الاسبرين دواء لامراض النبات
الأسبرين دواء لأمراض النبات الأسبرين أو "حامض أستيل ساليسليك" دواء شائع الاستخدام لعلاج الصداع ونزلات البرد ومسكن جيد للآلام، ونظرا لانخفاض سعره وقلة آثاره الجانبية أصبح الرفيق الدائم في الصيدلية المنزلية وحقيبة الإسعافات الأولية، لكن سعره قد يتحرك للارتفاع قليلا عما قريب بعدما ظهر منافس للإنسان في استهلاك الأسبرين وهو النباتات!!
حيث توصلت عالمة مصرية إلى اكتشاف التأثير العلاجي للأسبرين في تثبيط حيوية ووقف نمو المسببات المرضية للنباتات من آفات وفطريات ممرضة عديدة، فضلا عن تحفيزه لآليات المقاومة الطبيعية للنباتات؛ مما يجعل الأسبرين بديلا آمنا للمبيدات الكيماوية على صحة الإنسان والبيئة، إضافة إلى انخفاض تكاليفه بالمقارنة بالمبيدات المستخدمة حاليا.
ومن هذا المنطلق تظهر أهمية الدراسة التي أجرتها الدكتورة نهال الموجي الباحثة بقسم أمراض النبات بالمركز القومي المصري للبحوث بإشراف الدكتور مختار عبد القادر أستاذ أمراض النباتات بالمركز، والتي تأتي في إطار الاتجاهات الحديثة لإيجاد بدائل آمنة للمبيدات على صحة الإنسان والبيئة، يمكن من خلالها حماية المحاصيل الزراعية من التدهور والإصابة بالأمراض والآفات التي تتراوح الخسائر الناجمة عنها بين 35% و50% من إجمالي الإنتاج الزراعي العالمي.
الأسبرين يمنع عفن الجذور
أجريت العديد من التجارب التطبيقية لتقييم فاعلية (حامض أستيل سالسيلك وحامض السالسيلك) في مكافحة مرض عفن الجذور وتبقع الأوراق، وهما من أكثر الأمراض شيوعاً للنباتات.
وبدراسة تأثير المعاملة بالأسبرين بتركيزات مختلفة على المحصول سواء بمعاملة التربة والبذور قبل الزراعة بصورة منفردة، أو متبوعا برش المجموع الخضري في عمر البادرة.. وجد أن معاملة البذور قبل الزراعة بالأسبرين بتركيز 0.3 % (3 جرامات أسبرين للكيلوجرام من البذور) متبوعا بثلاث رشات بالأسبرين بتركيز 50 مليموز (50 جزيئا في المليون) من بداية عمر ورقتين حقيقيتين، وترك عشرة أيام بين كل رشة وأخرى، يحقق أفضل النتائج في مقاومة المسببات المرضية.
وقد أدى ذلك لانخفاض نسبة الإصابة المرضية بنحو 80% كحد أدنى في أسوأ الظروف الحقلية مقارنة بالنباتات التي لم تعالج بالأسبرين، وتؤكد الدكتورة نهال الموجي أن هذه النسبة قابلة للتحسن مع تحسن الظروف الحقلية من حيث توفر المناخ ودرجات الحرارة المناسبين لتمام نضج النبات، وتوفر المياه والعناصر الغذائية في التربة على صورة قابلة لامتصاص النبات لها والاستفادة بها.
فرش الأسبرين لمرة واحدة ودون معالجة البذور قبل زراعتها يوفر فترة حماية للنبات نحو 90 يوما بنسبة 70% على الأقل؛ وهو ما يؤكد إمكانية استخدامه كبديل آمن للمبيدات، خاصة أن الأسبرين من الإفرازات الحيوية التي تنتجها الخلايا النباتية كأحد مكونات المناعة الطبيعية للنبات ضد المسببات المرضية.
يُذكر أن بذور الترمس والفاصوليا المعاملة بالأسبرين قد أظهرت مقاومة كبيرة لأمراض عفن الجذور وتبقع الأوراق، وأكدت التجارب الميدانية حدوث تأثير كبير على تثبيط حيوية ووقف نمو فطريات (الريزوكتونيا والإسكليروشيم والفيوزاريوم) أبرز المسببات المرضية لأمرض عفن الجذور وتبقع الأوراق نتيجة المعاملة بالأسبرين.
كما أمكن علاج مرض القمة النامية في نخيل الزينة من نوع برتشارديا المتسبب عن بكتريا سيدوموناس عن طريق رش النخيل المصاب بالأسبرين بصورة منفردة أو مع إضافة مضاد حيوي (الأستربتوميسين)، وتنصح الدكتورة نهال باستخدام خليط منهما بتركيز 800 مليموز للمضاد الحيوي، و60 مليموز للأسبرين عند بداية ظهور الأعراض المرضية.
تبقع الأوراق
وتفسر الدكتورة نهال الموجي النتائج التي توصلت إليها بأن الأسبرين له تأثير مباشر مثبط للعمليات الحيوية اللازمة لنمو المسببات المرضية؛ وهو ما يؤدي إلى إضعافها ووقف نموها، فضلا عن أن الأسبرين يعمل من جهة أخرى بعد أن يمتصه النباتات على تنشيط وتحفيز إنتاج آليات المقاومة الطبيعية داخل النبات، مثل زيادة نشاط الأنزيمات المتداخلة بعمليات المقاومة (كأنزيمات الشيتينز والجلوكانيز وغيرها) فيما يطلق عليه المقاومة المستحثة.
وهذا يجعل النباتات تتمتع بصحة جيدة وقدرة كبرى على الاستفادة بالعناصر الغذائية الموجودة في التربة، وبالتالي ارتفاع الجهاز المناعي الطبيعي للنبات، وقدرته على تحقيق مقاومة عالية للأمراض والآفات.
وترجع أهمية هذه النتائج إلى أن المسببات المرضية التي يقاومها الأسبرين تعد من المسببات الشائعة غير المختصة بنبات بعينه؛ حيث تهاجم الغالبية العظمى من النباتات الحقلية الشتوية والصيفية على السواء؛ ولذلك يمكن استخدام الأسبرين كبديل آمن للمبيدات في مكافحة العديد من الأمراض النباتية التي تصيب المجموع الجذري أو المجموع الخضري.
بديل آمن للمبيدات
ويؤكد الدكتور مختار عبد القادر أن رش النباتات بالأسبرين يقلل الحاجة لاستخدام المبيدات الكيماوية لنحو 70% على أقل تقدير؛ وهو ما يؤدي لترشيد استخدام المبيدات وتلافي آثارها الضارة على صحة الإنسان والحيوان والبيئة على السواء.
كما يؤكد أن استخدام الأسبرين في معالجة النباتات آمن تماما على صحة الإنسان والبيئة؛ حيث إن قرص الأسبرين الواحد الذي يتناوله الإنسان في صورته الدوائية عندما تتم إذابته في لتر ماء يكون تركيزه (ألف مليموز) بينما التركيز المستخدم لمعالجة النباتات لا يتعدى 50 مليموز.
وبالتالي فإن النسبة المستخدمة أقل كثيرا من قرص واحد في صورته الدوائية التي يستخدمها الإنسان أصلا بمعدل يتراوح بين قرص واحد لعلاج حالات الصداع والرشح والأنفلونزا إلى 4 أقراص يوميا في المتوسط لعلاج الأمراض الروماتزمية.
هذا فضلا عن أن كمية الأسبرين المستخدمة لا تصل كلها إلى الإنسان، وإنما نسبة ضئيلة جدا لا تكاد تذكر؛ حيث إن الرش يبدأ بعد عمر ورقتين حقيقتين؛ أي نحو 10 أيام من عمر النبات، ويحتاج النبات للرش 3 مرات بين كل مرة وأخرى 10 أيام، وبذلك تكون المرة الأخيرة وعمر النبات 40 يوما، بينما متوسط عمر النبات حوالي 160 يوما؛ أي يتبقى حوالي 120 يوما قبل الجني والحصاد.
وتلك الفترة كافية لكي يمتص النبات خلالها ما يحتاجه ويكسره ليحوله إلى صورة يسهل تعامله معها، فضلا عن أنها كافية لكي يتخلص النبات تماما من أي بقايا للأسبرين في أنسجته.
وما يتبقى بعد كل تلك الفترة -ولو أنه قدر لا يذكر- يذهب مع مياه الصرف الزراعي؛ فلا يكاد يصل للإنسان أو الحيوان شيء، ولا يترسب في التربة؛ لكونه مركبا حيويا قابلا للتحلل، بعكس المبيدات التي تترسب في أنسجة النباتات لفترة طويلة، وتنتقل للحيوانات والدواجن، وتنتقل لجسم الإنسان في غذائه مسببة له العديد من الأمراض.