رسالة مصرية ثقافية
مرحبا بك أخي الزائر نشكر زيارتك ونتمني انضمامك للمنتدي
زيارتك تسر إدارة المنتدي ومشاركتكك تسعدنا وتساهم معنا بارتفاع الثقافة العامة
بعض المنتديات الفرعية والموضوعات
لا يمكنك الإطلاع عليها إلا بعد التسجيل كعضو في المنتدي
رسالة مصرية ثقافية
مرحبا بك أخي الزائر نشكر زيارتك ونتمني انضمامك للمنتدي
زيارتك تسر إدارة المنتدي ومشاركتكك تسعدنا وتساهم معنا بارتفاع الثقافة العامة
بعض المنتديات الفرعية والموضوعات
لا يمكنك الإطلاع عليها إلا بعد التسجيل كعضو في المنتدي
رسالة مصرية ثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رسالة مصرية ثقافية

ثقافية - علمية - دينية - تربوية
 
الرئيسيةرسالة مصريةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الزعيم الراحل سعد زغلول

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
زهرة
عضو فعال
عضو فعال
زهرة


عدد المساهمات : 301
تاريخ التسجيل : 21/09/2010

الزعيم الراحل سعد زغلول  Empty
مُساهمةموضوع: الزعيم الراحل سعد زغلول    الزعيم الراحل سعد زغلول  Emptyالسبت 27 نوفمبر 2010 - 15:30

سعد زغلول



الزعيم الراحل سعد زغلول  180px-Saad_Zaghlul

بقلم/عباس محمود العقاد - 1938

لقيت "سعد زغلول" أول مرة صباح يوم الخميس الحادي والعشرين من شهر مايس سنة 1908 بمكتبه في نظارة المعارف العمومية يوم أن كانت في ديوانها المعروف بدرب الجمايز، وكنت يومئذ أعمل في تحرير "الدستور" زميل اللواء الذي كان يوالي الحملة على سعد زغلول وينتقد سياسته في المعارف أشد انتقاد، وكنت في التاسعة عشرة أي في تلك السن التي استولى عليها اللواء وجعلها من قرائه وجنده ومصدقي مدحه وهجائه، ولكني كنت أعجب بسعد وأرجو لمصر خيراً كثيراً على يديه ولا يسيغ طبعي أن يكون مثل هذا الرجل ممن يخون عهده وينسى واجبه وينقاد على غير بصيرة لأمر الموظفين الانجليز في النظارة كما كان يقال عنه في ذلك الحين.

وزادني ثقة به أنه كان من أصحاب "الأستاذ الإمام" الشيخ محمد عبده وكنت لكتابته متتبعاً وبسيرته جد معجب، فلما اشتدت الحملة عليه وشاعت شيوعها بين قرائها رأيت أن من الحق عليّ أن أدفعها عنه وأمهد لإظهار الحقيقة بما في وسعي، فلم أجد أفضل من حديث مع الباشا مدعوم بالوثائق والبراهين التي تدفع اللبس وترفع الغشاوة عن نظر السواد، وقلت في مقدمة ذلك الحديث حين نشرته " أصبحوا – أي القراء – يتساءلون عن الضجة القائمة حول التعليم ومبلغها من الصدق والإخلاص، لأن عليها يتوقف مستقبل أبنائهم وذويهم فإذا بهم يسترشدون.

لذلك أردت أن أرجع إلى رجل اعتقد فيه الصدق والغيرة على مصلحة هذا البلد وأرى أن في قوله خير حاسم لهذا النزاع الذي استطار شرره واستفحل ضرره ذلك الرجل هو سعد زغلول باشا ناظر المعارف".

ولم أكن رأيت الرجل قبل ذلك ولا نظرت إلى صورته ولا عرفت شيئاً عن شخصه غير ما سمعت عن عدله في القضاء، واشتراكه في الثورة العرابية وملازمته الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، فغدوت إلى مكتبه في موعد الحديث وأنا صورت لنفسي في الصورة التي تطابق ما سمعت وعلمت من خلاله، والعجيب أن الصورة الجثمانية لم تخطئ الظن في الكثير عن هيئته وسمته.

إلا أنني كنت أتخيله ملتحياً وهو لم يكن كذلك ولا أحسبه أرسل لحيته في ماضي حياته، فلما دخلت المكتب استقبلني واقفاً وأشار إلى كرسي أمامه فجلس وجلست، وسألني أعرفت الشيخ محمد عبده؟
قلت " نعم! قرأت رسائله وتفسيراته وترجمة حياته.
قال" هل رأيته؟"
قلت " رأيته مرتين"
قال " أين؟ أفي الأزهر؟"
قلت " لا، في أسوان. قدمني إليه أستاذي فناقشني في علومي المدرسية وبعض الآراء العامة ثم سمعت منه بشرى طيبة.
قال " ما سمعت منه؟"
قلت " أنه التفت إلى الأستاذ وقال له وهو يربت على كتفي " ما أجدر هذا أن يكون كاتباً بعد" ثم أوصاني ألاّ أقنع من العلم بوظيفة الحكومة.
فتبسم الباشا وقال " أرى أن نبوءة هذا الإمام تتحقق. واستطرد إلى كلام عن الشيخ يثني عليه ويحمد مناقبه، وإنما سألني الباشا ذلك السؤال لأنني ذكرت في الخطاب الذي طلبت فيه محادثته أنني أكبر جماعة الإمام أن يضل لها قصد في الوطنية وإن كثرت حولها النمائم والوشايات.

الزعيم الراحل سعد زغلول  180px-Muhammad_Abduh

ثم جرى الحديث بيني وبين الباشا في موضوعات شتى. ولكنه كان حديثين نشر احدهما والآخر لم ينشر لأنه ورد عرضاً في أثناء الكلام ولم يكن هو المقصود بالمحادثة، ولأن الباشا نبهني إلى مواضيع منه لا يجب أن تذاع في الصحف، وأذكر الآن من كلماته التي لم أنشرها أنه أثنى على مصطفى كامل ووصفه بالجلد والإخلاص ولكنه أنكر الضجة التي قامت بعده ووصفها بأنها " كفورة القازوزة لا تلبث أن تعلو حتى تهبط".

سعد في الوزارة

وجاءت مناسبة في عرض الحديث فعلمت أنه يلقي مشقة في تغيير عادات الموظفين الأجانب والوطنيين على السواء، فالأجانب تعودا أن يستأثروا بكل شيء والوطنيون تعودوا أن يسلموا في كل شيء، وربما منحهم السلطة وهو يهيبون استعمالها ويرجعون بها إلى الأجانب عن رغبة وطواعية.

ومن حوادث العناء الذي لقيه من الموظفين الأجانب أن مدير المكتبة الخديوية – وكان ألمانياً – أبى أن يمتثل أمراً أصدره إليه فكرر الباشا الأمر فأصر المدير على الإباء. أرسل إليه الباشا إنذاراً كالذي يرسل إلى صغار الموظفين فكبر على الرجل أن يعامل هذه المعاملة، ولجأ إلى الوكالة البريطانية لأنه كان أشبه شيء بموظف دولي في الحكومة المصرية إذ كان منصبه يحفظ للألمان باتفاق عرفي متفاهم عليه، وكان من أصدقاء البلاط الألماني وله دالة على الأسرة الإمبراطورية في برلين. فتعقدت المسألة وأبدت الوكالة البريطانية رغبتها في سحب الإنذار، فكان جواب الباشا أنه يخير المدير بين أمرين : قبول الإنذار أو الاستقالة، وأنه لا يستطيع أن يعمل في نظارته إذا لم تنته المسألة بأحد هذين الأمرين. فأذعن المدير وعدل في تصرفاته بعدها عن دعوى الاستقلال بالمكتبة والعمل فيها كما يشاء هو لا كما تشاء النظارة.

