بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
انضباط المؤمن بأقواله وأفعاله :
<p> أيها الأخوة الأكارم، لا زلنا في موضوعٍ يتصل أشد الاتصال بـ: "سبل الوصول وعلامات القبول" إنه الاعتصام.
فعن الحارث بن هشيمٍ رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني بأمرٍ أعتصم به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( املك هذا وأشار إلى لسانه ))
[ الطبراني عن الحارث بن هشيم]
(( وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلْقِي لها بالاً يَهْوِي بها سبعين خريفاً في النار ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ومالك في الموطأ عن أبي هريرة ]
وقد ورد في الأثر: أن قذف محصنة بكلمة يهدم عمل مئة سنة، بل إنه:
(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه ))
[أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك ]
الإمام الغزالي رحمه الله تعالى ذكر في الإحياء أكثر من عشرين أو ثلاثين معصية كبيرة عن طريق اللسان.
(( املك عليك هذا ))
احفظ لسانك أيها الإنســان لا يلدغنــــك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تخاف لقاءه الشجعان
***
فالإنسان بكلمة يفرق بين زوجين، بكلمة يفسد علاقة شريكين، بكلمة يفرق بين أمٍ وابنها، بكلمة يفرق بين أخٍ وأخيه، فالكلام أحياناً له فعل السنان، والمؤمن منضبطٌ في أقواله وأفعاله، الشيء الصارخ بالمؤمن المتميز أنه يضبط لسانه، هنك غيبة وهناك نميمة.
(( لا يدخل الجنة نمّام ))
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن حذيفة بن اليمان ]
كبائر اللسان لا تقل عن الكبائر الأخرى :
<p> المشكلة أن المسلمين توهموا أن الكبائر؛ الزنا، والقتل، والخمر، وهذا صحيح، ولكن هناك كبائر لا تقل عنها؛ كبائر اللسان، تجد لقاء طويلاً كله غيبة ونميمة، والناس في راحة تامة:
(( املك عليك هذا ))
[ الطبراني عن الحارث بن هشيم]
(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه ))
[أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك ]
(( وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلْقِي لها بالاً، يَهْوِي بها سبعين خريفاً في النار ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ومالك في الموطأ عن أبي هريرة ]
لي رأيٌ خاص أنه إذا ذُكرت امرأةٌ في مجلس فقال الواحد: لا نعرف، ما تكلم شيئاً، كأنه طعنها في الصميم، كأنه اتهمها بالزنا، فالإنسان قبل أن يقول كلمة، قبل أن يتكلم يجب أن يعد للمليون.
(( املك عليك لسانك ))
الشرك الخفي أخطر شيء في حياة المسلمين :
<p> وعن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال: أيها الناس ، كلام دقيق:
(( قد يئس الشيطان بأن يعبد بأرضكم ))
[ أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عباس ]
من فضل الله أن الشرك الجلي بالعالم الإسلامي غير موجود، طبعاً هناك بلاد بشرق آسيا يعبدون صنماً من دون الله، بلاد يعبدون حجراً، بلاد يعبدون شمساً وقمراً، هناك شرك لا ينتهي جلي في العالم، في العالم الإسلامي الشرك الجلي الله عز وجل عافانا منه، لكن هناك شرك خفي، هناك آلهة تعبد من دون الله .
﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾
[ سورة الجاثية الآية : 23 ]
الشهوات آلهة تعبد من دون الله، بالمصطلحات المعاصرة التنمية، من أجل التنمية فقط نشجع السياحة، ومن أجل تشجيع السياحة يجب أن نتغاضى عن آلاف الجرائم الأخلاقية ، إذاً التنمية أحياناً إلهٌ يعبد من دون الله:
(( قد يئس الشيطان بأن يعبد بأرضكم ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم ))
[أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عباس ]
المسلم محجوب عن الله بما يتوهمه ذنوباً صغيرة :
<p> النقطة الدقيقة: فالمسلم لم يقتل، لم يرتكب الزنا، لم يشرب الخمر، لكنه محجوب عن الله بما يتوهمه ذنوباً صغيرة.
(( قد يئس الشيطان بأن يعبد بأرضكم ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم ))
أليس من الخسارة الكبيرة أن تحجب عن الله بذنوبٍ تتوههما صغيرة؟ اضبط لسانك، اختلاط، وغيبة، ونميمة، ومصافحة، ومتابعة أفلام، إن بعضهم قال: هذه ليست أمة محمد، لعلها أمة مهند، حينما يتعلق الناس بأفلامٍ ساقطة، يتعلقون بها أشد التعلق، هذه مشكلة كبيرة جداً، إذاً .
(( قد يئس الشيطان بأن يعبد بأرضكم ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروا يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً، كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، إن كل مسلم أخو المسلم، المسلمون إخوة ولا يحل لامرئٍ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس، ولا تظلموا ))
[ أخرجه الحاكم في مستدركه عن عبد الله بن عباس ]
الآن دقق:
(( ولا ترجعوا من بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ))
[ أخرجه الحاكم في مستدركه عن عبد الله بن عباس ]
الخصومات المذهبية والطائفية في أمة الإسلام تعد عند رسول الله صلى الله عليه و سلم كفراً.
(( ولا ترجعوا من بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ))
ألم تسل الدماء بين المسلمين؟ المسلمون.
﴿ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾
[ سورة الحشر الآية 14 ]
وسلمهم لأعدائهم.
ما لم نستقم على أمر الله لن نقطف من ثمار الدين شيئاً :
<p> أيها الأخوة، هذا حديثٌ دقيقٌ جداً في الحديث عن اليوم الآخر، وكيف أن الإنسان سوف يحاسب أشد الحساب.
وعن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال: قلت: يا نبي الله حدثني بأمرٍ أعتصم به -أتمسك به- يكون نجاةً لي، الله عز وجل قال:
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ﴾
[ سورة آل عمران الآية : 103 ]
حبل الله القرآن الكريم، وحبل الله دين الله، وحبل الله جماعة المؤمنين، وحبل الله الأمر والنهي:
(( قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به قال : قل : ربي الله ثم استقم ))
[ أخرجه الحاكم عن سفيان بن عبد الله الثقفي ]
أي ما لم نستقم على أمر الله لن نقطف من ثمار الدين شيئاً، إسلام من دون استقامة فلكلور، عادات، تقاليد، تراث قديم، خلفيات إسلامية، أرضيات إسلامية، الإسلام لن تقطف ثماره إلا باستقامتك على أمر الله، وفر وقتك وجهدك.
المؤمن مكلف أن يأتمر بما أمر به الأنبياء :
<p> هناك رواية أخرى بهذا الحديث قال له :
(( قال: قل ربي الله ثم استقم، قال: قلت: يا رسول الله ما أكثر ما أخاف علي؟ قال : فأخذ بلسان نفسه ثم قال : هذا))
[ أخرجه الحاكم في مستدركه عن سفيان بن عبد الله الثقفي ]
لذلك النبي الكريم شيبه في سورة هود قول الله عز وجل :
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾
[ سورة هود الآية : 112 ]
(( وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين ))
[أخرجه مسلم والترمذي عن أبي هريرة]
أي هل يستطيع ممرض مهما تكن مرتبته متدنية أن يعطي حقنة من دون تعقيم؟ تعقيم الحقنة يستوي به جراح القلب مع الممرض.
(( وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين ))
العوام يقولون : نحن لسنا أنبياء، ومن قال لكم أنكم أنبياء؟ لكن:
(( وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين ))
مقام الأنبياء يفوق حدّ الخيال، لكن أنت كمؤمن أنت مكلف أن تأتمر بما أمر به الأنبياء، والدليل الآية:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ﴾
[ سورة هود الآية : 112 ]
(( قال قل ربي الله ثم استقم قال له : أريد أخف من ذلك ))
[ أخرجه الحاكم عن سفيان بن عبد الله الثقفي ]
الجواب رائع :
(( قال له : إذاً فاستعد للبلاء ))
بشكل مختصر إنسان معه التهاب معدة حاد، بحميةٍ قاسيةٍ يشفى من هذا المرض، قال له: والله الحمية صعبة، قال له: إذاً تهيأ لعملية جراحية ما دمت ترى أن الحمية صعبة فأمامك عملٌ جراحيٌ كبير .
(( قال: قل : ربي الله، ثم استقم، قال : قلتُ: يا رسول الله، ما أخوفَ ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: هذا ))
[ أخرجه الحاكم عن سفيان بن عبد الله الثقفي ]
من عدّ كلامه من عمله فقد نجا :
<p> الآن مشاكل المسلمين بالكلام، من عدّ كلامه من عمله فقد نجا، يقول لك: كلام بكلام، من قال لك: كلام بكلام؟
مرة ثالثة:
(( وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلْقِي لها بالاً يَهْوِي بها سبعين خريفا في النار ))
هناك كلمات تزلزل الإنسان، مرة قرأت كلمة لكاتب قال: أنت أخلاقي لأنك ضعيف، وأنت ضعيف لأنك أخلاقي، نسف الدين كله، نسف مكارم الأخلاق كلها، لماذا أنت ضعيف؟ لأنك أخلاقي، ولماذا أنت أخلاقي؟ لأنك ضعيف، طبعاً كلمة تحت الأقدام، عن أم الحصين رضي الله عنها قالت:
(( حَجَجْتُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الودَاعِ، فَرأيتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ وانصَرَفَ، وهو على راحِلَتِهِ، ومعه بلالٌ وأُسَامَةُ: أَحَدُهُما يقودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ والآخرُ رافعٌ ثَوبَهُ على رأسِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يُظِلُّهُ من الشمس، قالت : فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قَولا كثيراً لم أفْهمهُ، ثُمَّ سَمِعتُهُ يقولُ: إِنْ أُمِّرَ عليكم عَبْدٌ مُجَدَّعٌ، حَسِبْتها قالت : أسودُ ))
[ أخرجه مسلم والترمذي والنسائي عن أم الحصين ]
والعبد المجدع هو العبد المقطوع الأذن.
