منقول للفائدة والإيضاح
مفاهيم: مَنْ هو فرعون موسى؟!
هذا بحث كنت نشرت منه بعض الحلاقات سابقاً بدون إعادة صياغة وتوثيق، وقد أعدت صياغته وانتهيت منه قبل أسبوع ومازال يحتاج إلى إعادة قراءة وتعديل، وقد قدمته لبعض أساتذة الجامعة في تخصصات متعددة في العلوم الإنسانية أصدقاء لوضع ملاحظاتهم عليه، وسأنشر ما لم ينشر منه سابقاً، وبعض ما نشر بعد إعادة الصياغة والتوثيق أيضاً منتظراً إضافات أو تعديلات من القراء.
فرعون موسى؛ هل هو فرعون واحد أم أكثر
عاش بنو إسرائيل في مصر بعد وفاة سيدنا يعقوب ويوسف عليهما السلام زمناً ينعمون فيه بخيرات البلاد، محتفظين بدينهم وتقاليدهم وقد تكاثر عددهم، ولم يتعرض لهم فراعنة مصر بعد طرد الهكسوس منها، وظلوا يعيشون حياة آمنة إلى عهد (رمسيس الثاني) أحد ملوك الأسرة التاسعة عشرة، حيث كان المصريين يستعبدون الأسرى ويسخرونهم في أعمال الحفر والبناء وشق الطرق وغيرها. ويقول علماء الآثار والمؤرخين: أن المصريين في عهد رمسيس الثاني استعبدوا بني إسرائيل ومارسوا عليهم أشد أنواع الخسف والجور، وتسلطوا عليهم وسخروهم في إنشاء الطرق وبناء المدن وشق الترع وزراعة الأرض. واستعملوهم خدماً في البيوت، ومنهم من قال: أن اليهود في مصر أصبحوا قوة اقتصادية هائلة تتحكم في اقتصاد مصر وسياستها. ومنهم من قال: أن اليهود ثاروا على المصريين. وقائل: أن اليهود كانوا من أنصار الملكة حتشبسوت وأن زوجها (تحمس الثالث) أراد بعد موتها التخلص من أنصارها ومعارضيه في الحكم فاضطهد اليهود.. وغيرها من الأقوال التي لا أساس لها من الصحة. ذلك لأن القرآن الكريم أصدق الكتب أخبرنا أن سبب اضطهاد فرعون لبني إسرائيل يرجع إلى غير ما ذكره علماء الآثار التوراتيين وهم يبحثون عن مبررات لخروج بني إسرائيل من مصر.
قال الله تعالى: {طسم. تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ. نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ. وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ. أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ. فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}. (القصص: من 1ـ .
إن فرعون مصر (رمسيس الثاني) كان طاغية متجبر علا واستكبر في أرض مصر. وجعل أهلها فرقاً وأصنافاً في استخدامه وطاعته، يستعبد ويستذل فريقاً منهم وهم بنو إسرائيل، فيسومهم سوء العذاب ويقتل أبنائهم الذكور ويترك الإناث على قيد الحياة لخدمته وخدمة رعيته. قال المفسرون: سبب تقتيله الذكور أن فرعون رأى في منامه أن ناراً عظيمة أقبلت من بيت المقدس وجاءت إلى أرض مصر فأحرقت القبط دون بني إسرائيل، فسأل عن ذلك المنجمين والكهنة، فقالوا له: إن مولوداً يولد في بني إسرائيل، يذهب ملكك على يديه، ويكون هلاكك بسببه فأمر أن يقتل كل ذكر من أولاد بني إسرائيل، فهو كان من الراسخين في الفساد. المتجبرين في الأرض، ولذلك ادعى الربوبية وأمعن في القتل وإذلال العباد. ذلك هو السبب والقصة معروفة في القرآن الكريم يمكن الرجوع إليها، ولكننا هنا سنقصر حديثنا على مناقشة تلك الآراء والتواريخ التي تخبط فيها علماء الآثار والمؤرخين وهم يبحثون عن سبب لخروج بني إسرائيل، وعن فرعون الخروج بما يتوافق مع الروايات التوراتية، وليس بحث علمي موضوعي بعيداً عن الانحياز المسبق لفكرة أو رأي بعينه، وخدمة للعلم ومعرفة أحداث مرحلة معينة من تاريخ البشرية، أو مصر وبني إسرائيل.
