من تعريفات الفتوة :
1 ـ فضيلةٌ تأتيها ولا ترى نفسك فيها :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوعٍ عنوانه: "الفتوة"، وهو موضوعٌ يتصل اتصالاً وثيقاً بـ :"سبل الوصول إلى الله وعلامات القبول".
من تعريفات الفتوة: هي فضيلةٌ تأتيها ولا ترى نفسك فيها، المؤمن الصادق إذا فُعل معه معروف لا ينساه أبداً، أما إذا فَعل معروفاً ينساه فوراً، البطولة أن تنسى معروفك مع الناس، وألا تنسى معروف الناس معك، بينما أناسٌ كثيرون إذا فَعل خيراً يمنن به، وإذا فُعل معه خير لا يفكر فيه إطلاقاً، الفتوة فضيلةٌ تأتيها ولا ترى نفسك فيها.
2 ـ ألا تحتجب عمن قصدك :
أيها الأخوة، ومن تعريفات الفتوة: ألا تحتجب عمن قصدك، هناك إنسان يسحب الهاتف قبل أن ينام، أنت طبيب قلب، يتصل بك أحدهم فلا تجيب، بشكل أو بآخر أي إنسان حجب نفسه عن خدمة الآخرين هو ضعيف الفتوة، أي راحته وسعادته فوق كل مصالح الخلق، الحياة دار عمل وليست دار جزاء، فإذا ظنها الإنسان دار جزاء وقع في خطأ كبير، الأنبياء العظام، الصحابة الكرام، عاشوا للناس، أما الأقوياء فعاش الناس لهم، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء ملكوا الرقاب، فلأنك مؤمن يجب أن تعلم أن هذه الدنيا دار عمل، لأنك مؤمن يجب أن تعلم أن هذه الدنيا إعدادٌ للآخرة.
لذلك أول صفات المؤمن أنه يبني حياته على العطاء لا على الأخذ، وأول صفات غير المؤمن أنه يبني حياته على الأخذ.
3 ـ إظهار النعمة وإسرار المحنة :
الفتوة إظهار النعمة وإسرار المحنة، أناسٌ كثيرون يتشكى ويتشكى، يكون في بحبوحة كبيرة، وبيت، ومركبة، وأولاد، وزوجة، وتجارة عريضة، لأتفه الأسباب يتشكى، هذا التشكي ليس من صفات المؤمن، انظر ما الذي أعطاك الله إياه، انظر كم أنت بنعمة، المؤمن يرى نعم الله عليه، والذي غاب عنه يراه حكمة بالغة، من هنا ورد في الأحاديث الشريفة:
((عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ))
[أخرجه مسلم عن صهيب الرومي ]
أي يظهر النعمة ويحجب عنك المحنة، المحنة بينه وبين الله، لأنه يعلم علم اليقين أنه ما من محنةٍ إلا وراءها منحة، ويعلم علم اليقين أنه ما من شِدةٍ إلا وراءها شَّدة إلى الله عز وجل، فهو راضي عن الله ، ويقبل كل المصائب عن فهمٍ وعن وعيٍّ، ويرى هذه المصائب ساقها الله لحكمةٍ بالغةٍ بالغة، وحينما يكشف الله لنا يوم القيامة الحكمة من سوق المصائب نذوب محبةً لله عز وجل.
4 ـ الفتوة ألا تدخر وألا تعتذر :
أيها الأخوة، وقيل في الفتوة: الفتوة ألا تدخر وألا تعتذر، ألا تدخر وسعاً، أي إذا كان بإمكانك أن تخدم الناس بمالك، أو بعلمك، أو بجاهك، أو بوقتك، لا تدخر ما آتاك الله إياه عن الناس، أنت في الدنيا من أجل العمل الصالح، حجمك عند الله بحجم العمل الصالح، اسأل نفسك هذا السؤال المحرج ماذا قدمت لهذه الأمة؟ حجمك عند الله لا بما تستهلك، حجمك عند الله بقدر ما تقدم، ألا تدخر وسعاً، لا وسعاً مالياً، ولا علمياً، ولا اقتصادياً، ولا اجتماعياً، لا تدخر جاهك إذا كان هذا الجاه يحل مشكلة، وألا تعتذر، من أدق الأحاديث الشريفة.
