عماد عضو فعال
عدد المساهمات : 49 تاريخ التسجيل : 15/10/2011
| موضوع: المكانة الدينية للمملكة العربية السعودية الأربعاء 19 أكتوبر 2011 - 22:55 | |
| المكانة الدينية للمملكة ويشتمل على :أ- تطبيق الحدود الشرعية . ب- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . جـ- رعاية الحجاج وخدمتهم . د - العناية بالحرمين الشريفين . هـ - مكانة علماء المملكة في نفوس المسلمين . أ – تطبيق الحدود الشرعية :" الشريعة الإسلامية تدعم مقاومة المجتمع لبواعث الجريمة ، ودوافع الانحلال ، وتكبح جماح نوازع الشر الكامنة في النفس الأمارة بالسوء ، وإقامة الحدود جزء من الشريعة الإسلامية .وقد قرر الإسلام عقوبات رادعة جاءت مفصلة لعدد من الجرائم ، وهي : الردة، وقتل النفس ، والزنا ، والقذف ، والسرقة ، وقطع الطريق ، وشرب الخمر ، وتركت الجرائم الأخرى للقاضي يقدر عقوبتها . هذه تسمي : جرائم التعزير , ومن المعلوم أنه يوجد ارتباط وثيق بين تطبيق الحدود الشرعية وبين استتباب الأمن واستقرار الأمر ، ولهذا كانت الاضطرابات والخلافات السياسية التي وجدت في شبة الجزيرة العربية حيناً من الدهر سبباً في اضطراب الحدود ، فشاع القتل والسلب ، وتفشى الجهل، وسادت العادات والتقاليد البالية ، وساء فهم أحكام الدين ، وساد التعصب للموروث من قيم وعادات وتقاليد لا تتفق وقواعد الشرع الحنيف ، وكان للمملكة من ذلك أوفر الحظ والنصيب "([i][16]) .ولما أذن الله للظلام أن ينقشع ، وللنور أن يتجلى من جديد ، بدأ الملك عبد العزيز – رحمه الله – مسيرة التوحيد في البلاد على هدي الشريعة الإسلامية العادلة فقضى على الجريمة وأسبابها ، ونشر الطمأنينة ، ووضع النواة الأولي لمجتمع إنساني جديد قاده بحركة إصلاح كبيرة ، وشاملة ، ولم يكن يهدف من وراء ذلك الحزم في تطبيق الحدود الشرعية سوي تطهير المجتمع من أدران الرذيلة ، وإقامة الأمن وتوطيده ، بنشر قواعد الشرع الحنيف ، وتنفيذ أحكامه تنفيذاً لا يعرف الهوادة ولا التردد ، ولا المحاباة ، ولا التمييز ، وليس أدل على ذلك من إقامة الحدود بعد صلاة الجمعة مباشرة في ساحة عامة أمام أكبر المساجد في ذلك البلد المقام فيه الحد ، وبذلك تناقصت معدلات الجريمة ، بل وانعدمت في بعض الحدود ، بتوفيق الله تعالى ." وطبقاً لنصوص النظام الأساسي للحكم ونظام القضاء فإن القاعدة العامة التي أقيمت عليها المملكة العربية السعودية هي أن القضاء والأحكام يتم طبقاً للشريعة الإسلامية ، والكل سواسية أمام حكم الشرع وأمام القضاء ، وحق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين في المملكة على حد سواء "([ii][17]) . وهكذا تحقق للمملكة بل وللجزيرة ما كانت تفتقده من الأمن والأمان والرخاء والاستقرار ، واستطاع عبد العزيز أن يقيم للعالم مثالاً حياً لصلاحية تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في القرن العشرين ، وها هي ذا المملكة العربية السعودية تقف اليوم شامخة بفضل تطبيق أحكام شرع الله ورعاية حدوده في أرضه ، فلله الحمد والمنة .وأسجل بهذه المناسبة الحقائق الآتية([iii][18]) : الحقيقة الأولى :هي أنه ربما يخيل لبعض الجهلة بأحكام الشريعة أو لمكابرته ومعاندته أن العقوبات في الإسلام قاسية فظة ، وهذه فرية([iv][19]) دندن حولها من وصف بهذا الوصف لسطحية تفكيره أو لتسرعه في الحكم ، فالإسلام يقدر عقوبات رادعة كالجلد وتقطيع الأطراف لفئات شريرة تعطل العمل والإنتاج ، وفي تطبيق الحدود عليها حفظ لمئات الأرواح وآلاف الأطراف والأيدي سليمة طاهرة عاملة منتجة .والمملكة العربية السعودية مثال حي وواقع ملموس مشهود في ذلك ، إذ يسير فيها الراكب من أدناها إلى أقصاها ولربما لا يرى فيه مشوهاً واحداً أو مكسحاً أو مقطوعاً ليس ذلك لأنهم لا يقيمون للحدود وزناً كلا كلا ، بل إن إقامتهم للحدود قد حالت بين الناس و الجرائم التي تقام بسببها الحدود .الحقيقة الثانية :هي أن الحدود تنفذ في مجتمعنا بحمد الله ، وهو قائم على أصول الإسلام ، الحياة فيه منظمة ، والأسس والمناهج منسجمة مع ما قرره الإسلام في تنظيم الحياة ، إننا نعم ننفذ الحدود والعقوبات في مجتمع نظيف لا تخرج فيه النساء متبرجات في الطرقات ، ولا توجد فيه الصور العارية أو الملاهي المثيرة ، وتتوزع فيه الثروة توزيعاً عادلاً ، ويتوافر فيه للناس جميع التسهيلات والتيسيرات التي يؤمن معها وقوعهم في الأخطاء وارتكابهم للمحرمات بتوفيق الله تعالى .الحقيقة الثالثة :أن العقوبات في المملكة لا تنفذ جزافاً أو اعتباطاً ، بل إن تنفيذها ينسجم مع قواعد الإسلام من حيث الدقة في شروط الإثبات ، وكفالة حق الدفاع ، ومرور مدة من الزمن لإجراء التحقيق قبل إقامة الحد ، وسعي القضاة لدرء الحد ، وبعد ذلك لا قبله تطبق العقوبة الرادعة على شخص لا يدفعه إلى جريمته مسوغ معقول .الحقيقة الرابعة :بهذا الحزم الصارم والإيمان الكامل أصبح الناس في المملكة بحمد الله ينامون ملء جفونهم ، ويغدون ويروحون ليالي وأياماً آمنين ، ويتركون أمتعتهم وبضائعهم في الحوانيت ، ويتوجهون لأداء فريضة الصلاة دون خوف من عبث العابثين أو سطو الطامعين ، وهذا من ثمار بركات تطبيقهم لشرع الله تعالى .الحقيقة الخامسة :أن نظاماً كهذا يقوم على تطبيق أحكام الله ، وحكومة عادلة كهذه تنفذ شريعة الله يدان لها بالولاء والطاعة ، كيف لا ؟ ومناهجها إسلامية منبثقة عن إرادة المسلمين، والمسلمون فيها تطلعاتهم وآمالهم منسجمة مع الإسلام ، وخاضعة لحكم الله في أي قضية من القضايا ، وهذه الحكومة المسلمة شريعتها شريعة الله ، وسنتها سنة رسول الله e ، تعمل لتوحيد أمة الإسلام وتعبئ نفسها تعبئة جهادية للقيام بما تقدر عليه من أمر الجهاد لتوحيـــد المسلمين ، وجمـــع كلمتهم ، وهذه الحكومة علامتها في كتاب الله تعالى – ما ذكره الله بقوله : {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}([v][20]) .الحقيقة السادسة :أن حكومة كهذه مدعوة إلى أن تثبت وجودها في كل ميدان من ميادين التشريع الإسلامي ، كما أن عليها –دولة وشعباً وحكومة– يقع واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فتحث على الفضيلة وتدعو إليها ، وتحمل عليها ، وتعمل بها ، وتستنكر الرذيلة وما يحرض عليها وما يغري بها ، ولا بد أن تتجنب المفاسد التي تنخر في عظامها، فتنشر الأثرة في كيانها ، وتثير الشهوات في أركانها ، وعلى كل مسلم يعيش في كنف مثل هذه الحكومة أن يكون لديه الإحساس والشعور بالمسؤولية .قال عمر بن عبد العزيز ([vi][21]) – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى : { وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ ...} الآية . قال – t – : ( ألا إنها ليست على الوالي وحده، ولكنها على الوالي والمولى عليه ، ألا أنبئكم بما لكم على الوالي من ذلك وبما للوالي عليكم منه ، إن لكم على الوالي من ذلك أن يأخذكم بحقوق الله عليكم ، وأن يأخذ لبعضكم من بعض ، وأن يهديكم للتي هي أحسن وأقوم ما استطاع ، وأن عليكم من ذلك الطاعــة غير المبزوزة ولا المستكره بها ، ولا المخالف سرها علانيتهــا)([vii][22]). إن بلداً قد أنعم الله على أهله بالأمن والاستقرار ، وامتن عليهم فجعلهم درة ناصعة في جبين العالم بما حباهم به من تطبيق لشرعه في عالم سادته الجاهليات بكل أشكالها وجميع صورها لجدير بأن يحرص كل فرد فيه – حاكماً أو محكوماً – على هذه المكاسب ، ويحافظ عليها بكل ما أوتي من وسيلة فإذا ما دب في ربوعه داء أو ظهر بين أهله وباء يهدد أخلاقهم ويقوض بنيانهم ، فإن محاربته بكل قوة وحزم وعزم واجتذذه من جذوره واجب شرعي لا يجوز القعود عنه والتهاون فيه ، روي مسلم في صحيحه عن تميم الداري – t – قال : قال رسول الله e : " الدين النصيحة " قلنا لمن ؟ قال: " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " ([viii][23]) .ب – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر([ix][24]) : تاريخ الحسبة في المملكة : نظام الحسبة الذي تميز به دين الإسلام قد قام به رسول الله e وخلفاؤه من بعده، واستمر في سائر عصور الخلافـــة الإسلامية ، وقد كان ولا يزال– بحمد الله تعالى – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركيزة من أهم ركائز نظام الدولة السعودية منذ نشأت في منتصف القرن الثاني عشر الهجري ، ومروراً بأدوارها الثلاثة ، حيث قامت على مبدأ الدعوة لتنقية المجتمع الغارق في ذلك الوقت في ظلمات الجهل ومنكرات العقيدة ، فقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أكتاف رجال نحسبهم والله حسيبهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه حيث انعقد لواء الدعوة والجهاد بين الشيخ محمد ابن عبد الوهاب مصلحاً وموجهاً ومحتسباً والإمام محمد بن سعود – رحمه الله – قائداً وأميراً ، فانتظم عقد الإصلاح في البلاد على لواء المصحف والسيف .وبعد وفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أوائل القرن الثالث عشر الهجري نهض بهذه المهمة الشريفة أبناؤه وتلامذته ، كما ورث الخلف من الأمراء السعوديين سلفهم في إقامة شرع الله تعالى ، إلا أنه لم ينفرد بالحسبة شخص معين في ولاية مستقلة عن الولاية الأخرى في الدور الأول والثاني من الأدوار السعودية الثلاثة ، ابتداءً من قيام الدولة السعودية الأولي إلى نهاية القرن الثالث عشر الهجري حتى أوائل القرن الرابع عشر الهجري ، ولم تكن الحسبة آنذاك مستقلة بجهاز ولا قائمة على نحو ظاهر ، وحين استقرت البلاد واتسع الحكم بعد استرداد الملك عبد العزيز – رحمه الله – الرياض عام 1319هـ قام بأعضاء يساعدونه في مهمته ، وبعد وفاة الشيخ عبد العزيز بن عبداللطيف –رحمه الله– جعل الملك عبد العزيز أحد الأعضاء وهو الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ – رحمه الله – رئيساً لزملائه ، ثم ضم إليه النظر في الحسبة في المنطقة الوسطي والشرقية والحدود الشمالية، وبعد أن استرد الملك عبد العزيز –رحمه الله – الحجاز عام 1343– 1344هـ بدأ بالنظر في تعيين رجال يقومون بالاحتساب ، وفي ذلك جرت مكاتبات بينه وبين الشيخ عبد الله بن بليهد رئيس القضاة في الحجاز ، اتفق فيها على أن يكون الشيخ عبد الله الشيبي رئيس تلك الهيئة ، وفي يوم السبت الموافق 3/9/1396هـ صدر مرسوم ملكي يقضي بتوحيد فرعي الغربية والوسطي في رئاسة واحدة .وقد استمرت هذه الهيئة تؤدي رسالتها المناطة بها في ظل الإمكانات المتاحة لها ، بتوجيه أصحاب المعالي رؤسائها الذين تعاقبوا على إدارتها ، وبذلوا جهدهم وكل ما في وسعهم للنهوض بها ، والرفع من عطائها برعاية قادة هذه البلاد الذين ما فتئوا يعنون بهذا الجهاز ويؤازرونه ، ويقدمون له الدعم المادي والمعنوي منذ نشأته وإلى يومنا الحاضر إدراكاً منهم – وفقهم الله لأهمية الرسالة التي يؤديها والدور الرائد الذي يقوم به في خدمة الدين والمجتمع .وقد نالت الرئاسة حظاً وافراً من هذا الدعم ، وتلك المؤازرة من لدن خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين . وبما أن الله –تعالى– أعز هذه الدولة بتحكيم الشريعة الإسلامية حيث جعلتها منهاجاً لأنظمتها ، لذلك فلا غرابة أن يكون لهذا الجهاز صفة الشمولية في العامل مع سائر الأجهزة والقطاعات ، ويشمل جميع مناحي الحياة ، ومنها : - النواحي الاقتصادية في مراقبة الغش والاحتكار والمعاملات والسلع المحرمة .- والنواحي الثقافية في الاحتساب على ما يؤثر على العقيدة والأخلاق شعراً كان أم نثراً ، أدباً وإبداعاً أم فكراً مجرداً ، وكذلك من يشتبه في تعامله بالدجل والسحر والكهانة ...- ويشمل أيضاً : تتبع حقوق العمال والأجراء في ذلك الوقت ، وأنهم يعاملون معاملة إنسانية كريمة ، وأنهم لا يبخس من مالهم شئ كل ذلك إلى جانب متابعتهم الجادة للمنكرات الواضحة كتبرج النساء والجرائم غير الأخلاقية أو الخلوة المحرمة أو المعاكسات من ضعاف النفوس والإيمان ، بالإضافة إلى تتبعهم فعل المعروف وتوجيه المتهاون بأداء الصلاة والصيام في رمضان والزكاة ، وملاحظة ما يجري في المساجد من أداء الأئمة والمؤذنين رسالتهم على علم والتزام بمسؤولياتهم .- هذه المسئولية المتكاملة للاحتساب ، وهذه النظرة الشمولية في مناحي الحياة جعلت العلاقة بين الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسائر أجهزة الدولة في عصرنا هذا علاقة تكامل في الأداء فيما يحقق الصالح العام .- إذن فلا عجب إذا قلنا : إن تعاوناً يتم بين الرئاسة وقطاعات وزارة الداخلية ، فمثلاً يتم التعاون الرسمي بينها وبين إدارة مكافحة المخدرات تعاوناً مؤثراً . - وكذلك التعاون مع إدارات السجون ومراكز الشرطة ، ومن بين ذلك توعية نزلائها، ومحاولة إصلاح من تردى منهم في المنكرات ، والإشراف على تنفيذ بعض الأحكام التعزيرية فيها .- وكذلك شاركت بالتعاون مع إدارة الدفاع المدني في ضبط بعض الحوادث .- ومع المديريـــة العامة للجـــوازات بضبــط الجوازات والإقامات المزورة وتتبع المزوريــن.- وهناك أيضاً تعاون قائم بين الرئاسة ووزارة الشئون البلدية والقروية .- وكذلك التعاون مع وزارة العدل ممثلة في المحاكم ؛ حيث يكون هناك مرافقة للسجينات في حالة الانتقال والسفر ، والتعاون مع وزارة الإعلام في مراقبة المطبوعات المقروءة والمرئية والمسموعة .- كذلك هناك تعاون بين الهيئة ووزارة التجارة في مراقبة السلع التي تحمل أي مخالفات شرعية بالإضافة إلى الغش التجاري ، وكذلك مع وزارة المعارف في إلقاء المحاضرات والكلمات التوجيهية للطلاب .