الحين يظهر دوماً أشخاص يزعزعون شعورنا بالرضا عن طريق الشك بمعتقداتنا اليومية، وإظهار ضعفنا من خلال النظر إلى الأفكار المألوفة في ضوء جديد، لقد اتهم سقراط بالمبالغة في قوة المنطق وباستخدامه استخداماً سلبياً فحسب، إلا أن كشف الأخطاء وإزالة الأفكار الفاسدة خطوة ضرورية نحو اكتشاف الحقيقة. كانت تعاليمه مناهضة لتماسك البنى التقليدية، وكانت دولة المدينة في المحصلة ترتكز على افتراضات مطلقة لا تخضع للشك مثل جميع مؤسسات البشر.

وحاول أفلاطون بوحي من أفكار سقراط أن يذهب إلى أبعد من ذلك، فكان يعتقد أن العقل هو الذي يستطيع أن يعطينا اليقين بأن مفاهيم مثل العدالة والجمال والخير توجد وجوداً حقيقياً في عالم مؤلف من مُثل. وهو لا يقصد بذلك أنها توجد كما توجد الأفكار العادية في أذهاننا، بل إن هناك في مكان ما عالماً من الحقيقة الثابتة التي لا تتبدل وراء العالم المادي المتبدل. هذه الحقيقة يمكن للنفس الإنسانية بلوغها (وكان أفلاطون يميز النفس عن الجسد مثل سقراط) من خلال استخدام العقل، الذي يتألف هو نفسه من هذه الأفكار. ولم يكن أفلاطون يحترم طريقة سلوك أكثر الناس، وكان يزدري ديمقراطيي أثينا الذي حكموا على معلمه، إذ كان يعتقد أن أكثر الناس لن يستطيعوا أبداً عيش الحياة الصالحة التي يكشفها عالم " المثل” الحقيقي هذا. لقد كانت تعاليمه على درجة كبيرة من الأهمية، لأنها جعلت الناس يفكرون بالمشاكل على اختلاف أنواعها حتى يومنا هذا، وبالأخص لأنها أسست تقليداً هاماً في الفكر هو المذهب المثالي، أي الإيمان بوجود عالم أكثر حقيقة من عالم تجربتنا المادية، يمكن فهمه من خلال العقل وليس بعالم سحري مبهم لا يسبر غوره.

كان أعظم تلامذة أفلاطون هو أرسطو، كان أرسطو من تراقيا، وقد كتب في مواضيع كثيرة جداً، في البيولوجيا والفيزياء والرياضيات والمنطق والأدب وعلم النفس والأخلاق والسياسة، فوضع للمثقفين أساساً ظلوا يبنون عليه طوال ألفي عام، كما أنه حدد الأساليب الأساسية التي بقي الناس يفكرون بواسطتها في هذه المواضيع حتى أزمنة حديثة جداً. كان أرسطو مفكراً أقل تجريداً من أفلاطون، وكان يحب الحقائق والأفكار وتصنيفها من أجل أن يوضح القوانين العامة الكامنة وراءها، وكان على درجة عظيمة من الملاحظة، وربما كان تأثيره الإجمالي أوسع حتى من تأثير أفلاطون، ولو كان من شبه المستحيل أن يحكم الإنسان في أمر كهذا إلا أن الشيء الأكيد هو أن هذين الفيلسوفين الإغريقيين قد سيطرا على تاريخ الفكر العقلاني سيطرة مديدة لم تكتب لسواهما.

المؤرخون الأوائل

لقد قام الإغريق بخطوة عظيمة أخرى في ميدان الفكر في القرن الخامس ق.م هي اختراعهم لعلم التاريخ. كانت كلمة Istorie كلمة يونانية تعني التحري وإن أول رجل تحرى الأحداث عبر الزمن هو إغريقي من آسيا الصغرى يدعى هيرودوتس ويلقب أبا التاريخ. لقد سجل هيرودوتس نتائج تحرياته في أول عمل فني نثري مكتوب بلغة أوروبية، ويمكننا أن نترجم عنوان كتابه بكلمة ”أبحاث”، وهو سرد هائل للتفاعل بين اليونان وفارس يصل حتى نهاية الحرب مع الفرس. وهو في الحقيقة تاريخ للعالم أي عالم هيرودوتس*، ورغم أن فيه قصصاً مختلفة، إلا أنه مبني على دراسة جدية لشهادات وروايات أشخاص آخرين حول الأحداث. وكان خليفته هو الأثيني ثوقيديدس، الذي فاقه دقة في تحرياته، وقد جمعها في كتاب وضعه قرب نهاية القرن لكي يفسر الصراع الكبير الذي اندلع داخل العالم الإغريقي والمسمى حرب البيلوبونيز**. ولقد حاز ثوقيديدس على إعجاب أكبر من هيرودوتس لأنه حاول أن يفسر لماذا حدثت هذه الأشياء مثلما حاول أن يفسر كيف حدثت.

لقد دفع الإغريق قوة العقل والفكر في مجالات الفلسفة والعلم والرياضيات والتاريخ بأسرع من أي زمن مضى. كما أنهم ساهموا مساهمات عظيمة في الفنون، ومنها تأسيسهم للمسرح الأوروبي أو الغربي إذا شئنا. تعود جذور الدراما الإغريقية إلى الاحتفالات الدينية، خاصة احتفالات ديونيزوس إله الخمر. في تلك الاحتفالات كانت الأغاني تتلى من قبل الخورس، وفي القرن السادس أضيفت إليها خطابات يؤديها شخص منفرد، فظهر بذلك أول الممثلين. ومن هذه البدايات البسيطة حصلت تغيرات أخرى فيما بعد إلى أن كتبت في القرن الخامس ق.م سلسلة عظيمة من المسرحيات التراجيدية التي تشكل ( مع أعمال هوميروس) ذروة فن الأدب الإغريقي. ولم تكن هذه المسرحيات تؤدى إلا في مناسبات شبه دينية هي احتفالات المدينة التي تهم المواطنين جميعاً، وكانت تسرد في العادة قصصاً وأساطير مألوفة محبوك ضمنها مواضيع دينية وفوق الطبيعة. لقد قدمت في أثينا في القرن الخامس حوالي ثلاثمائة مسرحية تراجيدية لم يبق لنا منها إلى ثلاث وثلاثون للمؤلفين التراجيديين العظام اسخيلس، وسوفوكليس، وأوريبيدس. وكانت هذه المسرحيات تعطي المتفرجين نظرة جديدة إلى قصص قديمة ومألوفة، ربما لإظهار ناحية جديدة لم تكن في بالهم، ولو أن جوهر التراجيديا الأثينية قد ظل دوماً مشدداً على الأعمال الغامضة للقوانين التي تحكم حياة البشر والمصائر الحزينة التي تنتظر حتى ذوي الحظ السعيد منهم. وعدا عن التراجيديا كانت هناك مسرحيات كوميدية، فكان أرستوفانس وهو أيضاً أثيني أول كاتب كوميدي عظيم للمسرح، وكانت الكوميديا تتحول على أيامه من التهريج الفظ إلى وسيلة للتعليق على الحياة العامة، فقد سخر من سقراط مثلاً كما أنه كتب أول مسرحية عن تحرر المرأة هازئاً به، مثل أكثر الكتاب الذين تناولوا هذا الموضوع خلال الألفي سنة القادمتين.

أما من الميراث المادي للثقافة الإغريقية فقد بقيت أعمال عظيمة كثيرة في العمارة والنحت، وظلت زمناً طويلاً نماذج لأجيال المستقبل، ولكنه لم تكن في أيامها كما تبدو لنا اليوم، لأن الحجر والرخام يعمران طويلاً بعكس الدهان والخشب والقماش. فالآثار الجميلة في أكروبوليس أثينا مثلاً كانت مكتظة بالمقامات الصغيرة وكانت تماثيلها وأفاريزها مطلية بالألوان الصارخة. لقد استعار الإغريق في هندستهم الكثير من آسيا كما يبدو أنهم أخذوا العمود عن مصر، ولو أنهم قد طوروا فيما بعد أسلوباً خاصاً بهم، ويبدو أن أفكار تماثيلهم الأولى قد أتت هي أيضاً من مصر أو من الشرق ثم طوروها إلى أسلوب ذي أصالة حقيقية. وكان أعظم إنجازاتهم هو تصوير جسم الإنسان، فرويداً رويداً صارت الوضعيات المتيبسة والمتكررة التي تراها في التماثيل القديمة تتحول إلى وضعيات طبيعية وعفوية. ويبدو أن الإغريق كانوا مغرمين بإظهار كم يمكن للإنسان أن يكون بديعاً في الفكر والجسد معاً.




* Politics, Philosophy, arithmetic, geometry


* نشره المجمع الثقافي بأبو ظبي عام 2001، ترجمة عبد الإله الملاح


** نشره المجمع الثقافي في أبو ظبي 2003، ترجمه عمرو ولينا الملاح
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 50

الفصل الثالث - أسس عالمنا  - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثالث - أسس عالمنا    الفصل الثالث - أسس عالمنا  - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 14 يونيو 2011 - 7:41

حرب البيلوبونيز

طوال أكثر من ربع قرن أي من عام 431 ق. إلى عام 404 ق.م احتدم صراع كبير تخللته هدنات قصيرة في كافة أنحاء العالم الإغريقي، وسمي هذا الصراع حرب البيلوبونيز لأن أحد طرفيه كان مكوناً من رابطة دول شبه جزيرة البيلوبونيز، التي تتزعمها اسبرطة ضد أثينا. لقد تورطت جميع الدول الإغريقية تقريباً في مرحلة أو أخرى من هذا الصراع، ولم تعرف اليونان قبله حرباً على هذا المدى الواسع، وقد دفعت هذه الحرب ثوقديديس إلى كتابة دراسته التاريخية من أجل تفسير سبب نشوبها، ويتفق المؤرخون منذ ذلك الحين على أنها كانت نقطة تحول في تاريخ الحضارة.

وليس اندلاع هذه الحرب غريباً بالنظر إلى ريبة الإغريق وحساسيتهم، فقد كان السخط يتزايد على سيادة أثينا، وكانت اسبرطة تقود المعارض ضدها فيما يمكن أن نسميه "الحرب الباردة" استمرت 40 سنة. وكان قد اندلع في عام 460 ق.م اقتتال استمر سنوات عديدة، ثم بقيت كل من أثينا واسبرطة مضطرتين لقتال الحلفاء والأتباع المنشقين، ويبدو أن الكثير من الأثينيين كانوا يعتقدون أن نشوب حرب أخرى قد بات أمراً محتماً. كانت أثينا تريد حيازة قصب السبق بين الدول الإغريقية، وكان هذا أمراً لابد من حسمه، وكان الاسبرطيون يخشون نوايا الأثينيين ويحظون بتعاطف الإغريق المعارضين للنظم الديمقراطية التي مافتئت أثينا تزداد تأييداً لها، ثم كانت هناك أيضاً غيرة من ثروة أثينا وسلطتها التجارية، وخاصة بين أهل كورنتس، وهي مثلها مدينة تجارية كبيرة. والحقيقة أن الحرب قد ابتدأت عندما ثارت كركيرا (كورفو الحالية) التابعة لكورنتس واستغاثت بمساعدة الأثينيين، فبدت هذه لبعض الأثينيين فرصة لا تفوت، لأن كركيرا واقعة على طريق هامة جداً نحو الغرب، وكانت السفن في تلك الأزمنة تحاول أن تبقى على مرأى من اليابسة، فكانت لها بالتالي ميزة إستراتيجية هامة. وعندما لبى الأثينيين نداء الكركيريين اشتكى الكورنتسيون إلى الاسبرطيين، كما اشتكت مدن أخرى من طغيان أثينا، إلا أن الزعيم الوطني والمهيج للدهماء بركليس الذي كان يسيطر على أثينا قد ألح على أهل مدينته ألا يقدموا تنازلات، بل قال هم أن أثينا نموذج يحتذى لليونان كلها. وهكذا ابتدأ الاسبرطيون في عام 431 ق.م ما سموه حرب التحرير.

كان حلفاء الأثينيين والاسبرطيين موزعين في كافة أنحاء العالم الإغريقي تقريباً، ولكن يمكنك أن تقول بصورة عامة إن إيونيا والجزر كانت إلى جانب الأثينيين، بينما كانت شبه جزيرة البيلوبونيز إلى جانب الاسبرطيين وكانت المستوطنات تتبع أحياناً مدنها الأصلية وأحياناً أخرى لا تتبعها. أي أن الحرب كانت في الحقيقة بين البحر والبر. كان الإسبرطيون يغزو أرض أثينا في كل فصل من فصول الحملات الحربية، فينسحب الأثينيون إلى ما وراء أسوار مدينتهم، ويتركون أراضيهم عرضة للتخريب والاحتلال، ولكنهم كانوا يؤمنون الغذاء عن طريق البحر، ويقومون بعمليات عسكرية تمتد لمسافات بعيدة. وهكذا ظلت الحرب تسير في طريق مسدود لزمن طويل، لقد عانى الأثينيون في إحدى المرات من الطاعون معاناة رهيبة، ولكن لم يستطع أن يهزمهم الجيش الإغريقي الذي تعوزه أساليب الحصار ومهارات الهندسة المعروفة في جيوش فارس. ومات بركليس في عام 429 ق.م فعقد السلم لبضع سنوات عام 421 ق.م، إلا أن الأثينيين عادوا وحركوا الحرب من جديد فخططوا لحملة كبيرة ضد سيراكوزا (سرقوسة)* وهي أغنى المدن المؤيدة لعصبة البيلوبونيز، ولكن حملتهم انتهت بكارثة فقدوا فيها نصف جيشهم وأسطولهم بأكمله، وفوق هذا فإنها جعلت الإسبرطيينن يطلبون مساعدة الفرس، فمول هؤلاء عندئذٍ أسطولاً لمساعدة المدن التي أرادت رفع نير أثينا، مقابل وعد بعودة سيطرتهم السابقة على المدن الإغريقية في آسيا، وفي هذه المرة تدمر أسطول الأثينيين بعد سنوات طويلة من الاقتتال وعانوا من الحصار والمجاعة، فأكرهوا على الاستسلام.

لقد جرى هذا الصراع إذاً على نطاق واسع لم تعرف اليونان مثله من قبل لأن صد غزوات الفرس السابقة كان عبارة عن معركتين في البحر ومعركتين على البر، كما أن الحروب بين الدول الإغريقية لم تكن أكثر من حملات صيفية قصيرة تنتهي بمعركة بين جيشين من الهبليت. إلى أن لحرب البيلوبونيز هذه أهمية كبرى في نتائجها عدا ضخامتها، يقول ثوقيديدس أنها امتدت فترة هائلة من الزمن، وسببت للإغريق مآسي لم يعهدوها قط، ولم يكسب أحد من هذه الحرب إلا الفرس. لقد حاول الاسبرطيون المنتصرون في البداية إرهاب الدول الإغريقية الأخرى عن طريق قوتهم العسكرية، مثلما كان الأثينيون قد سيطروا عليها من خلال قوتهم البحرية، ولكنهم اضطروا لمحاربة تحالفات أخرى بدورهم، وعندما هزم جيش اسبرطة الشهير في لوكترا في عام 371 ق.م بات من الواضح أن اسبرطة ليست بأقدر من أثينا على السيطرة على المدن الإغريقية وفرض نوع من الوحدة عليها. والحقيقة أن الحرب قد بينت أن أقوى الدول الإغريقية عاجزة عن التمتع بالسيادة المطلقة على الباقيات، فلا كان الإغريق بقادرين على أن يبتعد بعضهم عن شؤون بعض، ولا على قبول سيادة إحدى دولهم على الأخريات. فربما كان وحدة الإغريق مستحيلة ما لم تفرض فرضاً عن طريق الغزو، ولكن لم تكن أي دولة بينهم تملك القوة الكافية لذلك. وكان الكثير منها قد فقدت اكتفاءها الذاتي منذ زمن طويل، وصارت لها مصالح تجارية كثيرة اضطرتها لدخول السياسة في كافة أنحاء العالم الإغريقي من أجل رعايتها. فأثينا مثلاً لم تكن تستطيع العيش من دون استيراد الحبوب وتصدير الخمر والزيت والمصنوعات.

لقد وضعت الحرب أيضاً عبئاً ثقيلاً على الشؤون الداخلية للجماعات الإغريقية، ولكن ينبغي علينا أن نكون حذرين في تقدير هذا الأمر، لأن ما نعرفه عن تاريخ بعضها أكثر بكثير مما نعرفه عن بعضها الآخر. في أثينا أدت الحرب الطويلة إلى التخصص بين الجنود والبحارة فازداد بالتالي استخدام المرتزقة، وظهرت فروق اجتماعية جديدة بسبب التجارة، لأن التجار صاروا أغنياء. وتفاقم الشعور بالظلم بين الفلاحين الذين يرون أراضيهم تخرب المرة تلو الأخرى أثناء المعارك. كما سبب الهجوم على السياسيين الذين تسببوا بهذه الكوارث مرارة كبيرة، وقد ساهمت كل هذه الأشياء في إحداث ثورة وضعت الأوليغرشية محل الديمقراطية لفترة من الزمن. إلا أن الأمر كان أعمق من حلول نظام سياسي محل نظام سياسي آخر، لأن المفهوم القديم لدولة المدينة كوحدة مكونة من مواطنين يشتركون بصورة متساوية في جميع نشاطاتها لم يعد مناسباً للمستوى الذي بلغته الحياة في الدولة.

لقد زالت دولة المدينة في النهاية، ومابرح الناس منذ ذلك الحين يتساءلون عن السبب، إلا أن هناك حقيقة أخرى ربما كانت أهم من هذا السؤال. لقد نظرت العصور اللاحقة إلى اليونان القديمة ورأت فيها نجاحاً هائلاً مهما كانت إخفاقاتها السياسية، وكان الناس يرونها كياناً واحداً لأنهم لم يعرفوا عنها الأشياء الكثيرة التي نعرفها اليوم، كما أنهم لم يعرفوا التقسيمات التي يضعها العلماء الآن بين الأزمنة والأمكنة المختلفة. وقد كانت تلك غلطة مثمرة، لأن الفكرة التي شكلها الناس عن اليونان لا تقل أهمية عن حقيقتها. سوف يُعاد شرح معنى التجربة الإغريقية وتفسيرهاً كثيراً، وسوف تُكتشف اليونان القديمة ويُفكر فيها مراراً، فتُبعث لتحيا بأشكال مختلفة طوال أكثر من ألفي سنة. وسوف يعود الأوروبيون إليها المرة تلو الأخرى لتأمل معانيها، وليس هذا إلا اعترافاً واجباً لها، لأن الحضارة الإغريقية كانت رغم سحاباتها أعظم امتداداً لسيطرة الإنسان على مصيره حتى ذلك الزمان. ولم تتوقف أوروبا قط عن جني فوائد رأس المال الذي وضعته اليونان، ومن خلال أوروبا بلغت ثمار تلك الوديعة العالم بأسره.





* في جزيرة صقلية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
 
الفصل الثالث - أسس عالمنا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
 مواضيع مماثلة
-
» الفصل الثالث عشر - الشوط الطويل
» الفصل الثامن - عصر الاكتشافات والمواجهة
» الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير
» قصة يوسف عليه السلام-الجزء الثالث
» الفصل السابع - صنع أوروبا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
رسالة مصرية ثقافية :: قسم العلوم التربوية والأدبية :: التاريخ العربي :: كتاب تاريخ العالم-
انتقل الى: