الخرطوم وأم درمان.. فخر السودان
الخرطوم- العرب أونلاين- الخرطوم هي عاصمة السودان تقع عند التقاء النيل الأبيض بالنيل الأزرق. شهدت الخرطوم نمواً مطرداً منذ تأسيسها، فقد تضاعف عدد السكان 70 مرة في الفترة مابين عامي 1900م و1990م؛ حيث أصبح عدد السكان 3,6 ملايين نسمة بعد أن كان 50 ألف نسمة.
وبالرغم من أن الزيادة الكبيرة في سكان العاصمة ناجمة عن الزيادة الطبيعية والهجرة؛ إلا أن الهجرة أدت دورًا حاسمًا في الزيادة السكانية. وقد شهدت الخرطوم الكبرى أكبر تيارات للهجرة البشرية خلال تاريخها الحديث؛ وبخاصة في العقد المنصرم "1983 – 1993م".
من أهم الأسباب التي ساعدت على تدفق المهاجرين بهذه الأعداد الكبيرة القحط والمجاعة في غربي السودان والحرب الأهلية في جنوبي البلاد. هذا بالإضافة إلى عدم التوازن في التنمية الإقليمية الذي لازم البلاد منذ بداية القرن العشرين.
والمهاجرون إلى الخرطوم الكبرى لايأتون فقط من داخل البلاد، ولكن وفدت أعداد كبيرة منهم عبر الحدود الدولية، حيث تعاني دول مجاورة مثل أوغندا وأثيوبيا و"إرتريا" وتشاد ظروف الجفاف والمجاعة وانتشار الحروب الأهلية. وتشير الإحصاءات الحديثة إلى أن سكان الخرطوم قد تضاعف عددهم خلال الفترة مابين عامي 1983م و1990م من 1,3 مليون نسمة إلى 3,6 ملايين نسمة، الأمر الذي أدى إلى تفاقم المشكلات من اقتصادية واجتماعية وصحية.
وقد تتضح أبعاد المشكلة إذا علمنا أن نصف هؤلاء السكان يعيشون فيما يعرف بالسكن العشوائي الذي ينتشر على هيئة طوق حول الحاضرة الأصلية، فبالإضافة إلى الآثار الديموجرافية للهجرة، يشكل انتشار البطالة كارثة اقتصادية، كما أن تزاحم هذا العدد الكبير من السكان على الخدمات أدى إلى تدنّ كبير في كثير من الخدمات الضرورية؛ مما حدا بالسلطات المحلية والقومية إلى اتخاذ بعض التدابير التي من شأنها تصحيح هذه الأوضاع حتى تستعيد العاصمة السودانية وجهها الحضاري اللائق بها.
إن السكان والعمران تأثرا بثلاث حقب زمنية، كان لكل منها بصماتها الخاصة على الأوضاع الديموجرافية في مدن العاصمة.
في فترة المهدية "1885 – 1898م"، ظل الاهتمام بمدينة أم درمان كبيرًا لدرجة أنها نمت من قرية صغيرة لايتعدى عدد سكانها 200 نسمة إلى مدينة كبرى فاق عدد سكانها 150 ألف نسمة بحلول عام 1886م.
وبدأت العاصمة المهدية تتحول من المعسكرات المؤقتة إلى المباني الثابتة، حيث شُقت الطرقات، وأُعدت الساحات، وبُني السور حول قلب المدينة المتمثل في بيت الخليفة وبعض المرافق المهمة. وقد ظل موقع الخرطوم طوال هذه الفترة خاليًا من السكان والعمران، بينما كانت الخرطوم بحري ما تزال قرية صغيرة.
أما الفترة الثانية فتُعرف بـفترة الحكم الثنائي "1898 – 1956م" وقد زاد الاهتمام في هذه الفترة بمدينة الخرطوم التي حظيت بالمباني الحكومية والسكنية الحديثة، كما لقيت مدينة الخرطوم بحري بعض الاهتمام، وبخاصة بعد وصول الخط الحديدي إليها، ثم بناء الميناء النهري وإنشاء بعض المصانع.
أما مدينة أم درمان فقد أُهملت من قِبل الحكام الجدد. فبينما نمت مدينة الخرطوم، من أطلال غير مأهولة عام 1898م، إلى مدينة تنبض بالحركة والنشاط عام 1913م، حيث وصل عدد سكانها إلى 25 ألف نسمة، ظل سكان مدينة أم درمان في تناقص بعد هزيمة الجيوش المهدية في موقعة كرري "1898م" وتقلص عدد سكان المدينة من 150 ألف نسمة عند بدء المعركة إلى مايقرب من 50 ألف نسمة خلال الأيام القليلة التالية.
وبعد أن استقرت الأوضاع للمستعمرين؛ بدأت المدن الثلاث في النمو المطرد، بحيث وصل عدد سكان هذه المدن، مع الاستقلال وبدء التعداد الأول للسكان عام 1956م إلى مايقرب من 250 ألف نسمة. أما فترة الاستقلال التي بدأت عام 1956م فقد شهدت نموّا كبيرًا في سكان العاصمة السودانية، وكان معظم هذه الزيادة ناتجًا عن الهجرة التي تسببت فيها العوامل سالفة الذكر.
بالإضافة إلى هذا، ظل اهتمام الحكومات الوطنية المتعاقبة بالعاصمة كبيرًا؛ الأمر الذي زاد من الفجوة بينها وبين أقاليم البلاد المختلفة، ومن ثم زاد من تيارات الهجرة إليها. فقد وصل سكان الخرطوم الكبرى وفق التعداد الثاني للسكان عام 1973م إلى 800 ألف نسمة، وعندما تم التعداد الثالث عام 1983م كان عدد السكان 1,3 مليون نسمة، أما في التعداد الخاص بالعاصمة القومية عام 1990م، فقد بلغ عدد السكان 3,6 مليون نسمة.
* التاريخ
تأسست الخرطوم على يد محمد بك الدفتردار زوج ابنة محمد علي باشا في عام 1821م. ثم ازدهرت كعاصمة لإقليم السودان. وفي عام 1882، سقطت تحت الاحتلال البريطاني مع باقي مصر "والسودان". القوات التابعة للمهدي بدأت حصار الخرطوم في 13 مارس 1884 ضد المدافعين بقيادة الجنرال البريطاني تشارلز جورج گوردون. الحصار نتجت عنه مذبحة للحامية الأنجلو-مصرية.
سقطت المدينة المدمرة في أيدي المهديين في 26 يناير/ كانون الثاني 1885. كانت أم درمان مسرح معركة دموية في 2 سبتمبر/ أيلول 1898 التي في أثنائها انتصرت القوات البريطانية بقيادة هوراشيو كيتشنر على قوات المهدي المدافعة عن المدينة.
وفي 1899، أصبحت الخرطوم عاصمة السودان الإنجليزي المصري. ومع استقلال السودان في 1956 أصبحت عاصمة البلد الجديد.
تشير بعض الدراسات الأثرية إلى أن ملتقى النيلين الأبيض والأزرق ظل موطنًا للإنسان منذ عهود سحيقة. وقد بينت هذه الدراسات وجود مستوطنات بشرية على موقع الخرطوم الحالي، نحو عام 4000ق.م، كما عُثر في الموقع نفسه على بقايا مستوطنات يرجع تاريخها إلى عهد نبتة ومروي "750ق.م – 350م" وكذلك العهد النصراني "540م – 1504م"، مما يدل على أن ملتقى النيلين كان مأهولاً بالسكان عبر فترات متصلة منذ أزمنة سحيقة.
كما عُثر على أدوات يرجع تاريخها إلى العصر الحجري في كل من خور أبي عنجة في مدينة أم درمان، وكذلك في قرية الشهيناب على بعد 50 كم شمالي المدينة نفسها. كل هذا يشير إلى أن الإنسـان عرف منذ زمن بعيد الأهمية الإستراتيجية لهذا الموقع المتميـز عند ملتقى النيلين. ويمكنـنا القـول إن الخرطوم الكبرى التي نراها اليوم تقف على أرض تمتد جذور تاريخها الحضري إلى عصور قديمة تعود إلى فترة نشأة المدن الأولى في التاريخ.
أما التاريخ الحديث للخرطوم؛ فيبدأ بتأسيس أول نواة للاستيطان في جزيرة توتي في منتصف القرن الثاني الميلادي، ومنها انتشر العمران في مواقع الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان. وعندما حكم الأتراك السودان قاموا باختيار الخرطوم عاصمة لهم عام 1821م. أما أم درمان فقد اختارها الإمام المهدي عاصمة له عام 1885م.
ويبدأ التاريخ المعاصر للعاصمة السودانية بفترة الحكم الثنائي "1898 – 1956م" عندما بدأ لورد هربرت كتشنر بتنفيذ مخططه لبناء مدينة الخرطوم على طراز المدن الغربية.
وتتكون مدينة الخرطوم من ثلاث محليات وهي الخرطوم، بحري وأم درمان، ولذلك سميت وحتى وقت قريب بالعاصمة المثلثة. تقع محلية الخرطوم في الجهة الجنوبية من النيل وتتكون من عدد كبير جداً من الأحياء السكنية وفيها تتمركز الوزارات الحكومية والجامعات والمعاهد التعليمية العليا.
أما محلية بحري فتقع شمال وشرق النيل إذ تمتد قبالة الخرطوم لتغطي المنطقة الواقعة ما بين النيل الأزرق وحتى ما بعد إلتقاء النيلين وتتميز منطقة بحري بأنها تحوي المنطقة الصناعية الأكبر في ولاية الخرطوم هذا بالإضافة إلى أنها تحوي أهدأ المناطق السكنية في الولاية. أم درمان وهي الضلع الثالث تعرف بأنها العاصمة القومية للسودان إذ تجمعت فيها كل قبائل السودان فيما قبل على يد الإمام المهدي.
تتركز في الخرطوم دواوين الحكومة الفيدرالية، إضافة إلى حكومة ولاية الخرطوم، والإدارات المحلية والشعبية. ويُعتبر مُجَمَّع الخرطوم الحضري مركزًا وطنيًا للتعليم العالي، حيث توجد به ثماني جامعات، إضافة إلى المعاهد الفنية والتجارية والدينية والهيئات العلمية والبحثية. ومن أهم المجالس العلمية: المجلس القومي للتعليم العالي والمجلس القومي للبحوث.
وتصدر في العاصمة الصحف اليومية والمجلات العلمية والأدبية، وتوجد بها دور النشر، والمكتبات العامة، والخاصة، والأندية الثقافية والرياضية، وفرق الفنون الشعبية، والمسارح، ودور السينما.
أماكن الزيارة في مدينة الخرطوم المتاحف الوطنية والطبيعية، والإثنية، والقصر الجمهوري، وقباب الأتراك. كما توجد في مدينة أم درمان قبة المهدي، وجامع الخليفة، ومتحـف المهدية "بيت الخليفة" وبوابة عبد القيوم، وسوق أم درمان المركزي ذو الطابع الشعبي ودار الإذاعة والتلفاز، والمسرح القومي. وفي مدينة الخرطوم بحري، يمكن زيارة الأحياء الشعبية مثل حلة حمد، وحلة خوجلي، والميناء النهري. كما يمكن الاستمتاع بالرحلات وزيارة جزيرة توتي الواقعة عند ملتقى النيلين.
* أُم دُرمان
أم درمان هي مدينة في السودان، تقع على طول نهر النيل قبالة العاصمة الخرطوم، وإن كانت غالبا ما تعتبر ضاحية فقيرة في الخرطوم، بلغ عدد سكانها 2.970.099 نسمة "2006"، وهي أكبر مدينة في البلاد، وأهم مركز تجاري بها. وهي مع الخرطوم وخرطوم بحري تشكّل تكتلا بـ7.830.479 نسمة "2006".
اسم "أم درمان" قديم وتفيد الروايات - كما أشار إلى ذلك الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم المؤرخ الوثائقي السوداني المعروف– أن الاسم يرجع إلى "عصر العنج" السابق لعصر الفونج، وأكثر الأقوال رواجاً تفيد بأنه راجع إلى امراة كانت تسكن الجهة وهي من بنات الملوك وكان لها ولد اسمه "درمان" وكانت تسكن منزلاً مبنياً من الحجر ومحاطا بسور متين ظلت آثاره ظاهرة حتى عهد قريب في منطقة "بيت المال".
عندما سقطت الخرطوم عاصمة العهد التركي على يد الإمام محمد أحمد المهدي في يناير/ كانةن الثاني 1885م وقتل حاكم السودان آنذاك غردون باشا كان معسكر المهدي في أبي سعد ورفض أن يتخذ الخرطوم عاصمة له بحسبانها عاصمة الترك الكفار وقد قيل في اختياره لموقع أم درمان أن المهدي خرج في جماعة من أصحابه وهو على جمل أطلق له العنان فسار به إلى شمال أبي سعد حتى برك في الموقع الذي فيه القبة الآن فبنى المهدي حجرة من الطين ولما توفي دفنه أصحابه في حجرته تلك تأسياً بما فعله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويمضي الدكتور أبوسليم سرده فيشير إلى أنه في عهد الخليفة عبد الله استمر توسع المدينة وبدأت المنازل تشيّد بالطين والطوب والحجر مكان تلك التي كانت تشيد بالقش والجلد والشكاب وبدأ المكان يتحول إلى مدينة دائمة بعد أن كان معسكراً للهجرة في سنة 1885م وهي السنة التي توفي فيها المهدي.
بنى الخليفة عبد الله بيت المال والسجن المسمى "بالساير" وبعد عامين شيد الدور الأرضي من منزله بمواد أحضرها من الخرطوم وفي العام الذي يليه شيّد بيت الأمانة وهو مخزن كبير للسلاح ومعدات الحرب وقبة المهدي. ثم بدأ في بناء سور المدينة الذي أحاط بقلب المدينة حيث قبة المهدي ومنازل الخلفاء وحراس الخليفة والمصالح العامة وفي سنة 1889م أحاط المسجد الجامع سوراً عظيم.
بلغ طول المدينة بين طابية أم درمان وشمبات شمالاً وجنوباً 6 اميال وعرضها شرقاً وغرباً ميلين وقد أخذت المدينة هذا الطول لأن السكان يفضلون السكن قرب النيل وقدر عدد السكان قبل وصول أولاد الغرب ما بين خمسة عشر وعشرين ألف نسمة وفي عام 1895م بلغ عددهم أربعمائة ألف نسمة.