مقدمة:
يعد العمل التطوعي وحجم الانخراط فيه رمزاً من رموز تقدم الأمم وازدهارها، فالأمة كلما ازدادت في التقدم والرقي، ازداد انخراط مواطنيها في أعمال التطوع الخيري. كما يعد الانخراط في العمل التطوعي مطلب من متطلبات الحياة المعاصرة التي أتت بالتنمية والتطور السريع في كافة المجالات.
إن تعقد الحياة الاجتماعية وتطور الظروف المعاشية والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والتقنية المتسارعة تملي علينا أوضاعاً وظروفاً جديدة تقف الحكومات أحياناً عاجزة عن مجاراتها. مما يستدعي تضافر كافة جهود المجتمع الرسمية والشعبية لمواجهة هذا الواقع وهذه الأوضاع. ومن هنا يأتي دور العمل التطوعي الفاعل والمؤازر للجهود الرسمية.
إن تزايد الطلب على الخدمات الاجتماعية نوعاً وكماً أصبح يشكل تحدياً أمام الحكومات مما يتطلب وجود جهات مساندة للنظام الرسمي خصوصاً وأن الهيئات التطوعية مفضلة على الهيئات الرسمية نظراً:
- لعدم تعقدها.
- وانتفاء البيروقراطية.
- والمتطوع عندما يقدم وقته وخدماته طوعاً يعتبر أدائه أفضل من الموظفين مدفوعي الأجر.
وقد أثبتت التجارب أن بعض الأجهزة الرسمية لا تستطيع وحدها تحقيق كافة غايات خطط ومشاريع التنمية دون المشاركة التطوعية الفعالة للمواطنين والجمعيات الأهلية التي يمكنها الإسهام بدور فاعل في عمليات التنمية نظراً لمرونتها وسرعة اتخاذ القرار فيها. ولهذا اعتنت الدول الحديثة بهذا الجانب لمعالجة مشاكل العصر والتغلب على كثير من الظروف الطارئة، في منظومة رائعة من التحالف والتكاتف بين القطاع الحكومي والقطاع الأهلي.
مفهوم العمل التطوعي:
يعرف التطوع بأنه "الجهد الذي يبذله أي إنسان بلا مقابل لمجتمعه بدافع منه للإسهام في تحمل مسئولية المؤسسة التي تعمل على تقديم الرعاية الاجتماعية" (اللحياني، 1984: 29)، كما يعرفه العلي (1416هـ: 760): بأنه "بذل مالي أو عيني أو بدني أو فكري يقدمه المسلم عن رضا وقناعة، بدافع من دينه، بدون مقابل بقصد الإسهام في مصالح معتبرة شرعاً، يحتاج إليها قطاع من المسلمين".
وهو كذلك خدمة إنسانية وطنية تهدف إلى حماية الوطن وأهله من أي خطر. وفي بعض الدول كسويسرا مثلاً يعتبر التطوع إلزامياً للذين لا تنطبق عليهم شروط الخدمة العسكرية ممن هم في سن 20-60 سنة.
والمتطوع هو الشخص الذي يسخر نفسه عن طواعية ودون إكراه أو ضغوط خارجية لمساعدة ومؤازرة الآخرين بقصد القيام بعمل يتطلب الجهد وتعدد القوى في اتجاه واحد.
أهمية العمل التطوعي:
1- تكميل العمل الحكومي وتدعيمه لصالح المجتمع عن طريق رفع مستوى الخدمة أو توسيعها.
2- توفير خدمات قد يصعب على الإدارة الحكومية تقديمها لما تتسم به الأجهزة التطوعية من مرونة وقدرة على الحركة السريعة.
3- تطبيق الأسلوب العلمي من خلال خبراء متطوعين وصنع قنوات اتصال مع منظمات شبيهة بدول أخرى من دون حساسية أو التزام رسمي والاستفادة من تجاربها الناجعة القابلة للتطبيق.
4- جلب خبرات أو أموال من خارج البلاد من منظمات مهتمة بالمجال نفسه بجانب المشاركة في ملتقيات أو مؤتمرات لتحقيق تبادل الخبرات ومن ثم مزيد من الاستفادة والنجاح.
5- التطوع ظاهرة مهمة للدلالة على حيوية الجماهير وإيجابيتها، لذلك يؤخذ مؤشراً للحكم على مدى تقدم الشعوب.
6- إبراز الصورة الإنسانية للمجتمع وتدعيم التكامل بين الناس وتأكيد اللمسة الحانية المجردة من الصراع والمنافسة.
7- ينظر إلى قطاع التطوع على أنه قطاع رائد والسبب يرجع إلى كونه جهاز مستقل، وصغير الحجم، الأمر الذي يساعده على تجريب أمور جديدة أو تغيير وتحسين الأمور القائمة، بدون أن تكون هناك أي عقبات أو صعوبات. الأمر الذي لا يتوفر في جهاز كبير، وبيروقراطي كالجهاز الحكومي.
8- إن العمل التطوعي يزيد من لحمة التماسك الوطني. وهذا دور اجتماعي هام يقوم به العمل التطوعي. يقول تيتموس (1971) (Titmuss) مقارناً العمل التطوعي بالتبرع بالدم: إن إيجاد الجو المناسب للجمهور للتبرع بحرية بدمهم لمساعدة شخص لا يعرفونه يعد مكون أساسي للمجتمع الصالح، وبنفس هذا المقياس فإنه من الأهمية للمجتمعات إتاحة الفرصة أمام المواطنين للعطاء التطوعي إن رغبوا بذلك.
إن العطاء بحرية عنصر رئيسي للمجتمع الصالح، لذا فإن الفرصة أمام الجميع للمشاركة لا يساعد فقط على تخطي عيوب بيروقراطية العمل الرسمي فحسب بل ويحقق متطلبات التنمية.
معوقات العمل التطوعي:
يواجه العمل التطوعي المؤسسي - شأنه في ذلك شأن كافة الأعمال - عقبات تحد من فاعليته وقد بين العلي (1416) تلك العقبات ونعرض لها فيما يلي بإيجاز:
أ) المعوقات المتعلقة بالمتطوع:
- الجهل بأهمية العمل التطوعي.
- عدم القيام بالمسؤوليات التي أسندت إليه في الوقت المحدد، لأن المتطوع يشعر بأنه غير ملزم بأدائه في وقت محدد خلال العمل الرسمي.
- السعي وراء الرزق وعدم وجود وقت كاف للتطوع.
- عزوف بعض المتطوعين عن التطوع في مؤسسات ليست قريبة من سكنهم.
- تعارض وقت المتطوع مع وقت العمل أو الدراسة مما يفوت عليه فرصة الاشتراك في العمل التطوعي.
- بعضهم يسعى لتحقيق أقصى استفادة شخصية ممكنة من العمل الخيري وهذا يتعارض مع طبيعة التطوع المبني على الإخلاص لله.
- استغلال مرونة التطوع إلى حد التسيب والاستهتار.
ب) معوقات متعلقة بالمنظمة الخيرية:
- عدم وجود إدارة خاصة للمتطوعين تهتم بشؤونهم وتعينهم على الاختيار المناسب حسب رغبتهم.
- عدم الإعلان الكافي عن أهداف المؤسسة وأنشطتها.
- عدم تحديد دور واضح للمتطوع وإتاحة الفرصة للمتطوع لاختيار ما يناسبه بحرية.
- عدم توافر برامج خاصة لتدريب المتطوعين قبل تكليفهم بالعمل.
- عدم التقدير المناسب للجهد الذي يبذله المتطوع.
- إرهاق كاهل المتطوع بالكثير من الأعمال الإدارية والفنية.
- المحاباة في إسناد الأعمال، وتعيين العاملين من الأقارب من غير ذوي الكفاءة.
- الشللية التي تعرقل سير العمل.
- الإسراف في الخوف وفرض القيود إلى حد التحجر وتقييد وتحجيم الأعمال.
- الخوف من التوسع خشية عدم إمكان تحقيق السيطرة والإشراف.
- البعد عن الطموح والرضا بالواقع دون محاولة تغييره.
- الوقوع تحت أسر عاملين ذوو شخصية قوية غير عابئين بتحقيق أهداف المنظمة وتطلعاتها.
- الخوف من الجديد ومن الانفتاح والوقوع في أسر الانغلاق.
- اعتبار أعمال الجمعية من الأسرار المغلقة التي يجب عدم مناقشتها مع الآخرين.
- تقييد العضوية أو الرغبة في عدم قبول عناصر جديدة فتصبح المنظمة حكراً على عدد معين.
ج) معوقات متعلقة بالمجتمع:
- عدم الوعي الكافي بين أفراد المجتمع بأهمية التطوع والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها. فثقافة التطوع متدنية بشكل كبير في كثير من المجتمعات العربية.
- اعتقاد البعض التطوع مضيعة للوقت والجهد وغير مطلوب.
- عدم بث روح التطوع بين أبناء المجتمع منذ الصغر.
- عدم وجود لوائح وتنظيمات واضحة تنظم العمل التطوعي وتحميه.
ويضيف كل من جيل وماوبي (1990) (Gill and Mawby) بعض الإشكاليات المتعلقة بالعمل التطوعي جديرة بالاهتمام، وتتمثل هذه الإشكاليات بالآتي:
. المشكلة الأولى: العلاقة بين المتطوعين والموظفين الرسميين، حيث يشعر الموظفين الرسميين (مدفوعي الأجر) أن وظيفتهم، مرتبتهم، ساعاتهم الإضافية مهددة عند استخدام المتطوعين كما أن كون المتطوع مدفوع للقيام بالأعمال التي له اهتمام بها فقط، بالتالي سيجد الموظفين الرسميين أن حجم العمل ونوعية الإحالات والمعاملات بدأت تتغير ويصبح هناك تكدس لنوعية معينة من المعاملات.
كما أن دور المتطوعين داخل المؤسسة إذا لم يحظ بقبول وموافقة من الموظفين الرسميين، فإننا سنتوقع أن الاستفادة المثلى من المتطوعين ستحجم كثيراً. كما أكد (1973 Mounsey) على ضرورة تدريب الموظفين الرسميين على أفضل الطرق للاستفادة من المتطوعين. وأضاف أن "هناك كثير من الانتقادات التي توجه لعمل المتطوعين ولكن معظم هذه الانتقادات إما مبنية على آراء شخصية، أو أنها غير مبنية على أدلة واقعية. إن الاتجاه السليم للحد من هذه المشاكل يكمن في الاختيار السليم للمتطوع من خلال وسائل وطرق علمية سليمة، وتحديد المهام والواجبات بوضوح. هذا بالإضافة إلى تدريب المتطوع وتهيئته للعمل، والإشراف المستمر عليه أثناء تأدية العمل، هذه الأمور يؤمل أن تحد من الأمور السلبية والمخاطر المصاحبة لأي برنامج تطوعي جديد. (57: 1973 Mounsey).
2. المشكلة الثانية: العلاقة بين المتطوعين والعملاء، إنه من المعروف أن علاقة المتطوع بالعميل تتسم بجودتها حيث أن المتطوع يتخطى كل حدود البيروقراطية في التعامل، كما يتحول مبدأ الواجب لدى الموظف الرسمي إلى مبدأ الرعاية والاهتمام، وبالتالي فإن العلاقة بين المتطوع والعميل تكون في أحسن صورها ونوعيتها. ولكن هناك مشكلة لابد من الإشارة لها (خصوصاً في بعض المجتمعات التي تمتاز بالعنصرية) حيث نتوقع أن تكون العلاقة بين المتطوع والعميل مرتبطة بما هو سائد في المجتمع العام من ممارسات وتمييز في المعاملة، فقد تشوب العلاقة بين المتطوع والعميل أو الخدمة المقدمة شيء من التميز أو التمييز، فقد يكون التحيز في تقديم الخدمات للفئة أو القبيلة التي ينتمي إليها المتطوع أو يحرم بعض فئات المجتمع من الحصول على الخدمة نظرية للتمييز الممارس ضدهم نظراً للمعتقد أو العرق أو الجنسية ولحل هذه المشكلة يلزم الحصول على تمثيل متكافئ لفئات المجتمع المختلفة في العمل التطوعي إلا أن ذلك يعد أمراً صعباً ومشكلة قديمة.
3. المشكلة الثالثة: تعتبر مشكلة مكانية حيث تمتاز بعض المناطق المحتاجة للخدمات التطوعية بقلة المتطوعين بينما في المقابل نجد كثرة منهم في مناطق أخرى أقل حاجة. كما أنه من الصعوبة نقل المتطوع من منطقة للعمل في منطقة أخرى، حيث أنه متطوع وليس موظف رسمي. ولحل هذه الإشكالية بالإمكان توجيه وتكثيف الخدمات الرسمية في المناطق التي تفتقر إلى متطوعين، وتقليلها في المناطق التي يكثر فيها المتطوعين، أي إعادة توزيع الخدمات الرسمية.
4. المشكلة الرابعة: ترتبط بعدم جدية بعض المتطوعين. وهذا الأمر يرتبط بالأشخاص وليس بالمؤسسات. فبعض المتطوعين لا يمكن الاعتماد عليه في أداء بعض المهام إما لعدم جديته أو لعدم كفاءته.
.المشكلة الخامسة: التمويل الحكومي، والأمر يتعلق بتأثير التمويل على استقلالية المؤسسة التطوعية وحياديتها. ويقول بول لويس (1988) "Paul Lewis" إن القطاع التطوعي لا يكون مبدعاً وتقدمياً إلا إذا كان مستقلاً مالياً، وتقل هذه الميزة كلما قلت الاستقلالية المالية". بل إن الأمر أحياناً يؤثر على جودة ونوعية الخدمة المقدمة. فالعاملون بالمؤسسة الممولة من قبل الحكومة سيكونون مشغولون بإظهار أنهم يقدمون خدمة أمام الحكومة أكثر من اهتمامهم بنوعية الخدمة المقدمة. بلاتشر (1989) Blacher يقدم مثال جيد حول هذا الأمر: في مدينة بليموث في بريطانيا يوجد ملجأ للمشردين الذين لديهم مشاكل كحولية. هذا الملجأ يعتمد اعتماداً كلياً في مصاريفه على إعانة من الحكومة واستمرت هذه الإعانة على الرغم من سوء الخدمات المقدمة للعملاء. فإدارة الملجأ تبذل مجهود كبير لإثبات أهمية بقاء الملجأ من خلال إثبات حجم التشغيل وعدد الحالات التي تأوي إليه، دون النظر لنوعية الخدمات المقدمة لهذه الحالات.
6. المشكلة السادسة: تكمن في ضرورة التوازن بين القطاع التطوعي والقطاع الحكومي. إن ازدهار القطاع التطوعي بدأ يقلص من الالتزام الحكومي في قطاع الخدمات. نعم نحن ندعم وفي بعض الحالات نفضل أن يتولى القطاع التطوعي تقديم بعض الخدمات مثل مساندة ذوي الحاجات الخاصة على سبيل المثال، ولكن هذا لا يعني أن تكون الأمور كذلك في جميع الخدمات. لابد أن يكون هناك توازن وأن لا تتخلى الحكومة عن مسئولياتها تجاه قطاعات المجتمع المختلفة واحتياجاتها وعدم الاعتماد كلية على القطاع التطوعي في القيام بكل المهام وتقديم كافة الخدمات، لأن له طاقة محدودة.
عوامل نجاح العمل التطوعي:
العمل التطوعي لابد له من مقومات وأسباب تأخذ به نحو النجاح، ولذلك من الأهمية بمكان معرفة أسباب النجاح ليتم الحرص عليها وتفعيلها وتثبيتها، وفي المقابل معرفة الأسباب التي تؤدي إلى الفشل والإخفاق ليتم البعد عنها وعلاجها في حال الوقوع فيها أو في بعضها وبالتالي فإن معالجة المعوقات أعلاه تعد من العوامل الهامة المساعدة على نجاح العمل التطوعي. ومن أسباب نجاح العمل التطوعي كما أشار إلى ذلك فوزي عليوي الجعيد (1424) ما يلي:
- أن يتفهم المتطوع بوضوح رسالة المنظمة وأهدافها.
- أن يوكل بكل متطوع العمل الذي يتناسب إمكاناته وقدراته.
- فهم المتطوع للأعمال المكلف بها والمتوقع منه.
- أن يلم المتطوع بأهداف ونظام وبرامج وأنشطة المنظمة وعلاقته بالعاملين فيها.
- أن يجد المتطوع الوقت المطلوب منه قضاؤه في عمله التطوعي بالجمعية.
- الاهتمام بتدريب المتطوعين على الأعمال التي سيكلفون بها حتى يمكن أن يؤدوها بالطريقة التي تريدها المنظمة.
- إيضاح الهيكل الإداري للمنظمة للمتطوعين.
- إجراء دراسات تقويمية لأنشطة هؤلاء المتطوعين في المنظمة.
المراجع:
1) العلي، سليمان بن علي، 1416، تنمية الموارد البشرية والمالية في المنظمات الخيرية، واشنطن: مؤسسة أمانة.
2) اللحياني، مساعد منشط، 1994، التطوع في الدفاع المدني والحماية المدنية، الرياض: مطابع الجمعة.
3) Blacher, M. (1989) “Living on the Margins. Night Shelter Use and Single Homelessness in a British City”, Ph.D thesis, Plymouth Polytechnic.
4) Gill M.L and Mawby, R.I (1990) “Volunteers in the Criminal Justice System”, Milton Keynes, Open University Press.
5) Lewis, P. (1988) When Cash is a Drug”, Community Care: Inside the Volunteers Sector, 25, February.
6) Mounsey, S.C. (1973) Resistance to the Use of Volunteers in a Probation Setting Some Practical Issues Discussed”, Canadian Journal of Criminology and Corrections, 15, 50-8. 18. Salas, L. (1979) “Social Control and Deviance in Cuba”, New York, Praeger.
7) Titmuss, R.M. (1971) the Gift Relationship”, London Allen and the Next Steps”, in M. Maguire and J. Pointing (ebs.) Victims of Crime, Melton Keynes, Open University Press.