بعد الثورة

دارت الأيام واعتزل سعد الحكومة ورشح نفسه للجمعية التشريعية وتجرد لقيادة الحركة الوطنية ونفي من مصر وعاد إليها ثم نفي منها مرة أخرى وعاد من المنفى ولم ألقه في خلال ذلك كله إلا مرتين: الأولى حين خطر لي أن انتظم في بعثات الجامعة المصرية وأردت أن يكون الامتحان مباحاً لجميع الطالبين، والثانية حين قدمت إليه ديواني الثالث الذي أهديته إليه، ثم اتصلت المقابلة من سنه 1924 اتصالاً لا تقطعه إلا فترات قليلة من سفر أو مرض أو نحو ذلك.

فما تغيرت الصورة الأولى إلا بما أضاءها من وهج الحركة الوطنية وفخار الفداء وحماسة الإعجاب والإجماع. فلست أزعم أنني عارض على القراء صورة لسعد يستغربون أو لا يحيطون بجوانب خطوطها. فإن سعداً أوضح العظماء صورة في إخلاد هذه الأمة، وقلما عرف زعيم كما عرف سعد في زمانه وبين أبناء جيله، ولكني أظن أن الخطوط الدقيقة في تلك الصورة قد تُخفى على الكثيرين وإن فيما سأرويه – مما وقع لي وشاهدته – تعديلاً طفيفاً لبعض ملامحه التي يعرفها جميع عارفيه.

الصلابة

أشهر ما اشتهر به سعد الصلابة والعناد، وسعد كان ولا ريب صلب ألإرادة عنيداً فيما يعتقد أنه صواب. وهو رجل خُلق ليأمر ويطاع فلا صبر له على اللجاجة والمحال. غير أن الناس يضيفون إلى هذه الصفة ما ليس منها ويقبلون من نوادرها ما يحتاج إلى تصحيح.

فمن ذلك حكايتهم التي يتناقلونها عن المناقشة بين سعد والخديوي في مسألة " مدرسة القضاء" وأنه رحمه الله ضرب المنضدة بيده واحتد في الرد على الخديوي وهو في مجلس النظار. فحكاية ضرب المنضدة غير صحيحة وإنما الصحيح فيما أنبأنا به دولة الرئيس - وهو يقص علينا قصة تلك المدرسة – أنه شاهد من الخديوي ميلاً ظاهراً إلى رفض المشروع بعد أن شجعه على المضي فيه، ورآه يأبى عليه المناقشة والشرح أمام زملائه النظار. فاستمر الباشا يشرح مشروعه وجهر بأنه يفهم أن المناقشة حرة ويجب أن يعرف المانع من تنفيذ المشروع.

قال رحمه الله بفكاهته المعهودة : وكنت قد انتقلت من القضاء إلى النظارة بصراحتي ولا أدري أن هذا الكلام يغضب الخديوي ويثقل وقعه عليه. فلما سمع أصحابنا النظار مني هذه اللهجة أيقنوا أنني لا أقدم عليها إلا وأنا مؤيد بقوة خفية، ووهموا أن لورد كرومر يريد إنشاء مدرسة القضاء على الرغم من جميع العقبات، فأجازوا المشروع بالإجماع وبقي الخديوي وحده معارضاً فيه!

والحقيقة أن لورد كرومر لم يفاتحني في المسألة إلا بعد أن سمع بما دار بيني وبين الخديوي من المستشار المالي الذي كان حاضراً تلك الجلسة.
إنما كان يضجر سعد من المناقشة في حالة واحدة لم أشاهده غاضباً في حالة سواها. فقد علمت عادته في تبسيط المسائل وتفصيل وجوهها وتقريبها من البداهة بالبرهان الصادع والعبارة الجلية، فإذا حادثه من لم يتعود هذا النسق من البحث أو من يضمر غرضاً غير الاقتناع بالحجة الظاهرة بدا عليه الضجر وتكدر من ضياع الوقت في غير طائل.

ولقد بلوت حلمه في مسائل كثيرة تدل على سعة الصدر والرغبة الصحيحة في الإقناع. لقيته بعد خطبة العرش الأولى وكان الوفديون وغير الوفديين مختلفين في شأنها يكتفي بعضهم بما قيل ويطلب بعضهم المزيد من الإيضاح. وكان في المجلس فتح الله بركات باشا والأستاذ محمود فهمي النقراشي والأستاذ عبد القادر حمزة. فسألني دولته :
- ما رأيك فيما يقال عن خطبة العرش؟
قلت : رأيي يا دولة الرئيس أنها كان يمكن أن تكون أوضح مما هي عليه.
قال : وهل لا ينطبق هذا على كل الكلام.
قلت : بلى! ولكن إذا تساوى الوضوح وغيره في جميع الاعتبارات فرأيي يا دولة الرئيس أن الوضوح أولى بالتفصيل. فلبث رحمه الله نصف ساعة يناقشني في رأيي بلا ضجر ولا استياء. ومضت فترة بعد ذلك، وانتقل الكلام إلى شان خاص فأصغى إليه أحسن إصغاء. ثم سألني : ولماذا تحاسبني أنا في هذا ولست أنا المسئول عنه؟
قلت : لأن دولتك وكيل الأمة والمسئول عن عمل الآخرين!
فضحك رحمه الله طويلاً، ثم قال : لو حاسبني كل فرد في الأمة حسابك يا فلان لعجزت عن أعباء هذه الوكالة!
قلت وفي نفسي غضب أغالبه : يا باشا ولكن ليس كل فرد في الأمة عباس العقاد! فتبسم مؤمناً وقال : نعم! ليس كل فرد عباس العقاد. صدقت!

الزعيم الراحل سعد زغلول  31

ولما كتبت مقالي في البلاغ عن تكريم النوابغ بعد الاحتفال بأحمد شوقي بك، بلغني انه عتب علي وصرح بذلك لبعض جلسائه، وقد زرت دولته بعد أيام فأشار إلى ذلك المقال في أثناء الحديث وهو يقول : إنني لا أعترضك في رأيك ولكني كنت أنتظر أن تعفي الرجل لأجل هذه المناسبة (وكان بعضهم قد توسل غليه أن يقول كلمة في تكريم شوقي بك فأجاب رداءهم ووجه خطاباً إلى لجنة التكريم تُلي في بداية الاحتفال).

قلت : يا باشا ما أحسب أن في مصر إنساناً يحق له أن يحتمي بالوفد مني، وأردت ألا أجد في الجواب فقلت أيضاً : "إن دولتكم تسألون الناخبين إذا رشحتم لهم أحداً هل يرتضونه نائباً عنهم أو لا يرتضون؟ وها أنتم ترشحون لنا معشر الشعراء أميراً لا تسألوننا كما تسألون الناخبين!".

فقال متلطفاً : إذن أنت قاصد؟ وأخذ في كلام عن التقلب والأخلاق وعن الأدب والأدباء لا يتسع له المقام. ولست أذكر مرة واحدة كلفني الباشا أو كلف أحداً أمامي أن يكتب فكرة يمليها عليه، وإنما كان يستطلع رأيه ويحاوره غيه فإذا اتفقنا قال دولته عند ذلك : هذا موضوع جدير بأن يُكتب فيه، أو كلمة من هذا القبيل.

الصراحة والاستقامة

لو لم يشتهر سعد بالصراحة لاشتهر بالدهاء. فإن كثيراً من الموصوفين بالحيلة لا يعلمون ما يعلمه من طبائع الأمم ودخائل الرجال ولا ينفذون إلى بواطن الأمور وأسرار المعضلات، ولكن الصراحة غلبت عليه فنسي الناس فيه صفة الدهاء.

أما صراحة سعد التي عرفتها في مسائل شتى فهي من نوع من الأنفة وإباء الضيم، يكره أن يخدعه أحد وهو صامت يكتم ما في نفسه. وقد سمعته مرة يقول لفتح الله بركات باشا : إن هؤلاء الناس يستغفلوننا وأنا لا اقبل أن استغفل. يعني جماعة خرجوا على الوفد ثم عادوا إليه بعد أن تبدلت الأحوال. فقال فتح الله باشا : إنهم يا مولاي يتزلفون ولا يخطر لهم في بال أن يسموا عملهم هذا استغفالاً، فكان دولته يعالج مشقة كبيرة في الإغضاء عن هذا المسلك ولا يسمح لأحد من أولئك المرتدين أن يحاول الاعتذار.

