الحصول على غذاء رخيص وخال من المبيدات الحشرية غاية لا تُدرك
ما هو الفرق بين الخطر الحقيقي والخطر الكامن؟ يبدو أن الفرق كبير، عندما يكون الأمر يتعلق بصناعة أو استخدام المبيدات الحشرية. فالجميع يكرهها باعتبارها أشياء خطيرة وغير طبيعية. لكن الجميع يحب فوائدها المتمثلة في إنتاج ثمار سليمة ورخيصة. لذلك فإن تنظيم تصنيعها واستخدامها يُعتبر حقل ألغام؛ حيث يسعى المسؤولون الأوروبيون حالياً لعبور هذا الحقل دون أن يتعرضوا للأذى.
الفرق بين الخطر الكامن والخطر الحقيقي، في هذا السياق، هو أن الخطر الكامن عبارة عما يتم التوصل إليه في المختبر عبر اكتشاف الكمية المطلوبة من مادة معينة لقتل أو تعريض إحدى حيوانات ذلك المختبر للأذى. أما الخطر الحقيقي فهو عبارة عما يتم اكتشافه على أرض الواقع. ويتوقف هذا الخطر الحقيقي، ليس على مدى سمِّية المادة الكيميائية وحسب، بل أيضاً على كيفية استخدامها، أي الكمية المستخدمة منها والمدة الزمنية الفاصلة بين كل عملية استخدام. في الوقت الحالي القوانين الأوروبية المتعلِّقة بالمبيدات الحشرية مبنية على عامل الخطر الحقيقي. لكن البرلمان الأوروبي سوف يصدر تشريعاً في أواخر هذا العام يجعل القوانين مبنية على تخمين الخطر الكامن، بدلاً من الخطر الحقيقي.
ويرى مؤيدو هذا التشريع أنه سيؤدي إلى سحب العديد من المواد الكيميائية الخطيرة من السوق الأوروبية. المسؤول في مديرية اللجنة الأوروبية للصحة والمستهلكين وولفغانغ راينيرت يقول إن التعديلات الجديدة تقوم على المبدأ القائل إن عرض المبيدات الحشرية للبيع يجب أن يتم فقط بعد أن تكون الشركة المنتجة لها قد أثبتت إمكانية الاستخدام الآمن لها.
بيد أن العديد من علماء الزراعة يرون أن هذا التغيير ستكون له نتائج سلبية واسعة النطاق على القطاع الزراعي، وأنه سيؤدي إلى مزيد من الارتفاع في أسعار المواد الغذائية، في الوقت الذي يعاني فيه الناس أساساً من الغلاء الفاحش في أسعار هذه المواد. وقد أشار تقرير صادر عن إحدى الهيئات الاستشارية البريطانية المتخصصة في الزراعة والبيئة إلى أن إجراء أي تعديل على القوانين الحالية سيؤدي إلى انخفاض في إنتاج المواد الغذائية يصل إلى 25 بالمئة.
ولم يكن مفاجئاً اعتبار جون أتكن، مدير شركة «سينجنتا» السويسرية للمواد الزراعية والكيميائية، أن التعديلات المزمع إدخالها على القوانين الحالية في غير محلها. وأضاف أنه حتى القوانين المعمول بها حالياً تُعتبر جائرة، كونها منعت استخدام بعض المركبات الكيميائية المفيدة، مما أثر سلباً على إنتاج بعض المواد الغذائية. ثم تساءل عن الحالة التي ستؤول إليها الأمور في ظل التشريع الجديد.
إيان ديوهورست، كبير علماء السموم في مديرية السلامة من المبيدات الحشرية التابعة للحكومة البريطانية، اعتبر أن عجز الاتحاد الأوروبي عن التفكير بالمخاطر الحقيقية التي يمكن أن يشكلها مثل هذا التشريع على العالم قد يؤدي به إلى حظر مبيدات حشرية تُعتبر آمنة على الصحة، وربما عدم اتخاذ إجراء ضد بعض المواد الأخرى التي تُعتبر خطيرة.
لكن المؤيدين للتعديلات المزمع إجراؤها يقولون إن النظام الحالي القائم على تقدير الخطر الحقيقي غير كاف لإزالة كافة المخاطر المحتملة. فيفيان هاوارد، عالم السموم والأمراض في جامعة ألستر البريطانية، يقول: «كلنا نعلم أن المبيدات الحشرية تستطيع الوصول إلينا من حيث لا ندري». وكمثال على ذلك أشار إلى التحذير الذي تم توجيهه إلى المواطنين البريطانيين الشهر الماضي، والذي يحضهم على عدم تناول الخضار التي زرعوها في حدائقهم المنزلية لأن السماد المستخدم ربما يكون ملوثاً بإحدى مبيدات الأعشاب الضارة والتي تُدعى «أمينوبيراليد».
والتشريع الجديد، حسب رأي الدكتور هاوارد، يقوم على العلم والبراغماتية معاً، كونه يهدف إلى إزالة المواد السامة من طعامنا بشكلٍ كامل. ويرى أن الأمر هام جداً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مسألة حماية الأجنة، التي تُعتبر الفئة الأكثر استعداداً للتعرض للتشوهات نتيجة التأثيرات الخارجية التي تحملها إليها المواد الكيميائية.
يمكن استخلاص عدة دروس من هذا الجدل. الأول هو أنك لا تستطيع إرضاء كل الناس طوال الوقت؛ فالحصول على غذاء رخيص وخال من المبيدات الحشرية غاية لا تُدرك. والثاني هو أن العلم لا يستطيع دائماً الوصول إلى إجابات كافية ووافية؛ فصياغة القوانين، سواء كان ذلك على أساس الخطر الحقيقي أم الخطر الكامن، لن يؤدي إلى إلغاء جميع المخاطر المحتملة، نظراً لاستحالة تحديد وقياس هذه المخاطر.
لكن هناك درس واحد يمكن أن يقدِّمه العلم للسياسيين؛ وهو أنه يجب عليهم في البداية القيام بالتجربة قبل تحديد النتائج. وفي حال فشلت التجربة يجب أن تكون لديهم الشجاعة الأخلاقية الكافية للاعتراف بالخطأ، ثم الاتجاه نحو تجربة شيء آخر.