آراء علماء الآثار التوراتيين
يمكننا أن نجمل الآراء التي ذكرها علماء الآثار التوراتيين عن سبب خروج سيدنا موسى عليه السلام وبني إسرائيل من مصر واختلافهم حول فرعون موسى في ثلاثة آراء، وهي:
الرأي الأول: أن موسى ولد في أواخر عهد تحتمس الأول (1520ق.م)، وأن (حتشبسوت) تبنت موسى بعد موت أبيها (تحمتس الأول) الذي حكم من (1528-1510ق.م). وأنه عندما اعتلى (تحتمس الثالث) العرش كان عمره تسعة سنوات. فزوجوه من عمته أخت أبيه (حتشبسوت) وكانت في السابعة والثلاثين من عمرها، وكانت ذات شخصية قوية استطاعت السيطرة على (تحتمس الثالث) وأن تكون هي الملكة، وأن (تحتمس الثالث) عندما كبر حاول التخلص منها والانفراد بالحكم وحده. ولا يُعرف إن كانت قد ماتت غدراً أم موتاً طبيعياً. كما أن (تحتمس الثالث) بعد موتها قضى على كل من والاها لينفرد بالحكم، ففر سيدنا موسى خوفاً من (تحمتس الثالث) إلى "مدين" وكان في سن الأربعين، وقد اضطهد ذلك الفرعون بني إسرائيل.
الرأي الثاني: وأكثر العلماء على هذا الرأي، أن خروج بني إسرائيل من مصر حدث في عهد فرعون مصر (مرنبتاح) أو (منبتاح) أو (منفتاح). وحجتهم: أن أول ذكر لبني إسرائيل في الآثار المصرية كان عبارة وحيدة جاءت على أثر في عهد (مرنبتاح) يسميه علماء الآثار (لوح إسرائيل) ـ تسمية انتقائية مقصودة ـ يُخلد انتصارات (مرنبتاح) في العام الخامس من حكمه على أعدائه، ومنهم بني إسرائيل ومطاردته لهم والقضاء على شرهم وقوتهم قضاءً مبرماً. وذكروا لذلك أسباباً سياسية أو اقتصادية أو ثورة حدثت في فلسطين ضد الحكم المصري شارك فيها بنو إسرائيل وغيرها.
الرأي الثالث: أن خروج بني إسرائيل من مصر حدث في السنة الأخيرة من عهد (رمسيس الثاني) ولكن لم يقولوا بموته أثناء مطاردته لبني إسرائيل.
وفي تقييم مبدئي لتلك الآراء نقول:
إن الرأي الأول القائل: أن موسى ولد في أواخر عهد تحتمس الأول (1520ق.م)، وأن (حتشبسوت) تبنته وأن (تحتمس الثالث) أراد التخلص ممن والاها. إنه رأي جانب الصواب وابتعد كثيراً عن زمن الخروج، لأن الله تعالى أخبرنا في القرآن الكريم عن زوج فرعون الطيبة القلب، التي حفظت سيدنا موسى من القتل وهو طفل، ورققت قلب فرعون ليُبقي على حياته، وأنها فرحت به فرحاً عظيماً، ورعته كابنها ووليدها، إن هذه المرأة الطيبة كانت مؤمنة بالله تعالى. كافرة بما يعبد فرعون وقومه، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. (التحريم: 11).
قال المفسرون: واسمها (آسية بنت مزاحم) آمنت بموسى عليه السلام، فبلغ ذلك فرعون فأمر بقتلها، فنجاها الله من شره، حين دعت ربها قائلة: يا رب اجعل لي قصراً مشيداً بجوار رحمتك في جنة النعيم، قال بعض العلماء: ما أحسن هذا الكلام فقد اختارت الجار قبل الدار حيث قالت: "ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة" فهي تطمع في جوار الله تعالى قبل طمعها في القصور: "ونجني من فرعون وعمله" أي وأنقذني من كفر فرعون وطغيانه "ونجني من القوم الظالمين" أي أنقذني من أتباع فرعون الطاغين.
وكذلك في ظل ما يقوله المؤرخون وعلماء الآثار: أن (تحتمس الثالث) مات أثناء وجود موسى في مدين. فكيف يكون مات قبل عودة موسى من مدين ويكون الخروج حدث في عهده، والخروج تم بعد عودة موسى من مدين؟!. وحتى الذين قالوا أن الخروج حدث في عهد (أمنوفيس الثاني) نحو 1440 ق.م، الذي خلف تحتمس الثالث أي بعد عشر سنوات من موت (تحتمس الثالث)، أيضاً ابتعدوا عن الصواب لأن ذلك التاريخ بعيد جداً عن زمن الخروج الحقيقي بحسب المعلومات التاريخية الأخرى التي سنناقشها بعد قليل.