(( وإياك وما يعتذر منه ))
[ أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عمر ]
أي موقف، أي سلوك، أي تصرف، تضطر أن تقول: اعذروني، إياك أن تفعله أصلاً، كما قلت لكم: جمعت مكارم الأخلاق في المروءة، والفتوة قريبةٌ من المروءة، ولكن تخص الشباب، الفتوة ألا تدخر وألا تعتذر، الفتى معطاء، هناك أشخاص الموقف الأساسي بحياتهم العطاء، الآن المؤمن يسعد إذا أعطى، غير المؤمن يرى نفسه ذكياً جداً إذا أخذ، في بالتعبير المعاصر إستراتيجية، ما الذي يحكمك العطاء أم الأخذ؟ إن كان الذي يحكمك العطاء فأنت من أهل الآخرة، المؤمن لا يفكر أبداً بالتعويض، يفكر بعمل صالح، وأنا أقول دائماً: هذا المال ضعه تحت قدمك تناله، أما إذا وضعته أمامك فتخسره، أنت طبيب، مهندس، تاجر، إذا كان همك الأول المال تخسره، إذا همك تقديم خدمة للناس تربحه أضعافاً مضاعفة، شيء عجيب! إن وضعته أمامك تخسره وإن وضعته تحت قدمك تربحه.
فلذلك الفتى خيِّرٌ معطاء.
5 ـ استرسال الناس في فضلك :
والحقيقة من تعريفات الفتوة: استرسال الناس في فضلك، طبعاً أنت باشٌ فيهم، تعرض عليهم خدماتك، هذا الموقف اللطيف -عرض الخدمات- حينما يلتقون بك يرون أنساً وترحيباً، هم يسترسلون في فضلك، فأنت عندئذٍ تبذل لهم ما تستطيع، استرسال الناس في فضلك، أي وجه باش، زارك ترحب به، أما أنت بأيام معدودة تصرف عنك كل الناس، موقف قاس، كلمة قاسية، أغلق الباب في وجهه، انتهى، لا أحد يأتيك إطلاقاً، فحينما يسترسل الناس في فضلك بسبب أنك رحبت بهم، وآنستهم، وأكرمتهم طبعاً هناك متاعب كثيرة، قال: اصنع المعروف مع أهلهِ ومع غير أهلهِ، فإن أصبت أهلهُ أصبت أهلهُ، وإن لم تصب أهله فأنت أهله.
النقطة الدقيقة: ما دمت تعمل هذا العمل لوجه الله لا تهتم إطلاقاً لردود الفعل، أي قدر أم لم يقدر، شكر أم لم يشكر، عرف قيمتك أم لم يعرف، نوه للناس بفضلك أم لم ينوه، كله عندك سيان، أنت عملت هذا لوجه الله، والله قبل هذا العمل، أروع ما في حياة المؤمن أنه يستغني عن المديح، أو لا يستجدي المديح، يرضي الله، وانتهى الأمر، بينما الذي يرضي الناس إن كانت ردود الفعل غير مناسبة له يضجر، يقول: يا أخي اتقِ شرّ من أحسنت إليه، أنت أحسن لله ولا تعبأ بردود الناس معك.
إذا أحبّ الله عبداً جعل حوائج الناس عنده :
كما قلت قبل قليل: ببساطةٍ ما بعدها بساطة تصرف الناس من عندك بكلمة قاسية، بوجه متجهم، باعتذار قاس، بتعليق شديد، لا أحد يطرق بابك، الناس عندهم ذوق، فإن استرسلوا بفضلك طمعوا فيك، وإذا أحبّ الله عبداً جعل حوائج الناس عنده، فالذي يأتيه الناس زرافاتٍ ووحدانا عليه ألا يضجر، فإذا ضجر ليس أهلاً لهذه الأعمال الجليلة، الله عز وجل يقول:
﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾
[ سورة محمد ]
والحقيقة هناك عشرات التصرفات الذكية، والحكيمة، والمخلصة، والرحيمة، تجذب بها الناس إليك، تصرف واحد أحمق تصرفهم عنك، فجمع الناس ليس قضية سهلة، هذا الشيء يحتاج إلى لباقة، إلى فهم، إلى أن تعرف أقدار الناس، إلى أن تكون حكيماً معهم، إلى أن تستوعبهم، أن تحتمل تجاوزاتهم، ما دام الهدف الله عز وجل، ما دام الهدف الجنة، فالمؤمن يمتص كل هذه المزعجات.
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
[ سورة القلم ]
لذلك ورد في بعض الأحاديث:
(( إنكم لن تَسَعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم ))
[أخرجه أبو يعلى وابن أبي شيبة في مسنده عن أبي هريرة ]
الحلم سيد الأخلاق :
لذلك الله عز و جل يخاطب نبيه الكريم يقول له:
﴿ خُذِ الْعَفْوَ ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 199 ]
كلمة خذ أي هذا شيء ثمين من الله
﴿ خُذِ الْعَفْوَ ﴾
اعفُ عنهم أي اجعل نصيبك من الله أنك عفوت عنهم.
﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾
[ سورة الأعراف ]
من هنا يكون الحلم، وكاد الحليم أن يكون نبياً، والحلم سيد الأخلاق، بتعبير آخر الفتوة أن تدع الناس يطؤون عليك من شدة لينك، وتواضعك، وخفض جناحك.
من يتصل بالله عز وجل يمتلئ قلبه رحمة و ليناً :
أخواننا الكرام آيةٌ من أدق الآيات يقول الله عز وجل:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
[ سورة آل عمران الآية: 159 ]
حينما يتصل الإنسان بالله عز وجل يمتلئ قلبه رحمة، الرحمة شيء ثمين، يمتلئ قلبه رحمة، هذه الرحمة تنعكس ليناً في المعاملة، هذا اللين يجعل الناس يلتفون حولك، الآن ولو كنت منقطعاً عنا يا محمد لامتلأ القلب قسوة، فانعكست القسوة غلظةً، وفظاظة، والغلظة والفظاظة تجعل الناس ينفضون عنك.
هذه الآية يحتاجها الأب، والأم، والمعلم، وأي منصب قيادي في الأرض، تتصل بالله يمتلئ القلب رحمةٍ، فالرحمة من منعكساتها اللين، اللين يجذب الناس إليك، والبعد عن الله عز وجل يجعل القلب قاسياً، والقسوة تنعكس غلظةً وفظاظةً، ينفضون من حولك، هل هناك أب لا يتمنى أن يكون مَن حوله مِن أولاده وبناته وأصهاره يحبونه و يعجبون به؟ شيء طبيعي جداً، الرحمة تجعلك ليناً، والبعد عن الله يجعلك قاسياً، والرحمة منعكساتها اللين، والقسوة الغلظة والفظاظة.
مرة الشيخ بدر الدين -رحمه الله تعالى- شيخ سورية، مشى مع أخوانه، و هناك أحد الأخوة ابتسم، فقال له: ما الذي دعاك تبتسم؟ استحى، جراب الشيخ قد نزل، فنظر إلى جرابه قال له: أدخل الله على قلبك الفرح.
الذين حولك يجب أن تؤنسهم، أن تداعبهم، أن تمازحهم، حتى يلتفوا حولك، المؤمن ليِّن، هيِّن ليِّن ، يألّف ويؤلّف، دائماً التصنع ينفر الناس منك، كن طبيعياً.
6 ـ ألا تترك لنفسك رتبةً تتقاضى الناس بها :
الآن من معاني الفتوة ألا تترك لنفسك رتبةً تتقاضاهم بها، أنا لي مكانة غير مكانتكم، أي إنسان يتوهم لنفسه رتبة عالية جداً، في ضوء هذه الرتبة يحاسب الناس، أنت لم تقف لي، أنت لم تحترمني، أنت لم تقل لي: دكتور، ما هذا؟! كن طبيعياً، عامل الناس كواحد منهم، لا كسيدٍ عليهم، الفتوة ألا تترك لنفسك بينهم رتبةً تتقاضاهم بها، أنا أب خير إن شاء الله! أنت في البيت واحد من أهل البيت، قد يكون لك خارج البيت مكانة كبيرة، أما في البيت فواحد منهم.
(( إن دخل دخل ضاحكاً وإن خرج خرج بساماً ))
[ أخرجه الحاكم عن أم أبان بنت عتبة بن ربيعة ]
كان يصف النساء:
(( فإنهن المؤنسات الغاليات ))
[ أخرجه الطبراني والإمام أحمد عن عقبة بن عامر ]
كان إذا دخل بيته يكون كواحدٍ من أهله.
(( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ))
[أخرجه أبو يعلى وابن حبان وعبد الرزاق عن عائشة أم المؤمنين ]
يصغي الإناء للهرة، كان في مهنة أهله، هذا الإنسان العظيم صاحب أكبر دعوة في الأرض، في بيته واحد منهم، كان يرى أن أبناء ابنته فاطمة الحسن والحسين يسرهم أن يركبوا على ظهره، سيد الخلق وحبيب الحق، يركبون على ظهره ويدع لهم وقتاً كافياً كي يستمتعوا، ما هذه النبوة؟.
فالمؤمن يألّف ويؤلّف، لازلنا في صفات الفتوة.
واحد من أصحابه، دخل أعرابيٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، تأملهم واحداً واحداً، قال: أيكم محمد؟ ما هذا! والله يحكى سنة على هذا النص أيكم محمد؟ ليس له لباس خاص؟ ولا كرسي خاص؟ ولا مكان خاص؟ ولا هيمنة؟ ولا كهنوت؟ واحد من أصحابه، وكلما ألغيت التصنع، والعلو، والهيمنة، كنت أقرب إلى الله عز وجل.
النبي معروف، كان مع أصحابه في سفر أرادوا أن يعالجوا شاةً بكل بساطة، قال أحدهم عليّ ذبحها، قال الثاني: علي سلخها، قال الثالث: عليّ طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام: وعليّ جمع الحطب، واحد من أصحابه، قالوا: نكفيك ذلك يا رسول الله، قال: أعلم أنكم تكفونني، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه، هذا هو.
في معركة من المعارك الرواحل ثلاثمئة و الصحابة ألف، أعطى النبي أمراً قال: كل ثلاثة على راحلة، هو قائد جيش، زعيم أمة، نبي، رسول، قال: وأنا وعليٌ وأبو لبابة على راحلة، سوى نفسه مع أقل جندي، ركب الناقة، فلما جاء دوره في المشي توسلا صاحباه أن يبقى راكباً، قال: ما أنتما بأقوى مني على السير، ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر، هذه النبوة.
7 ـ الحفاظ على القلب مع الله ودوام الإقبال على الله :
قالوا: الفتوة الحفاظ على القلب مع الله، ودوام الإقبال على الله، ما دمت متصلاً بالله فأنت أسعد الناس، أنت مستنير ترى الحق حقاً والباطل باطلاً، بقدر اتصالك بقدر رؤيتك الصحيحة، بقدر اتصالك بقدر النور الذي يقذف في قلبك، عفواً تجد المؤمن يعيش ثلاثين سنة لا يدخل مركز شرطة لأنه محسن، الأشياء واضحة عنده تماماً، أما الإنسان البعيد عن الله فيتورط بورطات كبيرة، يدفع ثمنها باهظاً، فالإنسان كلما استقام كلما حقق السلامة.
فالفتوة الحفاظ على القلب مع الله، ودوام الإقبال عليه، لكن كيف نجمع بين أن تكون مع الناس وبين أن تنأى عن سقطاتهم ووحلهم؟ هناك مصطلح جديد سماه بعض الأدباء البرج العاجي الأخلاقي، أنت لست في برجٍ عاجيٍ فكري تنأى عن هموم المجتمع، عن مشكلاته، أنت مع الناس، مع مشكلاتهم، لكنك في برجٍ عاجي أخلاقي، أنت معهم لكن لا تسقط في وحولهم، أنت معهم لكن لست في سقطاتهم، هذا البرج العاجي الفكري وسام شرف أما البرج العاجي الفكري فاستعلاء وابتعاد عن مشكلات المجتمع.
8 ـ ألا تشهد لك فضلاً وألا ترى لك حقاً :
قالوا: والفتوة ألا تشهد لك فضلاً، وألا ترى لك حقاً، فضلك على الناس أغفلته كلياً وكأنه لم يكن، وحقك على الناس نسيته، تنتبه إلى فضل الناس عليك وإلى حقهم عليك، الحقيقة هذه بطولة كبيرة.
لما وجد الأنصار في أنفسهم على النبي الكريم، هذا متى؟ عقب حنين، عقب حنين دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها، أي أقوى وقت كان فيه النبي عقب حنين، انتهت بدر، أُحد، والخندق، فتحت مكة، آخر معركة حنين دانت له الجزيرة من أقصاها إلى أقصاها، وأناسٌ وجدوا عليه في أنفسهم، والله بمنطق الأقوياء يلغي وجودهم، بمنطق الأقوياء يهملهم، بمنطق الأقوياء يعاتبهم عتاباً شديداً، يهدر بهذا العتاب كرامتهم، ماذا فعل؟ والله شيء لا يصدق! ذكرهم بفضلهم عليه قال:
(( أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدقتم ولصُدقتم ))
[أخرجه أبو يعلى والإمام أحمد في مسنده عن العرباض بن سارية ]
لو قلتم هذا الكلام أنتم صادقون والناس جميعاً تصدقكم بهذا الكلام:
(( أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدقتم ولصُدقتم، أتيتنا مكذَّباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك ))
يمكن أن تذكر من حولك وأنت قويٌ جداً بفضلهم عليك:
(( يا معشر الأنصار ألم تكونوا ضلالاً))
دقق فما قال هديتكم، قال:
(( فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف بين قلوبكم، أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا؟ تألفت قوماً ليسلموا؟ ووكلتكم إلى إسلامكم ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم في رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده إنه لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً وحظاً ))
[أخرجه أبو يعلى والإمام أحمد في مسنده عن العرباض بن سارية ]
سبحانك يا رب! هذه المواقف أين مكانها في السيرة؟ مع وفائه؟ أم حكمته؟ أم مع رحمته؟ أم مع محبته؟.
أي حوار فيه استعلاء لا ينجح :
أيها الأخوة، سيدنا عمر مرة جاءه رسول من نهاوند، سأله ما الذي حصل؟ قال له: والله مات خلقٌ كثير، قال له: من هم؟ قال له: أنت لا تعرفهم، فبكى قال: ما ضرهم أني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم، ومن أنا؟ انظر إلى أدب القرآن في الحوار.
﴿ وَإِنَّا ﴾
[ سورة سبأ الآية: 24 ]
النبي الكريم:
﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
[ سورة سبأ ]
الحق كرة عندي أو عندك، سويت نفسك مع المحاور، هناك إنسان يحاور وهو الأصح، وهو الذي لا يخطئ، وهو المهيمن، لا، إن أردت أن تأخذ بيد الناس تواضع لهم، كلام النبي ينطق به القرآن:
﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
بهذه المساواة التامة مع الخصم، أخي إما أنا أو أنت على حق، سنتحاور، أنا نبي مرسل معي وحي السماء وأنت لا تفهم شيئاً، لا، لا يجوز أن تتكلم هذا الكلام
﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
يوجد أدب آخر لا يصدق.
﴿ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾
[ سورة سبأ ]
معقول دعوة النبي جريمة؟
﴿ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾
هذا أدب القرآن في الحوار.
لذلك أي حوار فيه استعلاء لا ينجح، يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: أنا على حق وقد أكون مخطئاً، والآخر على باطل وقد يكون مصيباً.
حاجة الشباب إلى مبادئ وقيم و فرص عمل :
أيها الأخوة، الفتوة تعني مكارم الأخلاق، لكن الشباب الآن بحاجة للفتوة، بحاجة إلى قيم، إلى مبادئ، بحاجة إلى مثل، الشباب هم المستقبل، والحقيقة الذي يصنعه الشباب لا تصنعه فئةٌ أخرى، لكن هؤلاء الشريحة الشابة بحاجة إلى مبادئ، إلى قيم، بحاجة إلى فرص عمل، بحاجة إلى زواج، بحاجة إلى بيوت، والله أنا الذي أتمناه على الله أن تهتم الأمة بشبابها، وإلا الشباب أمام تطرفين تطرف تفلتي إلغاء الدين والإباحية، أو تطرف تشددي التكفير ثم التفجير، فما لم نرعَ الشباب، ونرعَ مصالحهم، ونرعَ مستقبلهم، ونرعَ زواجهم، ونرعَ تأمين فرص عمل لهم، فالأمة تمشي في طريق مسدود