من المفروض ان يساعد الطبيب في معاجة الناس من الامراض و التخفيف عن الامهم لا ان يكون هو سببا في موتهم و ازهاق ارواحهم , و هذا بالضبط ما قام به , هارلود فردريك شبمان (Harold Shipman), الطبيب الانكليزي الذي ازهق ارواح 250 شخصا من مرضاه خلال 18 سنة قضاها في ممارسة الطب , فحطم الرقم القياسي للقتلة المتسلسلين في بريطانيا , بل في العالم اجمع , في عدد ضحاياه. صحيح انه لم يكن يمثل و يعبث بجثث ضحاياه كما يفعل اغلب القتلة المتسلسلين وانما كان ببساطة يزرقهم بواسطة حقنته الرهيبة بعقار طبي يتسبب بموتهم ببطء و من دون ان يريق قطرة دم واحدة , و لكنه يبقى مع ذلك اشهر مجرم عرفه العالم فمهما اختلف اسلوب القتل يبقى الموت هو الموت , و كما يقال تعددت الاسباب و الموت واحد.
ولد شبمان في مدينة نوتنغهام الانكليزية , توفت والدته بسرطان الرئة عام 1963 عندما كان عمره 17 سنة , دخل الى جامعة ليدز للطب عام 1965 و هناك قابل بريمروز التي اصبحت فيما بعد زوجته عام 1966 و التي انجب منها اربعة اولاد. في عام 1970 تخرج من كلية الطب و بدأ العمل في احد المستوصفات في مدينة صغيرة الى الجنوب من ليدز , و في هذا المستوصف بدأ جرائمه بقتل الناس و التي استمرت لمدة 18 عاما.
في عام 1974عمل كطبيب عام في تودمودرن الى الغرب من يوركشاير , في علم 1975 تم اكتشاف قيامه بتزوير وصفات طبية لمادة الباثيدين (عقارمخدر كالمورفين) لأستعماله الخاص فأرسل الى مصحة مكافحة الادمان في يورك , و بعد ان تخلص من الادمان , عمل كطبيب عام في احدى مستشفيات هايدي بالقرب من مانشستر عام 1977 . و استمر في هذا العمل خلال فترة الثمانينات حتى افتتح عيادته الخاصة عام 1993.
في عام 1998 بدأت الشكوك تحوم حول باركر و ذلك بسبب نسبة الوفيات العالية التي تحدث في مرضاه (خاصة النسوة المتقدمات في السن) , و لكن الشرطة لم تستطع ان تجد اي دليل يدين شابمان بقتل مرضاه , وفي الشهور التالية , قبل ان يقبض عليه , قام شبمان بقتل ثلاث نساء.
كانت اخر ضحاياه امرأة تدعى كاثلين كراندي , و التي كانت تشغل في السابق مركز رئيس البلدية , حيث وجدت ميتة في بيتها في 24 يونيو 1998 , و كان اخر شخص يراها حية هو الطبيب شبمان , و الذي وقع على شهادة وفاتها ايضا.
ان اكثر ما اثار الشكوك حول شبمان هو عندما اكتشفت ابنة كراندي (اخر ضحاياه) , ان والدتها منحت في وصيتها مبلغ 386000 جنيه استرليني الى شبمان , مما جعلها تذهب الى الشرطة التي بدأت بأجراء تحقيقات مكثفة و قامت بتشريح جثة كراندي و تحليلها و قد وجدت في الجثة اثار لعقار الديامورفين (يصنف كالهيرويين و لكنه مسموح في بريطانيا لتخفيف الالام).
تم القاء القبض على شبمان في 7 سبتمبر عام 1998 , و قد اكتشفوا امتلاكه لآلة طابعة من النوع الذي استعمل لطباعة وصية كراندي المزورة.
اخذت الشرطة بعد القبض على شبمان بفتح ملفات مرضاه الاخرين خلال سنوات عمله كطبيب , و توصلوا الى الطريقة التي كان شبمان يقتل ضحاياه بواسطتها , حيث يقوم بزرق مرضاه بالديامورفين (كمية كافية لقتلهم) , ثم يقوم بالتوقيع على شهادة وفاتهم و يقوم بتزوير السجلات الطبية ليظهر ضحاياه على انهم كانوا شديدي المرض و بصحة متدنية.
بدأت محاكمة شبمان في 5 اكتوبر 1999 , و اتهم بخمسة عشر فقرة قتل للفترة من 1995-1998 و ادين بها جميعا في عام 2000 و تم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة (عقوبة الاعدام ملغاة في بريطانيا) من دون اي حق بطلب التخفيف مما يعني بقائه في السجن الى اخر يوم في حياته.
انكر شبمان جميع الجرائم الموجهة اليه و لم يعترف ابدا بقيامه بهذه الجرائم , و نتيجة لصدور الحكم عليه فقد تم اغلاق التحقيقات في بقية القضايا و لهذا فهناك الكثير ممن يعتقدون ان محاكمته غير عادلة لأن الشرطة تعتقد ان شبمان مسؤول خلال حياته المهنية عن وفاة عدة مئات من الضحايا.
ان سبب قتل شبمان لكل هؤلاء الضحايا يضل مجهولا , البعض يعتقد ان السبب يتعلق بتجربة وفاة والدته بالسرطان في مطلع شبابه مما ترك لديه عقدة نفسية , اخرون يعتقدون ان شبمان كان مولعا بأجراء التجارب و الاختبارات على العقاقير الطبية المخدرة و انه كان يطبق تجاربه على مرضاه , البعض الاخر يعتقد انه فعل ذلك من اجل المال خاصة بعد اكتشاف مجوهرات بقيمة 10000 جنيه استرليني في مرأب السيارات في بيته حيث تم التعرف على بعض القطع التي تعود لضحاياه , و هناك نضريات اخرى , و لكن يبقى السبب الحقيقي مجهولا خاصة و ان شبمان نفسه لم و لن يعترف ابدا بأرتكابه لهذه الجرائم , ففي صباح يوم 13 يناير 2004 وجد شبمان منتحرا في زنزانته حيث قام بشنق نفسه بواسطة غطاء السرير.
و هكذا فقد بقي العدد الحقيقي لضحايا شبمان غير معروف , فحسب السجلات الطبية هناك 459 حالة وفاة لمرضى كانوا تحت رعايته , و تعتقد الشرطة ان شبمان مسؤول عن مقتل 250 شخص على الاقل منهم و معظم هؤلاء كانوا من النساء المتقدمات في السن و بصحة جيدة