طلعت حرب .... رجل الاقتصاد الأول في مصر

من لا يمك قوته لا يملك قراره .. هذه المقولة شغلت فكر و عقل طلعت حرب و لذا عمل على تحرير الأقتصاد المصري من سيطرة رأس المال الأجنبي ، فمصر كان يحكمها الإنجليز و السراي فنادى طلعت حرب بإنشاء بنك مصر ووجود صناعة وطنية قوية فقد أيقن أن المستعمر حينما يحتل أي بلد لا يحتلها ليسيطر عليها عسكريا أو سياسيا فحسب ولكن لا يسيطر على أقتصادياتها سعيا وراء المال لأنه عصب الحياة في دنيا الناس كما تنبه طلعت حرب إلى أن الاقتصاد قوة و يتحكم في مصير الأمم و الشعوب ومقدراتهم فهو الذي يخضع الأمة الفقيرة للأمة الغنية و يسيطر كذلك على شئون الحرب و السياسة و لذلك نقول .. إن طلعت حرب حكم مصر ببنك مصر وماتلاه من مشروعات وطنية رائعة رغم أنف الإنجليز و السراي .
ومن هذا المنطلق تعالوا نتعرف على سيرة الزعيم الأقتصادي الوطني طلعت حرب .. فوالده هو حسن محمد حرب من مواليد قرية ميت أبو علي التي تبعد عن الزقازيق عاصمة محافظة الشرقية بحوالي سبعة كيلو مترات ووالدته من كفر صقر بمحافظة الشرقية أيضا .
وقد ولد محمد طلعت حسن محمد حرب الشهير بطلعت حرب في الخامس و العشرين من شهر نوفمير عام 1867 في أسرة غير ميسورة فوالده كان يمتلك نصف فدان فقط من الأرض الزراعية ثم أضطرته ظروف الحياة لبيعه والرحيل إلى القاهرة وتزامن حضوره للقاهرة مع إنشاء أول خط سكة حديد في مصر ولذلك أصبح موظفا في السكة الحديد ثم أنتقل إلى مصلحة الدائرة السنية وفي عام 1905 حصل على لقب ( البكوية ) وبالتالي ترك الدائرة السنية ومن ذلك التاريخ عرف بحسن بك محمد حرب .
وفي العام الذي ولد فيه طلعت حرب أصدر الخديوي إسماعيل فرمانا يتيح لمصر الحق في وضع القوانين والتنظيمات الإدارية والمالية الخاصة بها وفي نفس العام أصدر الخديوي فرمانا يقضي بإنشاء مدرسة للحقوق والادارة وتم أفتتاحها بالفعل في شهر أكتوبر عام 1868 .
ألتحق محمد طلعت حرب بالكتاب فتعلم الكتابة والقراءة وحفظ القرآن الكريم هذا بالإضافة إلى ولعه بالتاريخ والأدب ثم ألتحق بالتعليم وأظهر تفوقا في الدراسة فقد كان الأول على الفصل طوال سنوات دراسته .
في عام 1882 ألتحق بالمدرسة التوفيقية الثانوية بالقاهرة وكان يقطع المسافة من منزلهم بقصر الشوق وحتي مدرسته راكبا على الحمار .
ألتحق محمد طلعت حرب بكلية الحقوق في عام 1885 وحصل على الليسانس عام 1889 ومن زملائه محمد فريد ومصطفي كامل ومن أساتذته .. الشاهر حفني ناصف والشيخ حسونة النواوي وعمر لطفي مؤسس الحركة التعاونية الزراعية .
كما حصل محمد طلعت حرب على شهادة في الإدارة والألسن والترجمة
تم تعيين محمد طلعت حرب كمترجم بقضايا الدائرة السنية وسرعان ما رقي حتى أصبح مديرا لأقلام قضايا هذه الدائرة خلفا للراحل محمد فريد .
تعلم محمد طلعت حرب الكثير من الخبرات الأقتصادية خلال فترة عمله كما تعرف على عمر باشا سلطان أحد كبار الملاك والذي طلب منه العمل معه وإدارة اعماله التي تعاني من التدهور والديون وبالفعل وافق على ذلك فأكتشف إسراف عمر باشا وبعد فترة تحولت خسارة عمر باشا إلى ربح نظرا إلى حسن إدارة محمد طلعت حرب الذي نال ثقة عمر باشا سلطان .. وفي ذلك يقول فتحي رضوان ( كانت هذه الثقة هي الخميرة التي نماها طلعت حرب لتكون بذرة ثروته المادية ثم مكانته الإجتماعية فقد عرف طلعت حرب بعد ذلك بين أصحاب الدوائر الزراعية بقدرته وكفاءته في إدارة الأراضي الزراعية وفي مسك دفاترها وتنظيم حساباتها فقد كان له بزمام نبروه أكثر من مائة فدان فأنتقل من الدوائر إلى الشركات.
فى عام 1894 عقد مؤتمر المستشرقين فى باريس فقام عثمان كامل _ سكرتير السلطان _ بإهداء طلعت حرب رسالة فى الدفاع عن الدين الإسلامى فقام طلعت حرب بترجمتها الى اللغة العربية وعنونها ( كلمة حق عن الاسلام والدولة العثمانية ) ثم أهداها إلى الشعب المصرى .
فى عام 1898 كانت صحيات قاسم أمين لنبذ حجاب المرأة وفك القيود التى تغل حريتها ولكنه قابل معارضات شديدة فبعد صدور كتاب ( تحرير المرأة ) لقاسم أمين أصدر طلعت حرب كتابا بعنوان ( تربية المرأة والحجاب ) .. يقول طلعت حرب :
( أول شىء طرأ على ذهننا حين قرأنا الكتاب _ تحرير المرأة _ ورأينا الناس أخذت تسلق حضرة المؤلف بألسنة حداد ويحملون عليه وعلى كتابه حملات لم نتعودها على مؤلف غيره من قبل أنه لابد فى الأمر من شىء مهم حمل الناس على ذلك إذ لايمكن أن يجتمع كل الناس على ضلالة فأخذنا نسأل ونتسآءل ونبحث ونتناظر حتى علمنا أن هياج الرأى العام على حضرة المؤلف ناتج مما هو راسخ فى أذهانهم من أن رفع الحجاب والأختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوروبا من قديم الزمان لغاية فى النفس يدركها كل من وقف على مقاصد أوروبا بالعالم الإسلامى )
ثم يقول طلعت حرب :
( إن الدين الإسلامى لايمنع مطلقا من تعليم المرأة وتربيتها وتهذيبها بل هو يحض على ذلك ويأمر به )
وعن تسمية مؤلفه ( تربية المرأة والحجاب ) يقول طلعت حرب :
( هو اسم كنا نتمنى أن يجعله حضرة قاسم أمين عنوانا لكتابه فإنه أولى وأليق من اسم _ تحرير المرأة _ ) وبعد عامين قام طلعت حرب بإصدار كتابا آخر بعنوان ( فصل الخطاب فى المرأة والحجاب ) والذى أشاد به الزعيم مصطفى كامل فى مقالاته المنشورة بجريدة اللواء .
فى منتصف عام 1905 عمل طلعت حرب مديرا للشركة العقارية وقد لمس برش باشا مفتش الدائرة السنية فى طلعت حرب الدقة والذكاء والموهبة الإدارية والأدبية ولذلك عندما أختير برش باشا عضوا بمجلس شركة كوم أمبو أوصى بالأستفادة من مواهب طلعت حرب وبالفعل تم أختياره مديرا للمركز الرئيسى للشركة بالقاهرة .
ونذكر أن اهالى كفر الجنينة بطلخا كانوا يقومون بزراعة الأرض كمستأجرين وكان القطن فى ذلك الوقت قد غلا ثمنه مما أعاد بالخير والمال الوفير على الفلاحين ففكر طلعت طلعت حرب فى خير الفلاحين وخاصة أهالى كفر الجنينة الذين ينفقون أموالهم بإسراف وببذخ فقال لهم : ماقولكم أن تكونوا ملاكا بعد أن كنتم مستأجرين ؟
فقالوا : وكيف ذلك ؟
قال : هاتوا ماتنفقونه فى اللهو فإنى مقنع الشركة أن تقبل منكم أقساط الأستئجار على إنها أقساط إبتياع حتى تفرغوا من الوفاء بثمنها وانتم مطمئنون .
وقد كان ماراد وتحول الفلاحين من مستأجرين إلى ملاك .
وخلال بداية الأزمة الأقتصادية عام 1907 أسس طلعت حرب شركة التعاون المالي وبدأت عملها عام 1908 وكان الدكتور فؤاد سلطان مديرا لهذه الشركة والتي يرجع إليها الفضل في أقراض الأموال لأصحاب الأعمال الصغيرة عند تعثرهم وقد كتب مصطفي كامل بجريدة الأهرام: من الأشياء التى تسر كل مصرى يحب بلاده وأبناءها العاملين مايكون منها شاهدا على كفاءة المصرى فى الأعمال الجسيمة وتقدير الأوروبيين له حق قدره فإن حضرة المقدام محمد طلعت حرب مدير قلم الدائرة السنية سابقا هو أول مصرى نقدمه للقراء .. أنتخب مديرا لشركتين عظيمتين هما : شركة العقارات المصرية وشركة كوم أمبو .. ونسأل العلى القادر أن يهبنا الكثيرين من أمثاله .
وفى جريدة الجريدة كتب طلعت حرب مقالا رائعا نقطف منه ( نطلب الأستقلال العام ونطلب أن تكون مصر للمصريين وهذه أمنية كل مصرى ولكن مالنا لانعمل للوصل إليها ؟ وهل يمكننا أن نصل إلى ذلك إلا إذا زاحم طبيبنا الطبيب الأوروبى ومهندسنا المهندس الأوروبى والتاجر منا التاجر الأجنبى والصانع منا الصانع الأوروبى ؟ وماذا يكون حالنا ولاكبريتة يمكننا صنعها نوقد بها نارنا ولاابرة لنخيط بها ملبسنا ) ؟
ثم يقول : ( فى اليوم الذى يصبح فيه المصرى عضوا عاملا فى الشركات التى تستنفذ ينابيع ثروات البلاد وله فيها نصيب وافر فى إدارة بنوكها ورأس مالها وله رأى معدود فى جميع المشروعات المالية وفى ذلك اليوم يحق للأمة أن تطلب الأستقلال بقوة المال وبقوة العلم )
وفى عام 1909 طلب أحد أهالى قرية ميت أبو على من طلعت حرب عونا من الحبوب أنطلاقا من صلة القربى التى تجمعهم فقام طلعت حرب بإرسال مائة وخمسين أردبا من الحبوب إلى قريبه وطلب منه بيعها فى الزقازيق والحصول على المكسب بالأضافة إلى عشرين جنيها من الثمن الأصلى .
وفكر طلعت حرب بإنشاء بنك مصرى يديره مصريون بأموال مصرية فتقدم بإقتراح إلى المؤتمر المصرى الأول الذى عقد فى التاسع والعشرين من شهر أبريل عام 1911 وبالفعل تمت دراسة هذا الأقتراح وجاء فى تقرير اللجنة التحضرية للمؤتمر : ( إن المال والرجال والثقة هى الأركان الثلاثة اللازمة لمشروع مالى عظيم مثل هذا المشروع فما الذى يعوقنا هن السير فيه ) وأقترحت اللجنة على المؤتمر أن يقر وجوب إنشاء بنك مصر برؤوس أموال مصرية .. وتم إيفاد طلعت حرب للسفر إلى أوروبا لعمل الدراسات اللازمة لإنشاء بنك مصر .. ولكن وجدت الفكرة ظروفا غير مناسبة ولكنها لم تمت ولم ييأس طلعت حرب فأصدر فى نوفمبر 1911 كتابه ( علاج مصر الأقتصادى وإنشاء بنك للمصريين أو بنك الأمة )
وفي عام 1914 بدأت الحرب العالمية الأولى وقامت بريطانيا بإنهاء السيادة العثمانية على مصر وضمتها تحت الحماية البريطانية
وقد أصدر طلعت حرب كتابه ( قناة السويس ) وقد دفعه إلى إصدار هذا الكتاب .. المؤامرة الخبيثة المدبرة لمصر عام 1910 فشركة قناة السويس كانت تتطلع إلى مد أجل أمتيازها 40 سنة تنتهي في 31 ديسمبر 2008 بدلا من 17 نوفمبر 1968 مع تعويض مصر ماليا وأشتراكها في الأرباح بنسبة معينة .
وقد دافع طلعت حرب عن مصر في هذا الكتاب وعن حقوق شعبها ورفض مد أمتياز قناة السويس .