أما الرأي الثاني الذي يقول: أن خروج بني إسرائيل من مصر كان في الأيام أو السنوات الأولى من عهد (مرنبتاخ)؛ فإنه في ضوء الخبر القرآني خطأ! لأن القائلين به خلطوا بين بني إسرائيل والخابيرو وربطوا بينهما لم يميزوا أ يفقوا بين الجماعتين. وخاصة علماء الآثار من المسلمين والعرب، ولم يعودوا إلى القرآن الكريم ليقدموا دراسة صحيحة لمثل هذه الحوادث ويقولوا: أن القرآن الكريم أخبرنا أن فرعون موسى هلك وجنوده غرقاً وهو يطارد بني إسرائيل، وأن الله أمر البحر أن يلقي جسده إلى البر، ليكون لمن خلفه آية وعبرة. وأن (مرنبتاخ) الفرعون الذي خلف (رمسيس الثاني) سجل ذلك ضمن انتصاراته كذباً وزوراً ومبالغة، وهو يعلم أن خروج بني إسرائيل كان سبباً في غرق أبيه وجنوده.
ولكن لأن علماء الآثار التوراتيين كل همهم إثبات صحة تلك الخرافات التوراتية، كان لا بد لهم أن يجدوا مبرراً مقنعاً لانتصارات (مرنبتاخ) على بني إسرائيل، لذلك عمدوا إلى تزييف وتحريف الحقائق التاريخية، وعملوا على اختلاق مبرر لا أساس له من الصحة، وهو أن بني إسرائيل كانوا موجودين في فلسطين قبل ذلك التاريخ، وقد يكونوا ثاروا أو شاركوا في الثورة التي قام بها سكان فلسطين ضد الحكم المصري، وأن (مرنبتاخ) البطل الأشم استطاع أن يقضي على تلك الثورة ومن بينها ثورة بني إسرائيل! في الوقت الذي يخبرنا القرآن فيه أن بني إسرائيل كانوا في تلك السنوات يضربون في الصحراء في التيه ضالين على وجوههم لا يعرفون سبيلاً للخروج منها. ودون أن يخبرونا كيف وُجد بنو إسرائيل في فلسطين وهم المفترض بحسب روايات التوراة والقرآن مازالوا في عامهم الخامس في التيه؟!.
ولكن يبدو أن هؤلاء العلماء والمؤرخين يخشون أن يتهموا بالتعصب والتطرف وعدم الموضوعية والتجرد، وتنسحب عنهم صفة العالمية!!.
أما الرأي الثالث القائل: أن الخروج حدث في السنة الأخيرة من حكم (رمسيس الثاني) قد أصابوا، لأن نهايته كانت يوم خروج بني إسرائيل من مصر، لأن الله بعد أن أغرقه أمر البحر فألقى جثته إلى البر ليكون عبرة لمن بعده، والكل يعلم أن جثة (رمسيس الثاني) مازالت موجودة كما هي في المتحف المصري، وأنه يجري عليها من فترة لأخرى بعض الفحوصات والعلاجات لما يصيبها من أضرار.
كما أن المنام الذي رآه فرعون وبناء على تأويل المنجمين له أمر بقتل المواليد الذكور من بني إسرائيل ليحافظ على ملكه من الهلاك، كان لابد أن يتحقق فيه كما أراد الله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ}. فماذا كان يحذر فرعون وقومه منهم وهم المستضعفون المستعبدون لهم، غير الخوف من أن تتحقق رؤيا فرعون. ويكون هلاكه وذهاب ملكه على أيديهم؟.
كما نرجح أن يكون فرعون موسى هو (رمسيس الثاني) لسبب آخر: أن علماء الآثار يُقدرون أن هلاكه كان نحو 1225 ق.م، كما يذكر علماء الآثار والمؤرخين تاريخ شبه دقيق ومجمع عليه لدخول بني إسرائيل أريحا بقيادة (يوشع بن نون) هو نحو 1186 ق.م، وقد أخبرنا القرآن الكريم أنه بعد خروج بني إسرائيل من مصر إلى سيناء أُمروا بدخول "الأرض المقدسة" ـ فلسطين ـ فأبوا القتال فضرب الله تعالى عليهم التيه في سيناء أربعين سنة، توفى خلالها سيدنا موسى وهارون. وتسلم القيادة من بعدهما (يوشع بن نون) الذي دخل بهم أريحا. فإذا ما رجعنا أربعين سنة إلى الوراء من تاريخ دخول أريحا يكون التاريخ نحو 1226 ق.م.