- وكذلك مع رئاسة تعليم البنات في الوعظ والإرشاد عبر الدائرة التلفازية المغلقة بالنسبة للدعاة الذكور، ومتابعة الانصراف من المدارس والكليات ، ومراقبة بعض التصرفات السيئة من بعض المراهقين والسفهاء . - وما دامت مهمة الهيئة بهذه المنزلة فلا عجب أن توليها الدولة كل هذا الاهتمام والرعاية ، ولكي يستمر عطاء هذه الهيئة في مجال الدعوة إلى الله ، فإننا نرى أن تدعم مادياً ومعنوياً ليتواصل عطاؤها ، ويقوى جانبها ، فتساير العصر ، وتوكب التطور بمشيئة الله تعالى ، فهذه المؤسسة الشامخة المؤيدة من حكومتنا الرشيدة لا نظير لها في العالم ، لما لها من إسهامات عظيمة في مجال الدعوة إلى الله بالموعظة الحسنة ، والقضاء على المنكرات ، والمخالفات الشرعية التي تتنافى مع ديننا الحنيف ، وإذا كان لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا العمل البارز في نشر الأمن ، والاستقرار في هذا البلد المبارك فضلاً عن أنها تقوم بتوجيه العباد إلى ما فيه الخير والصلاح فإن الدولة – حرسها الله – لا تألوا جهداً في إمدادها بالمال والطاقة البشرية والأجهزة والوسائل الحديثة لتؤدي عملها المنوط بها على أحسن وجه .جـ ـ رعاية الحجاج وخدمتهم : أهمية الحج في الإسلام : الحج ركن من أركان الإسلام ومبانيه العظام ، وهو عبادة العمر ، وختام الأمر ، وتمام الإسلام ، وكمال الدين ، فيه أنزل الله –عز وجل– قوله : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }([x][25]) . والحج من أكبر الوسائل الدعوية ، حيث يجتمع أكبر عدد من أجناس المسلمين في مكان واحد من كل بقاع الأرض ، وهو بمثابة مؤتمر كبير يلتقي فيه القاصي والداني لتأدية شعائر هذا الركن العظيم ، حيث يقول تعالى : {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}([xi][26]) . وإنه لموسم عظيم وفرصة ثمينة للدعاة إلى الله بتذكير المسلمين بواجباتهم والنهوض بهم ، وتزكية روح الإسلام فيهم ، وهو مناسبة تتكاثف خلالها كل وسائل الدعوة لخدمة ضيوف الرحمن .والحق أنه لم تظهر الاستفادة الإيجابية من موسم الحج في العصور المتأخرة إلا بعد انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ونشرها في الداخل والخارج ، ولم تبدأ إلا في مدة متأخرة ، وذلك بعد أن تمكنت الدولة السعودية من الحرمين الشريفين ، أم قبل ذلك فقد كانت الاستفادة من موسم الحج لمحاربة الدعوة ، ونشر الأكاذيب والافتراءات عليها ، وبثها بين المسلمين الذين يفدون إلى بيت الله الحرام من كل مكان لأداء فريضة الحج ، مما أعطى فرصة لسماع الناس بأخبار تلك الدعوة ولفت الأنظار إليها .( فبعد أن تمكنت الدعوة من مكة المكرمة والمدينة المنورة ، واستقرت الأوضاع بدأت الاستفادة الحقيقية من موسم الحج في تبصير المسلمين بأمور دينهم ، وبيان البدع والخرافات التي علقت بهم وبمعتقداتهم ، ووجوب التخلص منها للرجوع إلى جادة الدين ، وإلى الطريق المستقيم بإخلاص العبادة لله وحده وتخليصها من شوائب الشرك التي دخلتها ، واختلطت بها ، واقترنت هذه المرحلة الإعلامية بالنسبة للدعوة بمؤثرات قوية تثبت تلك التعاليم والمبادئ في النفس ، ألا وهي التطبيق العملي والواقعي لتلك المباديء ؛ حيث اختلط أتباع الدعوة ودعائتها وتطبيقهم لشرع الله ، وتبين من الخوارج، وأنهم طائفة خارجة عن الدين إلى غير ذلك من الأكاذيب التي نسبت إليهم .فكان لهذا الواقع العملي أكبر الأثر في نفوس المسلمين وفي تثبيت قواعد الدعوة ومبادئها وترسيخها في أذهانهم ، وقد فاق هذا التأثير بمراحل كبيرة تأثير الدعوة المجردة عن التطبيق .وهذه المرحلة الدعوية المستفادة من موسم الحج بعد أن استقرت الأوضاع في كل من مكة والمدينة هي التي استمرت إلى وقتنا هذا([xii][27]) .يقول ابن بشر معبراً عن ازدهار الدعوة في موسم الحج بعد استقرار الأوضاع([xiii][28]): " وفشا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة فلا يشرب التنباك في أسواقها ، وأمر (سعود) أن يجعل في أسواقها من يأمرهم بالصلاة إذا دخل الوقت ، فكان إذا أذن المؤذن دار رجال ينادون في الأسواق الصلاة الصلاة ) وبعد أن أدى فريضة الحج سنة 1225هـ وتشرف بزيارة بيت الله الحرام ، وصف ما شاهده هناك – والكلام لابن بشر([xiv][29]) – فقال: ( وحججت في تلك السنة وشاهدت سعوداً وهو راكب مطيته محرماً ، ونحن مجتمعون في نمرة لصلاة الظهر ، وخطب خطبة بليغة ، ووعظ الناس فيها ، وعلمهم به من الاعتصام بكلمة لا إله إلا الله ، وما أعطى الله في ضمنها من الاجتماع بعد التفرق، وأما السبل وكثرة الأموال وانقياد عتاة الرجال ، وأن الضعيف يأخذ حقه كاملاً من أكبر كبير من مشايخ البوادي ، وأعظم عظيم من رؤساء البلدان ، ونادى وهو على ظهرها لا يحمل في مكة سلاح ، ولا تتبرج امرأة بزينة ، وتوعد من فعل ذلك من جميع رعيته، وهكذا استثمر موسم الحج استثمار طيباً في نشر الدعوة الإسلامية ، وتبصير المسلمين بأمور دينهم ، وتوضيح البدع التي علقت بعادتهم وتقالديهم ، وتوجيههم إلى التخلص منها حتى تكون العبادة خالصة لوجه الله تعالى ، ومنذ عهد الملك عبد العزيز إلى يومنا هذا ، وفي موسم الحج خاصة تشارك جميع القطاعات الحكومية في خدمة ضيوف الرحمن ، كل بحسب ما يناط به من مسؤوليات ، وما يمكن أن يقوم به من واجبات ، وتتكاثف الخدمات في هذا المجال كما أسلفت .د ـ العناية بالحرمين الشريفين :العناية بالحرم المكي :" بادر صحابة رسول الله – e – والتابعون إلى توسعة المسجد الحرام كلما اقتضت الحاجة ذلك ، فكانت أول توسعة للمسجد الحرام في خلافـــة عمر بن الخطاب – t – وكانت توسعة عمر للمسجد الحرام في العام السابع عشر من الهجرة ؛ حيث دهم السيل المسجد الحرام ، واقتلع حجر المقام من مكانه ، وذهب به إلى أسفل مكة ، فلما علم عمر – t – خرج من المدينة قاصداً مكة ، فقيست المسافات ، ووضع المقام محله ، فلما رأى عمر كثرة الناس وازدحامهم بالمسجد اشترى الدور الملاصقة للمسجد الحرام، ثم هدمها وأدخلها في أرض المسجد ، وأبى قوم من جيران المسجد أن يبيعوا ، فهدم بيوتهم ووضع لهم الأثمان حتى أخذوها بعد ، واتخذ له جداراً قصيراً دون المقامة كانت المصابيح توضع عليه ، فكان عمر أول من وسع المسجد الحرام ، وأول من أحاطه بجدار ، وجعل له أبواباً .وبعد ما كثر عدد المسلمين بعد الفتوحـــات الإسلاميــــة في عهد عثمان بن عفان – t– كثر تبعاً لذلك الوافدون إلى بيت الله الحرام ، فكر عثمان بن عفان بتوسعة المسجد الحرام ، وتحسين بنائه ليتمشى مع التطور العمراني في المجتمع الإسلامى بما لا يقتضي الزخرفة ، فبدأ – t – بشراء الدور الملاصقة بجدار المسجد وهدمها ، وتمت التوسعة في سنة ست وعشرين هجرية ، وأقام عثمان – t – الأروقة بالمسجد الحرام، فكان أول من اتخذ الأروقة بالمسجد وكسا الكعبة والقباطي .وفي سنة خمس وستين هجرية وبعد أن انتهى عبد الله بن الزبير من عمارة الكعبة المشرفة بدأ بتوسعة المسجد الحرام وعمارته ، فاشترى المنازل المجاورة للمسجد وأدخلها في مساحته ، وزاد في المسجد زيادة كبيرة من جانبه الشرقي والشامي واليماني "([xv][30]) .ثم بعد ذلك توالت التوسعات والتحسينات ، وتعاقب على توسعته وعمارته حكام المسلمين على مر التاريخ ، فعمره المماليك ، ثم العثمانيون حتى كانت العمارة والتوسعة العملاقة في العهد السعودي بدءاً من الثوابت والأسس التي أرساها الملك عبدالعزيز – رحمه الله – وانتهاء ، بتوسعة خادم الحرمين الشريفين ، وستأتي ذكرها بعد إن شاء الله .العناية بالحرم المدني :( كما قام صحابة رسول الله e والتابعون بتوسعة المسجد الحرام فلم يقصروا في عمارة المسجد النبوي الشريف وتوسعته، فأول توسعة للمسجد النبوي الشريف كانت في حياة الرسول e إلى توسعة المسجد ، فبادر عثمان بن عفان – t – بالقيام لتكاليف هذه التوسعة ، فعن قتادة t قال : كانت بقعة إلى جنب المسجد ، فقال النبي e ، " من يشتريها ويوسعها في المسجد وله مثلها في الجنة " . فاشتراها عثمان فوسعها في المسجد .وفي عهد أبي بكر الصديق – t – احتاج المسجد إلى بعض الإصلاحات فجدده أبو بكر t ، ففي حديث ابن عمران أن مسجد النبي – e – كانت حواريه على عهد رسول الله – e – من جذوع النخل ، وبجريد النخل ، ثم إنها نخرت في خلافة عثمان فبناها بالآجر ، وقبله في خلافة عمر بن الخطاب قام عمر – t – بتوسعته وبنائه سنة سبع عشرة للهجرة .وفي عهد عثمان – t – جدد عثمان بناءه تجديداً كاملاً سنه تسع وعشرين هجرية ، وزاد فيه زيادة كبيرة فزاد فيه من ناحية القبلة ، ومن الغرب ، وزاد فيه من الشمال أيضا . وبنى جداره بالحجارة المنقوشة ، وطلى الجدران بالقصة أي ( الجبس ) ، وجعل عمده من الحجارة بدلاً من اللبن ، وسقفه بخشب الساج ، وفتح نوافذ في أعلى الجدار قرب السقف .ثم بعد ذلك توالت التوسعات وتقدمت العمارة حتى أعاد الخليفة الوليد بن عبدالملك بناءه فيما بين سنتي ثمان وثمانين وإحدى وستين هجرية ، وذلك على يد واليه على المدينة عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، فزاد فيه من جهة الشرق والغرب والشمال، وأدخل فيه حجر زوجات النبي e ، وكان البناء من الحجارة المنقوشة ، وجعل سواريه من الحجارة المطابقة ، وحشيت بعمد الحديد والرصاص ، وزخرف حيطانه ، وأحدث فيه المحراب والشرفات ، وجعل له أربع مآذن .وعني خلفاء بني العباس بعمارة المسجد النبوي كما عني بها من قبلهم فأعاد المهدي بناءه ، وزاد فيه من ناحية الشمال ، ثم تعاقب على توسعته وأعماره حكام المسلمين فأعاد بناءه السلطان الأشرف قايتباي المملوكي بعد حريقه ، ثم جدد عمارته السلطان عبد الحميد العثماني بعدما تعرض بعض أجزائه للوهن .توسعة الحرمين الشريفين في العهد السعودي : ( ومع مرور الزمن ، كان عدد المسلمين يتكاثر ، ولكن الديار المقدسة ، مكة والمدينة وبقية المشاعر المقدسة ، كانت تقصر على استيعاب الحجاج وتوفير التسهيلات، ولا تقل الخدمات لهم ) .ومرت سنون بل مئات من السنين على آخر توسعات الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة على حالها . ودار الزمن دورته ، وكلل الله جهاد الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود بالنصر المؤزر ، الذي أسفر عن قيام المملكة العربية السعودية على أساس من شريعة الله التي أعلن الملك المؤسس أنها إطار حياتنا ومدار نشاطنا وحدود كل ما نفعل ونقول .وبدأ في الديار المقدسة – مدناً ومشاعر– عهد جديد ، وانتشر الأمن الكامل في جميع ربوع المملكة ، وأمن الحاج – لأول مرة منذ سنين عديدة – على روحه وماله .وباتت قوافل الحجيج تأتى ملبية دعوة الله لتنصرف إلى أداء مناسكها وعبادتها في أمن واطمئنان وزاد الاهتمام بالحرمين الشريفين ومدنتهما بل وجميع المشاعر المقدسة ، منذ عهد الملك عبد العزيز ، فكانت أول خطوات جلالته البدء بتنظيم الحج و شئون الحجاج ، والسهر على راحتهم وفق الإمكانات المتاحة آنذاك .وباتت المملكة تنعم بالشرف الذي أولاها الله – تعالى – إياه بالقيام على خدمة الحرمين الشريفين ، والعمل على تيسير الحج على ضيوف الرحمن ، وعمل كل ما يمكن عمله للأخذ بأسباب ذلك الشرف .وسار ملوك المملكة العربية السعودية الذين تسلموا الأمانة بعد عبد العزيز على النهج نفسه في التوسعة والتطوير )([xvi][31]) . ( فأنشأت إدارة خاصة للإشراف على شؤون الحرمين من نواح مختلفة ، وهذه الإدارة أنشئت في 4 رمضان سنة 1384هـ بأمر من الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله ، وكانت تعرف باسم ( الإشراف الديني بالمسجد الحرام بمكة المكرمة ) ومهمتها تنحصر في الأمور الدينية في الحرم المكي فقط ، وكان المسجد النبوي تابعاً لوزارة الحج والأوقاف ، وظلت إدارة الإشراف الديني تؤدي واجبها حتى تحول اسمها إلى ( إدارة شئون الحرمين ) ، حيث ضم إليها الإشراف على أمور المسجد النبوي مع توسيع مسؤولياتها من الناحية التنظيمية أيضاً، وسميت هذه الإدارة منذ 30 المحرم 1390هـ الرئاسة العامة لشئون مزاولة مسؤولياتها في خدمة شئون الحرمين الشريفين ابتداء من شهر المحرم 1398هـ وسميت فيما بعد ( بالرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي([xvii][32]) . وتشرف هذه الرئاسة على شئون الحرمين وتلبية متطلباتها من جميع النواحي الدينية والتنظيمية والإدارية وغيرها .توسعة الحرمين الشريفين في عهد خادم الحرمين الشريفين : اليوم ينظر المسلمون في شتى بقاع المعمورة إلى مشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة المسجد الحرام والمسجد النبوي على أنه درة الأعمال الجليلة التي يضطلع بها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود في خدمة الإسلام والمسلمين، وعقد من الآلئ التي ترصع التاريخ الإسلامي على مر العصور .لقد وضع الملك المفدى هذا المشروع الذي تفخر به الشعوب الإسلامية في مقدمة الاهتمامات الكبرى للمملكة ، وأسبغ عليه كريم عنايته ورعايته ، وإشرافه الشخصي انطلاقاً من إيمانه العميق بأن أمانة هذه الدولة ومسؤوليتها مرتبطتان بما يوفق الله –تعالى– قيادتها لإنفاقه وبذله عليهما أداء للواجب واضطلاعاً بالمسؤولية دونما انتظار شكر أو ثناء من أحد ، وإنما رجاء المثوبة والأجر عند الله تعالى ، والاحتساب لديه بخير الأعمال وصالحها ، وتسهيل أداء المسلمين مناسكهم ، وتوفير الأمن والطمأنينة لهم ، ويجسد هذه العناية والرعاية واقع الحرمين الشريفين الآن الذي لمسه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها .([xviii][33]) ولإنجاز هذه الآمال الجليلة أنفقت حكومة المملكة العربية السعودية بتوجيه من الملك المفدى ما يزيد على 42 مليار ريال على توسعة الحرمين الشريفين ، منها 12 ملياراً أنفقت في السنوات الأخيرة فقط لتوسعة المسجد الحرام و 30 مليار ريال أنفقت لتوسعة المسجد النبوي الشريف التي أنجزت بالكامل([xix][34])، وقد حرص خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز طيلة الأعوام الماضية خلال جولاته التفقدية السنوية الطيبة على متابعة مراحل العمل في هذا المشروع العملاق ، ومعرفة ما أنجزه ، ومناقشة المختصين عن كل صغيرة وكبيرة، حرصاً منه على أن يظهر المشروع في قمة الدقة والإتقان جزى الله حكامنا وولاة أمرنا خيراً على جهودهم الحثيثة وسعيهم المشكور في خدمة الدين والوطن ، ونفع الإسلام والمسلمين بدءاً من المؤسس الأصيل لهذا الكيان حتى رائد نهضتنا المباركة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز. [b:d | |
|