في ثورة 1919 قام سعد زغلول بالثورة وطالب بالأستقلال السياسي لمصر وفي نفس الوقت كان طلعت حرب ينادي بالأستقلال الأقتصادي لمصر
في مساء يوم الجمعة الموافق السابع من شهر مايو عام 1920 أقيمت أحتفالية تأسيس بنك مصر بدار الأوبرا والقى طلعت حرب خطابا هاما نذكر منه ( بإسم بنك مصر نشكر لكم تفضلكم بتلبية دعوته وتشريف هذا الحفل الذى أقيم أحتفالا بتمام الأجراءات التشكيلية التي يقتضيها القانون المصري لتأسيس البنك ففي بعد ظهر اليوم اجتمعت جمعية المساهمين العمومية و قررت استيفاء جميع هذه الأجراءات و دونت شهادة الميلاد الذي نحتفل به الليلة و أملنا في وجه الله تعالى أن يرعى هذا المولود بعنايته و يتعاهده بتوفيقه فيشب و يترعرع حتي يدر خيرا و بركة على البلاد و ابنائها ) .
وبنك مصر تاسيسه ليس بالفكرة الحديثة في ذلك الوقت بل هي فكرة قديمة أراد الله تحقيقها وجعل طلعت حرب اللغة العربية هي اللغة الرسمية لأعمال وشئون البنك .
يقول عبد الرحمن الرافعي :
( حركة تأسيس بنك وطني قد ظهرت أول ما ظهرت في زمن ثورة عرابي ثم انبعثت الفكرة من جديد قبل الحرب العالمية الأولى )
ثم يقول :
( إن تأسيس بنك مصر هو الثمرة الأقتصادية لثورة 1919 وهو أعظم حادث في تاريخ مصر الأقتصادي و المالي ) .
في شهر مارس عام 1931 منح طلعت حرب لقب ( باشا ) .
وأول مجلس لإدارة بنك مصر تكون من المؤسسين و المساهمين وضم مجلس الإدارة :
أحمد مدحت باشا .. رئيسا
يوسف أصلان قطاوى .. وكيلا
محمد طلعت حرب بك .. عضو مجلس الإدارة المنتدب
الدكتور فؤاد سلطان بك .. عضو مجلس الإدارة المنتدب بالإنابة
أما الأعضاء فهم :
عبد الحميد السيوفي وعلي ماهر و عبد العظيم المصري و أسكندر مسيحة و يوسف شيكوريل و عباس بسيوني الخطيب و بلغ عدد المساهمين 125 وفي عام 1960 صدر القانون رقم 39 بشأن تأميم بنك مصر أما الشركات التي قام بنك مصر بتأسيسها وساهم فيها فهى كما يلى :
الشركات التي قام بنك مصر بتأسيسها :
مطبعة مصر عام 1922 و شركة مصر لحلج الأقطان 1924 و شركة مصر للنقل و الملاحة و شركة مصر للتمثيل و السينما 1925 و شركة مصر للغزل و النسج و شركة مصر لمصايد الأسماك و شركة مصر لنسج الحرير عام 1927 و بنك مصر لبنان 1929 و شركة مصر لتصدير الأقطان عام 1930 و شركة مصر للطيران وشركة بيع المصنوعات المصرية عام 1932 وشركة مصر للتأمين و شركة مصر للملاحة البحرية و شركة مصر للسياحة عام 1934 و شركة مصر للغزل و النسج الرفيع و شركة مصر لأعمال الأسمنت المسلح وشركة مصر للمناجم و المحاجر و شركة مصر للصناعة و تجارة الزيون عام 1938 وشركة مصر للمستحضرات الطبية عام 1940 و شركة مصر للحرير الصناعي عام 1946 وشركة مصر للفنادق عام 1955 و شركة مصر للألبان و الأغذية و شركة مصر للكيماويات عام 1956 و شركة مصر شبين أتلكوم للغزل و النسج عام 1956 ز بنك مصر الجزائر عام 1963 و بنك النهضة العربية عام 1967
الشركات التى قام بنك مصر بتمصيرها والمساهمة فيها أو الأشتراك فى التأسيس:
الشركة العقارية المصرية عام 1896 و تلغراف ماركوني عام 1926 و شركة مصر للهندية و السيارات عام 1944 و شركة البلاستيك الأهلية عام 1945 و شركة الحديد و الصلب المصرية و الشركة العامة للجوت عام 1954 و شركة الصناعات الكيماوية ( كيما ) و الشركة القومية لإنتاج الأسمنت عام 1955 و الشركة العامة لصناعة الورق عام 1956 و الشركة العامة للثروة المعدنية عام 1959 وقد قام بنك مصر بتمصيرها عام 1925 .
وأول فيلم تسجيلي في تاريخ السينما المصرية كان عن بنك مصر و في حفل كبير غنى محمد عبد الوهاب نشيد ( بنك مصر ) كلمات الشاعر ( إحسان العقاد ) .
وكان طلعت حرب على علاقة طيبة بكبار الشخصيات من القادة و الساسة و رجال الفكر و عمالقة الفن .
ولأن الأزمات تظهر معادن الرجال فقد تعرض طلعت حرب لأزمات عنيفة ولكنه لم يتوقف ولم ييأس بل ناضل وكافح وفكر .. ففى بداية أعمال بنك مصر تعرض لمديونية لإحدى الهيئات وكانت خزائن البنك لاتحوى المبالغ التى تكفى لسداد المديونية وعندما حضر مندوب تلك الهيئة إلى طلعت حرب و قدم له الشيك قال طلعت حرب : هذا الشيك به خطأ كتابى .. فعاد المندوب إلى رؤسائه وأخبرهم بمقولة طلعت حرب .. فتفحصوا الشيك وراجعوه فأجمعوا على صحته ولكن عاب عنهم الحيلة البارعة لطلعت حرب من أجل تدبير المبلغ .. وبالفعل تم السداد .
فى عام 1927 وأثناء زيارة أم كلثوم لطلعت حرب شعرت بحزنه فقالت له :
ماذا بك ياطلعت باشا ؟
فقال :
سوف أدفن بنفسي أحد ابنائي فشركة الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى تعاني من الأفلاس وللاسف ليس لدى من المال ماينقذ الشركة .
على الفور أخرجت أم كلثوم من حقيبتها دفتر الشيكات وحررت شيكا بكل رصيدها الموجود بالبنك ثم قدمته إلى طلعت حرب وبهذا تم أنقاذ الشركة من الأفلاس .
تقول الدكتورة رتيبة الحفني في كتابها ـ أم كلثوم معجزة الغناءالعربي ـ :
إن ثمة علاقة كبيرة بين الأقتصادي المصري الكبير طلعت حرب باشا وأم كلثوم خاصة في العشرينات والثلاثينات وإن طلعت حرب انشأ بنك مصر ومجموعة شركاته الكبرى ومنها شركة مصر للتمثيل التي أسست استوديو مصر ولعبت دورا خلاقا في تاريخ السينما المصرية فيما بعد .. طلعت حرب كان إلى جانب أشتغاله بالاقتصاد وحمله عبء نهضته يهتم كثيرا بالفن فهو الذي أعاد المخرج محمد كريم عندما قابله في المانيا ليكون واحدا من رواد السينما في مصر وهو الذي أنتج أول فيلم مثلته أم كلثوم وهو فيلم ( وداد ) وأرسله إلى مهرجان فينسيا السينمائي الدولي لكي يمثل مصر عام 1936 في أول دورة للمهرجان وهو الذي أرسل أحمد بدرخان وصلاح أبو سيف ونيازي مصطفى إلى بعثات سينمائية دراسية من استوديو مصر .
ثم تقول : كانت صلته بأم كلثوم فريدة فقد أرادها كموهبةعظيمة أن تسهم في نقل أغانيها على أسطوانات وشجعها على أن تتعاقد مع إحدى شركات الأسطوانات التي تعمل في السوق والتي يلقى إنتاجها رواجا كبيرا .
وقبل أيام من إندلاع الحرب العالمية قام أصحاب الأموال بسحب أرصدتهم من بنك مصر فقام طلعت حرب بمقابلة وزير المالية بشأن هذا الأمر ولكن فوجئ الشعب المصري في الرابع عشر من شهر سبتمبر عان 1939 باستقالة طلعت حرب من بنك مصر وتنصيب الدكتور حافظ عفيفي مديرا للبنك .
وتوالت الأيام وفي الحادي والعشرين من شهر أغسطس عام 1941 أعلنت عقارب الساعة رحيل الزعيم الأقتصادي الوطني طلعت حرب الذي أعده عبد الرحمن الرافعي من الشخصيات الخالدة في التاريخ المصري الحديث .
فعليك رحمة الله يا طلعت حرب يا من قدمت عصارة فكرك وتفانيت من أجل رفعة مصر ورخاء شعبها العظيم ..
________
مقال للمؤلف ( إبراهيم خليل إبراهيم ) بجريدة الشراقوه - عدد نوفمبر 1998

» الفصل الأول - قـبل التـاريخ
» الفصل الأول - العصر الراشدي
» قصة يوسف عليه السلام-الجزء الأول
» أدعية من الكتاب والسنة - الجزء الأول
» دروس في اللغه الانجليزيه (المستوي الأول)