كما أن علماء الآثار مجمعون على أن (رمسيس الثاني) كان أطول فراعنة مصر عمراً وحكماً. وبهذا نرجح أن يكون (رمسيس الثاني) هو فرعون موسى لأن موسى ولد وكبر وجهر بالدعوة وخاض الصراع مع فرعون، كل ذلك في حياة نفس الفرعون. ولا يوجد فرعون أطول عمراً وحكماً مثل (رمسيس الثاني)، ولا أكثر فساداً وتقيلاً منه، ويقال أنه تزوج من ابنته.
ولتقريب الفكرة أكثر نلقي مزيداً من الضوء على تلك الآراء
* اذا اعتمدنا تاريخ دخول اليهود أريحا بعد التيه نحو 1186ق.م كتاريخ معلوم وثابتة صحته. والتيه كان أربعين سنة، يكون الخروج قريباً مما حدده بعض علماء الآثار لهلاك (رمسيس الثاني) عام 1225 ق.م.
* إذا اعتمدنا رواية التوراة الواردة في سفر الخروج بأن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر استمرت 430 سنة: (وَأَمَّا إِقَامَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ \لَّتِي أَقَامُوهَا فِي مِصْرَ فَكَانَتْ أَرْبَعَ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً. وَكَانَ عِنْدَ نِهَايَةِ أَرْبَعِ مِئَةٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً فِي ذَلِكَ \لْيَوْمِ عَيْنِهِ أَنَّ جَمِيعَ أَجْنَادِ \لرَّبِّ خَرَجَتْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. هِيَ لَيْلَةٌ تُحْفَظُ لِلرَّبِّ لإِخْرَاجِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. هَذِهِ \للَّيْلَةُ هِيَ لِلرَّبِّ. تُحْفَظُ مِنْ جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي أَجْيَالِهِمْ". (سفر الخروج: 12/ 40 ـ 43). والمؤرخون قرروا أن استقدام سيدنا يوسف لأبويه وأهله من فلسطين إلى مصر كان نحو 1656 ق.م، فيكون تاريخ خروج بني إسرائيل من مصر هو نحو ما قدره العلماء لموت (رمسيس الثاني) 1225 ق.م، وعليه قد يكون حدث التيه في نفس عام الخروج، وكذلك دخول أريحا تم أيضاً في نفس العام الذي انتهت فيه مدة التيه.
* قال العلماء أن (رمسيس الثاني) عاش 90 سنة، وأن نهايته قُدرت نحو 1225 ق.م، أي يكون مولده نحو 1315 ق.م، فيرجح مولد موسى في السنوات الأولى لحكم (رمسيس الثاني)، وعلى هذا يكون (رمسيس الثاني) تولى الحكم قبل عام 1290 ق.م، وولِد قبل 1315 ق.م.
ونحن لا نشكك في تواريخ علماء الآثار بدون بينة واعتماداً منا على الخبر القرآني فقط، ولكننا نجد فيما ذكره علماء الآثار من تواريخ ومعلومات عن حياة (رمسيس الثاني) وعن تاريخ خروج بني إسرائيل من مصر، ما يدفعنا إلى الشك في مدى صحة تلك المعلومات، وسوف أعرض لبعضها مع مناقشتها لنبين أنها غير دقيقة بل ومتناقضة(*):
أولاً: ذكر الدكتور (نجيب ميخائيل إبراهيم) في كتابه "مصر والشرق الأدنى" (الجزء الثاني، صفحة 23) ما يلي: "أن رمسيس تزوج من (خاتوسيل) الأميرة الحثية في العام الرابع والثلاثين من الحكم، وعمره واحد وخمسون عاماً.. ومات رعمسيس وهو في التسعين من عمره (حوالي عام 1225 ق.م)... مات بعد أن حكم 67 عاماً...".
وذكر في (صفحة 227) عن تواريخ تولي (رمسيس الثاني) الحكم: "أن مدة حكم ستى الأول موضع خلاف بين المؤرخين فبعضهم يقدر له ستة عشر عاماً (1317-1301) والبعض ثمانية عشر عاماً (1309-1291 جاردينز) والفرق تافه وربما دفع إليه التفكير في مرحلة اشتراكه في الحكم مع والده". وسيتي الأول هو والد رمسيس الثاني.
ثانياً: ذكر الدكتور (عبد الحميد زايد) في كتابه "الشرق الخالد" (صفحة 260) عن معاهدة الصداقة والسلام بين رمسيس الثاني وخاتوشيليش ملك الحثين بعد معركة قادش، ما يلي: "وقد وصفت معركة قادش على كثير من دور العبادة المصرية، انتهت بمعاهدة السلام المعروفة عام 1278 ق.م تقريباً". ويقول (صفحة 515): "فقد وقعت معاهدة الصداقة بين رمسيس الثاني وخاتوشيليش في السنة الحادية والعشرين من حكمه (1269)".
وذكر (نجيب ميخائيل إبراهيم) نفس التاريخ تقريباً في (صفحة 271) من كتابه سابق الذكر: "وفي السنة الحادية والعشرين من حكم رعمسيس الثاني (حوالي 1268 ق.م) عقدت هذه المحالفة التي تعد الأولى من نوعها في تاريخ البشر".
الثابت المتفق عليه أن المعاهدة كانت في السنة (21) من حكم رمسيس والاختلاف في سنة التوقيع إحداها عام 1278 ق.م والأخرى 1269 ق.م.
ثالثاً: يقول الدكتور (عبد الحميد زايد) أيضاً (صفحة 512): "ومما يدل على أن السلام والوئام ظل فترة طويلة من الزمن يرفرف بجناحيه على كل من المملكتين أن (رمسيس الثاني) ظل ما يقارب من ست وأربعين سنة في سلام بينه وبين الحثيين. وظلت تلك العلاقات الطيبة حتى أيام حكم مرنبتاخ".
سنناقش التواريخ المتعلقة بتاريخ توقيع اتفاقية الصداقة بين (رمسيس الثاني) والحثيين ومقارنتها مع معلومات أخرى، لأنه متفق فيها على أنها وُقعت في السنة (21) من حكم رمسيس الثاني ومختلف على تاريخ توقيعها، ولأن النتائج التي سنحصل عليها تجمع نفس التواريخ التي سنحصل عليها من مناقشة بقية البنود الأخرى. ولطول المناقشة سنضعها في ملحق وحلقة مستقلة تكون التالية.
للأمانة العلمية
بعد أن انتهيت من بحثي السابق عن تاريخ الخروج وهلاك (رمسيس الثاني)، علمت أن (دريتون فانديه) ذكر في كتابه "مصر" تاريخاً قريباً مما ذكرته، وهو أن (1298 ق.م) هو عام تولي (رمسيس الثاني) الحكم. وعلى الرغم من أنني رجعت لهذا الكتاب عندما كنت أبحث عن معلومات لتصحيح المعلومات الشائعة خطأ عن الهكسوس، إلا أنني لم أطلع على ما قاله عن خروج بني إسرائيل من مصر.
كما أنه إضافة إلى رفضي لما قال به الباحثون بخصوص الخروج وتاريخه واعتمادي على فرضية صحة تاريخ دخول بني إسرائيل أريحا، ودخولهم مصر أيام سيدنا يوسف، أُضيف أن الذي دفعني لعدم الثقة في أقوال الباحثين وتواريخهم حول هذا الموضوع نقطة أخرى أرى أنها مهمة أيضاً وهي:
أن علماء الآثار قد خلطوا بين تاريخ الخابيرو أو العابيرو المذكورين في الوثائق المصرية القديمة باسم Apiru أو Hpiru وبين كلمة عبرو أو عبرانيين التي كانت تطلق على بني إسرائيل آنذاك. واعتبروا كما يقول (عبد الحميد زايد): أن "كل الإسرائيليين عبرانيين وليس كل العبرانيين إسرائيليين". وبناء عليه ربطوا تاريخ الإسرائيليين في دخولهم لمصر وخروجهم منها بتاريخ الخبيرو ولم يفصلوا بينهما، فاختلفت الآراء.
أما نحن وقد درسنا تاريخ سيدنا إبراهيم وأحفاده من خلال رؤية قرآنية، فقد فصلنا بينهم وبين غيرهم وخاصة الخابيرو، واعتبرنا بني إسرائيل جماعة لها تاريخها المستقل عن غيرها ممن يتشابهون معهم في الأسماء أو يشتركون معهم في العرق والجنس، لذلك لم نعتبر ـ كعلماء الآثار ـ أن هجرة سيدنا إبراهيم من العراق كانت جزء من هجرة كبيرة، حتى وإن ثبت أن سيدنا إبراهيم هاجر متتبعاً طريق القوافل مع جماعة كبيرة كانت متجهة إلى حران أو فلسطين. لأن هجرة سيدنا إبراهيم ومن آمن معه كانت هجرة إيمان لا علاقة لها ببقية الركب إن كان معهم ركب، لا في حلهم ولا ترحالهم إلا بما يخدم دعوتهم أو وجهتهم التي أمرهم الله بالتوجه إليها "الأرض المباركة". ونفس الأمر ينطبق على دخول سيدنا يعقوب وبنيه إلى مصر أيام سيدنا يوسف، لم يكن له علاقة بدخول الهكسوس أو قبائل الخبيرو إلى مصر أو خروجهم منها، حتى وإن ثبت أنهم رافقوا بعضهم في طريقهم إلى مصر، لأن بني إسرائيل كان لهم خصوصية اختصهم بها رب العالمين لحمل الرسالة، وليكون منهم الأنبياء والرسل. ولذلك لا يمكن ربط تاريخهم في حلهم أو ترحالهم، كدخولهم أيام يعقوب إلى مصر وخروجهم أيام موسى منها بغيرهم وخاصة قبائل الخبيرو.
من هنا جاء الخطأ عند علماء الآثار عندما درسوا وثائق الخبيرو أو غيرهم ولووا عنق الآثار للتوافق مع قصص التوراة وتواريخها.
أخيراً: لقد افترضت أن تاريخ دخول اليهود أريحا صحيحاً أو أقرب إلى الصحة، وأن التيه كان في نفس عام الخروج، وأن دخول أريحا كان في نفس عام انتهاء التيه، أما إذا تبين يوماً أن دخول أريحا كان بعد انتهاء التيه بسنوات مثلاً أو أن موسى وقومه قد عاشوا سنوات قبل أن يُضرب عليهم التيه، فيكون هلاك فرعون قبل تاريخ 1229 ق.م، وكذلك بتغير تاريخ دخول أريحا.
وبناء على ذلك أستطيع أن أجزم أن كل ما كتبه علماء الآثار، ومن نقل عنهم من عرب ومسلمين فيما يخص خروج بني إسرائيل من مصر، وأنه كان لموسى فرعونين أو أكثر، فرعون للاضطهاد، وفرعون للخروج، غير صحيح، ولكنه هو فرعون واحد، ولِد في حياته وكان هلاكه ساعة خرج ببن إسرائيل من مصر غرقاً. أضف إلى ذلك: أنه لم يُذكر أن هناك فراعنة حكموا ما بين موت سيتي الأول والد رمسيس الثاني ومرنبتاح خليفة رمسيس الثاني، غير رمسيس الثاني، الذي يعتبر الأطول عمراً وحكماً في تاريخ فراعنة مصر، وكذلك لم يُذكر أس فرعون بعد رمسيس الثاني غير مرنبتاح، وأول ذكر له في ذلك اللوح الذي يُخلد فيه انتصاراته ـ إن كانت صحيحة ـ في العشر سنوات الأولى من حكمه (1224 ق.م ـ 1214 ق.م).
كما أن الخروج لم يتم في حكم مرنبتاح خليفة رمسيس الثاني، وأجزم أن ما ذُكر على ما يسميه علماء الآثار التوراتيين (لوح إسرئيل)، غير صحيح وقد يكون من قبيل المبالغات لذلك الفرعون، لأنه المعروف عند علماء الآثار، أن بعض الفراعنة اللاحقين كانوا أوقات يمسحون أسماء سابقيهم عن بطولاتهم وإنجازاتهم ويضعون أسمائهم، وقد يكون ذلك ما فعله مرنبتاح. لأن بني إسرائيل بنص القرآن الكريم، وكذلك توراة اليهود المحرفة، أنهم بعد خمس سنوات من حكم مرنبتاح كانوا ضائعين في صحراء سيناء، يضربون في تيههم لا يعرفون سبيلاً للخروج منها. وما جاء في القرآن هو قطعي الثبوت والدلالة، ولا يعقل أن نُصدق تخريصات علماء آثار توراتيين، من التوراة ينطلقون وإليها يعودون.
[/size][/right]