- تمهيد .
- علاقات المماليك بالمغول .
• علاقات المغول بالمماليك قبل الناصر
• علاقات المغول بالمماليك في عهد الناصر
- علاقة غازان السلطان الناصر محمد .
• معركة الخاذندار .
• معركة مرج الصفر .
• عودة سوريا الناصر محمد.
- علاقة خدابدا السلطان الناصر محمد .
- علاقة أبو سعيد بالسلطان الناصر محمد .
- خاتمة .
===================================
العلاقات الخارجية في عهد الناصر محمد
تمهيد :
بعد أن تكلمنا علي تاريخ دولة المماليك البحرية السياسي ، ننتقل إلي الكلام علي علاقات مصر في ذلك العصر بمختلف الدول والحروب التي قامت بها لنتعرف علي ما كان بينها وبين تلك الدول من ود وصفاء أو عداوة وجفاء ، وسيتضح لنا من سياق هذا البحث ما تمتعت به مصر في عصر المماليك عامة وعصر الناصر محمد خاصة من مركز ممتاز بين دول العالم الهامة : شرقية كانت أو غريبة ، فقد نشأت بينه وبين مغول فارس ومغول الهند ومغول القفجان علاقات عدائية أو ودية ، كما أنه أخضع أرمينية ، وبسط نفوذه علي بلاد اليمن والحجاز ، ووسع ملكه في إفريقية ، وقضي علي الصليبيين ، وأصبح بلاطه مركزاً لسفراء الدولة الأوربية الذين حضروا إلي مصر حاملين الهدايا والكتب المرسلة من ملوكهم يطلبون فيها من الناصر محمد حسن معاملة المسيحيين ويعبرون عن تقديرهم لسلطان مصر ويعترفون باتساع نفوذه ويؤكدون حبهم وإخلاصهم له .
أولاً : علاقات المماليك بالمغول :
علاقات مصر بمغول فارس( ):
أولاً : علاقة المغول بالمماليك قبل الناصر
كانت إغارة المغول علي بلاد فارس في القرن السابع الهجري (القرن الثالث عشر الميلادي) ، إحدي الغارات التي أثرت تأثيراً عظيماً في تاريخ الأمم والبلاد الواقعة في في أواسط آسيا وجنوب شرقي أوروبا والتي اكتسحها المغول بمجحافلهم وأنزلوا من الويلات ما يفوق حد التصور .
وكانت بلاد الفرس من البلاد التي دخلت في حوزة المغول ولم يأت عام 656هـ(1258م) حتى سقطت بغداد في يد هولاكو ، وصحبه ابنه أباقا ، الذي اشترك معه في فتوحه ، وخلفه بعد وفاته وتوج في 19 يونيه سنة 1265 م عاهلاً علي دولة أبيه ، فكان بذلك ثاني إيلخانات المغول في فارس.
وقد أحسن أباقا خان معاملة المسيحين وقربهم إليه ، وبالغ بعض المؤرخين فقالوا إنه تعمد في صباه واعتنق المسيحية إجابة لرغبته دسبينا المسيحية ابنه الإمبراطور ميخائيل باليولوجس إلا أن الأستاذ بروان نفي هذه الدعوى وبين أن العلاقة الودية التي قامت بينه وبين البابا وملوك أوروبا وصليب الشام هي التي دفعت هؤلاء المؤرخين إلي الاعتقاد بأنه اعتنق المسيحية ، وأن عطفه علي المسيحيين إنما يرجع لحد كبير إلي زواجه من أميرة ومسيحية، وسواء أكانت هذه النظرية صائبة أم خاطئة ، فإن ما يهمنا في هذا الصدد هو أن العلاقات الودية بين المغول والمسيحيين زادت المغول قوة ضد دولة المماليك ، التي هي أقوى الدول الإسلامية وألد أعداء المغول .
وكان من حسن المماليك في مصر أن أتاح الله لهم رجلاً قوي الشكيمة واسع الحيلة ، استطاع أن يدرأ عن بلاده خطر التحالف المسيحي المغولي ، ذلك الرجل هو نيبرس ، الذي هزم جند هولاكو المغولية قبيل اعتلائه العرش سنة 1260م وطردهم من غزة وشتت شملهم في عين جالوت خلال سلطنة قطز كما طرد الصليبيين في سورية وبطش بالحشيشيين في لبنان بطشاً ذريعاً.
ولاشك أن موقعة عين جالوت كانت ضربة عنيفة للمغول الذين لم يعرفوا معني الهزيمة من قبل ، وذلك لعظم ما فقدوه من الرجال وما خسروه من السمعة التي طبقت الآفاق حتى كانت نساؤهم وسط الشوارع نائحات صارخات مرسلات شعورهن لا ذكاء نيران الحماسة في قلوب الرجال ، وقد عول هولاكو علي إعادة الكرة علي المماليك ، غير أن المنية عاجلته فلم يكن بد إذاً من أن يعمل ابنه وخليفته أباقا علي إرضاء شعور قومه وإرضاء روح أبيه وإعادة سمعة المغول الحربية والأدبية إلي ما كانت عليه ، ولا غرو فقد كان المغول منذ أيام هولاكو ينظرون إلي مصر الفتية ويتطلعون إلي فتحها لتصبح درة في جبين إمبراطوريتهم ، وري سلاطين المماليك بدورهم أن يعملوا علي كسر شوكة المغول وإذلالهم والانتقام منهم دفاعاً عن مصر والشام ولما حل بالإسلام من الخطوب والويلات علي أيديهم .
لذلك استحكم العداء بين إيلخانات المغول وسلاطين المماليك في مصر طوال هذا العصر ، ونفر بعضهم من بعض كل النفور ، لا سيما المغول الذين كانوا يبطشون بكل ما حامت حوله الشكوك في الاتصال بالمماليك وهو أشد الجرائم السياسية في نظرهم ، وقد اتخذ بعضهم من هذا الشعور وسيلة للإيقاع بكثير من رعايا المغول المسلمين ، ومن الأمثلة المعروفة في هذا الصدد ما حدث لأسرة الجوبي العريقة ، التي ذهب أفرادها ضحية هذه الريب ، بعد أن علا نجمها في أوافق السياسة والإرادة في فارس ، واشتهرت بالجود والكرم الذي يعيد الذهن ذكري أسرة البرامكة وما نزل بها في بغداد ، وكان الناقمون من المماليك في عصر الناصر يتصلون بالمغول كما كان الناقمون علي حكومة الإخشيديين في مصر في القرن العاشر الميلادي يتصلون بالفاطميين في شمال إفريقية .ولما مات أباقاخان وقع الاختيار علي أخيه تكودرا ونودي به سلطاناً في سنة 681هـ(1282م) وهو ثالث إيلخانات المغول في بلاد الفرس ، وأول من أسلم منهم ، وقد شب علي المسيحية وتعمد في صباه وتسمي باسم "نيقولا" ثم دخل في الإسلام عندما بلغ سن الرشد ، وذلك علي أثر اتصاله بالمسلمين الذين كان كلفاًُ بهم ، ورغب في أن يسمي نفسه أحمد خان ، وبذل قصاري جهده في حمل المغول علي الإسلام ، فأسلم علي يده كثير منهم بفضل ما منحهم من العطايا وألقاب الشرف ، وأرسل تكودار أحمد كتاباً إلي ففقهاء بغداد ، أعلن فيها رغبته في حماية الإسلام والذود عنه والعمل علي إعلاء شأنه ، كما أظهر رغبته في أن يظل في الإسلام ومودة مع جيرانه المسلمين ، ثم بعث بنبأ إسلامه إلي قلاوون سلطان المماليك في مصر في كتاب مؤرخ في شهر جمادي الأولي سنة 681هـ (أغسطس سنة 1282م) مع رسولين هما قطب الدين شيرازي أتابك بهلوان .
ولكن عهد تكودار لم يطل فقد قتل في سنة 683هـ (أغسطس سنة 1284م) وخلفه في اليوم التالي أرغون ابن أخيه أباقاخان ، وحكم الدولة الفارسية نحو من سبع سنين (683هـ-690هـ) وتولي بعده جيخاتو سنة 690هـ بعد موت أرغون بأربعة أشعر ونصف ، وكانت أيامه مليئة الاضطرابات إلي أن قتل في سنة 694هـ وخلفه ابن أخيه بيدو الذي توج في همذان (إبريل – أكتوبر 1259م) فآثر الدين المسيحي ، وجهد في وضع العقبات في سبيل انتشار الإسلام بين المغول ، وسرعان ما تغلب عليه غازان بن أرغون وقتله .
إيلخانات المغول وفارس في العصر المملوكي ( )
عدد سنة هجرية أسماء الإيلخانات سنة ميلادية
1 654 هولاكو 1256
2 673 أحمد تكودار 1256
3 680 أباقا 1282
4 683 أرغون 1284
5 690 جيخاتو 1291
6 694 بيدو 1295
7 694 غازان محمود 1295
8 703 أولجايتوخدابنده 1305
9 716 أبو سعيد 1317
10 736 أربا 1335
11 736-745 موسي 1336-1344
ثانياً : علاقة المغول والمماليك في عهد الناصر محمد بن قلاوون
)
الناصر محمد بن قلاوون وغازان :
استمرت الاضطرابات السياسية في مصر بعد تولي حسام الدين لاجين الحكم في المحرم سنة 696هـ نوفمبر 1296م بسبب تقديمه مملوكه منكوتمر علي سائر الأمراء وتعيينه نائباً للسلطنة رغم كراهيتهم له( ).
وشرع منكوتمر في التخلص من المعارضين لسياسته حتى يتمكن من السيطرة علي زمام الحكم ، فأشار علي السلطان بإرسال حملة إلي بلاد الأرمن لإبعاد بعض كبار الأمراء عن مصر والشام ، كما حرض السلطان للقبض علي الآخر( )، غير أن الأمور لم تجر كما خطط لها منكوتمر ، فعصفت الفتنة التي أثارها به وبالسلطان نفسه ، وانتهي الأمر بقتل الاثنين في ربيع الآخر سنة 698هـ علي يد المماليك البرجية وعاد الناصر محمد بن قلاوون من منفاه في الكرك واعتلي عرش السلطنة للمرة الثانية في شهر جمادي الأولي سنة 698هـ وكانت أهم النتائج التي أسفرت عنها سياسة منكوتمر السابقة هي هروب بعض كبار الأمراء مثل قبجق نائب دمشق ، وكذك نائب صفد وغيرهما إلي المغول عند رأس عين من أعمال ماردين، فاستقبلهم غازان أحسن استقبال وأغدق عليهم الأموال والهدايا ، وزوجهم من أميرات مغوليات ، وقرب إليه قبجق بصفة خاصة وزجه من أخت زوجته، وقد زين هؤلاء الهاربون لغازان سرعة غزو الشام ومصر ووعدوه بالمساعدة وأخبروه أن الأحوال السياسية في دولة المماليك غير مستقرة ، وأن قوات المماليك لن تستطيع مقاومة الجيش المغولي.
وغازان هو إيلخان المغول الذي تحارب معه الناصر ، لذلك آثرنا أن نأتي بكلمة تبين أخلاقة وصفاته حتى نتعرف مدي ما صادفة الناصر في حروبه معه من صعاب ، كان غازان أكبر أحفاد هولاكو والسابع من أسرة إيلخانات المغول في فارس ، وقد انتصر الإسلام الذي اعتنقه وجعله الدين الرسمي للدولة انتصاراً مبيناً علي الوثنية المغولية وهي الشامانية كما بدأت الدولة الفارسية في عهده تستبعد استقلالها.
وقد ولد غازان سنة 670هـ ( 24 ديسمبر سنة 1271م) وكان يصحب جده أباقا خان منذ نعومة أظفاره في رحلاته للصيد ، ولما بلغ العاشرة من عمره ولاه أبوه أرغون إمرة خراسان تحت وصاية الأمير نورويز بن أرغون أغا الذي تولي كثيراً من الأقاليم الفارسية في عهد جنكيز خان وخلفائه من بعده مدة تسع وثلاثين سنة ، وإلي نوروز يرجع الفضل في إسلام غازان ، وكان غازان قد وعده بالدخول في هذا الدين إذ وهب الله له النصر علي خصمه بيدو ، ولما تم له ذلك بر بوعده ، فأسلم في 4 شعبان سنة 694هـ وأسلم معه عشرة آلاف من المغول .
علي أن كثيراً من المغول والأمراء والأشراف وغيرهم نظروا إلي تحول غازان إلي الإسلام نظرة السخط والكراهية وأدي ذلك إلي قيام المؤامرات وتدبير الدسائس ، بيد أنه تمكن من القضاء عليها بغير رحمة ولا شفقة حتى لقد قيل إنه قتل في شهر واحد عدد لا يقل عن خمسة من أمراء المغول وسبعة وثلاثين من حكامهم ، ولحق بهم نوروز نفسه لاتهامه بالتآمر سراً مع سلطان المماليك في مصر ، وجمال الدين دستاجرداني وأخوه قطب جهان واستوزر غازان الطبيب ، والمؤرخ المشهور رشيد الدين فضل الله صاحب كتاب جامع التواريخ ، ومن النادر أن تري صفحة في كتاب رشيد الدين خالية من ملاحظة خاصة بإعدام موظف في ذلك العهد ، مما يؤيد قول السير هنري هورث إن غازان كان حاكماً قاسياً وإن دولته قد امتازت بقائمة سوداء من الضحايا .
ولقد قضي غازان قسماً كبيراً من حكمه في محاربة المماليك في مصر ، وكانت حالة الضعف التي سادت مصر في أثناء اغتصاب عرش الناصر علي يد كل من كتبغا ولاجين ، عقب سلطته الأولي ووصاية الأميرين بيبرس وسلار في أثناء سلطته الثانية ، مما شجع غازان علي التفكير في الإغارة علي بلاد الشام وفتح دمشق وعزمه علي فتح مصر وضمها إلي أملاكه ، ولا غرو فإن هذه الحالة لم تخف علي غازان بل انتشرت في سائر الأقطار .
وهناك سبب لمهاجمة غازان الأراضي الشامية وهي أنه بعد انتصاره علي بيدو واعتناقه الدين الإسلامي أدي ذلك إلي مهاجرة عدد كبير من جند بيدو للديار المصرية ويعرف هؤلاء باسم المغول الأويراتية أو العوبرتية ، ويقول أبو الفداء أن عدد الفارين من وجه غازان زاد علي عشرة آلاف بيت ولوا وجههم شطر مصر بزعامة صهر منكوتمر ابن هولاكو ويرجع سبب هجرتهم إلي ما ذكره أبو الفداء من أن قائدهم طرغية صهر منكوتمر قد ناصر بيدو علي جيخاتوبن أباقا خان ، فلما دارت الأيام دورتها واستطاع غازان أن يعتلي عرش المغول في فارس أراد أن يأخذ بثأر عمه منكوتمر ففر هو وجماعته يريدون مصر وأظهروا رغبتهم في اعتناق الدين الإسلامي لكي يسمح لهم بالدخول.
ولما وصل هؤلاء إلي نهر الفرات كاتب نواب الشام كتبغا يخبرونه بأمر العوايرتية ويطلبون منه الإذن بدخولهم مصر ، فجمع السلطان أمراء الدولة واستشارهم في هذا الأمر ، فاتفق علي إنزال عامتهم بساحل بلاد الشام ، وحضور رؤسائهم إلي مصر ، فبعث إلي نائب الشام بذلك وأنعم كتبغا عليهم بالأراضي وخلع علي وآثرهم علي أهل مصر ، وكان كتبغا مغولي الجنس فلا عجب إذا مال إليهم واحتضنهم واهتم بأمرهم اهتماماً أثار في قلوب أمراء الدولة الأحقاد عليه ، وخصوصاً عندما ظهر أنهم قد عدلوا عن الدخول في الإسلام وتمسكوا بعقائدهم الوثنية ، ولكن كتبغا قد رفض أن يتعرض لهم بسوء إذا كان يرمي إلي اتخاذهم عوناً له علي البقاء في كرسي السلطنة .( )
ومن العوامل الجوهرية التي شجعت علي إغارة المغول هو هرب سيف الدين قبجق نائب دمشق مع جماعة من الأمراء في خمسائة من الجند إلي غازان وإخباره بما آلت إليه حالة سورية في نهاية حكم لاجين مما دفعه إلي العمل علي امتلاك هذه البلاد ومواصلة السير إلي مصر ، ويمكننا أن نتصور أهمية ذلك الحادث وما كان له من أثر في علاقات الناصر بغازان إذ علمنا أن غازا لم يكن حتى ذلك الوقت يعلم حقيقة الحال في سورية ، وأنه كان يتهيب المماليك بعد ما رآه من شجاعتهم وانتصارهم علي ملك أرمينية ، وكان رغبة غازان متجه إلي الاعتداء علي دولة المماليك ، وكان يظن أن أحوال هذه الدولة ستساعده علي تحقيق مطامعه ، ولذا تلمس سبباً لبدء مشروعه وأتيح له الوصول إلي ذلك حين أرسل الامير بدر بلبان الطباخي نائب حلب جيشاً إلي ماردين عاث فيها فساداً فتخذ غازان ذلك حجة فيغزو الشام.
ولذا فقد أعد غازان خطته من قبل ، وأرسل من أجل ذلك القائد المغولي سلامش علي رأس خمسة وعشرين ألف فارس إلي بلاد الروم في آسيا الصغري للاستيلاء عليها ثم الزحف منها إلي بلاد الشام عن طريق سيس في أرمينيا الصغري ، أما غازان نفسه فقد اتجه بقواته عن طريق ديار بكر لعبور الفرات ومهاجمة البيرة والرحبة وقلعة الروم ، علي أن تجتمع قوات غازان وسلامش علي أبواب حلب( )، غير أن خيانة سلامش قلبت خطة غازان رأساً علي عقب ، فما أن وصل غازان إلي بغداد في أوائل رجب سنة 698هـ / 1299م حتى علم بثورة سلامش في برد الروم فألغي غازان خطة الهجوم علي الشام وعاد إلي عاصمة ملكه ، في حين أرسل جيشه لإخماد الفتنة في بلاد الروم والقبض علي الثائر( ).
وكان سلامش يطمع في الاستقلال ببلاد الروم ، فاستغل قيادته للحملة العسكرية الموجهة إلي بلاد الشام وتخلص من كبار القادة الذين أرسلهم غازان لمساعدته ، كما أشاع بأن غازان قد عزل من منصبه ، ولكي يضمن سلامش نجاح خطته أرسل إلي سلطان مصر طالباً المساعدة العسكرية ، ونظراً للفتن التي كانت قائمة علي قدم وساق في دولة المماليك آنذاك فقد تأخر وصول المساعدة المطلوبة ، فتمكنت قوات غازان من إحباط ثورة سلامش في رجب سنة 698هـ فلاذ بالفرار إلي دمشق ومنها للقاهرة ، ثم لقي سلامش مصرعه عندما عاد إلي بلاده لإحضار أفراد أسرته ، وقد اشتد حنق غازان علي المماليك لقيامهم بإيواء الثائر المغولي ولمساعدته بفرقة عسكرية من قوات حلب عند عودته إلي بلاده ، ونهب تلك القوات لمدينة ماردين ، فاتخذ غازان من تلك العملية ذريعة لمعاودة الهجوم علي بلاد الشام ، وحقيقة الأمر أنه أراد استغلال الاضطرابات السياسية التي كانت تمر بها دولة المماليك آنذاك، كما أنه أراد الانتقام من المماليك لاستيلائهم علي قلعة الروم في عهد الأشرف خليل ، ويبدو أن غازان كان لا يعترف بنظام حكم المماليك في مصر إذ أرسل إلي القاهرة رسالة يتهكم فيها عليهم ويشير إلي انتقال الحكم في مصر من الملوك إلي العبيد.
ولما وصل إلي السلطان خبر عبور غازان نهر الفرات ، جهز جيشاً لمقابلة المغول ، إلا أن سوء الحظ قد لازم المصريين في سيرهم من بادئ الأمر ، فإن العوايرتية الذين انضموا تحت لواء الناصر ما كادوا يصلون إلي غزة حتى دبروا مؤامرة خطيرة لاغتياله هو وقواده ، وكانوا يرمون من وراء ذلك إلي إعادة كتبغا المغولي إلي العرش والأخذ بثأر إخوانهم الذين قتلوا في عهد لاجين ، وكان من أثر تفاقم هذه المؤامرة أن تأخر زحف الجيش المصري ، وعمت الفوضى والارتباكات صفوف المماليك وفقد كثير من آلات الحرب ، علي أن قواد جيش الناصر أظهروا نشاطاً عظيماً وكياسة وحكمة في إحباط هذه المؤامرة وإعادة النظام إلي وحدات الجيش ، ولقي المتآمرون جزاء ما فعلوا ، ويقول المقريزي : "شنق منهم نحو الخمسين ونودي عليهم : هذا جزاء من يقصد إقامة الفتن بين المسلمين ويتجاسر علي الملوك".
موقعة الخذندار :
ومن ثم استأنف جيش الناصر سيره حتى دخل عسقلان في 8 ربيع الأول سنة 698هـ
(1298م) ، وما كادت تصل إليه الأخبار بكثرة عدد العدو حتى وقع الرعب في قلوب الجند ، وخاصة عندما رأوا أنواعاً من الجراد محلقة في الجو ، فاعتبروها نذيراً بالهزيمة ، ثم تقدم الجند وقد خارت قواهم وضعفت قلوبهم ، والتقي الفريقان في مجمع المروج في وادي الخزندار بين حماه وحمص وكان عدد المماليك عشرين ألفاً ، بلغ المغول خمسة أضعافهم، وكان جيش المماليك يجمع أكفأ الأمراء وبعض رجال الدين لبث روح الحماسة والجهاد وحب النصر في الجنود ، أما غازان فقد رتب جيشه بحيث وضع الخيل في المقدمة وأقام ورائها الفرسان راجلين بقصد حماية رجال جيشه من هجمات العدو ، ولم يمتط هؤلاء الفرسان خيولهم إلا بعد أن حمي وطيس القتال .
وقد بين أبوالمحاسن في عبارة جلية كيف دار القتال بين المصريين والمغول في موقعة الخازندار ، فقال : وعدي غازان والتتار وخرج السلطان الناصر لتلقي العدو وساق إلي حمص ،وركب بكرة الأربعاء سابع عشرين الشهر وساق إلي وادي الخازندار فكانت الوقعة والتحم القتال واشتد الحرب ، وثبت عسكر الإسلام إلي العصر ولاح لهم النصر ، ثم تكاثر عساكر التتار وحمل علي ميمنة السلطان فانكسرت الميمينة وجاءهم ما لا قبل لهم به ، وكان عسكر السلطان يومئذ نحو عشرين ألفاً وعسكر التتار قريباً من مائة ألف فشرع المسلمون في الهزيمة وأخذ الأمراء السلطان وتخيروا به وحموا ظهورهم وساروا علي درب بعلبك والبقاع وبعض العسكر عبر دمشق واستشهد في المصاف جملة من الأمراء.
وكان النصر في واقعة الخزندار حليف المغول ، علي الرغم من انتصار المماليك أولاً ، وقد وصف مفضل ابن أبي الفضائل كيف انتهت تلك الموقعة فقال : "صارت الاخبار مضطربة وأخبر قوم بأن التتار عزموا علي الهروب وشنوا أعنتهم للرجوع ، فأشير علي السلطان الناصر بسرعة المسير إليهم فركضت العساكر بعد أن أقاموا علي ظهور خيولهم ثلاثة أيام بعددهم وأسلحتهم ، ولما ألتقي الجمعان حملت الميسرة المنصورة علي ميمنة العدو فكسرتهم وساقت العساكر خلفهم إلي خلف أثقالهم وحملت مسيرة العدو علي ميمنة العساكر والمنصورة فكسرتها ، والتقوا علي السلطان والقلب وفوقوا نحوهم سهاماً كدفعة المطر أو محربة السيل المنهمر ، ثم حصل تخاذل أو وقعه الله تعالي مشيئته ( في جيش الناصر) فهربت الميمنة وهرب من كانوا وراء السناجق السلطانية وانقل الجيش وانفصل الأمر بعد العصر ، وساق السلطان بطائفة يسيره نحو بعلبك وبقيت الغنائم والأموال والعدد والأثقال ملقاة ملو الأرض ورموا الجند سائر عددهم لخيففوا عن خيولهم لينجوا بأنفسهم.
ونري أنه رغم الأمان الذي منحه غازان لأهل دمشق بعد نصرته علي الناصر إلا أن جنوده عاثوا في الغوطة وظاهر المدينة فساداً ونهباً وهذا بعض ما جاء تلك الوثيقة التي أعلنها غازان لأهل دمشق :
" بقوة الله تعالي وإقبال دولة السلطان محمود غازان ليعلم أمراء الطومان والألوف والمائة وعموم عساكرنا المنصورة ممن هو داخل تحت ريقة طاعتنا ، أن الله لما نور قلوبنا بنور الإسلام وهدنا إلي ملة النبي ، أمن شرح الله صدره للإسلام فهو علي نور من ربه .. فويل للقاسية قلوبهم من ذكر ، أولئك في ضلال مبين ... ولما أن سمعنا أن حكام مصر والشام خارجون عن طريق الدين ، غير متمسكين باحكام الإسلام ، حالفون بالأيمان الفاجرة ، ليس لديهم وفاء ولا ذمام ، ولا لأمورهم التثام ولا انتظام ، وكان أحدهم إذا تولي شعي في الأرض ليفسد فيها ، ويهلك الحرث والنسل ، والله لا يحب الفساد ، وشاع عن شعارهم الحيف علي الرعية ، ومد أدي العادية إلي حريمهم وأموالهم ، والتخطي عن جادة العدل والإنصاف ، حملتنا الحمية الدينية والحفيظة الإسلامية علي أن توجهنا إلي تلك البلاد لإزالة هذا العدوان وإماطة هذا الطغيان مستصحبين الجم الغفير من العساكر ، ونذرنا علي أنفسنا إن وفقنا الله تعالي بفتح تلك البلاد أزلنا العدوان والفساد ، وبسطنا العدل والإحسان في كافة العباد ، ممتثلاً للأمر الإلهي (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون...".
وما نراه من كل هذه الوعود إلا أنها تبخرت سراباً وعاث الجنود في الأرض الفساد ونهبوا وسلبوا بلاد الشام كلها ، وخربوا وحرقوا ، إلا أنهم لم يتمكنوا من دخول قلعتها بعد أن رفض نائبها الاستسلام وأصر علي المقاومة ، ونهب الأرمن بصفة خاصة قرية الصالحية بالقرب من دمشق انتقاماُ من هجمات المماليك علي بلاد أرمينيا ، وقرئت الخطبة في دمشق باسم السلطان غازان ، كما جمع المغول من أسواق المدينة وأغنيائها مبلغ أربعمائة ألف دينار فضلاً عن البراطيل والتراسيم التي دفعت للأمراء المغول ، ومع ذلك قام المغول بإحراق المساجد والمدارس في دمشق وضواحيها .
واقعة الصالحية :
سار المغول بعد ذلك إلي الشمال ونزلوا في 15 ربيع الثاني 698هـ بالصالحية ونهبوها وأخذوا ما في مدارسها وجامعها من البسط والقناديل ، وقتلوا من أهليها زهاء تسعة آلاف، وخاف أهل دمشق أن يعود إليهم غازان بمجموعة أخري فطلبوا منه أن يفرض عليهم ضريبة في مقابل عتق المسلمين ، ولكنه صمم علي أخذ قلعة دمشق ، وبالغ المغول في أعمال النهب والإحراق ، واشتطوا في جمع الضرائب حتى عجز الناس عن أداء ما فرض عليهم من الضرائب ، وأهدرت الدماء البريئة بغير ما شفقة ولا رحمة حتى إن المقريزي يقول إنه قتل ما يقرب من مائة ألف .
وكانت موقعة الخازندار التي هزم فيها الناصر من أعظم المواقع التي دارت بين المماليك والمغول ، علي الرغم من أن قبجق يعد من المحرضين علي إغارة المغول ، فإنه يرجع إليه الفضل في رد غازان بعد انتصاره عن مطاردة جيوش المماليك المنهزمة خشية أن يكونوا قد وضعوا لهم كميناً كعادتهم في الحرب .
أما السلطان الناصر محمد وقواته فلاذوا بالفرار من أرض المعركة يطاردهم القائد المغولي مولاي حتى منطقة غزة ، ثم وصل السلطان وقواته إلي القاهرة وهم في أسوأ حال حيث لم يسلموا في هربهم من مطاردة ومهاجمة العربان والدروز.
وبرغم الانتصار الكبير الذي حققه غازان علي المماليك في المعركة السابقة إلا أن النتائج العسكرية لذلك الانتصار كانت قليلة الأهمية ، فلم يترتب عليه احتلال المغول لأي مدينة من المدن الشامية احتلالا دائماً لاعتلال صحة غازان ، ولمواجهة خطر أقربائه المغول الجغطائيين الذين استغلوا غيابه في جملته علي الشام وهاجموا تحت قيادة قطلق خوجا وهو ابن خان التركستان وكان إقطاعية تقع في أفغانستان وغزنة وبلاد الغور – هاجموا كرمان وفارس وخربوهما دون أن يصادفوا مقاومة جادة لأن غازان اصطحب معه إلي بلاد الشام معظم قواته الرئيسية ، أما القوى الأوروبية المسيحية فقد بادرت إلي تهيئة غازان بانتصاره علي المماليك، وأبدت استعدادها للمشاركة في غزو الأراضي المقدسة واقتسامها مع المغول ، ومن القوي جيمس الثاني ملك أرغونة الذي أرسل إلي غازان رسالة مؤرخة في مايو سنة 1300م تحمل عنوان "إلي الملك الأقوي والأعظم غازان ملك المغول ، ملك ملوك الشرق" وقد عرض عليه تزويد غازان بالسفن والمتطوعين والخيول وكل الإمدادات التي قد يحتاج إليها ، وفي مقابل ذلك فقد طلب من غازان أن يسلم له خمس الأراضي المقدسة التي غزها حديثاً وكل الأراضي التي سيغزوها وأن يكون لرعايا جيمس امتيازات زيارة القبر المقدس والأماكن الأخرى دون دفع ضرائب ، ولم خرج الوعود الأوروبية إلي حيز التنفيذ ، ففضلاً عن شروطها التعسفية ، فإن تلك القوى كانت غارقة في مشاكلها الخاصة آنذاك.
وبرحيل غازان لم تنتهي شوكته لكونه ترك حامية مغولية تحت قيادة قطلوشاه كمما أعلن عزمه علي العودة للشام مرة أخرى ـ وقد كافأ غازان الأمراء المماليك الذين فروا إليه واشتركوا في المعركة ضد السلطان الناصر محمد بتعيينهم نواباً في المدن الشامية ، فجعل قبجق نائب دمشق ، وبكتمر في حلب وحمص وحماة والألبكي في صفد وطرابلس وساحل فلسطين ، ومع كل نائب من هؤلاء حامية مغولية ويخضع الجميع لقيادة قطلوشاه ، ويبدو أن ذلك التوزيع لم يرق للأمراء المماليك الذين وجدوا أنفسهم يعملون في خدمة المغول دون أن تكون لهم سلطة حقيقية أو مشورة ، فغيروا من رأيهم وعادوا إلي طاعة الناصر محمد بن قلاوون أو مشورة ، فغيروا من رأيهم وعادوا إلي طاعة الناصر محمد بن قلاوون من جديد ، وبالإضافة إلي ذلك فقد نجح قبجق في رشوة القائد المغولي قطلوشاه وأقنعه بمغادرة دمشق فرحل عنها في 22 جمادي الأولي سنة 699هـ أي بعد عشرة أيام فقط من رحيل غازان كما غادر دمشق كذلك القائد مولاي خليفة قطلوشاه في القيادة ، ولحق بهم بالقرب من الدربند.
عودة سوريا إلي سلطان المماليك :
كان الظاهر من سير الأمور وقتئذ أن البلاد السورية أصبحت في قبضة المغول ، وبلغ الضيق والشدة من الناس كل مأخذ حتى عزم غازان علي العودة إلي بلاده ، وخلف علي سوريه قطلوشاه التتاري نائباًَ عنه ومعه ستون ألفاً من جند المغول وعدد المماليك بالعودة إلي بلاد الشام وغزو مصر في فصل الخريف ، وخرج غازان من دمشق قاصداً بلاد فارس في 9 جمادي الأولي سنة 700هـ بعد أن كتب إلي سيف الدين قبجق عهداً بنيابة الشام وفيه يقول :
"…… فلما اتصل بنا ما بمصر ومن فيها من غاصب وظالم هاجرنا لنصرة الله تعالي ونصرة الدين وبادرنا لإنقاذ من فيها من المسلمين وأرسلناهم وأنذرناهم وكاتبناهم وزجرناهم ووعظناهم فلم تنفع فيهم العظة وأيقظناهم فلم يكن عندهم يقظة ، فلقيناهم بقوة الله تعالي فكسرناهم وقلعنا آثارهم وملكنا الله تعالي أرضهم وديارهم وتبعناهم إلي الرمل وحطمناهم كما حطم سليمان وجنودة وادي النمل فلم ينج منهم إلا الفريد ولا سلم إلا البريد ، فلما استقر تملكنا للبلاد وجب علينا حسن النظر في العباد ، فأحضرنا الفكر فيمن نقلده الأمور وأنعمنا النظر فيمن نفوض إليه مصالح الجمهور ، فاخترنا لها من يحفظ نظامها المستقيم ويقيم ما انآد من قوامها القويم … فرأينا أن الجناب العالي الأوحدي المؤيدي الكفيلي المشيري المجاهدي الأميري الهمامي النظامي السيفي ملك الأمراء في العالمين ظهير الملوك والسلاطين قفجق هو المخصوص بهذه الصفات الجليلة .... فلذلك رسمنا أن نفوض إليه نيابة السلطنة الشريفة..".
انفرد قفجق بحكومة دمشق ، إذ لم تمض عشرة أيام علي خورج غازان حتى لحق به قطلوشاه ، وغدر قبجق بالتتار وقلتهم وتتبع الفاسدين ووبطش بهم ، فاستبشر أهل دمشق بذلك وعادت الطمأنينة إلي نفوسهم وأبلغ قبجق السلطان الناصر نبأ خروج غازان وقطلوشاه من دمشق وعودة سورية إلي حوزة المماليك .
وفي ذلك اليوم الأربعاء 28 ربيع الثاني سنة 700هـ نودي بالبلد : طيبوا قلوبكن وافتحوا دكاكينكم وتهيئوا للقاء سلطان الشام سيف الدين قبجق بالشموع ، وفي المناداة أيضاً قد دفع الله عنكم العدو المخذول ...وفي عشية السبت رابع الشهر (رجب) اشتهر أنه لم يبق في الطرقات ولا في ضواحي دمشق أحد من التتار ونودي بذلك … وفي يوم الأربعاء خامس عشر رجب خرج الأمير سيف الدين قبجق من دمشق وطلب الأبواب السلطانية الناصرية هو وأصحابه بكتمر السلحدار ومن معهم … وفي يوم الجمعة أعيدت الخطبة بجامع دمشق للسلطان الناصر صاحب مصر وباسم الخليفة علي جاري العادة ، وكان قد اسقط اسمهما من الخطبة من سابع ربيع الآخر إلي ذلك اليوم فكانت المدة مائة يوم".
وهكذا نري خيانة قبجق للناصر أولاً ثم لغازان ثانياًولا ندري كيف تقبل الناصر قبجق إلي حظيرة المماليك بعد هذه الخيانة وانضم إلي العدو ، ويظهر أن الناصر قد رحب بتوبته ليكون عضداً له ضد المغول ألد أعدائه وقتها ، ولعل سماع قبجق بخبر الاستعدادت الحربية الهائلة التي كان يقوم بها الناصر وتوقعه انتصار المماليك علي المغول كان من العوامل التي أدت إلي خيانته لغازان بعد رحيله وعودته لبلاده .
وهنا نقف لنتعرف علي العوامل التي أدت لعودة غازان لبلاده بعد هذا النصر المؤزر :
- أولاً : أن الناصر عمل بجد حين عودته علي جمع الجيوش وإعداد الأجهزة للجيش لمحو العار الذي لحق به في سورية واستعادتها لحظيرة المماليك من قبضة المغول .
- ثانياً : صمود قلعة دمشق في وجه غازان وعدم استسلامها له ساعدت علي سرعة عودة غازان لبلاده لاعتبارها نذير بأس وقوة في مواجهه المماليك .
- تعرض حدوده الشرقية لغزو الغزاة .
إلا أن غازان فعلاً بدأ في زحفه إلي الشام من جديد في شتاء عام 700هـ إلا أن البرد القاسي بها اضطر إلي أن يعود أدراجه بعد ان هجم علي أنطاكية وجبل السماق ونهب الأموال واسر كثيراً من الرجال حتى بيع الواحد منهم بعشرة دراهم ، وحالت الأمطار الغزيرة والثلوج المتكاثفة دون دخوله دمشق وقد عقب صاحب "تاريخ السلاطين" علي هذه الغزوة بقوله "ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً ، وكان غازان يعتقد أن الدول المسيحية سوف تساعده علي انتزاع سورية من يد المماليك ، فتوالي إرسال الوفود المغولية إلي بلاط انجلترا وفرنسا.
ويروي المؤرخون أن ابن تيمية قال للسلطان وللأمراء " عن كنتم أعرضتم عن الشام وحمايته أقمنا له سلطاناً يحوطه ويحميه ويستغله في زمن الأمن" ثم قال " لو قدر إنكم لستم حكام الشام ولا ملوكه واستنصركم أهله وجب عليكم النصر ، فكيف وأنتم حكامه وسلاطينه ، وهم رعاياكم وأنتم مسئولون عنهم" ، وما أن وصل السلطان بقواته إلي غزة حتى بلغه انسحاب الإيلخان محمود غازان من بلاد الشام وعبروه الفرات في أوائل فبراير 1301م عائداً لبلاده من ناحية الرقة ، فانسحب السلطان الناصر بدوره لمصر.
وكانت الأسباب الظاهرية المعلنة لانسحاب المغول هي أن غازان لم يتسلم تقارير عن تحركات المصريين لمواجهته ، فآثر إنقاذ المدن الإسلامية من الدمار ومن سفك المؤمنين ، وكذلك سوء الأحوال الجوية والأمطار والثلوج التي أهلكت معظم خيوله حتى انخفض عددها من اثني عشر ألفاً إلي ألفين فقط ، غير أن تلك الحجج مع وجاهتها وأهميتها البالغة لا تبرر وحدها سرعة انسحاب غازان ، فلم يهتم المغول كثيراً بموضوع انقاذ المدن الإسلامية في حملاتهم السابقة ، كما أن الظروف الجوية انقاذ المدن الإسلامية في حملاتهم السابقة ، كما أن الظروف الجوية السيئة قد أصابت قوات الناصر محمد أيضاً ، ولم يكن في استطاعة قوات المماليك أن تتقدم أكثر مما وصلت إليه إلا بخسائر فادحة في الدواب والمؤن والأفراد ، ويضاف إلي ذلك أن تقلبات المناخ والأمطار والثلوج لم تكن في يوم من الأيام سبباً لإيقاف العمليات العسكرية لجيوش المغول منذ أيام جنكيز خان وأوكتاي ومنكوخان ، فقد فتحت قواتهم البلاد من الصين حتى إيران ويبدو أن السبب الحقيقي لسرعة انسحاب غازان هو وجود تحالف بينه وبين ملك أرمينية والعرب المسيحي ممثلاً في ملك قبرص للقيام بهجوم مشترك علي أراضي سلطنة المماليك ، ولما لم تنفذ القوي الصليبية الغربية وعدها لأسباب خاصة أو خشية عواقب تلك المغامرة غير المأمونة أدرك غازان أنه لن يستطيع بمفردة تحقيق مشروعاته في بلاد الشام فآثر السلامة والانسحاب بعد أن بلغه الاستعدادات الهائلة التي قام بها الناصر محمد للقائه .
ومن الواضح أن خطة غازان العسكرية تؤيد ذلك ، فاهتمامه بإرسال قواته إلي إنطاكية يعني الاهتمام بمنطقة الساحل تمهيداً لنزول قوات صليبية عليها ، وقد جرت محاولة صليبية من ذلك القبيل فيعام 698م علي ساحل بيروت في أثناء حملة غازان الأولي وقد باءت بالفشل بسبب الرياح التي حطمت السفن الصليبية .
ولم يقلل فشل غازان في حملتيه السابقتين علي بلاد الشام من نواياه التوسعية ، ولا من رغبته في هزيمة المماليك ، ولكي يبرر فشله من ناحية ، ويلقي الرعب في قلب الناصر محمد من ناحية أخرى أرسل غازان سفارة إلي القاهرة في أواخر عام 700هـ تحمل خطاباً يحوي عبارات خلط فيها اللين بالشدة ، وحمل المماليك مسئولية الهجمات السابقة للمغول علي بلاد الشام ، وكان أخطر ما في الخطاب هو التهديد بالحرب ما لم يبادر الناصر بتقديم الحق والهدايا إلي غازان ، فضلاً عن إقامة الخطبة والسكة باسم غازان مع تقديم جزية سنوية له،( ) وقد رفض الناصر محمد هذه الشروط علي الفور لأنها تحمل معني الخضوع والتبعية من جانبه لايلخان المغول ، وقد رد الناصر برسالة أخرى أشد لهجة من رسالة غازان ، والواقع أن تلك النعمة في خطاب غازان لم يكن لها آنذاك ما يبررها فإذا كان خانات المغول قد درجوا منذ أيام جنكيز خان علي إرسال خطابات التهديد والوعيد إلي حكام الدول قبل مهاجمتهم ، كما أدعي الخانات دائماً أن سلطتهم مستمدة من السماء ، إذا كان ذلك قد حدث قبل عصر غازان ، فإن تلك الدعوى قد انتهي زمانها ، وأصبحت دولة مغول فارس تعيش في ظروف سياسية مغايرة تماماً لظروف المغول الأولى ، فأعداء غازان الأقوياء يحيطون به في الشمال والشرق، ولا سيما مغول القبيلة الذهبية الذين طالب خانتهم – طقطاي بن منكوتمر- غازان بالتخلي عن ولايتي آران وأذربيجان بدعوى أن جنكيزخان قد خصصهما من قبل لأحفاد جوشي ، مما جعل إمكانية وقوع الحرب بين مغول فارس ومغول القبيلة الذهبية محتملاً في أي وقت .
ويبدو أن رغبة غازان الملحة في إلحاق الهزيمة بالمماليك قد جعلته لا يحسن تقدير موقفه العسكري كما ينبغي ، فأخذ يخطط من جديد لحمله عسكرية كبيرة علي بلاد الشام ، ومن أجل ذلك أرسل في إبريل سنة 1302م رسالة إلي البابا بونيفاس الثامن يحثه فيها علي دعوة حكام أوروبا لإرسال قواتهم للاشتراك في الحملة المزمع قيامه بها ، والتي أصبحت هدفه الوحيد ، كما أرسل غازان القائد قطلوشاه إلي جورجيا لجمع القوات العسكرية وإرسالها إلي ديار بكر للالتحاق بالقوات المغولية المحتشدة هناك ، واتخذ غازان من قيام المماليك بحملة عسكرية علي سيس في أرمينيا أواخر عام 701هـ لتأديب ملك الأرمن علي تأخيره إرسال المال المقرر عليه لسلطان مصر ، اتخذ غازان من تلك الحملة ذريعة لمعاودة الهجوم علي بلاد الشام . فزحف علي رأس قواته في أوائل عام 702هـ ووصل حتى منطقة الرحبة ، كما أرسل القائد قطلوشاه علي رأس ثمانين ألف جندي لمهاجمة دمشق ، وسعي غازان إلي بث الفرقة بين قوات المماليك لتستسلم بسهولة لمناعة قلعتها ، وعلي ذلك وجد من المناسب البدء بملاقاة الناصر محمد بن قلاوون الذي كان قد وصل هو الآخر إلي ظاهر دمشق مع كبار قواته في رمضان من نفس العام 702هـ.( )
ووقع الصدام المرتقب بين الجانبين المملوكي والمغولي عند مرج الصفر بالقرب من شقحب يوم 2 رمضان 702هـ/19 إبريل 1303م، وقد أدرك المماليك ما سوف يترتب علي هزيمتهم في تلك المعركة الفاصلة من ضياع للشام وتهديد لمصر ذاتها ، فأطماع غازان لا حدود لها .
وقد تواصي كبار الامراء علي الثبات في المعركة ، كما قام الشيخ تقي الدين ابن تيمية بدور كبير في رفع الروح المعنوية للماليك وحثهم علي قتال المغول ، وهكذا فإنه بعد تقال شديد اسمر ثلاثة أيام بين الجانبين نجح المماليك في الإحاطة بقوات قطلوشاه وإلحاق الهزيمة الساحقة بها وهي تحاول الفرار من ميدان المعركة برغم كثرة عددها بالقياس إلي قوات المماليك ، ومنى المغول بخسائر فادحة من القتلي والأسري خلال هذه المعارك مع المماليك تفوق ما لحق بهم في أي معركة سابقة حتى بلغ عدد الأسري عشرة آلاف أسير كان من بينهم عدد كبير من الضباط .ومن نجا من المغول ضاع وهلك في الصحراء .
والناصر محمد قد احتفل بانتصاره في دمشق طيلة شهر رمضان وعند قدومه للقاهرة في شوال بالغ الناس في إظهار السرور بإقامة أقواس النصر والملاهي .
وأحس غازان بذل الهزيمة علي الرغم من أنه لم يشترك في هذه المعركة شخصياً بل ظل قابعاً عند الفرات يرقب نتائجها من بعد خشية استغلال أعدائه مغول القبيلة الذهبية والمغول الجغطائيين غيابه والهجوم علي بلاده ، وكان من أثر هذه المعركة أن أصيب غازان بنزيف الدم حتى أشرف علي الهلاك ، فصب جام غضبه علي قطلوشاه وأهانه إهانة بالغة وأوشك علي قتله ، كما ضرب القائد بولاي ، وأقام محاكمة لكبار الضباط المغول الذين اشتركوا في قيادة الحملة علي الشام ، وأعدم اثنين منهما .
وأراد غازان الانتقام من الناصر محمد فمنع سفراءه الذين كانوا في فارس من العودة لمصر وظلوا محتجزين لديه حتى مات فعادوا في أيام خليفته خدابندا ، وقد دفع الشعور والرغبة في الانتقام والثأر غازان للتفكير في حملة جديدة علي مصر ولكن مرضه وصدي هزائمه وعداء أقربائه مغول القبيلة الذهبية له أقنعه بأن قواته العسكرية ليست كفيلة لمواجهة سلطان مصر.
الناصر محمد بن قلاوون وأولجايتو (خدابندا) :
تولي الحكم في دولة فارس بعد وفاة غازان أخوه أولجايتو خدابندا – أو خرنده- في 13 ذي الحجة سنة 703هـ علي الرغم من أنه لم يكن علي نفس المستوي من الكفاية ، وكان أولجايتو قد نشأ في الأصل مسيحي وتعمد باسم نيقولا ، ثم أصبح بوذي ثم اعتنق الإسلام ، وتقلب محمد خدابندا ، وسار علي سياسة غازان العدائية للمماليك ، وحاول التحالف مع ملوك الغرب المسيحي ، ودعي للسلام بين كل القواد المغول .
وقد أوفد إلي مصر السفراء لإظهار صداقته للناصر وتأكيد حسن نياته نحوه ، علي أنه لم يكن مخلصاُ فقد اعتنق المذهب الشيعي وغلا فيه وعمل علي نشره في الجهات الغربية من بلاده واشتد العداء بينه وبين المماليك وطمع في الاستيلاء علي سورية ومصر .
وفي عهد أولجايتو قام المغول في سنة 712 هـ بحملة علي سورية وحاصروا مدينة الرحبة ، ولكنهم اضطروا إلي العودة إلي بلادهم لحرارة الجو ، قلة المؤن ، ذلك أن الناصر اتهم قره سنقر بقتل أخيه وعول علي أخذ ثأره ، غير أنه رأي أن الفرصة لمتكن سانحة حينذاك فلم ير بداً من مطاولته ، وفطن قره سنقر لما يراد به ، وكان يتملكه الشعور بجريمته فسار إلي دمشق حيث اجتمع بنواب الشام ، وأخذ يؤلبهم علي السلطان الناصر ثم طلب ولاية حلب ، ولكنه لم يظمئن علي نفسه بها ، فطلب الإذن بالحج فأجيب لطلبه ، ولكنه عاد من طريقه خوفاً من أن تفتك به الجيوش المصرية ، وعول علي شق عصا الطاعة واصطنع بعض العرب الأموال والهدايا وساروا جميعاً لبلاد فارس ، ومثلوا بين يدي أولجايتو وحسنوا له الإغارة علي بلاد الشام فمنح قره سنقر مراغة بقي بها إلي أن مات وفي سنة 715هـ ، وقعت الحرب بين المماليك والمغول في ماردين ، فحلت بهؤلاء الهزيمة مرة أخرى.
وكانت الأوضاع السيئة داخل دولة مغول فارس والتهديدات الخارجية لها قد حالت دون قيام خدابندا بهجوم علي أراضي المماليك ، إلا أنه لم يتوقف عن الممارسات العدائية ضد مصر ما استطاع إلي ذلك سبيلاً ، من ذلك أيواؤه قراسنقر كما ذكرنا والأمير جمال الدين الأفرم اللذان هربا إليه بصحبة خمسائة فارس ، فاستقبلهما بحسن وأعطي لهما الولايات ، ويبدو أن قراسنقر والأفرم ، قدما معلومات إلي خدابندا عن تدهور الأوضاع في دولة المماليك وإمكانية الاستيلاء علي بلاد الشام بسهولة فتذكر خدابندا أحلام الإيلخانيين السابقين بضرب الدولة المملوكية ضربة مميته ، وأعد جيشه وزحف به بمرافقة قراسنقر والأفرم حتى منطقة الرحبة علي الفرات في رمضان سنة 712هـ/ يناير 1313م ، وحاصر خدابندا قلعة الرحبة قرابة الشهر حتى أوشكت علي التسليم ، لكنه تراجع عنها دون أن يستولي عليها بعد أن وقع الغلاء والفناء في قواته ، ثم أسرع بالانسحاب تاركاً آلات الحصار والمجانيق فاستولي عليها سكان الرحبة ، أما الناصر محمد فقد خرج علي رأس قواته لمواجهة خدابندا ، فلما علم بعودة العاهل المغولي صرف قواته واتجه إلي الحجاز لتأدية فريضة الحج ، ولم يلبث أن عقد الصلح بين الجانبين في نفس العام 712هـ ، فتفرغ خدابندا بذلك لمواجهة تهديدات المغول الجغطائيين فيما وراء النهر حيث هاجم كبك وياسور خرسان سنة 713هـ كما أن مغول القفجان هاجموا من جانبهم حدود دولة مغول فارس فاضطر خدابندا إلي الاستعانة بالأمراء المماليك الهاربين إليه في القتال ضد طقطاي خان القفجان ، فأرسل طقطاي إلي الناصر محمد بن قلاوون يشكو له ما فعله قراسنقر ورفاقه ، وقد استقبل الناصر محمد سفير طقطاي استقبالاً حسناً ووعده بمساعدة طقطاي إذا تحرك خدابندا ضده مرة أخرى.
ويبد أن سفارة طقطاي إلي الناصر محمد كان لها أثرها في تعكير العلاقات مرة أخرى بين الناصر محمد وخدابندا ، فلم يستمر الصلح بينهما إلا فترة قصيرة ، لأن الناصر محمد بن قلاوون سعي إلي قتل الأمير قراسنقر ، فلما فشل في ذلك أ{سل قواته بقيادة الأمير تنكز نائب الشام في سنة 715هـ فاستولت علي ملطية وكانت تابعة لخدابندا ، غير أن قوات المماليك لم تستطع الاحتفاظ بالمدينة لفترة طويلة ، واستردها الأمير المغولي جوبان في نفس العام وحصنها ووضع فيها حامية مغولية ، وتصاعد التوتر بين الجانبين المغولي والمملوكي ، وبوجه خاص بعد هروب الأمير العربي سليمان بن مهنا الذي نزع عنه السلطان الناصر اقطاعه إلأي فارس سنة 715هـ وتحريضه خدابندا علي الهجوم علي بلاد الشام ثم أن حميضة بن أبي نمي أمير مكة شق عصا الطاعة علي السلطان الناصر وقطع اسمه من الخطبة وأقامها لصاحب اليمن ، فلما أرسل السلطان حملة إلي مكة لإعادة الأمور إلي نصابها هرب حميضة بدوره إلي فارس وعرض علي خدابندا إقامة الخطبة له مقابل مساعدته ضد الناصر محمد ، عندئذ طمع خدابندا في شرف السيادة علي مكة حيث أن لحاميها مكانة عالية في العالم الإسلامي ، وجهز فرقة عسكرية من الجيش المغولي تقدر بأربعة آلاف مقاتل في الوقت الذي استعد خدابندا للهجوم علي بلاد الشام ليضمن تشتيت قوات المماليك في أكثر من اتجاه ، غير أن وفاته السريعة حالت دون تنفيذ رغبته .
وإذا كانت العلاقات بين سلطنة المماليك ودولة مغول فارس قد وصلت إلي درجة سيئة قرب نهاية حكم خدابندا ، فإن العلاقات بين المماليك ومغول القفجان قد أخذت في الحسن في تلك الفترة بعد أن كان قد شابها الفتور في أثناء حكم طقطاي خان القفجان بسبب ديانته الوثنية والحاحه المستمر علي الناصر للدخول معه في حلف ضد مغول فارس .
فقد أعلن أزبك خليفة طقطاي إسلامه وتبادل الهدايا مع الناصر محمد في سنة 713هـ وخطا الناصر خطوة أخرى علي طريق تدعيم العلاقات مع مغول القفجان عندما سعي للزاوج من أميرة مغولية من بيت جنكيز خان وأرسل إلي أزبك سفارة في عام 717هـ للتفاوض من أجل إتمام ذلك المشروع ، وقد تردد أزبك في البداية في القبول ، وغالي أمراء المغول في شروطهم حتى عدل السلطان الناصر عن رأيه ثم أدرك أزبك في نهاية الأمر أن من صالحه إتمام ذلك الزواج السياسي ، تدعيماً للروابط مع السلطان المصري الناصر في مواجهة مغول فارس ، فأرسل الأميرة المطلوبة بعد ثلاث سنوات أي في عام 720هـ إلي القاهرة ومعها هدية فتلقاها الناصر بالتكريم اللائق وتزوجها.
الناصر محمد بن قلاوون وأبو سعيد :
وحدثت في دولة مغول فارس عدد من الاضطرابات بعد موت خدابندا في 716هـ خلف أبو سعيد خدابندا في الحكم في 717هـ ، وكان قاصراً لا يتجاوز 12 عاماً وكان خاضع تحت أمرة الأمراء المغوليين وكان منهم جوبان الذي أصبحت البلاد كلها خاضعة لنفوذه فثار عليه باقي الأمراء المغول ، ودارت المعارك والفرقى بينهم وخاض فيها كذلك أبو سعيد مع صغره ولكنه أبدي بسالة شديدة ولقب بـ "بهادر" أي البطل ، وهو أول من لقب به من الإيلخانات المغول ، وخلال هذه الحروب الأهلية أعدم الوزير الكفء المؤرخ الشهير رشيد الدين سنة 718هـ ونهب الربع الرشيدي في تبريز وصودرت أوقافه وذلك بتدبير منافسه وشريكه في الوزارة علي شاة .
كما تعرضت الدولة المغولية لهجوم ياسور وهو أحد قادة المغول الجغطائيين في إقليم خراسان ، ثم هراة في أفغانستان كما هاجم أزبك خان القفجان ممر الدربند علي حدود دولة مغول فارس ، واضطر أبو سعيد لإرسال الجيوش لصد الهجمات مما كلف الدولة مبالغ ضخمة وقتها .
وكانت لتلك الأوضاع السيئة داخل الدولة المغولية بفارس لتقلص نفوذ أبي سعيد ونتائج مهمة علي علاقتها مع سلطنة المماليك ، فقد شعر الناصر محمد بن قلاوون بقوته وضعف المغول . وبدأ في ممارسة سياسة حازمة معهم بعد أن أصبحت مصر صاحبة أكبر نفوذ سياسي وعسكري في منطقة الشرق في ذلك الوقت ، وأخذت الدول تخطب ود سلطان مصر ، فتوافد السفراء علي القاهرة طلباً لصداقته .
وتطبيق لسياسة السلطان الناصر محمد فقد هاجم أرمينيا الصغري عام 720هـ وتخلص من الأمراء المماليك الهاربين لفارس وبخاصة من كان منهم في فارس [قراسنقر] واستاء أبو سعيد من ذلك جداً واحتجب أحد عشر يوماً خوفاً علي حياته أما نائبة جوبان فقد استدعي المجد اسماعيل سفير الناصر محمد وأنكر عليه تدبير تلك المؤامرة ووجه إليه تحذير شديد بل هدده بالقتل إذا لم يكف السلطان الناصر عن محاولاته ، ثم اعتقله جوبان فترة ولم يفرج عنه إلا بعد تدخل الوزير علي شاه .
ووجه أبا سعيد للقاهرة