أولاً: مفهوم المكافحة المتكاملة للآفاتبدأ الإنسان بتطوير طرق مكافحة الآفات التي تنافسه على الغذاء في القرن الماضي بشكل واسع حيث ظهرت في البداية مجموعة المركبات اللاعضوية مثل مركبات الزرنيخ والمركبات ذات الأصل النباتي مثل ( الروتينون، النيكوتين، البارثرين) وفي أوائل القرن الحالي استخدمت الغازات السامة مثل ( سيانيد الهيدروجين) لتدخين الأشجار وبنفس الوقت ظهرت الزيوت المعدنية القطرانية منها والبترولية، ثم استخدمت في العشرينات من القرن الحالي مركبات الفينولات وبعد الحرب العالمية الثانية ظهرت المركبات الجديدة الصناعية مثل المركبات الكلورية العضوية أو الفوسفورية العضوية وبدا للمهتمين في مكافحة الآفات إن هذه المبيدات قد أعطت الإجابات الشافية لعملية المكافحة المطلوبة.
إلا أن الاستخدام المتكرر وغير الصحيح لهذه المبيدات كشف عدة مشاكل لم تكن بالحسبان وذلك لأن المبيد المستخدم في هذه المرحلة كان ذو طيف واسع وشديد السمية بالنسبة إلى عدد كبير من الأنواع الحشرية مما أدى إلى قتل الطفيليات والمفترسات (الأعداء الحيوية) وإضعاف دورها في عملية المكافحة الطبيعية وإحداث التوازن البيئي، إضافة إلى حصول بعض التسممات للكائنات غير المستهدفة كالحيوانات الأليفة والطيور والإنسان.
كما أدى الاستخدام غير الصحيح لهذه المبيدات إلى ظهور صفة المقاومة للمبيدات من قبل الآفات الحشرية كما أدت على سيادة آفات جديدة في البيئة فمثلاً في السودان حيث كانت تستخدم في الأربعينات مبيدات الكلور العضوية لمكافحة دودة اللوز الأمريكية في القطن ودودة ورق القطن المصرية مما أدى في الخمسينيات إلى ظهور الجاسيدات في حقول القطن والتي لم تكن موجودة من قبل. وبعد عدة سنوات من المكافحة المستمرة بالمواد الكيماوية ظهرت آفة جديدة هي الذبابة البيضاء على القطن.
وهكذا نرى أن المبيدات لم تعد تعطي النتائج المرجوة بل أصبحت أحياناً نتيجة عكسية خاصة عند ظهور صفة مقاومة المبيد في سلوك الآفة حيث أن المبيد في هذه الحالة يقضي على المفترسات والمتطفلات ( الأعداء الحيوية) ويبقى على الأعداد المقاومة من الآفة ، وبهذا فإن المبيد في هذه الحالة يساعد على زيادة أعداد الآفة وليس نقصها.
هذه الأمور أدت إلى التفكير لاستنباط طرق جديدة للمكافحة بحيث لاتعتمد على أسلوب واحد فقط من أساليب المكافحة بل الاعتماد على أساليب متعددة يخدم بعضها البعض بصورة متكاملة وهذا مايسمى الآن بالمكافحة المتكاملة للآفة أو إدارة الآفة المتكاملة.
مفهوم المكافحة المتكاملة:إن الإدارة المتكاملة للآفة IPM علم تطبيقي حيث لايعود العمل به إلى أكثر من 25 سنة ويمكننا أن نحدد أن السبعينات من هذا القرن هي التي أرست قواعده ولقد تعددت التعاريف التي تناولت المكافحة المتكاملة.
إن المكافحة المتكاملة هي استراتيجية لمكافحة الآفات مبنية على البيئة حيث تعتمد على عوامل الموت الطبيعية بواسطة الأعداء الحيوية وعوامل المناخ غير الملائمة وتعتمد بشكل قليل على تقنيات المكافحة الأخرى حيث تستخدم المكافحة الكيماوية فقط عندما تدعو الحاجة إليها من خلال دراسة الكثافة العددية للآفة وعوامل الموت الطبيعية مع الأخذ بعين الاعتبار التأثيرات المتداخلة بين المحصول المراد حمايته وبين العمليات الزراعية وعوامل المناخ والآفات الأخرى.
مراحل تطور المكافحة المتكاملة:لم يكن ممكناً تطبيق كافة معطيات المكافحة المتكاملة دفعة واحدة وإنما طبقت بالتدريج حيث كان الحد من الاستخدام المتزايد للمبيدات وترشيد استخدامها المسألة التي حظيت بالاهتمام الأكبر والتي شكلت المرحلة الأولى قبل الوصول إلى المكافحة المتكاملة وهذا ما أطلق عليه اسم المكافحة الموجهة. وهذه اعتمدت على اتجاهين أساسيين:
1- الإقلال ما أمكن من استخدام المواد الكيماوية والاقتصار على ذلك في الحالات الضرورية الملحة والاعتماد معطيات التنبيهات الزراعية والمعطيات البيولوجية المختلفة.
2- الإقلال ما أمكن من التأثيرات الثانوية للمبيدات الزراعية على الأنواع المفيدة من مفصليات الأرجل كالأعداء الحيوية وملقحات النبات والحشرات النافعة الأخرى.
ويتضمن ذلك مجموعة من التدابير والتي يمكن تلخيصها بإجراء الرش في أوقات غياب هذه الكائنات المفيدة واستخدام المكافحة الموضعية وانتخاب المبيدات ذات السمية الأقل أو بمعنى آخر استخدام المبيدات المتخصصة الانتقائية مثل مانعات التغذية وهرمونات النمو حيث أن استخدام هذه المواد إلى جانب العديد من الطرق البيولوجية والزراعية والفيزيائية يقودنا إلى المرحلة الثانية وهي المكافحة المتكاملة IPM وفي هذه المرحلة يتم تجنب استخدام المواد الكيماوية ما أمكن والاعتماد خاصة على الطرق الحيوية الزراعية الفيزيائية .. الخ بهدف الإقلال من أعداد الآفات مع الإساءة بأقل قدر ممكن إلى الوسط الإيكولوجي.
وهكذا يمكن للمكافحة المتكاملة أن تفتح الطريق نحو أسلوب إنتاج زراعي بيئي حيث يستخدم المزارع مختلف الطرق المتوفرة معتمداً في ذلك على أسس علمية صحيحة ومعطيات بيئية محلية تقوده نحو اتخاذ ما يتوجب من إجراءات تحمي النبات والبيئة معاً وتؤمن الطمأنينة لكافة أطراف الوسط الذي تعيش فيه. وهكذا نرى أن وضع برنامج المكافحة المتكاملة يتطلب الحصول على عديد من المعلومات الأساسية منها:
1- البيولوجيا العامة للآفات الرئيسية وسلوكها وتعاقب أجيالها وتوزعها الجغرافي .
2- مستويات كثافة أعداد الآفات التي يمكن تحملها دون خسائر ملموسة
3- العوامل الرئيسية التي تسبب الموت الطبيعي والآفات التي تنظم تكاثر ديناميكية أعدادها.
4- الأوقات والأماكن التي توجد فيها الآفات ومدى أهمية الدور الذي تقوم به الأعداء الحيوية الرئيسية من الطفيليات والمفترسات ومسببات الأمراض.
5- أثر إجراءات المكافحة على الآفات وعلى العوامل التي تسبب الموت الطبيعي وعلى النظام البيئي بصورة عامة.
وهكذا فإن الوقاية المتكاملة للمزروعات تعتمد على الأسس التالية:
رصد المزروعات وتحديد مجموعات الآفات الضارة والأعداء الحيوية ويتطلب ذلك رصد كامل لمختلف الآفات الهامة في منطقة ما وتقدير أعدادها وانتشارها والتغيرات التي تحصل في هذا المجال وذلك اعتماداً على معطيات محطات الأرصاد والإنذار الزراعي وتقدير مدى الضرر الذي يمكن أن تحدثه في كل مرحلة من هذه المراحل وفي الوقت نفسه مراقبة كافة العوامل (حيوية وغير حيوية) وتحليل مدى تأثيرها على أعداد الآفات وبالتالي إسهامها في دورة الأخطار المتوقعة ولابد من أن يتم ذلك على مستوى المزرعة الواحدة في الوقت الذي يتم على مستوى المنطقة وقد ساعد التقدم الذي حصل في مجال طرق ووسائل دراسة وحصر الحشرات وكذلك وسائل تحديد ظهورها كالمصائد المختلفة وخاصة المصائد الجنسية وكذلك طرق تحليل العوامل المناخية كل ذلك ساعد في ضبط تحركات الآفات ومايحيط بها من عوامل مختلفة.
تطبيق مفهوم العتبة الاقتصادية أو الحد الاقتصادي الحرج وهو يدل على مستوى أضرار الآفة الذي يصبح عنده التدخل ضرورياً لوقاية النبات من خطر الآفات التي تهدده. ومن هنا يجب أن نميز بين مرحلة الخطر المحتمل والذي يسمح بتوقع محتمل مسبق لوقوع الخطر وبالتالي القيام ببعض الإجراءات الوقائية لدرء الخطر قبل وقوعه.
استخدام طرق المكافحة المنافسة والتي يمكن تلخيصها بالتالي:
الطرق الزراعية : مثل استخدام الأصناف المقاومة من البذور الزراعية ، إتلاف بقايا المحاصيل، فلاحة التربية، مواعيد الزراعة ، التقليم والتخفيف- التسميد – النظافة العامة – إدارة المياه العذبة مثل كمية وموعد الري.
الطرق الفيزيائية: مثل الحرارة – البرودة – الرطوبة – الضوء – الصوت
الطرق الحيوية: والتي تشمل تنشيط وقاية الأعداء الحيوية المحلية، الاستيراد والتربية الكثيفة ونشر الطفيليات والمفترسات ، تحضير واستخدام بكتيريا ، فيروس ، فطور، بروتوزا ، نيماتودا.
الطرق الكيميائية: وتشمل الجاذبات – الطاردات – مختلف المبيدات الحشرية – المعقمات الكيماوية – مانعات النمو (الهرمونات).
الطرق الوراثية: وتسمى بأسلوب المكافحة الذاتية أو الوراثية وتشمل: تربية وإطلاق الذكور العقيمة ذات الشروط الوراثية الخاصة أو تلك غير القادرة على التوافق الوراثي باشكال مختلفة. أي إكثار العوامل المميتة التي تنتج عن تزاوج فردين من نفس النوع.
الطرق التشريعية: ويشمل الحجر الزراعي للنباتات والحيوانات، برامج استئصال آفات معينة بقوة القانون كأن نمنع مثلاً إرسال مادة زراعية في نفس البلد من منطقة أخرى.
مستوى الضرر الاقتصادي أو الحد الاقتصادي للضرر: هو أقل عدد للآفة يحدث عنده الضرر الاقتصادي.
الضرر الاقتصادي: هو مقدار الضرر أو كمية التلف الذي يتساوى أو يزيد على تكاليف عملية المكافحة.
الحد الاقتصادي الحرج أو العتبة الاقتصادية للمكافحة: هو الكثافة العددية التي يجب عندها بدء المكافحة لمنع ازدياد أعداد الآفة والوصول على مستوى الضرر الاقتصادي.
مفهوم المكافحة الحيوية ( البيولوجية)
للآفات الزراعية
Biological Control
مقدمة:إن جميع الكائنات الحية مصيرها في النهاية إلى الموت إلا أن الموت الذي يأتي مبكراً في عدة صور ولعدة أسباب وتجمع كل هذه الأشكال في تعبير شامل وهو (عوامل الفناء) وتقسم عوامل الفناء هذه إلى قسمين أساسيين هما:
o عوامل الفناء غير الحية : مثل البرودة الحرارة الغرق الاختناق والكوارث الطبيعية.
o عوامل الفناء الحية : مثل الافتراس التطفل الأمراض التنافس على الغذاء والمكان.
وتعتبر دراسة أثر عوامل الفناء بأنواعها على تعداد الآفة من الدراسات الأساسية لمعرفة ديناميكة أعداد هذه الآفة لوضع برامج مناسبة وفعالة لمكافحتها.
توجد عدة أنواع من الكائنات خاصة التي تنافس الإنسان على المواد الغذائي والألبان أو تلك التي تؤثر على صحته ويطلق عليها كلمة آفة Pest وفي البيئة الطبيعية أو حتى الزراعية فإن أفراد الآفة تقتل بواسطة أفراد من أنواع أخرى يطلق عليها ( الأعداء الطبيعية) Natural enemies أو الكائنات النافعة أو الأعداء الطبيعية.
الأعداء الطبيعية Natural enemies:عناصر الفناء الحية وتقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
1- المفترسات Predator وهي تفترس الآفة وتتغذى عليها
2- الطفيليات Parasite وهي تتطفل على الآفة وتتغذى عليها
3- مسببات الأمراض وهي تسبب الأمراض بأنواعها المختلفة للآفة وتفتك بها.
إن الفعل المشترك لهذه الفئات الثلاثة على آفة ما في الحقل بدون تدخل الإنسان يطلق عليه المقاومة الطبيعية Natural enemies وهي ظاهرة عامة أو أساسية في مبادئ علم الإيكولوجي.
لقد ظل الإنسان يدرس ولحقب طويلة العلاقة بين الأعداء الطبيعية وعوائلها وفرائسها من الأنواع الحيوانية وقد أفرزت هذه الدراسة معلومات وخبرة وبيانات إيكولوجية دقيقة استثمرت لزيادة فعالية هذه الأعداء الطبيعية في البيئة وفي الزراعة الحديثة لمصلحة الإنسان. تسمى عملية تطبيق المقاومة الطبيعية بواسطة الإنسان لخفض أعداد الآفة بالمكافحة البيولوجية Biological Control ويمكن تعريفها : ( بأنها فرع من الدراسات الإيكولوجية تهدف إلى تنظيم وخفض أعداد الآفة الضارة بمصالح الإنسان من غذاء وكساء وصحة بواسطة الأعداء الطبيعية).
طرق وأساليب المكافحة البيولوجية Biological control:1- طريقة الإدخال Introduction:تعتمد هذه الطريقة على إدخال الأعداء الحيوية الطبيعية من مناطق ثانية واستيطانها في البيئة المراد مكافحة الآفة بها وتعتبر هذه الطريقة من أنجح الطرق في حالة ما إذا كانت الآفة نفسها قد أتت من خارج المنطقة واستوطنت في بيئتنا الزراعية وتدعى هذه الطريقة أيضاً بالطريقة التقليدية Classical Biological control مثال:
المكافحة الحيوية لحشرة البق الدقيقي الاسترالي في الولايات المتحدة بواسطة إدخال العدو الحيوي Rodalia Cardinalis من أستراليا.
مقاومة ذبابة الحمضيات السوداء Aleurocanthuso Waglumi في كوبا وجزر بناما بواسطة الطفيل Eretmocerus serius الذي استورد من الهند ومقاومة الآفة نفسها في المكسيك بواسطة أربعة طفيليات كان أهمها Amitus herspoeidum حيث أدخلت هذه الطفيليات إلى الهند وماليزيا.
مقاومة نطاط قصب السكر perkinsiella saccharocola في هاواي باستيراد المفترس Tyttus mundulus.
مقاومة من التفاح القطني Erisomal lanigenum في الولايات المتحدة – نيوزيلاندا – استراليا وفي بعض المناطق الأخرى بواسطة الطفيل Aphelinuc mali الذي جلب لهذه المناطق من شرق الولايات المتحدة .
مقاومة البق الدقيقي Pseudococcus في أمريكا بواسطة ثلاث طفيليات مستوردة من اليابان وهي Allotropa pseudophcus- Malimus chausnie- Purprea burrelli.
القضاء على نبات Opunta sp ( من أنواع الصبار) الذي احتل الأراضي الزراعية في أستراليا في مساحات تزيد عن 30 مليون هكتار ، ثم القضاء على هذا النبات واستعيدت الأرض للزراعة وذلك باستيراد الفراشة Cactollastis acatorum من الأرجنتين والتي تتغذى يرقاتها على هذا النبات.
السيطرة على الذبابة البيضاء الصوفية على الحمضيات في سوريا ِAleurothrixs Floecosus بإدخال الطفيل Cales noack من إيطاليا وتربيته ونشره في حقول الحمضيات في سوريا وذلك في عام 1992.
إن المكافحة البيولوجية ليست حديثة العهد فالعمل فيها بواسطة العلماء يتعدى المائة عام ولكن الاهتمام بها تزايد بدرجة ملحوظة في الفترة الأخيرة يعزى ذلك لسببين الأول على مانشر عن نجاحاتها الكبيرة مما لفت نظر العاملين في مجال مكافحة الآفات والسبب الثاني يعزى إلى تصاعد الاهتمام بتدهور وتلوث البيئة من جراء استخدام المواد السامة في مكافحة الآفات الزراعية.