(( يَقُودُكمْ بِكِتابِ اللهِ فَاسمعوا لَهُ وَأَطِيعوا ))
[ أخرجه مسلم والترمذي والنسائي، عن أم الحصين ]
هذا الدين، لا يهم المسلم من يحكمه، يهمه كيف يُحكم، مادام هذا العبد المجدع أسود اللون ومقطوع الأذن.
(( يَقُودُكمْ بِكِتابِ اللهِ فَاسمعوا [ لَهُ ]وَأَطِيعوا ))
الإسلام دين مبادئ وقيم :
الإسلام دين مبادئ، قال له: ابسط يدك لأبايعك، سيدنا الصديق لسيدنا عمر، قال له: أي أرضٍ تقلني، وأي سماءٍ تظلني، إذا كنت أميراً على قومٍ فيهم أبو بكر، قال: يا عمر أنت أقوى مني، قال: يا خليفة رسول الله أنت أفضل مني، فقال عمر: قوتي إلى فضلك نتعاون.
هذا مجتمع المؤمنين، قوتي إلى فضلك، لذلك يقول سيدنا عمر: كنت خادم رسول الله، وجلواذه، وسيفه المسلول ، فكان يغمدني إذا شاء، وتوفي وهو عني راضٍ، الحمد لله على هذا كثيراً، وأنا به أسعد، ثم آلت الأمور إلى أبي بكر، فكنت خادمه، وجلواذه، وسيفه المسلول، فكان يغمدني إذا شاء، وتوفي وهو عني راضٍ، وأنا بهذا أسعد، ثم آلت الأمور إلي، فالناس خافوا شدته، قال: يا أبا ذر لو يعلم الناس ما في قلبي من الرحمة لأخذوا عباءتي هذه، ولكن هذا الأمر لا يناسبه إلا كما ترى، ثم آلت الأمور إلي، أيها الناس! اعلموا أن تلك الشدة قد أضعفت وإنها تكون على أهل المعصية والكفران، أما أهل التقوى والعفاف فإني سأضع خدي على الأرض ليطؤوه بأقدامهم، أيها الناس: خذوني بخمس –حاسبوني- : لكم علي ألا آخذ من أموالكم شيئاً إلا بحق، ولكم عليّ ألا أنفق من هذه الأموال شيئاً إلا بحق، ولكم علي ألا أجمركم في البعوث، ولكم علي أن أزيد عطاياكم إن شاء الله تعالى، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا، هذا عمر.
النسب تاجٌ يتوج به المؤمن :
<p> وعن زيد بن أرقم قال :
(( قام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيبا بماء يُدعى خُمّا بين مكةَ والمدينةِ، فَحمِد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكَّر، ثم قال: أما بعدُ، ألا أيُّها الناس إنما أنا بشر يُوشِكُ أن يأتيَ رسولُ ربي فأُجيبَ، وإني تارِك فيكم ثَقَلَيْن، أولُهما: كتابُ الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحثَّ على كتاب الله، ورغَّب فيه ثم قال: وأهلُ بيتي، أُذَكِّرُكُم الله في أهل بيتي، أُذَكِّركم الله في أهل بيتي ))
[ أخرجه مسلم عن زيد بن أرقم ]
أما بشرح هذا الحديث نحتاج إلى حديثٍ آخر، عن أنسٍ بن مالك رضي الله عنه قال:
(( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من آل محمد؟ فقال: كل تقي، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ } ))
[ أخرجه الطبراني عن أنس بن مالك ]
أي أقرب إنسان لرسول الله المتقي، والدليل: هناك دليل وأقرب إنسان للنبي نسباً أبو لهب.
﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾
[ سورة المسد ]
نستنبط من هذا أن النسب تاجٌ يتوج به المؤمن، فإذا كان هذا الإنسان غير مؤمن فلا قيمة للنسب إطلاقاً بدليل قوله تعالى:
﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾
لا عصمة لأحدٍ إلا في كتاب الله أو سنة رسوله أو إجماع العلماء :
<p> على كلٍّ مرة ثانية النسب تاجٌ كبير يتوج به المؤمنون، جعفر بن أبي طالب قال للنجاشي ملك الحبشة:
(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لتوحيده ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأن نعبد الله لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، قالت: فعدّد عليه أمور الإسلام فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به من عند الله، فعبدنا الله وحده ولم نشرك به، وحرّمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا، ثم ذكر باقي الحديث))
[ أخرجه الإمام أحمد عن أم سلمة أم المؤمنين ]
أيها الأخوة، يقول ابن بطال: لا عصمة لأحدٍ إلا في كتاب الله، أو في سنة رسوله، أو إجماع العلماء على معنى في أحدهما، أي الله عز وجل ما تعبدنا بأقوال فلان، ولا أقوال علان، ولا الكتاب الفلاني، تعبدنا بالقرآن الكريم، هذا حبل الله المتين، هذا هو الصراط المستقيم، هذا القرآن كما وصف بأنه كونٌ ناطق، والكون وصف بأنه قرآنٌ صامت، والنبي عليه الصلاة والسلام وصف بأنه قرآنٌ يمشي، نحن الآن في أمس الحاجة إلى مسلم يمشي.
حجب الإسلام بالمسلمين :
أخواننا الكرام، كلام دقيق العالم الآخر لا يقتنع بديننا إطلاقاً، إلا إن رأى واقعاً قوياً، الواقع مؤلم جداً، من ملامح الواقع المؤلم ارتفاع نسب البطالة، ارتفاع نسب الأمية، ارتفاع نسب الفقر، ارتفاع نسب العنوسة، من ملامح الواقع المؤلم أننا نستورد ولا نصدر، من ملامح الضعف الكبير الذي أصاب المسلمين أن بأسنا بيننا وأن سلمنا لأعدائنا، هذا الواقع لا يقنع أحداً بديننا.
لذلك قالوا: الإسلام محجوبٌ بالمسلمين، أنت إذا رأيت إنساناً من دين معين قذراً، يتسول الناس، هل يخطر ببالك لثانية واحدة أن تشتري كتاباً عن دينه فتقرأه؟ مستحيل، فالإسلام محجوب عن العالم بالمسلمين، والله الذي لا إله إلا هو لو أن الجاليات الإسلامية في العالم طبقت منهج الله عز وجل بالتمام والكمال لكان موقف العالم الغربي من الإسلام غير هذا الموقف.
لذلك الآن القضية كبيرة جداً، تحتاج أن نقدم إنجازاً حضارياً، ورقياً في واقعنا، وأن نسكت، عندئذٍ يقتنع العالم بهذا الدين، وأقول لكم كلمة خطيرة: لو نجح الخطاب الإسلامي وكان واقعنا متخلفاً لا نقنع بهذا الخطاب الناجح أحداً، لسان حال الآخرين يقولون: يا طبيب طبب لنفسك.
إقناع الطرف الآخر بالدين الإسلامي لا يكون إلا بواقع قوي و متماسك :
<p> الآن عندنا ظاهرة جديدة، قبل خمسين عاماً هل من الممكن أن تعيش كل أمة وحدها؟ نعم، أما الآن مع التواصل العالم كله كان خمس قارات، صار قارة، صار بلداً، صار مدينة، صار قرية، صار بيتاً، صار غرفة، الآن العالم كله سطح مكتب، ما يقع في أي مكان في أطراف الدنيا تراه بعد دقائق، فالعالم فيه تواصل مذهل، فيه ثورة بالمعلومات مذهلة، هذه الظاهرة الجديدة التي ظهرت مؤخراً جعلت الأمة أو الشعب أو الإنسان لا يمكن أن يعيش وحده ، فنحن لم نستطع إقناع أحدٍ بهذا الدين إلا بواقع قوي، بواقع متماسك.
فلذلك ما دام هناك أقوياء، طغاة، قال:
(( إِنما ينصُر الله هذه الأمةَ بضعيفها ))
[ أخرجه البخاري والنسائي عن سعد بن أبي وقاص ]
هؤلاء الضعفاء ينبغي أن نطعمهم إذا كانوا جياعاً، أن نكسوهم إن كانوا عراةً، أن نؤويهم إن كانوا مشردين، أن نعلمهم إن كانوا جاهلين، أن نعالجهم إن كانوا مرضى، أن ننصفهم إن كانوا مظلومين، إذا فعلنا هذا كافأنا الله بمكافأة من جنس عملنا، فنصرنا على من هو أقوى منا.
(( هل تُنصَرون وتُرزَقون إِلا بضعفائكم ؟ ))
الطريق طويل، والطريق شاق، ونحن الآن مكشوفون أمام العالم، فلابد لكل واحدٍ منا أن يسهم بشكل أو بآخر بتقوية أمته بعمل جاد، بعمل صادق أمين، وإلا فالمشكلة كبيرة، أسأل الله جل جلاله أن يعصمنا بهذا الكتاب الكريم، وأن يعصمنا بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .