الكرامة الإنسانية في الإسلام
لقد اصطفى الله تعالى الجنس البشري على الخلائق، وميّزه عن باقي الموجودات وجعله سيد الأرض }وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ{ الإسراء: من الآية 70>.
ولقد قال الله تعالى في القرآن الكريم يخاطب الناس}: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً{ لقمان: من الآية 20>.
أجل إن كل ما في الأرض موجود لأجل خدمة الإنسان، ذلك المخلوق المكرم عند الله، الذي جعله الله تعالى في أجمل صورة بين كل الكائنات }لَقَدْ خَلَقْنَا الْإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ{ التين: 4>.
ثم ميزه بنعمة العقل والتفكير والإدراك، بل طلب من الإنسان أن يستعمل نعمة العقل وحضه على استخدامه عبر النظر في هذا الكون العجيب، المليء بالنعم التي أوجدها الله للإنسانية، قال الله عز وجل}: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ، يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون{َالنحل:10-12>.
وكثيرة جداً هي الآيات القرآنية الداعية إلى إعمال العقل، واستخدام الفكر، للوصول إلى الحقائق الكبرى، ولعمارة هذه الأرض على الشكل الذي يضمن للإنسان العيش الكريم.
ولم يكتف الإسلام بالعناية بالعقل وحده، بل هو أحد ما يسمى (الكليات الخمس)، وهي التي تدور أحكام الشريعة الإسلامية كلها لحفظها، وهي: الدين والنفس والنسل والعقل والمال.
ولقد رعى الإسلام الحياة البشرية، وقدس الروح، وعظَّم من المحافظة على بقاء أي مخلوق بشري بدءاً من الجنين في بطن أمه، وانتهاء بأي فرد آدمي.
من أجل ذلك قص القرآن قصة قتل ابن آدم الأول لأخيه (قصة قابيل وهابيل) ناعياً على القاتل ذلك الفعل الشنيع، وذكر عقب تلك القصة أن الله قرر حرمة القتل وفرض ذلك على أتباع الشرائع السابقة للإسلام فقال: }ِمنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا{ ًالمائدة: من الآية 32>.
أجل، إن من يقتل نفساً واحدة، فكأنما اعتدى على كل البشر؛ لأنه إن فعل هذه الفَعلة ربما تعود تلك الجريمة، ثم صار قاتلاً سفاكاً للدماء، مزهقاً لأرواح الكثيرين.
ولأن قيمة الإنسان في إنسانيته، والإنسان ليس مجرد عدد حتى لو كان واحداً.
وبما أن مجرد الحياة دون مقومات السعادة لا تكتمل به نعم الله على الإنسانية، فقد فرض الإسلام للإنسان حقوقاً عديدة، سبق بفرضها كثيراً من العباقرة والمصلحين، فقد كفل الإسلام للإنسان حق الحرية، وشرع تشريعات عديدة لتضييق أبواب الرق والاستعباد، وجعل إعتاق العبيد عبادة يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، بل جعل الإعتاق كفارة مقابل بعض المخالفات التي قد يقع بها المسلم، كما إذا قتل إنساناً آخر على سبيل الخطأ، أو حنث في قَسَمٍ أقسم به باسم الله.
وها هو أحد أعلام الإسلام خليفةُ المسلمين الثاني عمر بن الخطاب الصحابي العظيم يوبّخ أحد الولاة الذي اعتدى بغير حق على إنسان مسيحي قبطي في مصر إبان الحكم الإسلامي، فقال له الخليفة : "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً".
وإن من تمام الاستمتاع بنعمة الحرية أن تكون حرية غير عبثية، وأن لا يؤديَ استخدامها إلى الإضرار بأحد، ولقد قيد الإسلام الحرية بقيود تكفل للمرء أن يكون حراً ضمن دائرة عدم إيذاء الآخرين، وإن كل الشرائع والقوانين تتفق مع الإسلام في هذه التقييد؛ لأن بعض الناس يتعسف في حريته بما ينتج عنه الضرر!.
فهل من الحرية أن يعمد أحد إلى إشعال حريق في غابة خضراء، ثم يقول: أنا حرٌّ، أو أن يقتل إنساناً آخر، أو يسرق ماله، أو ينهب بيته ثم يقول: أنا حر في أن أفعل ما أشاء!.
وهل من الحرية أن يشتم أحدٌ غيره، ويصفه بأقبح الصفات، ثم يقول: أنا حرٌّ في أن أقول ما أريد؟
لأجل هذا اتفق العقلاء على أن حرية الإنسان تتوقف حينما تمس حرية الآخرين، ولقد أكد نبي الإسلام محمد على دفع الضرر عن الخلائق بقوله: «لا ضرر ولا ضرار».
وشرع محمد صلى الله عليه وسلم تعاليمَ رائعةً تكفل للجماعة الإنسانية أن تعيش حرية منظمة غير فوضوية، فمن أمثلة ذلك أنه نهى عن إيذاء الجار فقال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» فلما سألوه: مَن؟ قال: «مَن لا يأمن جاره بوائقه»، أي: شروره. وهنا ألغى حرية الجار في أن يفعل أشياء تؤذي جاره.
ثم إن الإسلام فرض حق العلم، وجعله علامة خشية الله، وخشية الله تأتي من تمام معرفته، والاطلاع على عظمته عبر النظر في بديع صنعه، فقال الله تعالى: } إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ{ فاطر: من الآية 28>، وإن أول شيء نزل من القرآن هو قول الله تعالى: }اقْرَأْ{ العلق: 1>.
وقد جعل الإسلام العلم بما يُصلح حياة الإنسان، وبما يُعرّفه بالله فرضاً واجباً، فقد قال نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم « طلب العلم فريضة على كل مسلم»، وقال: «العلماء ورثة الأنبياء».
ولقد كثرت آيات القرآن الكريم الحاضّة على العلم، والمبينة لفضله، فالله تعالى يقول: } قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ { الزمر: من الآية 9>، ويعلم نبيه الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم أن يدعوه بأن يزيده علماً بقوله: } وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً{ طـه: من الآية 114>.
ولقد تماشى الإسلام مع الحاجة الفطرية لدى الإنسان في حب التملك، وشهوة الاقتناء، ففسح له سبل تحصيل المال، والتنعم به، ولقد قال الله تعالى: }وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا{ القصص: من الآية 77>.
ولكن الإسلام أكد على أن يكون كسب المال من طريق مشروع، يظهر فيه جهد الإنسان وتتفتق فيه مواهبه، وتبدو إمكاناته، ويتحقق به النفع المشترك مع الآخرين، فدعا إلى زراعة الأرض واستصلاحها، وحضَّ على الصناعة، ورغَّب بالتجارة، وشجّع الأعمال الحرفية والخدمية.
ولكنه حظر الوسائل السيئة لاكتساب المال كالسرقة والاحتيال والنهب، ومنع كلّ وجوه الارتزاق الخبيثة، قال تعالى }: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل{ البقرة: من الآية 188>.
ولقد أوجب الإسلام على الأغنياء أن يواسوا الفقراء بمقدار صغير من أموالهم، وجعل هذا المقدار حقاً مفروضاً للفقراء على الأغنياء، ترسيخاً لمفهوم الرحمة والتكافل وهذه المواساة اسمها (فريضة الزكاة)، وقد ذكرها القرآن الكريم في حوالي ثلاثين مرة متفرقة منه.
ذلك أن ترْك الفقير في وضعه السّيّئ وعدم الالتفات إليه بعين الرحمة، وعدم مدِّ يدِ العون برفق له يوغر صدره بالحسد والكراهية لأصحاب الأموال.
وفي مقابل ذلك أوجب الإسلام على الفقير أن يعمل لكي يخرج من دائرة الحاجة والعِوَز، فإن ألجأته الظروف إلى الأخذ من أموال الزكاة والصدقات، فأخذه يكون مع احتفاظه بكرامته وقدره، لأجل ذلك حرم الإسلام المن في العطية، وجعله مبطلاً لقيمة الإعطاء وثوابه، قال تعالى: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى {البقرة: من الآية 264>.
وهكذا فإن كل تشريعات الإسلام مما يتماشى مع طبيعة البشر، وفطرتهم السوية، ومما يُقوِّم انحرافاتهم السلوكية، ويصحح مفاهيمهم الخاطئة، فالحاجات الطبيعية للإنسان مضمونة، ومبادئ إنسانيته مكفولة، وذلك باعتباره عضواً صالحاً في جسد سليم ينفع غيره، وينتفع غيره منه، دون أن يؤذيه أو يتأذى منه، قال نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتِِعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»
منقول للفائدة