رسالة مصرية ثقافية
مرحبا بك أخي الزائر نشكر زيارتك ونتمني انضمامك للمنتدي
زيارتك تسر إدارة المنتدي ومشاركتكك تسعدنا وتساهم معنا بارتفاع الثقافة العامة
بعض المنتديات الفرعية والموضوعات
لا يمكنك الإطلاع عليها إلا بعد التسجيل كعضو في المنتدي
رسالة مصرية ثقافية
مرحبا بك أخي الزائر نشكر زيارتك ونتمني انضمامك للمنتدي
زيارتك تسر إدارة المنتدي ومشاركتكك تسعدنا وتساهم معنا بارتفاع الثقافة العامة
بعض المنتديات الفرعية والموضوعات
لا يمكنك الإطلاع عليها إلا بعد التسجيل كعضو في المنتدي
رسالة مصرية ثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رسالة مصرية ثقافية

ثقافية - علمية - دينية - تربوية
 
الرئيسيةرسالة مصريةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 بحث تاريخي (نشأة دولة المماليك وتوليهم مقاليد الحكم) ( الجزء الثاني)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 50

بحث تاريخي (نشأة دولة المماليك وتوليهم مقاليد الحكم)            ( الجزء الثاني) Empty
مُساهمةموضوع: بحث تاريخي (نشأة دولة المماليك وتوليهم مقاليد الحكم) ( الجزء الثاني)   بحث تاريخي (نشأة دولة المماليك وتوليهم مقاليد الحكم)            ( الجزء الثاني) Emptyالأحد 31 أكتوبر 2010 - 6:02

[size=18]
2] إحياء الخلافة العباسية في القاهرة :
خدم بيبرس السلطنة المملوكية خدمة جليلة عندما أقام الخلافة العباسية بالقاهرة 659هـ/1261م ، علي أن بيبرس لم يكن أو من فكر في إحياء الخلافة العباسية ، بل سبقه إلي التفكير في ذلك أحمد= بن طولون الذي أراد في سنة 269هـ/882م أن يكسب حكمه الصفة الشرعية باجتذاب الخليفة المعتمد إلي مصر هرباً من أخيه الموفق ، الذي كانت له السلطة العليا في الجيش والإدارة والذي اغتصب كل السلطات حتى لم يبق للخليفة شيء ، ولكن الخليفة المعتمد لم يفلح في الهرب إلي مصر ، إذ قبض عليه عيون أخيه الموفق وأعادوه إلي عاصمته شبه سجين ، كما فكر محمد بن طغج الإخشيد مؤسس الدولة الإخشيدية حين ذهب إلي الشام سنة 333هـ/944م ، لإنجاد الخليفة المتفي من جور الحمدانيين بالموصل واستبداد الأتراك الذين تنازعوا علي الإستئثار بالسلطة في بغداد ، فلقيه بالرقة في شمال نهر الفرات ، وطلب منه أن يصحبه إلي مصر ، ولكن الخليفة المتقي رفض هذا العرض ، كما أن الملك الناصر يوسف صاحب حلب ودمشق فكرا أيضاً في إحياء الخلافة العباسية ، فما كاد يعلم من الأمير عيسي بن مهنا أن أميراً عباسياً قدم إلي دمشق حتى أرسل يستدعيه إليه ، غير أنه فوجيئ بقدوم التتار ، فعاد الأمير ثانية إلي عيسي بن مهنا ، وعندما قدم الملك المظفر قطز إلي دمشق علي إثر انتصاره علي التتارفي موقعة عين جالوت أخبره الأمير عيسي بن مهنا بقدوم ذلك الأمير العباسية فقال له قطز "إذا رجعنا إلي مصر أنفذه إلينا لنعيده إن شاء الله" ، غير أن العمر لم يمهل قطز لينفذ مشروعه الخاص بإحياء الخلافة العباسية إلي مكانتها الأولي علي أن يكون مقرها القاهرة .
وفي سنة 659هـ/1261م استدعي بيبرس الأمير أبا العباس أحمد غير أنه لم يحضر عندما علم أن أميراً عباسياً آخر في طريقه إلي مصر وهو الأمير أبو القاسم آخر في طريقه إلي مصر وهو الأمير أبو القاسم أحمد ، وكان قد فر من بغداد من وجه التتار ووصل إلي دمشق، فكتب إلي الظاهر بيبرس الأميران علاء الدين طيبرس نائب دمشق وعلاء الدين أيدكين البندقداري ، كتاباً يذكر أن فيه رجلاً وصل دمشق يدعي أنه أحمد بن الإمام الظاهر بن الإمام الناصرالعباسي ، ومعه جماعة من عرب خفاجة فكتب إليهما بيبرس يوصيهما به خيراً ويرسلا معه حجاباً إلي مصر.
ووصل أبو القاسم أحمد إلي القاهرة في الثامن من رجب سنة 659هـ/الثامن من يونيو سنة 1261م ، فأعد بيبرس العدة لاستقباله ، وخرج للقائه ومعه الوزير بهاء الدين بن حنا وقاضي القضاة تاج الدين بن بنت الأعز وجميع الأمراء والجند وأعيان القاهرة ومصر ، والعلماء والمؤذنون والشهود واليهود يحملون التوراة والنصاري يحملون الإنجيل ، وساروا جميعاً إلي المطرية لمقابلته وحين وقع نظر الظاهر بيبرس عليه ترجل وعانقه ، ثم ركب الخليفة وهو يلبس شعار بني العباس ومعه بيبرس يتبعهما الجيش حتى وصل إلي قلعة الجبل.
وفي يوم الاثنين الثالث عشر من رجب 659هـ/الثالث عشر من يونيو سنة 1261م، عقد بيبرس مجلساً في قاعة الأعمدة بالقلعة ، ودعا إليه القضاة والعلماء والأمراء ، وشيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام وسائر أرباب الدولة والعرب الذين قدموا إلي مصر مع أبي القاسم أحمد وذلك لإثبات نسبة وتقرير بيعته ، ولما انتظم عقد المجلس جلس بيبرس بين يدي الإمام أبي القاسم أحمد واستدعي العربان الذين قدموا معه من بغداد ، فأقروا جميعاً بين يدي قاضي القضاة تاج الدين بن بنت الأعز بأن الإمام أحمد بن الخليفة الظاهر بأمر اله بن الخليفة الناصر لدين الله المتنصل النسب بالعباس بن عبد المطلب ، وأقر ذلك بعض القضاة والفقهاء ، فقبل قاضي القضاة شهادتهم ، وحكم صحة نسبه وبايعة بالخلافة ثم قام بعد ذلك الملك الظاهر وبايعه ، وكذلك بايعه القضاة ولقبوه بالمستنصر بالله ، ثم أرسل الظاهر بيبرس لأخذ البيعة له من الناس علي اختلاف طبقاتهم ، وتم ذلك ونقشت السكة في مصر باسميهما، كما أمر بالدعاء للخليفة قبل الدعاء له في خطبة الجمعة ، ولم يكتف بذلك بل دعا الخليفة ليخطب ويصلي بالناس صلاة الجمعة بجامع القلعة ، فاجتمع القضاة والعلماء وسائر الأمراء بالجامع وخطب الخليفة خطبة أثني فيها علي فضل الملك الظاهر الذي رد الخلافة إلي بني العباس( ).
وفي الرابع من شعبان سنة 659هـ/الرابع من يوليو سنة 1261م ، ركب الخليفة والظاهر بيبرس والوزير والقضاة والأمراء وكبار رجال الدولة إلي خيمة أقيمت بالمطربة خارج القاهرة ، وهناك ألبس الخليفة الملك الظاهر بيبرس خلعة السلطنة وهي عمامة سوداء مذهبة مزركشة وجبة حرير سوداء ودراعة بنفسجية اللون وطوق ذهب ، وقيد من ذهب ، وضع في رجليه ، وسيف ، ولواءان منشوران علي رأسه ، وعلي كنبوش (أي بردعه) أسود، وعلي أثر ذلك عقد اجتماع تلافيه فخر الدين بن لقمان صاحب ديوان الإنشاء تفويض الخليفة العباسي للملك الظاهر بيبرس وذلك لتقوية عرشه علي أعدائه من أمراء المماليك ، وإثباتاً لأحقية المماليك في تولية شئون مصر، ولما فرغ فخر الدين بن لقمان من قراءة هذا التفويض ، سار الظاهر بيبرس وعليه الخلعة يتقدم موكب السلطنة عائداً إلي القاهرة حتى وصل إلي باب النصر ثم سار في طريق مفروش بالبسط يمتد من باب النصر إلي القلعة .
عزم الظاهر بيبرس بعد ذلك علي إعادة الخليفة إلي بغداد فرتب له جيشاً من عشرة آلاف فارس وجهزه بالمال والسلاح لمعاونته في إعادته الخلافة العباسية وإقامة نفسه خليفة في بغداد ، وخرج بيبرس بصحبة الخليفة حتى وصلوا إلي دمشق ، غير أن أحد أمراء الموصل أسر إلي الظاهر بيبرس أن يعدل عن فكرة تأسيس خلافة قوية في بغداد لأن الخليفة إذا استقر أمره ببغداد نازعك وأخرجك من مصر ، فخاف بيبرس عاقبة هذا الأمر ، ولم يجهز الخليفة إلا بثلاثمائة فارس سار علي رأسهم إلي بلدة الرحبة الواقعة علي نهر الفرات ، حيث انضم إليه أربعمائة فارس من عرب العراق الذي لجأ إليهم عقب هربه من بغداد بعد مقتل الخليفة المستعصم ثم رحل من الرحبة إلي مشهد علي ومنها إلي عانة ، وهناك تقابل بالأمير أبي العباس أحمد وكان معه سبعمائة فارس من التركمان تمكن الخليفة من استمالتهم إليه واضطر أخيراً هذا الأمير إلي الانضمام إلي الخليفة بعد أن أمنه ، ثم رحل إلي الحديثة ففتحها دون مقاومة ، وقصد بعد ذلك إلي هيت فأغلق أهلها الباب دونه ، فظل محاصراً لها حتى تمكن من فتحها ونهب أموال من بها من اليهود والنصاري ، فلما علم التتاري بذلك أدركوا أن الخليفة ما جاء إلا للاستيلاء علي كرسي الخلافة فخرجوا لقتاله ، ووقعت بين الفرقتين كعركة دموية انتهت بانتصار التتار وهزيمة الخليفة وجيشه واستشهاده ، ولم ينجي سوي الأمير أبي العباس أحمد ونحو خمسين فارساً.
حزن بيبرس لما علم بمقتل الخليفة المستنصر بالله لأنه لم يستفد من إرساله لاسترداد بغداد سوي ضياع الأموال التي أنفقها في سبيل إعداد هذه الحملة والتي قدرها المؤرخون بنحو مليون دينار ، كما أن بيبرس بمقتل هذا الخليفة قد فقد الأمل في استمرار قيام خلافة عباسية في مصر ، تجعل سلطانه وسلطان خلفائه شرعياًً ، ولكن سرعان ما تبددت همومه وسنحت له الفرصة بإحياء الخلافة العباسية في مصر في شخص أبي العباس أحمد ، وكان قد نجا في موقعة هيت التي قتل فيها الخليفة المستنصر بالله وقد إلي عيسي بن مهنا فكاتب الأمير عيسي الظاهر بيبرس يخبره بقدوم الأمير أبي العباس أحمد ، فأمره بيبرس بإرساله إلي القاهرة .
وفي يوم الخميس الثاني من المحرم سنة 661هـ/ السادس عشر من نوفمبر سنة 1261م ، أحضر الظاهر بيبرس الأمير أبي العباس أحمد واحتفل بمبايعته بالإيوان بقلعة الجبل بحضور القضاة والأمراء وكبار رجال الدولة ، ثم قرئ نسبه بعدما ثبت صحته لقاضي تاج الدين بن بنت الأعز الذي بايعه علي أثر ذلك ، ثم بايعه الظاهر بيبرس علي العمل بكتاب الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد أعداء الله وأخذ أموال الله بحقها وصرفها في مستحقها والوفاء بالعهود وإقامة الحدود وما يجب علي الأئمة فعله في أمور الدين".
فلما تمت البيعة أقبل الخليفة علي بيبرس وقلده أمور البلاد والعباد ، وبعد ذلك بايعه الوزير ، والأعيان ، ومختلف طبقات الشعب ، ولقب بالحكم بأمر الله ، ثم أمر بيبرس أن يخطب باسم الخليفة واسمه علي منابر قبل اسمه ، وفي يوم الجمعة الثالث من المحرم سنة 661هـ/السابع عشر من نوفمبر سنة 1262م خطب الخليفة بالناس في مسجد القلعة وتعرض فيها إلي ما حدث من زوال الخلافة العباسية وفضل بيبرس في إقامتها بعد زوالها.
وهكذا أعيدت الخلافة العباسية ثانية إلي مصر ، ولم يكن هناك تفكير هذه المرة الثانية في الاستيلاء علي بغداد ، كما أن الخلفاء العباسيين بمصر أصبحت سلطتهم قاصرة علي الأمور الدينية.
والخلافة العباسية لم تستفد شيئاً من هذا الإحياء ، وحتى مظهر التبعية القديم وهو ضرب اسم الخليفة علي السكة مع اسم السلطان ، والذي تمتع به الخليفة السابق المستنصر حرم منه الخليفة الجديد الحاكم ، وإنما الذي استفاد منه إحياء الخلافة العباسية هم سلاطين المماليك وعاصمتهم القاهرة ، فقد أصبح سلاطين المماليك منذ ذلك الحين إلي الفتح العثماني لمصر سنة 1517هـ ولهم المقام الأسمي علي كل ملوك وحكام العالم الإسلامي باعتبار أنهم حماة الخلافة العباسية والمتمتعون ببيعتها ، وكذلك أصبحت القاهرة مكانة سياسية ممتازة ، تفوق كل عواصم العالم الإسلامي ، لأنها مقر للخلافة الفاطمية ، قبل ذلك ، ولكن كانت هناك خلافتان أخريان تعاصرانها وتنافسانها وتناوئانها وتطعنان في نسبها وشرعيتها ، وهما الخلافة العباسية في بغداد والأموية في قرطبة .
أما في العصر المملوكي فلم يكن هناك في العالم الإسلامي سوي خلافة واحدة هي خلافة القاهرة، وحتى الخلافة الأموية في الأندلس كانت قد زالت ولم يكن يدين لها بالولاء ، حتى في عنفوان قوتها – إلا الأندلس وحدها .

3- العلاقات بين المماليك والمغول في عهد بيبرس :
قسمت دولة المغول بعد موت جنكيز خان بين أولاده الأربعة :
- أوجوتاي : وحكم الجزء الشرقي من الإمبراطورية .
- جغطاي : وحكم الجزء الأوسط .
- باتو بن جوجي : وحكم الجزء الغربي ، وحكام هذا الجزء يسمون خانات القبيلة الذهبية أو خانات القفجاق .
- تولوي : وحكم بلاد فارس ، ثم ضم ابنه هولاكو إليها جزءاً كبيراً من آسيا الصغري .
وقامت العلاقات بين الدولة المملوكية في عهد بيبرس وبين فرعين من هذه الفروع:
- خانات القفجاق : [أو خانات القبيلة الذهية] وكان العلاقات معهم علاقات تحالف وصداقة.
- خانات فارس : وكانت العلاقات معهم علاقات عداء وحروب.
نري أنه لم ينس المغول ما حل في موقعة عين جالوت ، فظلا يتطلعون إلي الثأر لما حدث لهم ، فرأي بيبرس أن يتحالف مع المغول القفجاق وتزوج ابنه زعيمهم بركة خان الذي اعتنق الإسلام وتبادلت الرسائل والسفارات فيما بينهم ، وقد بلغت السفارات أربعين سفارة منها تسعة في عصر الظاهر بيبرس ؛ إلا أن بيبرس لم يعتمد كل الاعتماد علي هذا التحالف بل خرب الطرق والوديان المؤدية إلي بلاد الشام حتى لا يجد المغول إذا تقدموا ما يحتجون إليه من الميرة ، كما أن هولاكو تحالف مع الصليبيين في الشرق وبخاصة مع ملك أرمينية لكي يقوي بذلك علي هجمات بركة خان وسلطان المماليك بمصر .
فنري أنه في سنة 663هـ/ 1265م وصل إلي الظاهر بيبرس أن التتار أغاروا علي قلعة البيرة الحصينة الواقعة علي نهر الفرات وحاصروها بغية الاستيلاء عليها ، فجهز جيشاً لمحاربتهم، ثم سار هو بنفسه حتى وصل إلي غزة ومنها واصل سيره شمالاً ولكن وافته الأنباء بأن المغول حينما علموا أن عساكره المصرية أشرفت علي البيرة سارعوا بالفرار تاركين وراءهم عددهم وأثقالهم ، وقد أمر بيبرس بعمارة ما خرب من البيرة وبحمل آلات القتال إليها من مصر والشام وبإعداد كل ما يحتاج إليه أهلها في الحصار لمدة عشر سنين .
وبعد موت هولاكو تولي ابنه أباقا خان الذي سار علي سياسة والده في مناوأة المماليك ومصادقة الصليبيين ، فقد تزوج من ابنة الإمبراطور البيزنطي ميخائيل باليولوجس ، ومن ثم كان يعطف علي المسيحيين ويتبادل السفارات والهدايا مع البابوات وملوك أوروبا ، وكان الهدف من وراء هذا التعاون المشترك هو تنظيم حملة مشتركة علي الدولة المملوكية والاستيلاء علي بيت المقدس.
قد ظهر هذا التحالف واضحاً عندما انتهز أبا قاخان فرصة انشغال بيبرس بمحاربة الصليبيية للإغارة علي الحدود الإسلامية مثال ذلك ما حدث سنة 664هـ/1266م حينما أغارت الجيوش الصليبية علي مدينة الرحبة علي الحدود الفراتية في الوقت الذي كانت فيه جيوش بيبرس تهاجم مدينة صفد الصليبية .
وسنورد فيما يلي بالتفصيل تحديد نوعية العلاقات العدائية والصداقية بين بيبرس والمغول علي مدي فترة حكمة :
أولاً : علاقات العداء مع مغول فارس :
لم تكن موقعة عين جالوت خاتمة العلاقات بين الدولة المملوكية وبين المغول ، بل كانت فاتحة هذه العلاقات ، وقد قدر بيبرس منذ اللحظة الأولي أن المغول لابد مقدمون علي الأخذ بثأرهم ، ولهذا لم يكد ينتهي من مشكلة الخلافة حتى أخذ يستعد لمناضلة المغول ، وقد كان نضاله مع المغول متصلاً اتصالاً وثيقاً بنضاله ضد بقايا الصليبيين في الشام ، وذلك أن الصليبيين والدول المسيحية عامة كانت تطمع في نشر الدين المسيحي بين المغول ، وفي أن يعتنق خانات المغول هذا الدين ، وبهذا يتعاونون المغول والصليبيون معاً علي القضاء علي الدولة المملوكية .

ولم يكد يعلم المغول بموت قطز حتى اجتمعت فلولهم الموجودة علي حدود الدولة المملوكية ، وأغارت بقيادة بيدرا علي مدينة البيرة ، ثم تقدموا علي حلب واستولوا عليها ، وكان الملك السعيد بن بدر الدين لؤلؤ شخصية ضعيفة ، فلم يستطع الوقوف أمام هذه الجنود التترية ، وترك التتار حلب إلي حماة ، وانتصروا هناك علي صاحبها الأيوبي ، وبذل بيبرس الجهد في ذلك الحين لعقد حلفاً مع بركة خان ملك التتار الشماليين ، ثم هادن الصليبين وذلك كي يتفرغ تماماً لمناضلة إيلخانات فارس ، وأرسل بيبرس جزءاً من جيشه استرد البيرة .
وفي ذلك الحين مات هولاكو وخلفه ابنه أباغا ، وقد حاول هذا الملك أن يسعي إلي مصالحة بيبرس فأرسل إليه خطاباً في هذا المعني ، غير أن الخطاب كا ذا لهجة تهديدية فقد قال فيه :
" وأنت لو صعدت إلي السماء ، أو هبطت إلي الأرض ما تخلصت منا ، فالمصلحة أن تجعل بيننا صلحاً" .
ولهذا رفض بيبرس المصالحة ،وأرسل إلي أباغا خطاب أكثر تهديداً وقاله لرسوله :
"أعلم أني وراءه بالمطالبة ، ولا أزال انتزع من يده
جميع البلاد التي استحوذ عليها من بلاد الخليفة
وسائر أقطار الأرض".
وهكذا يئس أباقاخان من مصالحة بيبرس ، فلم يبق إلا مواصلة العداون علي بلاد الشام بمخالفة الصليبيين ، وكان بيبرس بالإسكندرية سنة 677هـ / 1269م عندما بلغه أن المغول أغاروا علي الساجور علي مقربة من حلب ، وأنهم اتفقوا مع الصليبيين علي القيام بهجوم مشترك علي بلاد الشام ، وفي الحال سير بيبرس الأمير علاء الدين البندقداري إلي بلاد الشام ولكنه لم يكد يصل إلي دمشق حتى وسمع بانهزام المغول وارتدادهم عن بلاد الشام .
ولم يقتنع أباقاخان بذلك الفشل الذي مني به في هجماته علي بلاد الشام ، فعاود الهجوم في سنة 670هـ/1271م علي عين تاب وعمق الحارم ، وكان بيبرس عندئذ بدمشق ، فكتب إلي القاهرة باستدعاء الأمير بدر الدين بيسري الشمسي ومعه ثلاثة آلاف فارس لطرد المغول ، وعندئذ خرج بيبرس علي رأس جيشه إلي حلب وأرسل فرقاً من جنده تحت قيادة بعض الأمراء إلي أطراف الشام والعراق مثل مرعش وحران والرها ، ولم تلبث أن حلت الهزيمة بالمغول عند حاران ، وعندئذ تدخل الصليبيون للتخفيف عن حلفائهم المغول ، فأغاروا علي قاقون ولكن المسلمين هزموهم وردوهم ، وفي نفس الوقت عاقب بيبرس الصليبيين فأغار علي عكا.
وقامت مناوشات كثيرة بين جيوش التتار والمماليك في السنوات التالية إلي أن كانت
سنة 671هـ .
وكان بيبرس في دمشق وقد فزع من أمر الصليبيين وعلم أن التتار قد أعادوا الهجوم علي البيرة ، فتقدم نحو الشمال يقود الجيش بنفسه ، ثم حمل بعض السفن المفككة إلي نهر الفرات حيث أعاد تركيبها ، وعبر بجنوده إلي الشاطئ الشرقي حيث انتصر علي التتار الذين تقهقروا سريعاً ، واحتل بيبرس البيرة وحصنها وأقام بها حامية للدفاع عنها.
ومنذ ذلك الحين اتجه النضال بين بيبرس وبين التتار إلي ميدان آخر إلي آسيا الصغري.
وكانت دولة سلاجقة الروم في آسيا الصغري تتاخم حدود الدولة المملوكية الشمالية ، وكانت هذه الدولة قد ضعفت وأصبحت تابعة للمغول منذ أيام هولاكو ،ولذلك فكر بيبرس في مهاجمة أملاك هذه الدولة ليقضي علي نفوذ التتار بها .
وكانت السلطة في الدولة حينذاك في يد معين الدين سليمان البرواناه (والبرواناه لفظ فارسي معناه الحاجب) ، وكان البرواناه في أول الأمر في صف المغول أصحاب النفوذ الفعلي علي الدولة ، فلما علم بتقدم بيبرس نحو الشمال انضم إليه وراسله ، واشتبك بيبرس مع جيش سلاجقة الروم وجيوش المغول في موقعة حاسمة عند الأبلستين في سنة 1277م ، وفيها انتصر بيبرس انتصاراً حاسماً عظيماً ، وانتقل بعد هذا النصر إلي قيسارية عاصمة الدولة ، ونزل بدار السلطنة ، وجلس علي عرش سلاجقة الروم ( ).
ولهذه الوقعة نتيجة هامة أخرى ، فقد حطمت دولة سلاجقة الروم ، وأتاحت الفرصة لقيام دويلات تركية أخرى في أنحاء آسيا الصغري سيكون لبعضها شأن عظيم فيما بعد ، من هذه الدويلات : دولة بني قرمان ، ودولة بني عثمان ، ودولة ذي القدرية وغيرها( ).
عاد بيبرس بعد انتصاره إلي الشام ، غير أنه لم يلبث أن سمع باستعداد التتار للانتقام ، وقد ذهبت جيوشهم فعلاً إلي آسيا الصغري ، وانتقموا من سكان الأبلستين وقيسارية وغيرها من المدن انتقاماً شديداً لمساعدتهم السابقة لبيبرس ، وصحب أباغا البرواناه معه عند عودته ، ثم قتله بتحريض خوندات البيت المغولي ، لأنه كان السبب في قتل رجالهم وجنودهم في موقعة أبلستين.
كانت دولة سلاجقة الروم قد أصبحت من أملاك بيبرس بعد انتصاره ، وكان من المنتظر أن يعود إليها لطرد التتار مها ثانية ، ولكنه لم يفعل ، ولعل السبب الأكبر في أنه لم يذهب أنه مات بعد ذلك بقليل في أواخر سنة 676هـ/1277م.
ثانياً : علاقات الصداقة مع مغول القبيلة الذهبية :
وهذا موجز عن العلاقات بين بيبرس وبين مغول فارس ، أما العلاقات بينه وبين مغول القبيلة الذهبية – أو مغول القفجاق – فقد كانت علاقات ود وصداقة .
ويرجع هذا إلي أن ملك هذه القبيلة المعاصر لبيبرس بركة خان بن جوجي ، كان من أول من أسلم من خانات المغول ، وقد تبودلت الرسائل والسفارات بين الملكين ، بل ظلت تتبادل هذه الرسائل والسفارات بين سلاطين المماليك البحرية وخانات القبيلة الذهبية أمداً طويلاً ، وقد بلغ عدد السفارات المتبادلة بين الدولتين نحو أربعين سفارة منها تسعة في عهد الظاهر بيبرس نفسه.
ثالثاً : السفارات المتبادلة بين الدولتين في عهد بيبرس :
1- السفارة الأول : أرسلت من قبل الظاهر بيبرس إلي بركة خان في سنة 660هـ/1261م، وكان الرسل عدداً من تجار العلان – وهم كما تذكر المراجع جنس من الناس من سكان القرم- وقد حملهم بيبرس رسالة إلي بركة يحرضه فيها علي هولاكو ويحثه علي ضرورة مقاتلة الكفار ، حتى وإن كانوا من أهله ، ويضرب له المثل بالنبي  فإنه قاتل عشيرته الأقربين في سبيل إعلاء كلمة الله ، وهذا – كما يقول بيبرس في رسالته – "هولاكو لأجل زوجته النصرانية أقام دين الصليب".
2- وفي السنة الثانية 661هـ/1262م أرسلت السفارة الثانية من فبل بيبرس إلي بركة خان وكانت من الأمير كش (وهو أصلاً من رجال خوازمشاه) وله معرفة طيبة بالبلاد والألسنة ، والفقيه مجد الدين ، واثنين من التتار الواصلين أخيراً يعرفان البلاد ، وكانت الرسالة التي حملوها تتضمن استجلاب محبة بركة وحثه علي الجهاد، ووصفا للعساكر الإسلامية في مصر وأجناسها وقوتها ، مع بيان بالبلاد التي خضعت لبيبرس والملوك الذين دانوا له بالطاعة ، وذلك للتهوين من شأن هولاكو وتقبيح إهمال محاربته ، وتختتم بالإشارة إلي جنود بركة الذين وصلوا إلي مصر وما قوبلوا به من إكرام ، وأرفقت بالرسالة وثيقة كتب فيها نسب الخليفة العباسي بماء الذهب .
3- وفي نفس السنة 661هـ/1262م أرسلت سفارة من بركة إلي بيبرس وكان علي رأسها الأمير جلال الدين ، والشيخ نور الدين علي ، وتعتبر رداً علي السفارة الأولي ، وقد تقابل أعضاؤها مع أعضاء السفارة الثانية المسلة من بيبرس إلي بركة في القسطنطينية ، وفي الخطاب الذي حملته هذه السفارة يتقدم بركة بالشكر لأخيه بيبرس ويثني عليه ويطلب منه النجده لمقاتلة هولاكو ، ويأخذ عليه مخالفته لياسة جنكيز خان ، وينبئ بركة السلطان بيبرس أنه هو وأخوته الأربعة يعملون جاهدين علي محاربة هولاكو من مختلف الجهات إعزازاَ لكنة الإسلام ، ثم يلتمس مه إرسال عسكره إلي الفرات لسد الطريق علي هولاكو ، فيهاجمه بركة من ناحية وبيبرس من الناحية الأخرى ، وبذلك يتمكنان من القضاء عليه .
وقد أحتفل بيبرس بهذه السفارة في القاهرة احتفالاً فخماً ، وأسهم الخليفة العباسي كذلك في الاحتفال بها ، فخطب خطبة الجمعة ، ودعا في نهايتها للسلطان بيبرس ثم الملك بركة خان ، واجتمع بعد ذلك بالرسل وتحدث إليهم في شئون الإسلام ، وقدم لهم الملابس والخلع ، وقد أرسل بيبرس إلي مكة والمدينة وبيت المقدس يأمر بالدعاء لبركة بعده علي المنابر.
4- وأرسلت السفارة الرابعة من بركة إلي بيبرس في نفس السنة 661هـ/1262م وكانت تتكون من أربوغا ، وارتمور ، وأوناماس ، وشهاب الدين غازي ، وكانت مهمتها موافقة البعثة الموفدة من بيبرس أثناء عودتها إلي القاهرة ، وكانت تحمل رسالة مكتوبة وأخرى شفوية لإعلان سرور الإسلام وأهله بما حل بهولاكو ، وبيان بعدد من أسلم من بيوت التتار وقبائلهم وعشائرهم وكلف شهاب الدين بأن يصف للسلطان ما شهد من حرب بركة ضد هولاكو ، لأنه كان حاضراً وشاهد عيان لهذه الحرب ، وأن يشكر لبيبرس جهوده الموفقة لإقامة خليفة عباسي وقد شهد أعضاء هذه السفارة أثناء مقامهم في القاهرة حفل ختان بركة خان( )، بن بيبرس ، وعرضاً عسكرياً للجيش المصري نال إعجابهم ، وقبل سفرهم حملهم الخليفة وصايا شفوية لبركة يحثه فيها علي إقامة الشريعة والعدل ، والجهاد في سبيل الله .
5- وأرسلت السفارة الخامسة من بيبرس إلي بركة خان في سنة 661هـ/1262م وعلي رأسها فارس الدين أقرش السعودي الأسدي ، والشريف عماد الدين عبد الرحيم الهاشمي وكانت مهمتها مرافقة البعثة السابقة أثناء عودتها إلي سراي ، وكانت تحمل خطاباً فيه استمالة لبركة وإظهار المودة له ، مع حثه علي الجهاد والاقتداء فيه بالرسول .
وقد جهزت لهم طريدة (نوع من السفن) بها عدد كبير من البحريين ومعهم مؤونة سنة ، كما حملت بالكثير من الهدايا من المستطرقات الخاصة بالديار المصرية ، وفي المراجع التاريخية بيان مفصل بهذا الهدايا ، ومن بينها : مصحف – ذكر أنه مصحف عثمان – بغلاف أطلس أحمر مزركش ، وقد وضع في درج من الأدم مبطن بعتابي ، وكرسي للمصحف مصنوع من العاج والأبنوس مخرم بنقط فضة ، وسجادات وقناديل ، وزرافة وحمير ، وهجن نادرة ، وعبئ وألبسة وثياب من صنع الإسكندرية ، وسيوف ورماح وأوتار حرير ، وخيل ولجم وسروج، ونسانيس معلمة وقرود ، وخدام سود ، وجوار طباخات ، ومن يقوم بخدمة هذه الحيوانات ورعايتها.
وقد عملت الدولة البيزنطية علي تعويق هذه السفارة أثناء مرورها بالقسطنطينية مما أدي إلي سوء العلاقات بين مصر والدولة البيزنطية وقتاً ما .
6- وفي سنة 663هـ/1264م توجه شجاع الدين بن الداية الحاجب رسولاً من قبل بيبرس إلي الملك بركة خان ، ومعه ثلاث عمرات اعتمر بها عند مكة ، حملت في أوراق مذهبة ، وشيء من ماء زمزم ، ودهن بلسان وغيره( )، وكلف الرسول أن يطلب من بركة أن يوقف غاراته علي القسطنطينية استجابة لرجاء الأشكري (إمبراطور بيزنطة) فقد تقدم بالرجاء إلي بيبرس أن يقوم بالوساطة بينه وبين الملك بركة.
7- وفي سنة 666هـ، 1267م أرسلت سفارة من الظاهر بيبرس إلي منكوتمر- ابن أخي بركة وخليفته علي العرش – وكان أعضاء هذه السفارة هم رسل الملك بركة خان لدي الظاهر وقت وصول الأخبار بوفاة بركة ، وقد حملهم بيبرس رسالة تتضمن تقديم العزاء في بركة والتهنئة بتولية منكوتمر ، وتحرصه علي قتال أباغا بن هولاكو .
8- وفي سنة 670هـ/ 1271م أرسلت سفارة من منكوتمر إلي بيبرس وكانت تحمل رسالة يقول فيها بأنهم أعداء لأعداء السلطان ، وأنهم مقيمون علي محبته ، ويطلبون منه النجدة علي هولاكو بشرط أن ينتقل ما في يده من بلاد إلي السلطان في حالة النصر.
وقد اعترض المرسيلية طريق هذه السفارة وأسروا الرسل ، فاحتاط الظاهر بيبرس علي المرسيلية وممتلكاتهم في جميع ثغور مصر والشام ، فأطلقوا سراح الرسل وأرسلوهم إلي السلطان ومعهم جميع ما أخذ منهم .
9- والسفارة الأخيرة أرسلت في سنة 671هـ/ 1272م من الظاهر بيبرس إلي منكوتمر وكانت تضم رسل منكوتمر السابق ذكرهم وفي صحبتهم الأمير سيف الدين الصوابي المهنمدار وبدر الدين بن عزيز الحاجب ، وحملت السفارة معها هدية فاخرة وعقاقير كان منكوتمر قد التمس إلتحاقه بها.
هذا عرض للسفارات المتبادلة بين بيبرس وبين دولة مغول القبيلة الذهبية ومنه يتضح أمران :
أ‌- نجاح بيبرس في سياسته التي كانت تهدف إلي عقد أواصر الصداقة بين دولة المماليك في مصر ودولة المغول الشمالية .
ب‌- الإفادة من هذا التحالف للقضاء علي دولة مغول فارس المعادية ، فقد كان بيبرس يلح دائماً في تحريضه بركة خان علي محاربة هولاكو ، واستجاب بركة فعلاً لهذا الطلب ، واشتبك في حروب ضد هولاكو .
رابعاً : الفرقة الوافدية :
وكان من نتائج هذه الصداقة وهذا التحالف أن لجأ إلي مصر في عهد بيبرس عدد كبير من أفراد القبيلة الذهبية الفارين ، من هولاكو ، فأكرمهم بيبرس كل الإكرام ، فاعتنقوا الإسلام ، وأدخل عدداً منهم جنوداً في جيشه ، وقد شجع هذا الإكرام الكثير من التتار علي القدوم إلي مصر والالتحاق بجيشها وكونوا فرقة خاصة عرفت باسم "الفرقة الوافدية" .
وكانت الغالبية العظمي من أفراد الفرقة الوافدية من المغول ، وقد أتي العدد الأكبر منهم إلي مصر في عهد السلطانين الظاهر بيبرس والعادل كتبغا ، والمعروف أن بيبرس كانت من أكبر المعجبين بالنظم المنغولية ، وأن كتبغا كان مغولي الأصل .
بدأت حركة الوافدية في أواخر العصر الأيوبي ، وظلت مستمرة متتابعة نحو سبعين أو ثمانين سنة في العصر المملوكي الأول ، وقد كان أفراد الوافدية الذين أتوا إلي مصر أحراراً ، وظلوا بعد التحاقهم بخدمة الجيش المملوكي أحراراً ، في حين أن نظام الدولة في العهد المملوكي ما كان يسمح لأحد أن يصل إلي الوظائف الحربية أو يرقي سلمها إلا إذا نشأ نشأة مملوكية.
وإذا نحن تتبعنا خطوات ورود الوافدية إلي مصر ، نجد أن أول جماعة من الوافدية المغولية وصلت إلي مصر في عهد بيبرس في ذي الحجة سنة 660هـ وكانت تتكون مائتي فرد بما فيهم من النساء والأطفال ، وكان هؤلاء جزاءً من من قوة حربية أرسلها بركة خان لمساعدة هولاكو ، فلما ساءت العلاقات بين الرجلين وقامت الحرب بينهما أمر بركة قواته بالعودة إليه ، ولما علم بيبرس بوصولهم خرج لمقابلتهم بنفسه ، وأكرمهم ، وأمر بعضهم وألحق البعض الآخر جنوداً بالفرقة البحرية .
هذه المعاملة الكريمة شجعت التتار الآخرين علي الانضمام إلي الجيش المملوكي ، ففي سنة661هـ وصلت إلي مصر مجموعة أخرى تتكون من 1300 فارس من المغول والبهادرية ، وفي سنة 662هـ وصلت مجموعات جديدة تضم وافدين من شيراز يتولي قيادتهم سيف الدين بكلك واكتبار الخوارزمي جمدار جلال الدين خوارزمشاه (والجمدار هو الموظف الذي يتصدى لإلباس السلطان أو الأمير ثيابه ، وأصله جامادار ، ويتكون من لفظين فارسيين : أحدهما جاما ومعناه الثوب ، والثاني دار ومعناه ممسك) ، والأمير حسام الدين بن ملاح أمير العراق ، ومعهم كثيرون من أمراء العرب من قبيلة خفاجة ،وخرج السلطان بيبرس لمقابلتهم بنفسه كذلك ، وأنعم علي بكلك بإمرة طلبخناه .
وفي نفس السنة وصل إلي مصر بعض التتار والأتراك البغدادية مستأمنين ، ولكن المراجع تشير إلي أن بيبرس أوجس خيفة من هذه الأخيرة وأعطي أوامره للجيش أن يكون علي استعداد .
وفي سنة 765هـ وصل إلي مصر حاكم خرتبرت ونفر من فرسانه ووافدية من الأناضول وخرج السلطان كعادته لمقابلتهم .
ففي عهد ببيرس بلغ مجموع الفرسان الذين وفدوا علي الدولة المملوكية 3000فارس وقد أمر بعض هؤلاء أمراء طلبخاناه أو أمراء عشرينات أو أمراء عشرات ، كما عين البعض الآخر في وظائف الدولة ، فكان منهم الساقي والسلاحدار والجمدار ، وألحق نفر آخرون بالخدمة في فرق الأمراء.
ومن الملاحظ أن بيبرس أنزل كل التتار الوافدية في عهده في العاصمة القاهرة ، ولم يرسلهم إلي السواحل الشامية الفلسطينية ، بل أرسل بدلاً عنهم بعض القبائل التركمانية.
وفي المدة بين عهد بيبرس كتبغا فترت حركة قدوم أو هجرة الوافدية من التتار ، ففي سنة 682هـ وفد علي مصر 19 فارساً فقط وفي صحبتهم عائلاتهم ، وفي سنة 61هـ وفد إلي مصر 300 فارس آخرون.
وكانت أكبر هجرة من هجرات الفرسان التتار الوافدية علي الدولة المملوكية في سنة 695هـ في عهد السلطان العادل كتبغا (وهو مغولي الأصل) ، وكانت هذه الهجرة تكون من الأويراتية ، وبلغ عددها في رأي بعض المؤرخين 10.000حصان ، وعند البعض الآخر 18.000حصان ،وكان عدد قواد هذه الفرقة يتراوح حسب المراجع المختلفة بين 113و 200و300 وقد قوبلوا في مصر بكل ترحاب وإكرام.
أما بقية هذه القبيلة وما كان يصحبهم من أغنام وماشية ، فقد أرسلوا إلي مدن الساحل بالشام حيث استقروا في عثليت والمنطقة المحيطة بها ، وبعد وقت قصير اختلط أفراد هذه القبيلة بالسكان الأصليين في مدن الساحل ، ثم لم نعد نسمع عنهم شيئاً.
أما الأويراتية الذين دخلوا مصر فقد بهروا بجمال وجوههم أعين الأمراء المماليك ،وألحق الكثيرون منهم والكثيرون من أولادهم بالخدمة في فرق الأمراء المماليك ، وبعد قليل استدعي نفر من ألإراد الأويراتية المقيمين بالساحل إلي مصر وألحقوا بفرق الأمراء المماليك ، كما تزوج هؤلاء الأمراء بزوجات من نساء الأويراتية ،وقد نزل الأويراتية عند وصولهم إلي القاهرة في حي السينية ، وكانت لهم بهذا الحي أخبار كثيرة ، روي طرفاً منها المقريزي في كتابه الخطط عند كلامه عن "حارة الحسينية" فقال في وصف الفرقة الأويراتية التي وصلت أيام العادي كتبغا :
{ ولما قرب الجماعة من القاهرة خرج الأمراء بالعسكر إلي لقائهم ، واجتمع الناس من كل مكان حتى امتلأ الفضاء للنظر إليهم، فكان لدخولهم يوم عظيم ، وصاروا إلي قلعة الجبل ، فأنعم السلطان علي طرغاي – مقدمهم – بإمرة طلبخاناه ، وعلي اللصوص بإمرة عشرة ، وأعطي البقية تقادم في الحلقة وإقطاعات وأجري عليهم الرواتب ، وأنزلوا الحسنية ، وكانوا علي غير الملة الإسلامية ، فشق ذلك علي الناس ، وبلوا مع ذلك منهم بأنواع من البلاء لسوء أخلاقهم ونفرة نفوسهم وشدة جبروتهم }.
ولما دخل شهر رمضان من سنة خمس وتسعين وستمائة لم يصم أحد من الأويراتية ، وقيل للسلطان ذلك فأبي أن يكرههم علي الإسلام ، ومنع من معارضتهم ، ونهي أن يشوش عليهم أحد ، وأظهر العناية بهم ، وكان مراده أن يجعلهم عوناً له يتقوي بهم ، فبالغ في إكرامهم حتى أثار في قلوب أمراء الدولة منه إحنا ، وخشوا إيقاعه بهم ، فإن الأويراتية كانوا أهل جنس كتبغا.
ثم يستطرد المقريزي فيصف جمال الأويراتية ورغبة الأمراء في التزوج من نسائهم فيقول :
{ وكانوا مع ذلك صوراً جميلة ، فاقتتن بهم الأمراء وتنافسوا في أولادهم من الذكور والإناث ، واتخذوا منهم عدة صيروهم من جملة جندهم .. ثم ما قنع الأمراء بما كان منهم في مصر حتى أرسلوا إلي البلاد الشامية واستدعوا منهم طائفة كبيرة ، فتكاثر نسلهم في القاهرة واشتدت الرغبة من الكافة في أولادهم .. إلي أن آل الأمر بسببهم وبأسباب آخر إلي خلع السلطان العادي كتبغا من الملك في صفر سنة ست وتسعين وستمائة ، فلما قام في السلطنة من بعده الملك المنصور حسام الدين لاجين قبض علي طرغاي مقدم الأويراتية وعلي جماعة من أكابرهم وبعث بهم إلي الإسكندرية فسجنهم بها وقتهلم ، وفرق جيمع الأويراتية علي الأمراء ، فاستخدموهم وجعلوهم من جندهم ، فصار أهل الحسينية لذلك يوصفون بالحسن والجمال البارع ، وكان للناس في نكاح نسائهم رغبة ..إلخ}.



4- العلاقات بين المماليك والصليبيين في عهد بيبرس Sad )
أ- لويس التاسع في سوريا :
خرج الملك لويس التاسع من دمياط يجر أذيال الخيبة والفشل ، وصحبه في خروجه مائة جندي فقط كانوا هم البقية الباقية من حملته التي وفد بها إلي مصر والتي كانت تضم ثمانين ألف مقاتل .
ولم يتجه لويس إلي وطنه فرنسا بل آثرت الذهاب إلي فلسطين ، فقصد إلي مدينة عكا ووصلها في مايو 1250م بعد أن سمح لأخوته ومعظم رحاله بالسفر إلي فرنسا ، وحملهم الرسائل إلي ملوك أوروبا يطلب فيها نجده ومدداً حربياً عله يستطيع أن يحرز نصر جديداً في الشام يسمح به وصمه الفشل والهزيمة التي لحقت به في مصر .
وقد أقام لويس في فلسطين أربع سنوات ، وهو السنوات الأولي من حكم الدولة الجديدة في مصر والشام وهي دولة المماليك ، وكان النزاع وقتذاك علي أشده بين المماليك والأيوبيين ، وقد أراد زعيم الأيوبيين الملك الناصر صاحب حلب أن يستغل فرصة وجود الملك المعز أيبك ، ولكن لويس كان قد اختار الإقامة في فلسطين لتحقيق أهداف أخرى كان في مقدمتها أن يعمل علي تنفيذ المعاهدة المعقودة بينه وبين المماليك ، وأن يحاول أن يصلح في هدوء ما أحدثته هزيمة المنصورة ،ولم يكن لويس قد نسي بعد مرارة ما ذاقة علي أيدي المماليك ، ولهذا لم يكن علي استعداد أن يشتبك معهم في معركة جديدة.
وهو إلي هذا كان يعلم أنه قد ترك في مصر عشرة آلاف أسير من رجاله ، وأن حياة هؤلاء الأسري ستكون لا محالة معرضة للخطر لو أنه دخل في معركة جديدة مع المماليك . لهذا آثر لويس أن يقف مؤقتاً علي الحياد بين الأمويين والمماليك ، بل وحاول أن يستغل الموقف لتعديل شروط المعاهدة المعقودة بينه وبين المماليك .
وكللت جهودة بالنجاح ،واستجاب المعز أيبك لرغباته ، ووافق في مايو سنة 1252م علي إطلاق سراح عدد من كبار قواده الأسري ، وعلي التنازل عن بقية الفدية المطلوبة من لويس ، وذلك مقابل أن يتعهد الملك لويس بالتعاون مع السلطان أيبك علي منه الملك الناصر صاحب حلب من التقدم نحو مصر أو الإغارة عليها .
وفي هذا الوقت كان الخطر المغولي يقترب بخطوات سريعة نحو الخلافة العباسية ، وبدأ الخليفة المستعصم يدرك أمام هذا الخطر الداهم أنه لابد من توحيد القوى الإسلامية المجاورة لتقف إلي جانبه في محنته المقبلة ، ولهذا أرسل في سنة 1253م رسولاً من قبله يسعي لعقد الصلح بين الملك الناصر صاحب حلب والمعز أيبك سلطان مصر ، وقد وفق الرسول في مهمته، وعقد الصلح بين الملكين في أبريل سنة 1253م ، وبذلك خابت آمال الملك لويس في أن يجد فرصة لتحقيق آماله الصليبية أو لاستعادة بيت المقدس.
وأخيراًَ وصلته الأخبار من فرنسا تحمل نبأ وفاة والدته الملكة بلانش ، وكانت سيدة حازمة ماهرة استطاعت أن تدير شئون الحكم في فرنسا كوصية علي العرش طيلة مدة غياب ابنها الملك لويس في الشرق ، ولهذا رأي لويس أن من واجبه الإسراع بالعودة إلي وطنه وخاصة أنه كان قد فقد الأمل في تحقيق أي هدف من أهدافه في فلسطين ، وفي وصول صاحب حلب لمدة ثلاث سنوات تبدأ من فبراير 1254م ، ولم يكن في حاجة لعقد صلح جديد مع سلطان مصر ، لأن الصلح القديم كان لا يزال قائماً ومدته عشر سنوات تبدأ من تاريخ عقده وهو سنة 1251م.
وأبحر الملك لويس من عكا في أبريل سنة 1254م ووصل إلي فرنسا في يوليو من نفس السنة.
2- بيبرس يواجه الخطرين الصليبي والمغولي :
تولي بيبرس عرش مصر بعد مقتل قطز ،وبعد توليته اتضح للرأي العام وللعالم الخارجي أن دولة المماليك قد مرت بالتجربة بنجاح ، وأنها قد استقرت علي قواعد ثابتة ، أنها تستطيع أن تبقي في الحكم ، وخاصة بعد الانتصار الباهر الذي أحرزته في عين جالوت ضد أكبر قوة مقاتلة في الشرق وقتذاك وهي المغول.
وبدأ بيبرس يعيد النظر في سياسة المهادنة التي اتبعها المماليك قبله نحو الصليبيين ،ورأي أنها سياسة ألجأت إليها الضرورة حتى لا يضطر لمواجهة الخطرين المغولي والصليبي في وقت واحد ،ولم تعد به الآن حاجة إلي مهادنة الصليبين بعد أن بعد الخطر المغولي عن مصر والشام ، وخاصة أنه كان علي علم بالمحاولات التي بذلها المغول والصليبيون للتحالف معاً ضد القوي الإسلامية الأيوبية ثم المملوكية ،وقد سبق للبابا إنوسنت الرابع أن أرسل رسلاً من قبله إلي المغول لإقناعهم بعقد حلف صليبي مغولي للقضاء علي المسلمين في الشام ومصر ، وسار الملك لويس التاسع علي نفس النهج ، وجرت بينه وبين المغول اتصالات لتحقيق هذا الهدف [كما ذكرنا] ، وأرسل الخان جغطاي بن جنكيز خان اثنين من رجاله إلي الملك لويس أثناء مقامه في جزيرة قبرص قبل إبحره إلي دمياط يعرضنا عليه التحالف ضد المسلمين ،ورحب لويس بهذا العرض ، غير أن الهزيمة الكبري التي مني بها لويس فيمصر وضعت حداً لمشروع التحالف الصليبي المغولي ، وعلي العكس من هذا استطاع السلطان قطز أن يعقد صلحاً مع الصليبيين كان من أهم العوامل التي ساعدته علي الانتصار علي المغول في عين جالوت .
ولهذا نجد أن بيبرس قد رسم لنفسه – بمجرد التغلب علي مشاكله الداخلية – خطي تهدف إلي معالجة مشكلتي العباسيين والمغول في وقت واحد حتى لا يدع فرصة للتقرب أو التحالف بين الفريقين ، وقد بدأ بيبرس بمواجهة الخطر الصليبي أولاً ، وفي هذا دليل واضح علي مبلغ إحساسه بخطر الصليبيين وبخطر ما قد يحدث نتيجة لتحالفهم مع المغول ،ولهذا اتجه أول ما اتجه إلي مركز الدعوة لهذا الحلف المغولي ، أي إلي إنطاكية ، فإن صاحبها بوهمند السادس كان ممن أيدوا سياسة التحالف مع المغول منذ أيام عين جالوت .
ولكن بيبرس لم يقدم علي مهاجمة الصليبيين إلا بعد اختط لنفسه خطة واضحة تدل علي ما كان يمتاز به من ذكاء خارق ومواهب سياسية فذة .
كانت هذه الخطة تتلخص في عقد سلسلة من التحالفات مع كل القوى الإسلامية والمسيحية المحيطة به وبالصليبيين لتحقيق هدفين :
• أن يمنع هذه القوى أن ترسل أو تسمح بمرور أي مدد إلي الصليبيين .
• أن يستعين بهذه القوي لمنع أي تحالف بين المغول والصليبيين، ولإيقاف جيوش المغول إن فكرت في التقدم لمساعدة الصليبيين .
3- مهارة بيبرس الدبلوماسية :
ووفق بيبرس في تنفيذ خطته وعقد سلسلة من المعاهدات والاتفاقات الودية مع ميخائيل باليولوجس ، إمبراطور الدولة البيزنطية ، ومع منفرد هوهنشتاوفن إمبراطور الدولة الرومانية الغربية وملك صقلية ، ومع الجمهوريات الإيطالية ، ومع بركة خان زعيم مغول القفجان ، ومع سلطان سلاجقة الروم في آسيا الصغري.
أما الإمبراطورية البيزنطية فقد كانت لها سياسة تقليدية نحو الصليبيين منذ أن عاث جنود الحملة الصليبية الأولي فساداً في أراضيها أثناء مرورهم بها وهي سياسة مبنية علي العداء والترقب .
أما بيت هوهنستاوفن فقد كانت تربط بينه وبين حكام مصر الأيوبيين صداقة طويلة مستمرة منذ أيام فريدريك الثاني والملك الكامل محمد ،وقد وضعت المعاهدة التي عقدت بينهما حداً للحملة الصليبية السادسة ، وقد تجددت هذه الصداقة أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب ، وكان فريدريك هو الذي أرسل رسولاً من قبله متخفياً في زي تاجر ليحمل إليالصالح أنباء حملة لويس التاسع وإبحارها قاصدة مصر.
وقد سار منفرد بن فريدريك علي نفس السياسة فرحب بسفير بيبرس إليه ، ولم يكن هذا السفير إلا المؤرخ المعروف جمال الدين بن واصل مؤلف كتاب (مفرج الكروب ي أخبار بني أيوب).
وأما بركة خان فقد كان – وهو الملك المسلم – الصديق الحميم لبيبرس ، كما كان العدو اللدود لمغول فارس ، وفي إمكانه أن يقف لهم بالمرصاد فيمنعهم من التقدم لمساعدة الصليبيين لو حاولوا ذلك.
4- نضال بيبرس ضد الصليبيين :
كان بيبرس – في جهاده المستمر ضد الصليبين – يريد أن يتشبه بصلاح الدين – ولئن كان صلاح الدين قد انتصر انتصاره الحاسم في حطين ثم توج هذا الانتصار باستعادة الإمارة الصليبية الكبري (بيت المقدس) ، فإن بيبرس كان يعمل دائماً للقضاء علي الإمارتين الباقيتين : إمارة أنطاكية وإمارة طرابلس ، وتطهير سواحل الشام تماماً من بقايا الصليبيين.
وقد قضي بيبرس عشر سنوات كاملة (659هـ-669هـ/1261م-1271م) في نضاله هذا ضد الصليبيين ، فلم تمض سنة من هذه السنوات دون أن يهاجم فيها مدينة من مدنهم أو يخضع حصناً من حصونهم ، وقد تخللت هذه السنوات فترات قليلة كان يشغل من مدنهم أو يخضع حصناً من حصونهم ، وقد تخللت هذه السنوات فترات قليلة كان يشغل فيها بيبرس بمحاربة المغول ، أو حشيشية الشام ، أو ملكية أرمينية الصغري ، تلك القوي التي كانت تعوق جهوده الحربية أو تعمل للتحالف مع الصليبين ضده.
وقد لقي بيبرس في حملاته ضد الصليبيين مشاق ومتاعب جمة ، غير أنه كان المنتصر دائماً فلم ينهزم قط في معركة من معاركهم ، ولم يمتنع عليه حصن من حصونهم.
أ- الاستيلاء علي مدينة صفد :
وبدأ بيبرس سنة 661هـ (1263م) بمحاصرة عكا ، ولكن أول حملاته القوية كانت هي الحملة التي قادها بنفسه لمهاجمة مدينة قيسارية في سنة 663هـ (1265م) فكتب له النصر واستولي علي المدينة ، وفي السنة التالية قاد جيشاً كبيراً واتجه إلي قلعة صفد وحاصرها ، فلم يمض إلا ثلاثة أسابيع حتى اشتد الضيق بالفرنج وعجزوا عن المقاومة ، فاستسلموا وسقطت القلعة وأمن بيبرس من بها ، وسمح لهم أن يخرجوا سالمين ، ويرحلوا إلي عكا بشرط أن لا يصحبوا شيئاً من سلاحهم ،ولكنهم نقضوا العهد كعادتهم ، فحملوا معهم أثناء مغادرتهم القلعة أسلحتهم ومتاعهم ، بل صحبوا معهم بعض أسري المسلمين بعد أن ألبسوهم ملابس الصليبيين ، وعلم بيبرس بما فعلوا فغضب غضبة شديدة ، وأمر بالقبض علي حامية القلعة جميعاً وأن تضرب أعناقهم علي تل قريب من صفد .
واستولي بيبرس علي مدينة صفد بعد أن خرب قلعتها ، وهي مدينة قوية لها أهميتها الحربية ، وفي السنة التالية أعاد بناءها ، واشترك بنفسه مع العمال في بنائها ، وسجل انتصاره في نص تاريخي هام رقم علي أسوارها .
ب- سقوط أنطاكية :
وفي سنة 66هـ/1268م غادر بيبرس القاهرة علي رأس جيش كبير واتجه نحو الشام ، وهدفه إمارة أنطاكية ومدينتها ، فاستولي في طريقة علي عدة مدن أهمها يافا وشقيف وأرنون ، ثم قصد حماة واتخذها قاعدة لهجومة ، فقسم جيشه إلي فرق ثلاث ، وتولي هو قيادة إحداها ، ثم بدأ الزحف نحو أنطاكية ، وظل محاصراً لها إلي أن عجزت عن المقاومة واستسلمت .
وعقد لبيبرس ألوية النصر ، وعمت الأفراح أركان العالم العربي لاستعادة الإمارة اللاتينية الثالثة أنطاكية ، ولم يبق إلا الإمارة الأخيرة وهي إمارة طرابلس .
جـ- حملة لويس التاسع علي تونس :
وفي سنة 1270موصلت الأخبار إلي بيبرس في الشاك تنبئ أن لويس التاسع – ملك فرنسا- يعد حملة صليبية جديدة لمهاجمة الشرق الإسلامي ، فأسرع بيبرس بالعودة إلي مصر يترقب أخبار هذه الحملة ،ويعمل علي تحصين القلعة وترميم أسوارها وإقامة الاستعدادت الحربية ، فقد حسب بيبرس أن لويس سيتجه إلي مصر انتقاماً للهزيمة التي مني بها في حملته السابقة ،والواقع أن الشرق الأدني الإسلامي كان هدف لويس في حملته الجديدة ، ولكن أخاه شار دانجو – ملك صقلية – استطاع أن يقنعه بتحويل الحملة إلي هدف آخر هو تونس ، وذلك ليتمكن من تحقيق بعض مشروعاته ضد الدولة البيزنطية ،وليعمل علي تأمين ملكه في صقلية بالاستيلاء علي تونس ولنشر المسيحية فيها .
ووصل لويس بحملته إلي تونس ، ولكنه أصيب بالحمي ، ومات بعد قليل ، وخلفه علي قيادة الحملة أخوه شارل ، ولكنه عجز عن تحقيق أي نصر ، واضطر إلي عقد مفاوضات مع ملك تونس انتهت بالاتفاق علي الجلاء ، وأن يدفع ملك تونس مبلغاً من المالي ، وأن يحصل الفرنسيون علي بعض الامتيازات في تونس .
د- المفاوضات مع طرابلس وعكا :
وقد اتجه بيبرس في سنة 1271م وبعد أن أطمأن لنتيجة حملة لويس إلي الشام ليستأنف النضال ضد الصليبيين ، وبدأ بمهاجمة مدن إمارة طرابلس ، وتوالت انتصاراته ، وبدأت طرابلس تحس أنها الهدف التالي بعد أنطاكية ، فأرسلت إلي بيبرس تطلب المفاوضة والصلح.
واستجاب بيبرس لطلبها ، وأرسل وفد لمفاوضة صاحبها ، ويقال بأن بيبرس نفسه رافق سفراءه متخفياً في زي خادم ليتعرف أثناء مقامه في مدينة طرابلس علي أحوالها وتحصيناتها تمهيداً لحصارها فيما بعد .
وزلزت كذلك مدينة عكا – البقية الباقية من إمارة بيت المقدس – وأرسلت تطلب المفاوضة للصلح كذلك ، وقدم رسلها إلي دمشق لمفاوضة السلطان ، واتفق الطرفان علي عقد الصلح بشرط أن تكون عكا مناصفة بين بيبرس والصليبيين ، ولكن هذه الاتفاقية حين عرضت علي صاحب عكا لم تلق منه قبولاً.
هـ- محاولة غزو قبرص :
كانت هذه البقايا الصليبية


عدل سابقا من قبل Admin في الأحد 31 أكتوبر 2010 - 6:07 عدل 1 مرات (السبب : إضافة نص)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
 
بحث تاريخي (نشأة دولة المماليك وتوليهم مقاليد الحكم) ( الجزء الثاني)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
رسالة مصرية ثقافية :: قسم العلوم التربوية والأدبية :: التاريخ العربي-
انتقل الى: