من السنة النبوية في التربية الأسرية (1)
( الوقاية من الكوارث )
وحديثنا اليوم عن التربية الأسرية في الحماية من الحريق والسرقة وتلوث المياه والطعام والحد من خروج الأولاد ليلاً.
قال صلى الله عليه وسلم: ( أطفئوا المصابيح بالليل إذا رقدتم، وأغلقوا الأبواب وأوكئوا الأسقية، وخمروا الطعام والشراب ). وفي رواية زيادة: ( واكفئوا صبيانكم عند المساء فإن للجن انتشاراً وخطفة ). رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.
ـ في هذا الحديث يعلمنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن نحتاط من الحريق، ونؤمن البيوت من السرقة والمخاطر، ونحمي المياه من التلوث ونحافظ على الأطعمة والأشربة من عوامل الفساد ونحافظ على أبنائنا من الليل ومفاسده.
1ـ التربية للأمان ضد الحريق:
حيث يرشدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى أهمية تأمين البيوت ضد الحريق ومنع مسبباته خاصة وقت النوم والغفلة عن مصدر النار، ويدخل في هذا استخدام القواطع الآلية لمنع الحريق بالكهرباء، وعدم إشعال أفران البوتاغاز أثناء والنوم أو الخروج خارج المنزل وهي مشتعلة، وتجهيز المنازل بأجهزة إطفاء الحريق وأجراس التنبيه الآلية للحريق.
2ـ تأمين المنزل من المخاطر:
حيث يرشدنا الحديث إلى أهمية إغلاق منافذ السرقة والدخول غير الشرعي للبيوت ويندرج تحت هذا إعداد الأبواب المحكمة وإقفالها بطرائق أمنه ووضع ما يؤمن البيوت من الدخول إليها من دون إذن لأصحابها.
3ـ الحفاظ على مصادر المياه:
حيث يرشدنا قوله صلى الله عليه وسلم: ( وأوكئوا الأسقية ): أي: إغلاق منافذه بشدة ويندرج تحت هذا تغطية خزانات المياه بإحكام وعدم تركها مفتوحة فتصبح عرضة لسقوط الحشرات والهوام والفئران والقطط والكلاب والطيور والأتربة والمواد الملوثة , أو تسرب المياه فيها وإغراق المنزل , أو سقوطها من مكانها وكم من منازل غرقت للبعد عن الهدي النبوي في أحكام إغلاق مصادر المياه خاصة وقت النوم والغفلة والخروج من البيت.
4ـ حماية الأطعمة والأشربة من التلوث:
يرشدنا الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم: ( وخمروا ) أي: غطوا الطعام والشراب. وفي هذا حماية للطعام والشراب من التلوث بالحيوان أو البكتيريا أو الفطريات أو الهواء الملوث بالمواد الكيماوية الضارة، ومن هنا وجب حفظ الأطعمة من تلوث و نمو الحشرات والبكتيريا والفطريات عليها بوضعها في المبردات وغليها والحفاظ عليها.
5ـ حماية الصغار من مفاسد الليل:
ففي الليل يغفل الآباء والجيران , وينشط المفسدون والمنحرفون , وفي ترك الأولاد خارج البيوت ليلاً مفسدة عظيمة، والهدي النبوي بحماية الصغار من السهر ليلاً من التربية الأسرية السليمة التي نبهنا المصطفى صلى الله عليه وسلم إليها.( وللحديث بقية بإذن الله )
--======================================================
من السنة النبوية في التربية الأسرية (2)
توصلت الدول المتقدمة بعد طول عناء وتجربة إلى أهمية التربية السوية للطفل وعدم إرهاق الأطفال بالعمل , وترك الفرصة لهم للعب والاستمتاع بطفولتهم علاوة على التربية الأسرية السوية , وقد سبق الاسلام هؤلاء في رعاية الأطفال ومداعبتهم ورفع التكليف عنهم وتعليمهم ما يناسبهم , وهذا ما يجب أن تجسده مناهج الحضانات ورياض الأطفال .
ـ وقد جسدت السنة النبوية المطهرة حقوق الأطفال في الرعاية والتدليل والتعلم المفيد في مواقف عديدة منها الحديث التالي:
ـ يا أبا عمير ما فعل النغير:
عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً وكان لي أخ يقال له: أبو عمر وهو فطيم كان إذا جاءنا قال: يا أبا عمير ما فعل النغير، لنغر كان يلعب به، وربما حضرت الصلاة وهو في بيتنا، فيأمرنا بالبساط الذي تحته فيكنس ثم ينفح، ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا ) رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود.
النغير: طائر صغير.
من التربية الأسرية في الحديث:
1ـ الاهتمام بميول الأطفال ولعبهم:
فقد اهتم المصطفى صلى الله عليه وسلم بأبي عمر الطفل الصغير والطائر الذي كان يلعب به ووافق على لعبه به، ولم ينهه عن ذلك، وفي ذلك إقرار بحق الطفل في اللعب والاهتمام بألعابه وتشجيعه على ذلك لأن في ذلك إشباع لحاجة الطفل واهتمام بهواياته وميوله.
2ـ مداعبة الأطفال:
فقد داعب المصطفى صلى الله عليه وسلم الطفل ( أبي عمر ) وناداه بأبي عمير وفي هذا مداعبة له بأسلوب سجعي محبب للنفس.
3ـ إدخال السرور على نفس الطفل:
فعندما ينادي المصطفى صلى الله عليه وسلم الطفل بكنية الكبار يستشعره أنه يقدره ويحترمه وهذا يدخل السرور على قلبه وكذلك النزول إلى مستوى حاجات الطفل من اللعب ومن الأمور السارة له.
4ـ ربط البيئة المنزلية بالعبادة:
فعندما حان موعد الصلاة قام المصطفى صلى الله عليه وسلم بطلب البساط ليصلي في البيت , فيربط الأطفال والنساء بالرجال والصلاة وبذلك تتخلل الصلاة , الحياة الاجتماعية ولا تصبح قصراً على دور العبادة وفي هذا تكامل وترابط تربوي.
5- الاهتمام بالبيئة المنزلية:
حيث يكنس المصطفى صلى الله عليه وسلم مكان الصلاة بنفسه وينظفه وفي هذا تعليم للأسرة أن يهتموا بالبيئة المنزلية وربط بين النظافة والعبادة.
6ـ الترابط الأسري:
ففي الهدي النبوي تدعيم لأهمية الزيارة وتبادل الزيارات بين الأسر المسلمة والمداومة على ذلك وحسن العشرة بين الناس.
7ـ الاهتمام بمكارم الأخلاق:
فقد لاحظ أنس حسن خلق المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا حظ اهتمامه بأهل البيت صغيرهم وكبيرهم.
8ـ أهمية الخبرة المباشرة في نقل الخبرات:
فعندما يقوم المصطفى صلى الله عليه وسلم بالصلاة وتقف الأسرة لتصلي خلفه فإنه يُعلمهم ويربيهم تربية عملية مباشرة وينقل إليهم الخبرات نقلاً مباشراً ويعلمهم بالقدوة.
9ـ التربية بالملاحظة:
فقد لا حظ أنس سلوك المصطفى صلى الله عليه وسلم في البيت واهتمامه بالأطفال وبالجانب الخلقي للأسرة وقد أثر ذلك عليه ونقله إلينا.
10ـ التربية بالقدوة:
حيث جسّد المصطفى صلى الله عليه وسلم أهمية القدوة في حياة الأسرة من حيث مداعبة الصغير، والاهتمام بالصلاة وإقامتها , وتنظيف المكان بنفسه, ونفخ الأشربة ويؤم أفراد الأسرة.
ـ في الموقف السابق يجسد المصطفى صلى الله عليه وسلم التربية الأسرية السوية التي يجب أن نعلمها لأبنائنا في البيت وفي رياض الأطفال ودور الحضانة
======================================================
من السنة النبوية في التربية الأسرية (3)
( الوقاية من الزنا )
توجد مشكلة أسرية أزلية تبدأ مع تحول الأبناء من سن الطفولة إلى سن المراهقة وقد احتار الآباء في علاج المشكلة رغم خبراتهم السابقة فيها وذلك لتغير الموقف عند الأب والأم من مراهق أثناء فترة مراهقته إلى راعٍ أثناء فترة مراهقة أبنائه.
ـ وتتركز مشكلة المراهق في النمو البدني المتسارع، والإفراز الهرموني الزائد والرغبة الجنسية القوية، والحاجات النفسية المعقدة , وفي هذا الوضع المتأجج تجد الأسرة نفسها في مشكلة كبيرة. من هنا وجب الاهتمام بالمراهق في مناهج التربية الأسرية في المدرسة والتعاون بين البيت والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام ووسائط الثقافة الأخرى, بحيث يتكامل الاهتمام بالجوانب البدنية والنفسية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والروحية, وهذا يتطلب مناهج متكاملة ومترابطة يعدها اختصاصيون في علوم الأحياء والنفس والتربية الإسلامية والتربية الأسرية، والتربية الاجتماعية والبدنية .
الرسول صلى الله عليه وسلم والمراهق:
عالجت السنة النبوية المطهرة الجوانب النفسية والبدنية والتعليمية والاجتماعية والتربوية للمراهق في الحديث الذي أورده الإمام أحمد رضي الله عنه في مسنده.عن أبي أمامة: أن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ائذن لي في الزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: ( مه، مه ) فدنا منه قريباً قال: فجلس ( أي: الشاب ).
ـ قال: أتحبه لأهلك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك.
قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم.
ـ قال: أتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك.
قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم.
ـ قال: أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك.
قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم.
ـ قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك.
قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم.
ـ قال: فوضع يده عليه وقال: ( اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه ). فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء.أخرجه الإمام أحمد في مسنده.
من التربية الأسرية في الحديث:
1ـ الرفق واللين في المعاملة:
عندما أفصح الفتى بما يعانيه من حاجة إلى الزنا زجره القوم وقالوا: ( مه ـ مه ) ولكن الرحمة المهداة , رسول الله صلى الله عليه وسلم رفق بالفتى وعامله باللين وهدأ من روعه ودنا منه قريباً، فأنس الفتى وهدأ . من هنا وجب معاملة المراهقين بالرفق واللطف واللين وتقدير الموقف العصيب الذي يعاني منه المراهق.
2ـ فتح باب الحوار مع المراهق:
عندما أنس الفتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتح معه باب الحوار والمناقشة , وهذا من أحدث أساليب التعليم والتعلُّم في التربية الحديثة، والحوار وإيجابية المتعلم يؤديان إلى سرعة التعلم وإشراكه في النتائج التعليمية والتقويم فيشعر أنه صاحب القرار وأن الحل ليس مفروضاً عليه، من هنا وجب علينا بناء مناهج دراسية تقوم على فتح باب الحوار مع المتعلم وأن يكون المعلم والمربي قادراً على إدارة الحوار , وهذا لن يتأتى إلا بالعلم بنفسية المراهق وخصائص نموه , وحاجته البدنية والاجتماعية والتربوية.
3ـ العِلم بنفسية المراهق وخصائص نموه:
حتى يتمكن المعلم أو المربي أو الوالد من معالجة المراهق يجب عليه أن يكون على دراية تامة بالجوانب النفسية وخصائص نمو المراهق حتى نستطيع الوصول إلى النتائج المرجوة.
4ـ بيان أبعاد المشكلة:
حتى يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم المراهق خطورة الزنا بين معه جوانب المشكلة الاجتماعية والنفسية , وأن ما يريد الإقدام عليه من المخالفات الاجتماعية والخلقية التي لا يرضاها الناس لأنفسهم وهنا استشعر المراهق أبعاد المشكلة.
تحديد المشكلة:
علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن للمشكلة أسس خلقية وقلبية وبدنية , فوضع يده على صدر الشاب ثم دعا له بالمغفرة لطلبه الزنا، وتطهير القلب من نوازع الشيطان وإحصان فرجه، من هنا يجب أن نعلم مشاكل المراهقين ونحددها.
علاج المشكلة:
ـ عالج المصطفى صلى الله عليه وسلم المشكلة بعد تحديدها, فوضع يده على الفتى ليهدأ بدينا، وطلب من الله أن يحصن فرجه , ويطهر قلبه, وحتى نحصن فرج الشباب علينا تيسير سبل الزواج والحث عليه بضوابطه الشرعية، وتربية الشباب تربية إيمانية واتاحة مجالات للأنشطة الشبابية , وتنميته إجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. ومن سبل تحقيق ذلك بناء المناهج الدراسية في مجال التربية الأسرية وتعاون الجميع من أجل تربية المراهقين التربية السوية.
=====================================================
من السنة النبوية في التربية الأسرية (4)
( احفظ الله يحفظك )
من الأخطاء التربوية الشائعة في حياتنا أن المراهق ( الغلام ) في طور من العمر يوجب علينا أن نترك له حرية التصرف لأنه غير مسؤول عن تصرفاته، خاصة الخلقية منها، وهذا الخطأ يفوت على الأبناء مرحلة مهمة من مراحل التعلم في حياة الإنسان وفي الحديث النبوي التالي هدي في التربية علينا أن نجعله أساساً للتعامل مع الأولاد:
ـ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال لي: ( يا غلام، إني أعلمك كلمات:
ـ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك.
ـ إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك.
ـ وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ). رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ـ من التربية الأسرية في الحديث:
1ـ البدء بتعلم العقيدة:
فأول شيء يجب أن نعلمه لأبنائنا: العقيدة وقد بدأ المصطفى بتعلُّم ذلك فقال:
ـ احفظ الله يحفظك.
ـ احفظ الله تجده تجاهك.
ـ إذا سألت فاسأل الله
ـ وإذا استعنت فاستعن بالله.
من هنا وجب أن تهتم مناهج التربية الإسلامية بالعقيدة الصحيحة وتوحيد الله سبحانه وتعالى.
2ـ أهمية العلم في حياة النشء:
فقد نبه المصطفى صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما لأهمية العلم وحفّزه إلى التعلم وحببه إليه فقال: ( يا غلام إني أعلمك كلمات )، وهنا تظهر أهمية التعلم في هذه السن وهذا ما يجب أن نفطن إليه في التربية الأسرية:
قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ:
ومـن فاتـه التعلم وقت شبابه فكبـر عليـه أربعـاً لـوفاته
وذات الفتى والله بالعلم والتقى إذا لم يكونا لا اعتبار لـذاته
3ـ أهمية الوقت في حياة المسلم:
حيث استثمر المصطفى صلى الله عليه وسلم وقت الطريق في تعليم الغلام وهذا ينبه لأهمية استغلال الوقت في حياة المسلم.
4ـ الصحبة الطيبة نافعة:
نتعلم من هذا الموقف التعليمي أن مرافقة العلماء وأصحاب العلم ومكارم الأخلاق نافعة فقد علّم المصطفى صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما، وإذا تعلم الغلام ذلك واهتمت التربية الأسرية ومناهجها بذلك سلك المسلك القويم في الصحبة والرفق.
5ـ أخذ المتعلم باللين الملاحظة:
ـ قال المصطفى صلى الله عليه وسلم للمتعلم: يا غلام وفي هذا ملاطفة ولين من المعلم للمتعلم, وعلى الوالد والوالدة والمعلم والمعلمة اتباع هذا الأسلوب والهدي النبوي في تعلم الطلاب وتعليمهم ومناداتهم بأحب الأسماء إليهم.
6ـ إزالة الحقد من النفوس:
فقد علم المصطفى صلى الله عليه وسلم الغلام أن النافع هو الله , والرازق هو الله, والواهب هو الله وإذا تعلم المتعلم ذلك تعلم أن لا يحقد على الأذكياء والأغنياء والفائقين والأقوياء , وتعلمت البنت الرضى فلا تغار من الجميلات من أخواتها وزميلاتها وفي هذا إزالة لمداخل الشيطان نحو غرس الحقد في النفوس وفتح أبواب الحب في النشىء.
7ـ تربية الشجاعة:
حيث علم المصطفى صلى الله عليه وسلم المتعلم أن الأمة لو اجتمعت على ضرره فلن يضروه إلا بما كتب الله له، وكذلك لو اجتمعت على نفعه فلن ينفعوه إلا بما كتب له، وهنا يتعلم المتعلم الأخذ بالأسباب وترك النتائج على الله , والرضا بما أصابه من ضرر , والصبر عليه , والحمد على النعمة وشكر الله عليها , وهذا يعلم الأبناء الشجاعة والإقدام والعمل بلا خوف من الفشل.
الخلاصة:
ـ أن على معدي مناهج التربية الأسرية البعد عن المناهج المترجمة والمستوردة لأن لكل أمة أهدافها التربوية , ولكل بيئة مفاهيمها , ومصطلحاتها وأغراضها.
وعلينا أن نعد مناهج مترابطة متكاملة بين مناهج العلوم الشرعية وعلوم الحياة والمواد الاجتماعية والتربية الأسرية , وبذلك نعود بالتربية إلى منابعها النبوية الإسلامية التي ربت الأجيال وبنت الحضارة الإسلامية الزاهرة.
ـ وعلى الآباء تعلم الهدي العلمي النبوي في التربية , وتجنب التربية الغربية التي علمت النشء العلوم الكونية وحرمتهم من العقيدة الإسلامية والخصائص والميزات الأخلاقية من الشجاعة والكرم والحب في الله والصحبة الطيبة وتوحيد الألوهية وتوحيد الربوبية.
=======================================================
من السنة النبوية في التربية الأسرية (5)
( دعوة للزواج )
تهدد المجتمعات الأوروبية واليابان هذه الأيام أمراض الانقراض الاجتماعي وزيادة عدد المسنين, وقلة عدد الأطفال والشباب , والسبب الرئيس لهذه الأمراض العزوف عن الزواج والانجاب وتكوين الأسرة مع وجود البدائل الاجتماعية من الأخدان ومثلية الزواج والمصارف غير الأسرية للشهوة الجنسية , وقد انتقلت هذه الأمراض إلى المجتمعات المسلمة فعزف الشباب عن الزواج , وانتشرت العنوسة وتأخر سن الزواج , وحددت الأسر النسل, وأصبحت في بعض المجتمعات الإسلامية بدائل غير شرعية لقضاء الشهوة الجنسية , وقد عالج المصطفى صلى الله عليه وسلم هذا الداء، ودلنا على الوقاية والحماية منه في الحديث النبوي التالي:
الحديث والتربية الأسرية:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ). صحيح الجامع الصغير ـ رواه الجماعة.
ـ في هذا الحديث العديد من الفوائد للتربية الأسرية منها:
1ـ الدعوة للزواج خاصة بين الشباب:
فعلى كل مستطيع أن يتزوج، والدعوة هنا موجهة إلى الشباب، فالزواج في المجتمع المسلم عبادة ومعين على الطاعة، وللزواج في الإسلام العديد من الفوائد منها : تكوين الأسرة، وإنجاب الذرية، وتحصين الفرج والمجتمع، وتضييق مداخل الزنا , وتوسيع مداخل الخلال، والزواج من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم , والإنجاب من دعوته, وقد ثبت بالدليل القاطع أن الدول الكبرى مهددة بالعزوف عن الزواج والإنجاب . وفترة الشباب هي فترة القوة والصحة وعلى المسلم أن يوظف هذه النعمة في بناء المجتمع القوي والأسرة القوية من هنا قال صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ) وتكاليف الزواج فليتزوج. من هنا وجب أن تتضمن مناهج التربية الأسرية أهمية الزواج المبكر، وخطورة العزوف عن الزواج، وبيان الأمراض الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والسياسية المترتبة على العزوف عن الزواج.
2ـ تنقية المجتمع المسلم:
ففي الزواج وقاية المجتمع المسلم من مسببات تسعير الشهوات , وفي الزواج غض للبصر عن المحرمات وتحصين للفروج , وحماية المجتمع من اختلاط الأنساب والتفكك الأسري، وانتشار الأمراض الجنسية، وأمراض الشواذ، وحماية للمجتمع من الانقراض بقلة عدد السكان , وحماية للمجتمعات من انتشار أمراض الشيخوخة المترتبة على زيادة نسبة كبار السن والعجائز وحماية للمجتمع من العنوسة وأمراضها الكثيرة.
3ـ تقوية المجتمع المسلم:
ـ ففي الزواج إنجاب وتكثير للأطفال وزيادة عدد الشباب والأقوياء , وبذلك تظل المجتمعات الإسلامية قوية فتية منتجة مجاهدة متحررة مستقلة، وبالزواج يتماسك النسيج الاجتماعي في المجتمع المسلم , وتتواصل الأجيال , وتنتقل الخبرات من الكبار للصغار ويحمي الكبير الصغير في صغره ليحمي الصغير الكبير عندما يكبر، وبذلك تتوزع الطاقة الاجتماعية عبر الأجيال وتخزن في الصغار من الكبار وتعطي للكبار بعد ذلك من الصغار )وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً ([الإسراء: 24].( الرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ) رواه البخاري ومسلم.
4ـ وضع الحلول البديلة:
ـ دأبنا على بيان الأمر الشرعي مثل تحريم الربا، والزنا، والسرقة، ولم نعمل على إيجاد الحلول البديلة، فإذا كان الربا محرماً فما البديل للمحتاج؟.
وإذا كان الزنا محرم فما البديل لغير القادر على الزواج؟ وإذا كان اختلاط النساء بالرجال محرماً وكشف عورات النساء على البحار محرماً فما البديل للأسرة المسلمة من ذلك.
ـ في هذا الحديث يدلنا المصطفى صلى الله عليه وسلم لأهمية وضع الحلول الشرعية البديلة فقال: ( ومن لم يتسطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ). وهذه كما قلنا دعوة نبوية للحلول الشرعية البديلة.
5ـ الاستثمار الأمثل للإنسان:
في الحديث حث على استثمار فترة الشباب في تكوين الأسرة، والطاعات، وحفظ للقوى من الهدر ( أغض للبصر ـ أحصن للفرج ـ له وجاء ) وفي الحديث دعوة للجد والعمل فعندما يعلم الشاب أنه مطالب بتكوين الأسرة عمل واجتهد من أجل ذلك , وبذلك يستثمر العبد شبابه وقوته ( اغتنم خمساً قبل خمس منها: .... صحتك قبل مرضك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك ).
قال صلى الله عليه وسلم: ( نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ ) رواه البخاري.
قالت حفصة بنت سيرين: ( ما العمل إلا في الشباب ).
فالشباب ميدان العمل، والتحصيل، وميدان الإنتاج والإعطاء فالقوة وافية، والهمة عالية، والأمراض والعلل والعوائق ـ لقلة العلائق نائية.
وفي الحديث استثمار أمثل لقوة الإنسان وهمته وصحته وعمره وهذا ما يجب أن نضمنه مناهجنا الدراسية وتربيتنا الأسرية.
================================================
من السنة النبوية في التربية الأسرية (6)
( حق الغلام في الاسلام )
من الأمراض التربوية الجاهلية عدم الاكتراث بالأطفال والصغار والنساء , ووصل الأمر بالجاهليين أن منعوا الأطفال والنساء من الميراث بحجة أنهم لا يقاتلون ولا يدافعون عن القبيلة، أما ميزان العدل في الإسلام فيعطي كل ذي حق حقه , للجنين حقوقه، وللطفل حقوقه وللمرأة حقوقها , وللحاكم حقوقه وللمحكوم حقوقه وهذا ما يجب علينا التأكيد عليه في تربيتنا الأسرية ومناهجنا التعليمية وفي الحديث التالي بيان ذلك:
عن سهيل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى شراباً فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء.
فقال الغلام: لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحداً , فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده ـ أي: وضع الشراب في يد الغلام ) رواه البخاري ومسلم.
التربية الأسرية في الحديث:
1ـ تقرير حقوق الغلام:
ـ فقد أعطى المصطفى صلى الله عليه وسلم الغلام حقه الذي أعطاه له جلوسه على اليمين ولم يمنعه حقه وجود الأشياخ في المجلس على الشمال، ونزل المصطفى صلى الله عليه وسلم على رغبة الغلام الذي أبى أن يؤثر بنصيبه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً.
ـ وفي هذا درس تربوي علمي إسلامي في تقرير حقوق الغلام يجب أن نبرزه وننبه عليه.
2ـ إعطاء كل ذي حق حقه:
ـ وفي هذا الحديث إقرار عام بإعطاء الحقوق لأصحابها كحق الجوار، وحق الشفعة، وحق المجلس، وحق الأسبقية، وحق المرؤوسين، وحق الصبيان والغلمان، كما قلنا في النقطة السابقة، وحق الوقوف في الطابور، وحق الأسبقية في المراجعة. وهكذا يقرر الحديث المبدأ التربوي العام بإعطاء كل ذي حق حقه.
3ـ تحريم الظلم:
في الحديث حث على العدل وهذا يؤكد تحريم الظلم، والظلم يأتي بإعطاء من لا يستحق , ما لا يستحق وحرمان صاحب الحق من حقه كما قلنا سابقاً , فالعدل يقتضي الانحياز لصاحب الحق حتى ولو كان رضيعاً أو غلاماً أو ضعيفاً أو فقيراً أو صغيراً , وهذا من المحاسن التربوية والاجتماعية التي يجب أن نوكد عليها في حياتنا.
4ـ حق الاستشارة:
فقد استشار المصطفى صلى الله عليه وسلم الغلام في إعطاء الشراب للأشياخ ولم يمنع هذا الحق صاحب الحق، والاستشارة هنا غير ملزمة ولا مُغضبة، فلم يغضب المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما صمم الغلام على حقه وأبى أن يتنازل عنه.
5ـ الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
ـ فالغلام لم يتمسك بحقه أنانية أو إنقاصاً لحق الأشياخ ولكن حبّاً في المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحداً، ومن هنا لم يحرم المصطفى صلى الله عليه وسلم من حقه بحبه إياه , وهذا درس لمن ينقصون أحبتهم حقوقهم اتكاءاً على رصيد المحبة المانع من الغضب والكاظم له والمانع من التعبير عنه.
6ـ احترام الرأي الآخر:
فقد احترم المصطفى صلى الله عليه وسلم رأي الغلام رغم أنه كان يود إعطاء الأشياخ ولكن احتراماً لرأي الغلام نزل الرسول صلى الله عليه وسلم عن رأيه , وفي هذا منع للجاهلية في الرأي والتسلط وعدم الحرية , وهذا ما عانت منه المجتمعات العربية في الجاهلية وما زالت آثار ذلك باقية متوارثة.
7ـ اتباع النظام:
ـ فمن النظام الإسلامي أن نبدأ بأهل اليمين , وهذا مبدأ نظامي إسلامي عمل به المصطفى صلى الله عليه وسلم فسأل الغلام أولاً واتبع النظام ثانياً.
8ـ احترام القانون وتطبيقه:
نتعلم من الحادثة أهمية احترام القانون الشرعي وتطبيقه فنحن نعاني من مخالفة واضعي القانون للقانون، ومن مخالفات حماة القانون، ومن بحث المشرعين في القانون عن ثغرات للتفلت من القانون ومخالفته , وهذا ما يعيب القوانين الوضعية حيث نفصل القوانين على الأهواء تفصيلاً.
9ـ احترام حقوق المحكوم:
الحديث يقرر احترام الحاكم لحقوق المحكوم، فلم يمنع الغلام إبداء الحاكم رغبته في إعطاء الأشياخ وعندما تمسك الغلام ( المحكوم ) بحقه أعطى له.
تربية واجبة:
يجب علينا تربية أنفسنا وأبنائنا على هذه المبادىء العظيمة التي تضمنها الهدي النبوي في التربية الأسرية.
======================================================
من السنة النبوية في التربية الأسرية (7)
( من آداب الطعام في الاسلام )
من يطلع على مناهج التربية الأسرية في ديارنا العربية يجد اهتماماً بتعليم الطلاب فن تناول الطعام , وكيفية الجلوس على الطعام وتناوله , وهذا أمر طيب ولكن يعاب على معظم هذه المناهج أنها مترجمة في كثير من موضوعاتها وأن آداب الطعام المدرجة في الكثير منها هي الآداب الغربية , وحيث أن في ديننا آداب إسلامية للطعام فوجب علينا الأخذ بها وتعليمها لأبنائنا وقد حفلت كتبنا الإسلامية بالأحاديث النبوية الدالة على ذلك ومن هذه الأحاديث:
ـ قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ). رواه مسلم.
ـ وقال صلى الله عليه وسلم: ( سم الله وكل بيمينك، وكل مما يليك ) متفق عليه.
ـ وقال صلى الله عليه وسلم: ( فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه ) رواه أبو داود.
ـ وقال صلى الله عليه وسلم: ( لا آكل متكئاً ) رواه البخاري.
ـ وقال صلى الله عليه وسلم: ( طعام الواحد يكفي الإثنين , وطعام الإثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية ) رواه مسلم.
الأحاديث السابقة غيض من فيض أحاديث آداب الطعام الواردة في السنة النبوية المطهرة وهي قاعدة ممتازة لتعلم نظام طعام إسلامي متميز ومنها نستنتج الآتي:
1ـ الآداب الإسلامية الحميدة:
تعلمنا الأحاديث النبوية الآداب الإسلامية الحميدة في آداب الطعام مثل التسمية ( بسم الله ) أو ( بسم الله أوله وآخره ) لمن نسي التسمية، والأكل باليد اليمنى، وعدم التشبه بالشيطان والكفار الذين يأكلون باليد اليسرى، والجلوس الصحيح على الأكل، والاجتماع على الطعام وهذا ما يجب أن نتعلمه ونعلمه لأبنائنا وتتضمنه مناهج التربية الأسرية فآداب الطعام وطريقة إعداد الطعام والأكل ثقافة وحضارة وتدل على ثقافة وحضارات الشعوب والأمم , فلا يستهان بها، علاوة على أن منها ما هو واجب وعبادة وهدي نبوي يثاب المسلم عليه.
2ـ الاقتصاد في الطعام:
فطعام الواحد يكفي الإثنين، وطعام الإثنين يكفي الأربعة، وهكذا إذا اجتمعنا على الطعام اقتصدنا في الوقت والمال ولم نسرف في الأكل، ولم يتبقى الطعام ويلقى به في سلة المهملات وصناديق القمامة، فليس من الهدي النبوي إعداد كيات زائدة من الطعام تحت مسّى الكرم، وهذا المنحى الإسلامي نراه مطبقاً عند غير المسلمين حيث نراهم يشترون كميات قليلة من الفاكهة والخضروات والطعام وكل شيء محسوب ونحن أولى بذلك استناداً إلى الهدي النبوي في الاجتماع على الطعام.
3ـ تعلم الآداب والتأكيد عليها:
فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما رأى يد الغلام تطيش في الصفحة قال له ( وكل مما يليك ) جزء من حديث متفق عليه وعند الأخذ من آنية الطعام نأخذ من الحافة اقتصادياً وتفادياً للتلف، قال صلى الله عليه وسلم: ( فكلوا من حافته ولا تأكلوا من وسطه ) جزء من حديث رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. وقال صلى الله عليه وسلم: ( كلوا من حواليها ودعوا ذروتها يبارك فيها ) رواه أبو داوود والبيهقي وإسناده صحيح كما ورد في رياض الصالحين باب الأمر بالأكل من جانب القصعة.
ـ وهكذا يعلمنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن نعلم النشء آداب الطعام وأن تتضمن مناهج التربية الأسرية هذا الهدي العلمي النبوي الشريف.
4ـ تمايز المجتمع المسلم:
فكما قلنا سابقاً آداب الطعام من الثقافة المميزة للأمم، ويجب علينا أن نتميز بهذا الهدي وأن يعلم الناس أننا نأكل بيميننا ونسمي الله عند بداية الأكل , ولنا جلسات مميزة وهذا يحافظ على هويتنا الإسلامية.
5ـ احترام الهدي النبوي:
فعندما نتمسك بالهدي النبوي فهذا إعلان أننا متبعون لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وأنه علمنا الآداب الفاضلة والسلوك القويم , وأننا على قناعة تامة بأهمية الاتباع , ومن حبنا للمصطفى صلى الله عليه وسلم نفعل ما علمنا إياه ولا نرضى به بديلاً لأنه هدي إلهي قويم.=======
======================================================
من السنة النبوية في التربية الأسرية (
( حامل المسك )
من وسائط الثقافة التي تؤثر في سلوك الإنسان جماعة الرفاق أو الصحاب , وتخاف معظم الأسر من قرناء السوء على أبنائها , وتعاني بعض الأسر من هذا الأمر ولا تعرف كيف تتصرف، من هنا وجب أن تتضمن مناهج التربية الأسرة موضوعات تعالج هذا الأمر، وقد عالجت السنة النبوية المطهرة هذا الأمر بطريقة تربوية معجزة وهذا ما سنوضحه في السطور التالية بإذن الله.
الحديث النبوي الشريف:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه رائحة طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة ). متفق عليه.
نستنتج من الحديث التربية الأسرية التالية:
1ـ بيان أنواع الرفاق والجلساء:
يبين الحديث أنواع الرفقاء والجلساء والأصدقاء فإما أن يكون الصديق صالحاً نافعاً على كل الوجوه كحامل المسك، وإما أن يكون صديقاً سيئاً ضاراً وهذا كنافخ الكير وعندما تصنف الأصدقاء يعلم الصديق ماذا سيجني من صديقة.
2ـ نفع الأصدقاء ومضارهم:
فبعد أن يتعلم المتعلم أصناف الأصدقاء والجلساء , يبين الرسول صلى الله عليه وسلم نفع النافع وضرر الضار وفي هذا تربية إيمانية صحيحة.
فالجليس الصالح يعلمك ما ينفعك في دينك ودنياك , ويحثك على الاجتهاد والعمل الجاد ومكارم الأخلاق ومحاسنها بقوله وعمله , ويرفع همتك وإيمانك فالهمة والإيمان تتأثران بالبيئة المحيطة بالإنسان فالصحابي قال للصحابي هيّا بنا نؤمن ساعة أي: نجلس في طاعة الله ساعة وأنت على كل حال متنفع بالصالح إما بالرؤية الطبية أو السماع الطيب أو المسلك الطيب.
أما الصنف الثاني جليس السوء وصاحب السوء فهو شر على من خالطه يكون عوناً للنفس الإمارة بالسوء ويضرك في دنياك ودينك ويقلل همتك للعمل والتفوق والنجاح.
3ـ التحبيب في الجليس الصالح:
ففي الحديث دعوة إلى التقرب والقرب وملازمة الصالح فهو نافع رائحته طيبه وسلوكه طيب وعمله طيب , وهو كمن يجالس بائع المسك إما أن ترى الطيب وإما أن تشم رائحة الطيب وإما أن يهديك أو تشتري منه، وهذا المثل يقرب النفوس وهذا يحبب النشء في الجليس الصالح.
4ـ التنفير من الجليس السوء:
ـ ففي الحديث تنفير من جليس السوء والصديق السيء فهو ضار وحارق ونتن المنظر نتن الرائحة نتن المسلك نتن العاقبة وإذا وعي النشىء هذا المثل نفر من الجليس السيء.
ـ تحويل المعنويات إلى محسوسات:
فالخلق السيء والخلق الحسن أشياء مجردة المعنى محسوسة النتائج , وضرب المثل يحول المعنويات إلى محسوسات أي حول السلوك الطيب إلى مسك ورائحة وشراء للطيب، كما حول السوء إلى نار ودخان وفحم ورائحة كريهة وحرق للثياب , وهذا أسلوب تربوي حديث التعلم بضرب الأمثال، والتعلم بالوسائل التعليمية، والمواقف التعليمية وفي هذا إحداث للتعلم القوي في وقت قصير وأوضح مفاهيم.
5ـ استغلال المتضادات في التربية:
فالمثل يقول: وبضدها تميز الأشياء، فوضع صوره المسك وبائع المسك، ورائحة المسك وشراء المسك وإهداء المسك، بجوار صورة الفحم والكير والنار والدخان والرائحة الكريهة وتلف الثوب يجسد المعاني كما قلنا ويؤكد عليها.
6ـ التعلم بضرب المثل:
استخدم المصطفى صلى الله عليه وسلم تعديل السلوك والتعلم بضرب المثل , وهذا نوع من التربية يجب التأكيد عليه واتباعه عند إعداد مناهج التربية الأسرية وتنفيذها.
7ـ الطبع يُعدي:
يؤكد الحديث على أن الطبع يُعدي ويَعْدي , ويجب الفرار من قرين السوء فرارنا من المريض بالأمراض المعدية الفتاكة والمنفرة , وهذا ما أكد عليه الحديث وما يجب أن نؤكد في مناهجنا وعند توجيهنا لأبنائنا لأن بعض الطلاب والأبناء يتصورون أنهم محصنون ضد التأثير بأخلاق الصحبة السيئة.
8ـ الوقاية خير من العلاج:
ففي الحديث وقاية من الوقوع في مجالس السيئين والتأثر بأخلاقهم , وهذا مبدأ تربوي مهم فقد كان الصحابي الجليل حذيفة يقول: ( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني) وهذا ما يجب أن نعلمه لأبنائنا وطلابنا ومعلمينا أثناء تدريبهم للتربية الأسرية
================================================
من السنة النبوية في التربية الأسرية (9)
( تعلم التقوى في ظل العولمة )
من المصائب التي ابتلينا بها تصور البعض أن الالتزام بالدين مرتبط بالديار الإسلامية، والتزام الإنسان بالأخلاق مرتبط بوجوده بين المسلمين، وأنه إذا وجد في مكان لا يعرفه فيه أحد يمكنه أن يتحلل من أوامر الله، وهذا ما نلاحظه عند السفر للخارج حيث يخلع البعض الحجاب ويرتدين اللبس الكاشف العادي الضيق المخالف لشرع الله، ويترك بعض الرجال لأنفسهم العنان في الشهوات , وإن كنا نقر أن للبيئة أثرها في السلوك، وللجماعة أثرها أيضاً لكننا في ظل العولمة نعيش في مجتمع دولي سقطت فيه الحدود , من هنا نحن نحتاج إلى تربية أصيلة تنبع من النفس , وهذا ما أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهدي النبوي التالي:
الهدي النبوي في التربية الأصيلة الدائمة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ) رواه الترمذي.
ـ نستنتج من الحديث السابق الهدي النبوي التالي في التربية الأسرية:
1ـ تقوى الله سلوك:
الحديث يعلمنا أن نتعلم كيف نجعل تقوى الله سلوك ومنهج حياة ونظاماً ثابتاً يستقر في القلب يلازم المسلم في كل مكان في البيت والطريق , والعمل , وأماكن الترفيه، والسفر، والسوق، وهذا ما لا حظه الناس من المسلمين عندما تعاملوا معهم تجارياً في آسيا والسودان ففتحت هذه الديار بسلوك المسلمين الطيب.
2ـ التزام مقويات الإيمان:
فالاستقامة تحتاج إلى مجاهدة , والنفس تحتاج إلى صيانة , وهذه الصيانة تتأتى بالصلاة , والصبر , والصيام والزكاة واتباع السيئة بالحسنة، قال تعالى: )وأقم الصلاة طرفي النهار، وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ([هود: 114].
3ـ صيانة النفس من آثار الذنوب:
حتى يلتزم المسلم بالصيانة الدائمة يلزمه أن يتبع السيئة بالحسنة لأن الحسنة تريك آثار السيئة السلبية, فالعبد إذا أذنب نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا فعل الحسنة زالت وإذا لم يفعل ذلك تجمعت النقاط السوداء في قلبه حتى يصبح أسوداً مِرْباداً كالكوز مجخيا ( أي: مقلوبا ) لا ينكر منكراً ولا يعرف معروفاً , من هنا أوجب المصطفى علينا ذلك بقوله: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها ).
4ـ إشاعة الأخلاق الحسنة:
وحتى يعيش المسلم في مجتمع يساعده على عمل الخير عليه أن يخالق الناس بخلق حسن لتخالقه الناس بالخلق الحسن , وهذا يتناسب مع مصطلح الحديث: ( اتق الله حيثما كنت).
5ـ البعد عن التعصب:
فبعض الديانات الفاسدة والمذاهب الفاسدة تفرق في المعاملة بين أهل المذهب وغيرهم )ليس علينا في الأميين سبيل (، وهذا الحديث يطالب المسلم بالمعاملة الحسنة مع الناس , كل الناس , مسلمهم وكافرهم، بعيدهم وقريبهم.
6ـ الخلق الحسن من مستلزمات الإيمان:
فبعض الناس يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، إيماناً نظرياً كلامياً والحديث يدلنا على أن السلوك الحسن من مستلزمات الإيمان , وهنا ربط الحديث بين النظرية والتطبيق والأوامر والقيام بها.
ـ إذا تعلمنا ذلك , وعلمناه لطلابنا في مناهج التربية الأسرية وجعلنا الطالب يعيش مواقف إيمانية حقيقية فإننا نضمن مجتمعاً يلتزم بالتقوى في كل مكان , ويعمل بالأخلاق الحسنة, ويصون نفسه من السيئات بفعل الحسنات.
=======================================================
من السنة النبوية في التربية الأسرية (10)
( تعلم الصدق )
حديثنا اليوم عن الخلق الذي يُعلي صاحبه عند الناس جميعاً، الخُلُق الأول الذي يجب أن يوطن الإنسان نفسه عليه , فهو رأس كل فضيلة وأس الخلائق , إذا تفشى في المجتمع انتشرت فيه الفضيلة وإذا غاب غابت منه مكارم الأخلاق , إنه الصدق , من هنا وجب أن نؤكد على هذا الخُلُق عند بناء مناهج التربية الأسرية ومناهجنا الشرعية والاجتماعية والعلمية.
الهدي النبوي في الصدق:
عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة , وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً. وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ). رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.
والصدق:مطابقة القول الضمير والمُخبَرِ عنه معاً ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقاً تاماً.
والصديق:من كثر منه الصدق. وقيل: بل يقال لمن لا يكذب قط. وقيل: لمن لا يتأتّى منه الكذب لتعوده الصدق. وقيل: بل لمن صدق بقوله، واعتقاده، وحقق صدقه بفعله، كما قال الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن.
ـ من التربية الأسرية في الحديث:
1ـ الصدق أساس التوفيق والإصلاح:
ـ فالصدق في القول يفتح للعبد قلوب الصادقين المخلصين، والصدق في العقيدة يفتح للعبد أبواب الرحمة والتوفيق من رب العباد , والصدق في العمل يفتح للعبد أبواب النجاح والتوفيق والحفاظ على الأوقات والأموال والهمم.
ـ من هنا كان الصدق أساس التوفيق وقربنه.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد: ( عظم مقدار الصدق، وتعليق سعادة الدنيا والآخرة، والنجاة من شرهما به، فما أنجى الله من أنجاه إلا بالصدق , ولا أهلك من أهلكه إلا بالكذب. وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين أن يكونوا مع الصادقين فقال: )يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ([التوبة: 119] ).
وقد قسم سبحانه وتعالى الخلْق إلى قسمين: سعداء وأشقياء، فجعل السعداء هم أهل الصدق والتصديق، والأشقياء هم أهل الكذب والتكذيب.
2ـ الكذب أساس الإفساد والفشل:
فالكذب في القول يغلق أمام العبد قلوب العباد، والكذب في العقيدة يغلق أمام العبد أبواب رحمة رب العباد ويفتح له أبواب الشقاء، والكذب في العمل يؤدي إلى ضياع الأوقات، والأعمار، والأموال والهممم والطاقات.
فالكذب كما قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد: بريد الكفر والنفاق، ودليله ومركبه، وسائقه وقائده، وحليته، ولباسه، ولبه، فمضاد الكذب للإيمان كمضادة الشرك للتوحيد فلا يجتمع الكذب والإيمان إلا وطرد أحدهما صاحبه ويستقر موضعه.
3ـ تعلم الصدق ممكن:
يدلنا الحديث على أن تعلم الصدق ممكن , وأن العبد يستطيع أن يطوع نفسه على الصدق ويدرب نفسه عليه , فهو سلوك مكتسب , من هنا وجب تعلمه لأبنائنا، وتدريبهم عليه, وأن نضمن مناهج التربية الإسلامية مواقف تربوية مدعمه للصدق، ومثبطة للكذب، ( ما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ) ( وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ).
4ـ الصدق ميزان الإيمان:
فالصدق دليل الإيمان ومؤشره وميزانه وعلى العبد أن يقيم سلوكه وأقواله فإن رأى نفسه من الصادقين فهو مؤمن، وإن رأى نفسه من الكاذبين فهو منافق أو غير صادق الإيمان.
5ـ البراعة في الحديث لا تدل دائماً على الصدق:
توهم بعض الناس أن براعتهم في الحديث، وترتيبهم الحديث بالكذب فيه دلالة على صدقهم. من هنا حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم المتخاصمين من ذلك، ونبه الرؤوساء والقضاة إلى خطورة ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: ( إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضهم يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق، فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها ) أخرجه البخاري ومسلم.
وهذا إنذار للكذابين , والبلغاء بالكذب , والكتاب المضللين، والدعاة المفوهين المنافقين بأن عذاب الله شديد.
5- ـ علموهم الصدق وذروهم:
ـ إلى الآباء والمعلمين والمربين وواضعي مناهج التربية الأسرية: علموا النشء الصدق ودربوهم عليه تنجحوا في كل بناء بعد ذلك.
ملاحظة / جميع هذه السلسلة التربوية من الدروس النبوية منقولة من موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة أسأل الله العلي العظيم أن ينفع بها الجميع .
==================================================