ولما أبدى رغبته فجأة في تأليف الوزارة بعد الانتخابات الأخيرة لم تكن الوزارة من همه كما يعلم أقرب المقربين غليه، وإنما أراد أن يقف المواربين موقفاً صريحاً، وألا يشعر في نفسه بالاضطرار إلى "تفويت" ذلك الرياء.

وكان إذا جاء أمر من الأمور على غير ما يعلم قال ما يعلمه في كل مقام. ذكر له صاحب الجلالة الملك مرة أن "أ.م. باشا" لا يزور القصر منذ عهد بعيد. فقال دولته : ذلك يا صاحب الجلالة لأنه استأذن في مقابلة جلالتكم فقيل له أنكم لا تستقبلونه حتى يكتب براءة من الوفد! فقال جلالة الملك : إني لا أعلم هذا. قال الزعيم : إن هذا ما سمعه الباشا من بعض موظفي الديوان.

ومن طرائفه في فضل الصراحة والاستقامة نادرة قصها علي في ساعة كان فيها مستريح الخاطر وادع الفؤاد، قابلته على اثر اجتماع المؤتمر الوطني وتقرير الانتخاب المباشر فسألني سؤاله المعتاد : ما أخبارك؟ أو ما قولك اليوم؟

قلت : كلها أخبار خير يا دولة الرئيس، شيء لم يكن في الحسبان. قال دولته متهللاً : أو ليس كذلك؟ ثم أظهر ثقته بعناية الله وهي العناية التي كان يطمئن إليها في كل حال ويعتقد أنها تلحظه الأمة في جهادها الشريف. وقال : إنها نتيجة لو توسلنا إليها بغير وسيلة القصد الصريح لما بلغناها.

وتبسط الكلام كعادته حين يستريح بعض الراحة من همومه الكبيرة. فقال : إن استقامة القصد قلما تخيب عند مستقيم أو غير مستقيم، اذكر أنني كنت في مكتبتي أيام المحاماة وإذا بسيدة في زي نساء البيوتات تدخل المكتب وتحييني تحية الأدب والاحتشام، فأشرت إليها بالجلوس والتفت إليها بعد أن فرغت من عمل الحاضرين فسألتها : من السيدة التي شرفتني بهذه الزيارة. قالت :

محسوبتك ع. اسكندر. اسم امرأة من أصحاب البيوت المريبة المشهورة في ذلك الحين، فلما سمعت هذا الاسم حتى ثارت ثائرتي وعجبت للوكيل كيف سمح لها بالدخول وكيف اختارتني هي لقضيتها أو للمسألة التي قصدتني لأجلها، وخاطبتها بكلام قارص لم أرع فيه حق الأنوثة. فلم تحر جواباً وتركتني أقول ما أريد. حتى إذا هدأت ثائرتي وسكت قالت لي : أتسمح لي بكلمة؟ قلت تفضلي! قالت إن الناس إذا رأوني عندك في قضية كان هذا شهادة لك لا عليك. إذ لو كنت أنت من معارفي لما صدقوا أنني أثق بك وائتمنك على المصالح. ولولا أنك مستقيم لما جئتك اليوم وإلا فإن زواري المحامين كثيرون لم أفكر في واحد منهم لأنني أعرفهم وفكرت فيك لأنني لا أعرفك ولا أراك فيمن أراهم كل يوم.

قال رحمه الله : فسمعت كلاماً أريباً ولباقة معجبة، وسرتني هذه الشهادة بالسمعة الحسنة من صاحبة السمعة السيئة!

الفكاهة والدعابة

كان البلاغ ينشر أسئلته التي تستند إلى أوراق ومراسلات خاصة يتبادلها بعض الموظفين وبعض زعماء حزب الاتحاد فأشيع يوماً أن قضية دبرت لاضطرار صاحب البلاغ إلى التصريح باسم الرجل الذي ينقل إليه تلك الأوراق، وحضرنا ليلتها مجلس الرئيس فسأل الباشا الأستاذ عبد القادر متهكماً : ما العمل؟ ها أنت تسأل عن " سر مهنة" فبماذا تجيب؟ ثم قال : ما رأيك إذا كنت تأخذ هذه الأوراق من رئيس الحزب نفسه؟ ألا يصدقونك؟ ومضى يقص علينا قصة وقعت له أيام المحاماة حين كان يتولى الدفاع عن موظف فصلته نظارة الحقانية بغير حق، قال: كانت النظرة مخطئة في فصله وأفتى قلم قضاياها باستحقاقه التعويض ووصلت إلينا هذه الفتوى فاعتمدنا عليها في الدفاع. وحضر عن نظارة الحقانية رجل كانت فيه خفة وحذلقة فترك موضوع القضية وأراد أن يوجه تهمة الحصول على ورقة سرية.. أو بعبارة أخرى تهمة السرقة!

وكان رئيس المحكمة رجلاً ظريفاً فسألني وهو يتظاهر بالحيرة : ما العمل يا فلان؟ إن مندوب الحقانية يتهمك فهل أنت مستعد للجواب؟ قلت : نعم! قال : من أين لك هذه الورقة؟ هل أنت مستعد لذكر اسم الموظف الذي أعطاك إياها؟ قلت : نعم بعد استئذان حضرة المندوب!.. فصاح المندوب يرجو الرئيس أن يسألني لأجيب في الحال ويبادر باتخاذ الإجراءات، قلت : إذن هو حضرة المندوب نفسه الذي أعطاني هذه الورقة جزاه الله خيراً. قال الرئيس الجليل : فوقع الرجل في حيص بيص، وخاف أن يبلغ الأمر النظارة فتصدق التهمة ويلصقه العقاب، فعاد يتزلف ويتملص ونحن نطاول في قضية الورقة ولا نريد أن نصرفها، فإذا هو المتهم ونحن المطلوب منا السماح!

هذا نوع من فكاهة الزعيم الكبير أو من الكيد الظريف الذي يسلطه على من يريد أن يجرحه فإذا هو داخل في الشبكة التي كان يريد أن يدخله فيها، وللزعيم فكاهات كثيرة كهذه يعرفها من يتتبعون المناقشات في مجلس النواب.

وجاءه مرة عمدة من أنصاره في إبان احتدام الخلاف بين الوفد والحكومة، فشكا إليه العمدة أنهم فصلوه ولم يجن ذنباً بعد أن قضى سبعة عشر عاماً في العمدية. قال الرئيس الجليل : وهل ذنب أكبر من ذاك؟ أو لم تسمع يا بك بعذر الرجل الذي طلق مراته بعد عشرة طويلة في صفاء ووئام. طلقها فراحت تشكوه وتعتب عليه : ما ذنبي يا فلان، أبعد خمس وعشرين سنة تعمل هذه العملة؟
قال لها : مهلاً يا أم فلان، وهل ذنب أكبر من خمس وعشرين سنة في عيشة لا تتغير!

هذا نوع آخر من الفكاهة التي كان ذلك الرجل العظيم يسري بها الخطوب والشكايات حين لا تسري بغير هذه الوسيلة.

وبشره يوماً أحد أصحاب الرؤى والأحلام بنجاح الوفد في الانتخابات. قال رحمه الله : وماذا عليه؟ إن أخفقنا لم نر له وجهاً وإن نجحنا جاءنا بطلب البشارة!

الزعيم الراحل سعد زغلول  180px-S._J._al-Afghani

وحكى لنا حكاية جرت للشيخ جمال الدين الأفغاني في سفينة خيف عليها الغرق العاجل. قال الرئيس : أخبرنا الشيخ أنه رأى الصبية والنساء وضعاف القلوب في السفينة يضطربون ويهلعون. فذهب يؤكد لهم أشد التوكيد أن سفينتهم لن تغرق في تلك السفرة ويقسم لهم أنها لناجية بالأمراء، قال الشيخ : وكان القوم يظنون في القداسة ويرونني بالعمامة الخضراء فيحسبونني من دراويش الهند الذين يكشفون الغيوب ويطلعون على أسرار المستقبل. والمسألة بعد مسألة حساب، فإن غرقت السفينة لم أجد منهم من يكذبني، وإن سلمت ظفرت بالقداسة من أقرب سبيل.

هذا نوع آخر من أطايب الحديث التي يستمتع بها من كانوا يحضرون مجلس الرئيس. فهم أبداً بين ملحة مرتجلة أو نكتة بادرة أو فكاهة مستطرفة أو ذكرى تساق في معرض الحكمة ويزينها ذلك الجلال الذي يحوط قائلها المهيب.

الأخلاق الاجتماعية

طبيعة النضال هي أقوى أخلاق سعد التي نسميها بالأخلاق الاجتماعية، فهو أحيا ما يكون نفساً، إذا واثبته مناجزة الحوادث والخصوم، وقد تراه مريضاً متعباً بل قد تراه راقداً في فراشه ممنوعاً من الحركة والكلام فإذا نمى إليه نبأ يستجيش فيه تلك الطبيعة فالمرض منسي وإن كان شديداً والتعب مطوي ولأن لاحت دلائله عليه، وملكاته على أيقظ ما تكون إذا تحرك لمناقشة أو دفاع.

وأظهر أخلاقه بعد ذلك الألفة وحب الاجتماع، فه يأنس إلى الناس ويعاني أطباؤه كثيراً في منعه من المقابلات والأحاديث، لأنه لا يستريح إلى العزلة ولا يطمئن إلى السكون.

وكان بفطرته يعني بالرأي العام فيقرأ الصحف كبيرها وصغيرها ويحدثني أحياناً عن مقالات نشرها في البلاغ في صفحاته المهملة لكتاب غير مشهورين ولم ألتفت إليها. ويجد من وقته بعد كل هذا ما يفرغه لدرس الألمانية والانجليزية والاطلاع على كتب لم أكن أحسبه يحفل بالبحث في موضوعاتها. أذكر منها مؤلفات الأمير كروبتكين في الاشتراكية وكتاب مصادر العقيدة الإلهية للأستاذ سرتيللاني بالمعهد الكاثوليكي في باريس.

وكان إذا سمع الغناء الجيد طرب له وتابع المغني بحركة الرأس وكلمات الاستحسان. ولكنه في أيام الحركة الوطنية شغل عن السماع فكان لا يفرغ له مرة كل سنة أو سنتين ولا يطلبه إلا إذا عرض عليه بعض صحبه للترويح عنه.

وكان يحب السعة في العيش وينكر على الأغنياء الذين يقتصدون فيخرج بهم الاقتصاد إلى الشح والتقتير.

وكان مثلاً في كرم الضيافة ورعاية الضيوف، يسأل كلا منهم عن نومه وراحته ويسأل الخدم عنهم إذا حال الأطباء بينه وبين مقابلتهم. ولحظ مرة على المائدة في مسجد وصيف أن أحدنا ( فخري بك عبد النور) لا يأكل من كل صنف فعلم أنه صائم، فأمخر أن تصنع له الأصناف التي يأكلها الصائمون، وكان يشاركه في التناول منها – مع صعوبة هضمها عليه – ليؤنسه ولا يشعره بالوحدة على الطعام.

وأجدني قد أطلت ولا نهاية للقول في هذا الموضوع، ثم لا أراني أعلمت الناس بخلق لك يكونوا يعلمونه من أخلاق تلك العظمة التي قربتها الألفة إلى الأسماع والأبصار. ولكن لعلي عرضت الصورة عليهم في معرض من النور والظل غير الذي تعودوا أن يروها فيه، ومجمل ما أقوله الآن أن بعض العظماء يمسهم الاقتراب منهم في الصفات التي اشتهروا بها بين الملأ واستحوذوا بها على الجماهير. أما سعد فقد كان الاقتراب منه يزكي تلك الصفات ويبديه في سمة هي أدعى إلى الحب والإعجاب.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الزعيم الراحل سعد زغلول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
رسالة مصرية ثقافية :: قسم العلوم التربوية والأدبية :: شخصيات تاريخية-
انتقل الى: