لكل منا الحق في إبداء الرأي خاصة في الأمور التي تخص الناس أو مستقبل الوطن. لذلك أود أن أشرح بعض الحقائق التي غابت عن بعض من عارض مقترح ممر التنمية وذلك دعما لشباب الثورة وذويهم من الذين اقتنعوا بالمقترح ويعملون لنشر المعرفة عن المشروع وآفاقه.
أولا: مشروع الممر ليس للزراعة فقط ولكنه لتوسيع مساحة المعيشة وكل نشاطاتها شاملا العمران والزراعة والصناعة والتجارة والسياحة وفتح مجالات جديدة لشباب مصر لحياة كريمة ورحبة في بيئة صالحة تؤهل للإبداع والابتكار.
ثانيا: إن وضع مسار الممر فوق الهضبة الجيرية المستوية التي تحد غرب وادي النيل يعود إلي كونها مسطحة لا تشقها أودية عميقة لذلك تصلح لإرساء البنية التحتية يشتمل ذلك علي طريق سريع وخط كهرباء وأنبوب ماء لاستخدام الإنسان بالإضافة إلي المشاريع المستقبلية لإنتاج الطاقة الشمسية والتوسع أفقيا دون الإيذاء بالأراضي الخصبة في وادي النيل والدلتا.
ثالثا: إنني لم أقترح إطلاقا الزراعة فوق الهضبة الجيرية غرب وادي النيل. الزراعة مقترحة أن تكون في الرواسب النيلية والأراضي المستوية بين غرب النيل وأسفل شرق الهضبة وكذلك غرب الدلتا.
إن الخريطة الجيولوجية الرسمية لمصر تكشف عن مساحات من الأراضي النيلية القديمة مساحتها640 ألف فدان. كذلك توضح صور الفضاء أن المساحات من الأراضي المغطاة بالتربة وبعضها مستو تماما تزيد مساحتها عن10 ملايين ونصف المليون فدان. هذه المساحة مقترحة للتوسع في الاعمار والتنمية بكل أنواعها وإذا ما أمكن استصلاح5% فقط من هذه المساحة فهي تصل إلي520 ألف فدان( وغالبا ما يمكن زراعة02% من مساحتها الكلية أي أكثر من2 مليون فدان) معني هذا أن الأرض النيلية القديمة( تبعا لخريطة المساحة الجيولوجية) مع5% من الأراضي المستوية المتاخمة لها تصل إلي1.160.000 فدان( مليون ومائة وستون ألف فدان) ولذلك كنت أكرر باستمرار أن هناك نحو مليون فدان علي الأقل علي طول الممر المقترح تصلح للزراعة.
يلزم التوقف عند مساحة الأرض المنبسطة التي يمكن استخدامها في المعيشة والإنماء شرق الهضبة التي تحد وادي النيل وغرب الدلتا وهي عشرة ملايين ونصف مليون فدان أي تقريبا ضعف الأراضي المستخدمة حاليا وهي الغرض الأساسي من مقترح ممر التنمية. إذا اتضح أنه يمكن زراعة02% من مساحتها الكلية هذا يصل إلي أكثر من2 مليون فدان.
السواد الأعظم من هذه الأرض المستوية والقريبة من أماكن التكدس السكاني الحالي يمكن أن يستخدم في إقامة المدن الجديدة والقري والمصانع والمتاجر والمخازن وما إلي ذلك من نشاط تنموي علي مدي مئات السنين مستقبلا.
هذا أمر مهم جدا لسببين الأول تبعا لوزارة الزراعة هو أن التعدي علي الأراضي الخصبة في وادي النيل والدلتا يساوي30.000 فدان سنويا, وهذا يعني أنه إذا استمر الوضع الحالي علي ما هو عليه فسوف تختفي الأراضي الخصبة بعد183 سنة. والسبب الثاني هو أن الإحصائيات تؤكد أن تعداد السكان الحالي وهو80 مليون نسمة سوف يزداد إلي عام2050 ليصل إلي140 مليون نسمة أي إضافة60 مليون فرد إضافة علي التعداد الحالي. لذلك يلزم من الآن أن نفسح الطريق للحد من التعدي علي الأراضي الخصبة وفتح مساحات جديدة لمعيشة الأجيال القادمة.
رابعا: لم يأت ذكر استخدام المياه الجوفية فوق الهضبة لا من قريب ولا من بعيد. المياه الجوفية المقترح استخدامها هي داخل وادي النيل أي ما بين النيل والهضبة. مثلا أثبت الجيولوجي القدير الدكتور البهي عيسوي وجود آثار لفرع قديم للنيل غرب كوم أمبو وقد اختار هذه المنطقة لدراسة الدكتوارة الباحث أحمد جابر الذي يعد رسالة الدكتوراة تحت إشرافي مع زملاء في جامعة بورسعيد. وهناك قد اكتشف مجموعة من هياكل التماسيح50 كيلو مترا غرب النيل, وتوجد تحت المنطقة مياه جوفية أصلها هو نهر النيل نفسه حيث تنشع المياه في التربة والصخور المسامية حول النهر وتجدد علي الدوام. إثبات ذلك هي المزارع الموجودة حاليا في المنطقة وعشرات أخري مثلها تستخدم المياه الجوفية علي طول المسار كما توضحه الصور المكبرة للمواقع.
خامسا: قيل أن أنبوب مياه الشرب يستدعي10 محطات لرفع المياه علي المحور الطولي. هذا خطأ لأن نقطة بداية الرفع فوق الهضبة هي أعلي نقطة علي الممر, لذلك فإن المياه سوف تسير من الجنوب إلي الشمال بالضغط الذاتي. كما أن الفارق بين ساحل بحيرة السد العالي ونقطة البدء هي300 متر وهي ما تتطلب الرفع بالطريقة المثلي هندسيا.
سادسا: جاء في المعارضة أن الاحتياج الشخصي من المياه دون الزراعة4 مليارات متر مكعب. أنا لا أعرف ما هو القصد من هذا الكلام. مطلب الناس من المياه في الشرب والطهي والمعيشة علي ضفاف النيل أو غربها واحدة أينما كانوا فلا زيادة في ذلك إطلاقا.
سابعا: ثمة من يزعمون أن المحور العرضي الموصل إلي منتصف الدلتا في طنطا يستدعي نزع الملكية. صاحب هذه المقولة لم يستوعب أن مسار المحور هو الطريق الأسفلتي الحالي ما بين طنطا وكفر مجاهد ومنه إلي طريق أسفلتي حالي يؤدي للخروج من المنطقة الزراعية غربا في اتجاه المحور الطولي. لقد تم تحديد المسار كما هو حال المحاور العرضية الأخري بمساهمة الدكتورة إيمان غنيم أستاذة الجغرافيا بجامعة طنطا. كان أهم القواعد هو عدم نزع ملكية أي أراض ومن هنا نؤكد أن ممر التنمية من أهم أغراضه هو الحفاظ علي أراضي مصر الخصبة وبناء المدن والقري والطرق وما إليها خارج الأراضي الخصبة لضمان حياة كريمة لنا وللأجيال المقبلة.
ثامنا: إن أحد منافع ممر التنمية هو ربط مشروع توشكي بباقي الوطن بجميع أنواع النقل. توشكي ليس مشروعا فاشلا ولكنه مشروع لم يكتمل وربطه بمراكز التكدس السكاني يؤهل نقل الناس إليه ونقل المنتجات منه إلي جميع أنحاء الوطن بسرعة وسهولة وأمان أي أن ممر التنمية يحيي مشروع توشكي.
تاسعا: السبب الأساسي لاقتراح تمويل المشروع بالاكتتاب المصري العام هو أنه لابد أن يكون ناجحا ومربحا علي المدي الطويل. إذا تم ذلك لا يلزم الحكومة أن تصرف علي جزء منه بل تقنن العمل فيه وتتركه لزمام الناس. هكذا يمكن للحكومة أن تخصص أموال الدولة في المشاريع الوطنية المهمة مثل تنمية سيناء وأي مشاريع أخري في الوادي الجديد أو الصحراء الشرقية.
>> في حقيقة الأمر القول بأن تنمية سيناء أولي بدعم الدولة صحيح تماما. أنا من أنصار ذلك منذ أن بدأت في دراسة الصحراء المصرية في منتصف السبعينات. وبالنسبة لسيناء فقد شاركت زملاء بمعهد بحوث الصحراء في دراسة هذا الجزء الغالي من الوطن وصدر كتاب عن هذه الدارسة من المعهد في منتصف التسعينات. واليوم يشاركني الزميل مصطفي بكر الذي يعد الدكتوراة في جامعة الأزهر في العمل علي تحديد المواقع الصالحة للزراعة بوسط وشمال سيناء وما بها من مياه جوفية وتقييم ما يصلها من أمطار يمكن تخزينها, وسوف يتم نشر تلك النتائج قريبا.
إن إنماء الوادي الجديد كان هو الآخر غرضا للدراسة مع الزملاء في قسم الجيولوجيا بجامعة عين شمس منذ البدء في تصوير صحارينا من الفضاء في عهد الرئيس الراحل أنور السادات. وقام المهندس حسب الله الكفراوي بعدة مشاريع مجدية في سبيل إنماء جنوب الوادي ودرب الأربعين. نتج أيضا عن تفسير صور الرادار الحديثة اقتراح وجود المياه الجوفية في جنوب المحافظة فيما يعرف حاليا بشرق العوينات حيث شاركت الدكتور محمود أبو زيد في تشجيع استصلاح أراضيها.
واليوم يتم اختيار مواقع جديدة شرق وغرب وشمال هذه المنطقة بالتعاون مع مؤسسة رجوا حيث إن إنتاج القمح بالرش مع استخدام الطاقة الشمسية قد نجح هناك نجاحا عظيما. وفي الوقت الحالي يعمل معي الزميل محمد عبد الكريم الذي يعد الدكتوراة في جامعة قنا وهو يستخدم الصور الفضائية والمعلومات الحقلية لتحديد الأماكن الصالحة للزراعة في وادي قنا والأودية المجاورة بالصحراء الشرقية كما ثبت نجاح هذا العمل في وادي كوم أمبو من قبل.
>> معني هذا أننا لم نغفل سيناء أو الوادي الجديد أو الصحراء الشرقية. كل صحاري مصر تستدعي الدراسة وخاصة لغرض التنمية. تستدعي هذه الأماكن دعم الدولة لما يتم فيها من مشاريع. لذلك اقترحت انشاء الهيئة غير الحكومية لتحقيق ممر التنمية إذا ما ثبتت جدواه الاقتصادية كمشروع مربح علي المدي الطويل. كما ان تكلفته تفوق ما تستطيع الدولة الإنفاق عليه حاليا لذلك يكون دور الحكومة هو تقنين العمل في كل مرافقه حتي نضمن العمل المتميز السريع والمجدي بشفافية والحفاظ علي حقوق كل من شارك في دعمه ماليا ولكي يصب في نهاية المطاف في صالح للمواطنين.
عاشرا: مقترح ممر التنمية خضع للدراسة بواسطة41 خبيرا متخصصا تحت إشراف الدكتور محمد فتحي صقر بوزارة التخطيط. هذه الدراسة هي التي خرج منها تقدير التكلفة الإجمالية23.7مليار دولار. بناء علي هذه الدراسة تنظر الحكومة حاليا في الإعلان عن دراسة جدوي تفصيلية من هيئة غير حكومية للتأكد من صحة الدراسة قبل اتخاذ القرار فيه.
هذا أعتقد أن الاعتراضات في وسائل الإعلام مؤخرا قد نبعت من عدم معرفة بتفاصيل المشروع كما ورد في كتابي أو مقالاتي عنه. أعلم أيضا أن ما سلف لن يحد من الكلام ضد المشروع. وهذا وارد لأن أي شيء في الدنيا هناك من يؤيده ومن يعارضه وفي بعض الاختلاف فائدة إذا ما نتج عنه تصحيح المسار.