رسالة مصرية ثقافية
مرحبا بك أخي الزائر نشكر زيارتك ونتمني انضمامك للمنتدي
زيارتك تسر إدارة المنتدي ومشاركتكك تسعدنا وتساهم معنا بارتفاع الثقافة العامة
بعض المنتديات الفرعية والموضوعات
لا يمكنك الإطلاع عليها إلا بعد التسجيل كعضو في المنتدي
رسالة مصرية ثقافية
مرحبا بك أخي الزائر نشكر زيارتك ونتمني انضمامك للمنتدي
زيارتك تسر إدارة المنتدي ومشاركتكك تسعدنا وتساهم معنا بارتفاع الثقافة العامة
بعض المنتديات الفرعية والموضوعات
لا يمكنك الإطلاع عليها إلا بعد التسجيل كعضو في المنتدي
رسالة مصرية ثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رسالة مصرية ثقافية

ثقافية - علمية - دينية - تربوية
 
الرئيسيةرسالة مصريةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 49

الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير  Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير    الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:33

عصر متفائل

كان الأشخاص المحافظون في أوروبا وأمريكا الشمالية في القرن التاسع عشر ينظرون عادة نظرة متشائمة للمستقبل، أما آراء الأشخاص المشبعين بأفكار التنوير فكانت ميالة إلى قدر كبير من التفاؤل، ولم يبدأ الناس باستخدام كلمة تفاؤل في اللغة الإنكليزية Optimism إلا في القرن الثامن عشر.

ويبدو أن أكثر الأوروبيين والأمريكيين المثقفين كانوا في عام 1900 يرون أن حضارتهم تسير منذ ثلاثة قرون على طريق التقدم والتنوير المتزايدين، وكانوا يعتبرون حركة النهضة والإصلاح الديني أول خطوتين كبيرتين في كسر قيود الماضي.

ومنذ ذلك الحين صاروا يرون التاريخ يسير باتجاه واحد، هو اتجاه السيطرة المتزايدة على الطبيعة عن طريق العلم، ونشوء المؤسسات السياسية التي أخذت السلطة من الملوك والنبلاء وأعطتها لمواطنين مسؤولين وعقلاء من أجل التحكم بحياتهم، وانتشار التعليم، والتحسن الواضح في حياة الملايين من الناس وفي صحتهم، وغيرها من التغيرات الكثيرة، هذه كلها أقنعتهم ولو بصورة غير واضحة أن ثقافتهم تشير إلى مستقبل أفضل للبشرية كلها، بل إنهم كانوا يظنون أن الأمور سوف تستمر على هذا المنوال.

ففي عالم السياسة مثلاً كانوا يرون حدوث نمو في الحكم الذاتي وكانوا يعتبرون هذا أمراً حسناً، وكانوا يرون هذه التطورات جارية على طرفي المحيط الأطلسي، إذ راحت الشعوب تخلع عن أنفسها نير الحكم الأجنبي الواحد تلو الآخر.

فقد تخلص الأمريكيون في ثورة عام 1776 من حكم البريطانيين، وسار الإيطاليون والألمان خطوات كبيرة في منتصف القرن التاسع عشر نحو توحيد أنفسهم، كما كانت أمم البلقان تقوض حكم الأتراك الغاشم وتستبدل به حكمها الذاتي عند منقلب القرن.

وكان بعض الناس يعتقدون أيضاً أن الصراع من أجل حرية الرأي الشخصي الذي ابتدأ بالإصلاح البروتستانتي فقد مهد الطريق للشك بالأفكار الخرافية عامة، وإلى انتصار العلم وطرح العقائد القديمة البالية، ولو أن الكاثوليك كانوا معارضين لهذا الرأي.

لهذا يحق لنا أن نصف المناخ العام في القرن التاسع عشر بأنه كان مناخاً من الآراء وهو تعبير مستعار من المفكر الإنكليزي جيريمي بنتم الذي عاش في القرن الثامن عشر، وهذه طريقة سهلة لوصف الاتجاه العام للأفكار والبيئة التي تطورت فيها من دون الخوض في تفاصيل نظرياتها ومبادئها واكتشافاتها. وهي تلفت انتباهنا إلى أمر كان يعتبر بديهياً في القرن التاسع عشر، أي مناخ التفاؤل المتنامي والترحيب الدائم بالتجديد.

إلا أن بعض الناس كانوا يدركون أن التاريخ لايدل دوماً على نهايات سعيدة، وأن الأمور قد تتطور باتجاهات أخرى، ونحن نعلم اليوم أنهم كانوا على حق في حذرهم هذا عندما نمعن النظر في الماضي، كما يتوجب على المؤرخ أن يفعل.

فالقومية مثلاً التي هللت لها الجماهير كانت لها نواح أخرى، إذ لم تكن القضية تقتصر على وجود كيانات مهيمنة لاتريد التخلي عن سلطتها، بل إن الدول القومية الجديدة كانت تتنافس هي الأخرى فيما بينها تنافساً حاداً ومع خصومها القدامى، وقد يكون هذا التنافس خطر على السلام.

ثم أنه كلما حققت إحدى القوميات أحلامها ظهرت قوميات غيرها، لقد نال الهنغاريون مآربهم من الهابسبرغ في عام 1867 عندما حولت الملكية القديمة نفسها إلى ملكية مزدوجة، ولكن سرعان ماراح رعاياهم من السلاف والرومانيين يتهمونهم هم أيضاً بالقمع والاستبداد.

وإذا من حق الأمم الخاضعة لقيصر روسيا أن تتحرر من نيره، فهل يجب أيضاً دعم جهود الأيرلنديين الكاثوليك في التحرر من الحكم البريطاني مع أنه حكم دستوري وبرلماني؟ وإذا كنت تؤمن بالقومية الأيرلندية، فهل تؤيد الأيرلنديين الكاثوليك أم هل تؤيد البروتستانت فيها؟

هذا عدا عن أن غيوم القومية كانت قد بدأت بالتجمع خارج أوروبا أيضاً، فماذا يجب أن يكون موقف الليبراليين الأوروبيين من المطالب القومية للآسيويين والأفارقة الذين قد يستخدمون استقلالهم لمساندة التقاليد الاجتماعية القديمة والمتخلفة؟

ألا يعتمد رفاه الأمم الأوروبية في النهاية على إمبراطورياتها الاستعمارية إلى حد ما؟ وربما كانت هذه الناحية بالذات من التقدم والليبرالية بحاجة لقدر أكبر من التمحيص قبل أن يجزم المرء بأنها تشير إلى مستقبل أفضل وأسعد للبشرية.

لقد كان بعض الناس يفكرون بهذه الطريقة، وسوف تفرض هذه الأسئلة نفسها بصورة مرعبة في القرن العشرين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 49

الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير    الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:34

الحياة والموت

من مصادر التشاؤم عند بداية القرن التاسع عشر كتاب لرجل الدين الإنكليزي توماس مالتوس نشر في عام 1798 وكان يحمل عنواناً طويلاً هو: دراسة حول مبدأ عدد السكان وطريقة تأثيره في التحسين المستقبلي للمجتمع. وكان هذا الكتاب يحاول أن يبين أن العالم من الناحية الديموغرافية عبارة عن آلية ذات توازن ذاتي، أي أن عدد السكان يميل دوماً للنمو ما لم يمنع عن ذلك بصورة مقصودة، ولما كانت موارد الغذاء في العالم محدودة في النهاية، فهو يسير دوماً نحو الكارثة لأن الغذاء لايعود كافياً في مرحلة ما، فتحصل عندئذٍ المجاعة والأمراض وربما الحروب على موارد الغذاء أيضاً ويموت الملايين من الناس، فينخفض عدد السكان إلى أن يعود الغذاء فيصبح كافياً، وحين ذلك تعود هذه الدورة نفسها لتبدأ من جديد.

الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير  Malthus

توماس مالتوس

أعداد السكان

إلا أن هذا الأمر لم يحدث، بل إن القرن التاسع عشر كان في الحقيقة استمراراً لتيار قديم من تزيد عدد السكان يعود إلى آلاف السنين، وقد تسارع هذا التيار في الأزمنة الحديثة، إذ أن عدد سكان العالم تضاعف بمقدار مثلين في القرن التاسع عشر، بينما استغرق قبله حوالي أربعة قرون لكي يتضاعف بالمقدار نفسه.

ويبدو أن عدد سكان العالم يتزايد منذ عام 1800 من دون أن يمر بنكسات مثل التي كان يمر بها في الأزمنة الماضية، وكان هذا الازدياد بالطبع أسرع في بعض البلاد منه في بلاد أخرى، وكذل في بعض القارات.

ففي عام 1800 كانت فرنسا تضم أكبر عدد من السكان تحت علم واحد في أوروبا إلى الغرب من روسيا، ولكنها في عام 1914 صارت في المركز الرابع بعد ألمانيا والدولة النمساوية والهنغارية وبريطانيا. وكانت الولايات المتحدة أسرع نمواً خلال المرحلة نفسها إذ صار عدد سكانها مساوياً في أربعينيات القرن التاسع عشر لعدد سكان بريطانيا، وكان الأمريكان في عا نعام 1900 قد انتشروا في كافة أنحاء القارة، بعد أن كان قسم كبير منها مجهولاً في عام 1800 وبلغ عددهم في تلك الأثناء 76 مليوناً، أي بارتفاع قدره ألف بالمائة منذ بداية القرن.

إن المعلومات المتوفرة عن بلدان أوروبا وأمريكا أفضل من تلك التي نعرفها عن آسيا وأفريقيا، ولكن أعداد السكان كانت ترتفع في كل مكان، يبدو مثلاً أن الارتفاع في الصين قد بلغ 40% حتى صار عدد سكانها حوالي 475 مليوناً، بينما ارتفع عدد السكان في اليابان من 28 إلى 45 مليوناً، وعدد سكان الهند من 175 إلى 300 مليون في القرن التاسع عشر، وكانت هذه كلها ارتفاعات كبيرة جداً.

ولم يرتفع عدد سكان العالم قبل ذلك مثل هذا الارتفاع السريع والمستمر قط، ولما كانت أوروبا تنمو بصورة أسرع بكثير من بقية أنحاء العالم، فقد ارتفعت أيضاً حصتها من سكان العالم حتى بلغت 24% في عام 1900، وكانت هذه النسبة عالية جداً بل إنها في الحقيقة أعلى منها في أي زمن قبلها أو بعدها، وهي من أسباب تأثير أوروبا الكبير على تاريخ العالم.

ويمكننا من هذه الناحية أن نضم إلى أعداد الأوروبيين أولئك الذين غادروا قارة أوروبا للاستقرار خارجها وأحفادهم أيضاً. فلولا الهجرة لكان عدد السكان في أوروبا أعلى بخمسين مليوناً في عام 1914، وكانت الأغلبية الساحقة من سكان الولايات المتحدة في ذلك الحين من أصول أوروبية، كما كانت هناك مجموعات كبيرة من الأوروبيين في كندا وأمريكا الجنوبية وأستراليا في جنوب أفريقيا وشمالها، وكان هؤلاء جميعاً يتحدثون لغات أوروبية ويعيشون بأساليب أوروبية بعد تأقلمهم مع المناخات الجديدة، وكثيراً ما كانوا يفكرون بطرق أوروبية أيضاً.

وقد بلغت الهجرة ذروتها في أواخر القرن التاسع عشر إذ كان حوالي مليون مهاجر يغادرون أوروبا في كل عام في الفترة الواقعة بين 1900 و 1914، وتسمى هذه الحقبة أحياناً بالاستيطان الكبير، وكانت الهجرات التي شهدتها أوسع بكثير من الهجرات الكبرى للشعوب في التاريخ القديم، كما أنها مختلفة من ناحية أخرى هامة عن جميع الهجرات الأخرى تقريباً لأن أكثرها لم تكن إلى مناطق مسكونة ومتحضرة بل إلى مناطق شبه خالية من السكان، مثل الغرب الأمريكي والمناطق الداخلية النائية في أستراليا وسيبيريا.

فرص الحياة

من مظاهر زيادة عدد السكان ازدياد أعداد متوسطي العمر والمتقدمين بالسن في عام 1919، أي أن الناس كانوا يعيشون حياة أطول، ويمكننا تمثيل السكان في أكثر البلاد في عام 1800 بشكل أهرام عريضة القاعدة تستدق نحو الأعلى.

كان الكثيرون من الأطفال في تلك الأيام يموتون في أعمار مبكرة جداً، وكانت مرحلة الطفولة الأولى مرحلة خطيرة جداً وكان الكثيرون من الرضع يموتون في العام الأول من حياتهم، وهو أكثر سنوات العمر خطورة. وكانت مرحلة الطفولة عموماً محفوفة بالأمراض، ولكن إذا نجا منها المرء ووصل إلى عمر المراهقة فإن فرص الحياة أمامه تتحسن، ولو أنها تبقى ضعيفة بالقياس إلى ماهي عليه اليوم، ويستمر الوضع كذلك إلى أن يواجه الإنسان سن الشيخوخة بما يحمله من أخطار.

أما إذا رسمنا مخططات للسكان في عام 1914 فإننا سوف نجدها مختلفة جداً، وسوف نجد أن أضلاع الأهرام قد ارتفعت نحو الخارج وصارت أكثر عمودية في أكثر البلاد الأوروبية، أي أن جميع الفئات العمرية باتت تعيش حياة أطول. ولم يكن هذا هو السبب الوحيد لنمو السكان، ولكنه كان سبباً هاماً، ولما كان الناس يعيشون فترة أطول فقد ازدادت أعداد الأمهات والآباء وازداد بالتالي عدد الأطفال في الجيل التالي، وهكذا راح عدد السكان يتابع ارتفاعه.

في عام 1914 كان هذا التغير أوضح ما يكون في الدول الأوروبية المتقدمة، أما الولايات المتحدة فكانت حالة خاصة بسبب الأعداد الكبيرة من المهاجرين الشباب الوافدين إليها، وكان هذا النمو ينتشر أيضاً في شمال غربي أوروبا حيث ظهر للمرة الأولى إلى جنوبها وشرقها، ولو أن الفروق كانت كبيرة بين البلدان المختلفة من حيث العمر المتوقع للطفل عند ولادته.

كان الطفل المولود في إنكلترا في عام 1914 يتمتع بفرصة لبلوغ السن المتقدمة أكبر بكثير من الطفل المولود في رومانيا مثلاً، فما بالك بالطفل المولود في الهند أو أفريقيا، ولم تكن الفروق بهذه الحدة قبل مائة عام من ذلك، وقد كان هذا واحداً من فروق كثيرة في حياة الناس كانت تتسع باستمرار بين أنحاء العالم المختلفة، إذ أنهم كانوا في الأزمنة الأبكر يتوقعون نفس الدرجة من الشقاء والجوع في كل مكان من العالم، فما الذي حدث لتوقعات ملتس؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 49

الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير    الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:35

القتل وصون الحياة

المفارقة أن الناس في أوروبا وأمريكا الشمالية كانوا في ذلك الوقت قد بدؤوا بابتكار أساليب جديدة وأكثر فعالية في قتل بعضهم بعضاً. وقد شهد القرن التاسع عشر تقدماً كبيراً في التقنية العسكرية والبحرية، إذ ظهرت أنواع جديدة وقوية من المتفجرات حلت محل البارود، مثل القطن المتفجر واللديت والكورديت والـ ت.ن.ت، كما حلت البنادق التي تحشى من المؤخرة محل البنادق التي تحشى من الفوهة الأمامية، والمدافع ذات الماسورة المحلزنة محل المدافع ذات الماسورة الملساء، فأعطى هذا سرعات أكبر في إطلاق النار ومدى أبعد.

وعندما جاءت البنادق التكرارية أي التي يمكن إطلاق النار منها عدة مرات من غير أن يعاد تعميرها، رفعت قوة المشاة بصورة هائلة، ثم حل محلها الرشاش. وكبرت السفن الحربية والمدافع حتى بلغت أحجاماً هائلة، كما ظهرت الغواصات والألغام والطوربيدات كلها قبل عام 1914.

ولكن يبدو مع هذا أن الحرب لم يكن لها أي أثر على تاريخ السكان في أوروبا، وربما اختلف الأمر في آسيا، ففي كل خرب خاضها الأوروبيون قبل عام 1914 وتتوفر عنها معلومات موثوقة كانت أعداد الجنود الذين قتلوا في العمليات الحربية على يد أعدائهم أقل من أعداد الذين قتلتهم الأمراض.

تقدم الطب والصحة العامة

لقد أعاقت الأمراض زيادة عدد السكان خلال القرن التاسع عشر، ولكن العلم والتقنية سوف يغيران هذا الأمر عن طريق إيجاد طرق لصون الحياة بأسرع من طرق القضاء عليها، وقد بدأت في القرن التاسع عشر مرحلة طويلة من الانتصارات على الأمراض عن طريق التطبيق المقصود للمعرفة العلمية، ولو أن تلك البدايات كانت ضعيفة.

وكانت هذه العملية قد ابتدأت في زمان أبكر بكثير، عندما أدرك الأوروبيون أن السفن والبحارة تحمل معها الأمراض بطريقة ما يجهلونها، وكانوا قد بدؤوا بتحسين ترتيبات الحجر الصحي في المرافئ. وأدى هذا إلى القضاء على الطاعون في أوروبا الغربية.

لقد حدثت جائحات في مرسيليا ومسينا في القرن الثامن عشر ولكنها لم تنتشر مثل جائحات ستينيات القرن السابع عشر، عندما أصيبت إنكلترا بآخر الجائحات الشديدة، وفي بدايات القرن التاسع عشر عادة الحبوب المستوردة من البحر الأسود والشرق الأدنى وحملت الطاعون معها من جديد، فاكتسحت مرة ثانية أجزاء من شمال أفريقيا والبلقان التي كانت تحت حكم الأتراك، ولكنها لم تنتشر إلى أوروبا، وحصلت في عام 1910 جائحة في غلاسغو نتجت عنها 34 إصابة فقط مات منها 15.

من ناحية أخرى كانت أمراض أخرى تسبب مآسي كبيرة في هذه المرحلة، فقد كانت جائحات التيفوس والجدري والزحار والكوليرا تحدث بصورة متكررة وعلى مدى عقود عديدة، بل ربما اشتدت لمرحلة ما في المدن الجديدة التي كانت تنمو بسرعة. ويبدو أيضاً أن أعداد الناس الذين ماتوا من الأمراض كانت مساوية لأعداد الذين ماتوا من الجوع في المجاعات المحلية، مثل المجاعة الفظيعة التي حلت بإيرلندا في عام 1846.

إلا أن السيطرة على هذه الأمراض كانت تزداد في عام 1900 في أكثر بلاد أوروبا الغربية، ومع هذا بقيت الأمراض القاتلة في مرحلة الطفولة الباكرة واسعة الانتشار، مثل الحمى القرمزية والتيفوئيد والدفتريا.

ولم يكن بإمكان الأطباء أن يقدموا الشيء الكثير ماعدا التوصية بالعناية الجديدة في حال الإصابة بالأمراض المعدية، ولكن الطب الوقائي كان قد خطا خطوة كبيرة إلى الأمام في القرن الثامن عشر باكتشاف أن التلقيح يمكنه أن يؤمن المناعة ضد بعض الأمراض.

كما توجهت الوقاية إلى الأماكن والظروف التي تساعد على ظهور الأمراض، من خلال مجهود هائل على مستوى القارة الأوروبية كلها في القرن التاسع عشر بفعل الحياة في المدن أكثر صحية، فقد بذلت جهود ضخمة لتأمين المياه النظيفة وإزالة الفضلات من المجارير وتنظيف الشوارع عندما بدأ الناس يدركون أهمية هذه الأمور وتأثيرها على معدلات الوفاة.

وفي عام 1914 كانت مدن كثيرة تسعى جاهدة لإدخال الهواء والضوء إلى الأحياء المزدحمة والفقيرة الواقعة في وسطها، وبدأت تنظيم البناء بحيث تضمن للمساكن حداً أدنى من الضوء والنظافة وعدم الازدحام.

وكانت مدن أوروبا وأمريكا الشمالية في عام 1914 أكثر صحية من القرى القذرة في أوروبا الشرقية والبلقان، إذا حكمنا عليها من خلال طول الحياة وتراجع بعض الأمراض التي كانت شائعة في التجمعات الكبيرة من السكان في الماضي، أما الأوصاف الفظيعة للقذارة والازدحام في مدن إنكلترا الصناعية مثلاً في بداية القرن التاسع عشر فقد كتبت قبل أن تبدأ هذه التغيرات بإعطاء نتائجها.

لقد تم الكثير من هذه التغيرات عن طريق القانون، ولكن بعضها حدث من تلقاء نفسه فكانت من النتائج الثانوية للازدهار وتقدم التقنية. فقد توفرت مواد بناء أفضل وأرخص من السابق خاصة مادة الآجر، فتحسنت عندئذٍ بيوت الناس واستغنوا عن المواد القديمة من خشب وجص وقش التي كانت مرتعاً للجرذان والبراغيث والقمل.

كما مكنت الأنابيب المصنوعة من الحديد المسبوك من تزويد المنازل بالماء الجاري والمصارف اللائقة، ووجدت وسائل نقل رخيصة كالقطار والترام سمحت للناس بالعيش بعيداً عن مكان عملهم فخففت من الازدحام في مراكز المدن، وانعكس الكثير من هذه التغيرات بصورة غير مباشرة ولكن هامة على الصحة العامة.

وتغيرت المستشفيات أيضاً، فلم تعد عبارة عن مستودعات رهيبة لإيواء المحتضرين والمنبوذين كما كان أكثرها في القرن الثامن عشر، وظهرت مهنة جديدة تماماً هي مهنة التمريض، خاصة بفضل جهود الإنكليزية فلورنس نايتنغل، ولولا هذا التخصص الجديد لما أمكن تزويد المشافي بالعاملين فيها.

ولكن العلوم الطبية لم تحسن شفاء الأمراض والإصابات إلا بصورة متدرجة، ومن المساهمات البارزة في هذا المجال أعمال الفرنسي لويس باستور ، فقد اكتشف باستور لقاحاً لداء الكلب، وأجرى تحريات هامة في أمراض النبيذ والجعة، وأنقذ صناعة الحرير الفرنسية من الدمار بأن أوجد طريقة لمهاجمة العصيات التي تصيب دودة القز، وابتكر أساليب للقاح ضد أمراض الماشية والدجاج، والأهم من هذا كله أنه وضع نظرية الجراثيم في انتقال الأمراض، وقد أحدث أكبر أثر في الطب عن طريق دراسة العدوى.

ومهدت أعمال باستور الطريق لأعمال الإنكليزي ليستر، الذي أدخل استعمال المواد المطهرة في الجراحة بعد أن تبين له أن العدوى التي تصيب الجروح المفتوحة أثناء العمليات الجراحية يمكن منعها باستخدام بخاخ من حمض الكاربوليك،وقد خفض هذا الاكتشاف معدل الموت أثناء العمليات الجراحية تخفيضاً كبيراً ومهد الطريق لاستخدامات أخرى للمواد المطهرة من أجل تخفيف العدوى.

ثم كانت المواد المخدرة خطوة ثانية كبيرة في علم الجراحة، لأنها كسبت معركة البشرية ضد عدوها القديم أي الألم، كما مكنت من القيام بعمليات طويلة ومعقدة كانت مستحيلة قبل سنوات قليلة.

وفي حوالي عام 1900 كانت الكيمياء أيضاً قد بدأت بتقديم أسلحة جديدة للطب، فمكنت الأدوية الجديدة من علاج الأمراض بصورة انتقائية، أي أنه أصبح بالإمكان توجيهها نحو أهداف معينة، كما اخترعت أدوية أخرى للسيطرة على الأعراض، ومن الصعب جداً أن نتخيل اليوم كيف كان العالم قبل اختراع الأسبرين، فالحقيقة أنك لاتجد اختراعات كثيرة خففت معاناة البشر مثل هذا الدواء.

كانت هذه التطورات قد بدلت احتمالات الحياة والموت في الدول المتقدمة تبديلاً كبيراً بحلول عام 1914، فقد انخفض احتمال وفاة الذكور والإناث كثيراً من العمل الجراحي أو من العدوى بأحد أمراض الطفولة عما كان عليه الأمر قبل مائة عام، كما انخفض الخطر على المرأة أثناء الولادة. وارتفعت فرص الإنسان بالعيش حياة أطول وبالنجاة من الألم.

صحيح أنهم واجهوا في الوقت نفسه مشاكل جديدة لأن الحياة الطويلة تقتضي مجابهة أخطار الشيخوخة وعجزها، ولكن من الصعب جداً أن نقول أن ماحدث لم يكن تقدماً حقيقياً، ورغم أنه كان تقدماً محصوراً بمجتمعات قليلة وغنية نسبياً وقادرة على التمتع بهذه التطورات، فإن هذه الأساليب الجديدة قد انتشرت في كافة أنحاء العالم، ولا يمكن للمعرفة الطبية إلا أن تنتشر.

لقد حمل الأوروبيون تقنياتهم إلى الخارج، فصارت تستخدم بحلول عام 1914 في أفريقيا وآسيا، ولو لم تكن قد أظهرت بعد تأثيرها الكبير على السكان كما فعلت في وطنها الأصلي.

منع الحمل

المفارقة أن العلم قد أضعف زيادة السكان أيضاً قبل عام 1914، وذلك عن طريق وسائل منع الحمل الحديثة التي أتى بها، وقد ظهرت تأثيراته أولاً في ميل الطبقات الغنية لأن يكون لها عدد أقل من الأولاد، فكان هذا واحداً من أسباب تضيق قاعدة الهرم الديموغرافي الذي كنت تراه في الدول الأكثر تقدناً وغنىً.

إن وجود أعداد أقل من صغار السن بالنسبة إلى أعداد الأعمار المتوسطة والمتقدمة قد ساهم مع استطالة الحياة في جعل بنية السكان أقرب إلى العواميد العريضة منها إلى الأهرام، ولم تنخفض الأعداد الإجمالية مع انخفاض معدلات الولادة، لأن الناس صاروا يعيشون حياة أطول، إلا أن متوسط عمر السكان قد ارتفع.

ويبدو أن الفرنسيين قد شعروا بهذا التغير وأنه أقلقهم لأنه اعتبروه دليلاً على أن أمتهم في تراجع، وأنها لن يعود لديها ما يكفي من الجنود للدفاع عنها، ولكن معدلات الولادة انخفضت في غيرها من البلاد الغنية أيضاً خاصةً في تلك التي شهدت أول ارتفاعات سريعة في عدد السكان قبل عقود قليلة.

وربما كان من قوانين علم السكان أن ازدياد الثروة يتبعه أولاً ارتفاع في عدد السكان ثم تباطؤ في سرعة الارتفاع مع هبوط معدلات الولادة. ولكن لايمكننا في الحقيقة أن نجزم في هذا الأمر، لأن هناك عوامل كثيرة هامة مثل الدين والتقاليد الاجتماعية والحاجة الاقتصادية، تساهم كلها في تشكيل أنماط نمو السكان وتاريخه، فلايجوز لنا إذاً أن نعمم.

إن الشيء الواضح هو أن الناس الأوفر غنى وتعلماً كانوا في عام 1914 يؤسسون عائلات أصغر من عائلات الفقراء عموماً، إما لأنهم كانوا يؤجلون الزواج بصورة مقصودة فيقصر بذلك عدد سنوات الزواج التي تكون فيها المرأة مخصبة، أو لأنهم كانوا يحدون من عدد الأولاد بإحدى وسائل منع الحمل بدافع الحذر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 49

الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير    الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:35

تأمين الغذاء للبشر

لم يكن العلم إلا واحداً من أسباب عديدة أدت إلى ارتفاع أعداد البشر، ولم يكن هو السبب الأساسي، إن السبب الأساسي هو أن العالم كان يزداد غنى، وكان لابد من وجود كميات أكبر من الغذاء من أجل القيام بهذه القفزة الكبيرة، والحقيقة أن الغذاء كان في عام 1914 متوفراً بصورة لاسابق لها.

كان إنتاج الزراعة في العالم قد ارتفع ارتفاعاً هائلاً خلال القرن السابق وبمعدل تجاوز النمو المتدرج الذي كان يجري في الأزمنة الأبكر، وكان يشبه من هذه الناحية نمو عدد السكان، ولكن كما أن أعداد السكان لم تنم بنفس المعدل في كافة أنحاء العالم، ولا بصورة سلسة منتظمة، كذلك لم يكن إنتاج الغذاء واستهلاكه منتظماً أو متساوياً.

لقد ازدادت بالتأكيد كمية الغذاء المنتج في أفريقيا وآسيا، ولكن لم تزدد حصة الجميع منه، ولايمكن أن يكون طعام الفلاح الهندي أو الصيني قد تغير كثيراً خلال قرون عديدة، رغم الزيادة القليلة في كمية الغذاء، لأن أعداد الأفواه قد ارتفعت بصورة كبيرة.

ومع هذا يبقى ارتفاع كمية الغذاء هو التقدم الأساسي في ثروة البشرية خلال القرن السابق لعام 1914، وإن الإحصائيات المتوفرة لقياس هذه التغيرات هي أفضل منها في أي زمن قبله، لقد ازداد الإنتاج الزراعي زيادة هائلاً وغير مسبوق، وحصل القسم الأكبر من هذه الزيادة في الأراضي المزروعة حديثاً، مثل الأرجنتين وكندا والولايات المتحدة، حيث كانت الكميات المنتجة المحلية بقدر هائل وتزرع من أجل التصدير.

ولكن المردود أيضاً قد ارتفع، وتقول إحدى الدراسات أن إنتاج 100 بوشل* من القمح في الولايات المتحدة في عام 1800 كان يستغرق 373 ساعة عمل، أما بعد مائة عام فكانت 108 ساعة كافية لذلك، وتشير حسابات أخرى إلى أن إنتاجية الأراضي ارتفعت بين عامي 1840و1900 بمقدار 190% في ألمانيا، و90% في سويسرا، و50% في إيطاليا، وهذه كلها أمثلة من أوروبا.

إن المصدر الأساسي لغذاء البشر كان دوماً الحبوب، التي تزرع منها أنواع مختلفة باختلاف المناطق، وإنتاج الحبوب وسيلة أساسية لتأمين الغذاء ، وقد تضاعف إنتاج الحبوب في ألمانيا مثلاً بين عامي 1851 و 1913 بمقدار ثلاثة أمثال تقريباً بينما ارتفع في هنغاريا بمقدار خمسة أمثال.

لقد كان هذا ازدياداً هائلاً في كمية الحريرات الغذائية، وساهم فيه تحسن إنتاج اللحم أيضاً، قفد ارتفعت أعداد البقر بصورة مطردة خلال القرن التاسع من اجل تأمين حاجات الاستهلاك المتزايدة، ومثلها أعداد الغنم والخنازير، ولكن النمو الأسرع في تربية الحيوانات حدث في الأمريكتين وفي أستراليا ونيوزيلندا. كان اللحم منذ قرون طعاماً غالي الثمن، ولكنه أصبح أكثر شيوعاً بكثير في القرن التاسع عشر سواء عند القصاب أو بأشكاله المعلبة والمعالجة بالطرق المختلفة.

وانتشرت أيضاً أغذية جديدة في البلاد، كما أصبحت بعض الأطعمة الغالية أطعمة عادية شائعة منذ القرن الثامن عشر، كان الأغنياء في أوروبا يستخدمون السكر للتحلية بدلاً من العسل، ولكنه كان في ذلك الوقت بضاعة تأتي من المستوطنات وغالي الثمن نسبياً. وفي القرن التاسع عشر ارتفعت كميات السكر المستوردة من أوروبا ارتفاعاً كبيراً وبدأت تصنع فيها كميات هائلة منه من الشمندر السكري أيضاً.

وقد أدى هذا إلى ارتفاع هائل في استهلاكه، فانخفضت أسعاره انخفاضاً كبيراً وصار غذاءً يومياً عادياً، وكان هذا تغيراً هاماً في طعام الأوروبيين، وقد شاع أيضاً استهلاك الشاي والقهوة، عدا عن الفواكه الأجنبية غير المألوفة التي صارت تتوافر بكميات أكبر بفضل التطورات التقنية.

التغير الزراعي

إن هذا التحسن في كمية الغذاء ونوعيته أيضاً، لم يكن له سبب واحد بسيط، بل كان نتيجة لعمليات عديدة، من هذه العمليات تحسن الزراعة، الذي تعود جذوره إلى ماقبل عام 1800 ولافائدة من محاولة تحديد زمان دقيق له، بل يمكننا أن نقول أن الثورة الزراعية قد بدأت في إنكلترا في حوالي 1690-1700، وفي الولايات المتحدة بعد حوالي تسعين سنة أخرى، وفي ألمانيا بعد سنوات قليلة، بينما لم تبدأ في روسيا إلا بعد عام 1860 وقد انتشرت هذه الثورة شرقاً عبر أوروبا خلال القرن التاسع عشر بينما كان أصحاب الأراضي الأوروبيون قبل قرن واحد من ذلك يأتون إلى إنكلترا بحثاً عن المعلومات المفيدة ومن أجل شراء الحيوانات والآلات وطلب النصيحة، وعندما يعودون إلى أراضيهم كانوا يحاولون تطبيق مارأوه ولكنهم قد لايحرزون دوماً نجاحاً فورياً في ذلك.

ففي منتصف القرن التاسع عشر لم تكن ألمانيا وفرنسا مثلاً قد تبدلتا كثيراً عما كانتا عليه قبل قرون عديدة، ولو أن إنتاجية بعض المزارع الجيدة قد بدأت ترتفع حتى قبل عام 1800 ونرى من هذا أنه يفضل ألا نجزم بصورة عامة فيما يتعلق بالتواريخ، وأن ندرك أن هذا التغير الكبير قد تم بصورة متفرقة وغير منتظمة، ولو أنه كان في النهاية تغيراً كاسحاً.

إلا أن بعض عوامل هذا التغير كانت واضحة لأنها حدثت بسرعة، من هذه العوامل إلغاء النظام الإقطاعي الذي تم في فرنسا في عام 1789، ويعرف هذا النظام أيضاً بأنه مجموعة من العادات والحقوق التقليدية التي كانت تعيق استغلال الأرض بصورة حرة.

وقد انتشرت تغيرات مشابهة لهذا خلال نصف القرن التالي في بقية قارة أوروبا إلى الغرب من روسيا، وعندما قررت الحكومة الروسية أخيراً إلغاء عبودية الأرض في عام 1861 انتهت حقبة تاريخ أوروبا الزراعي الذي ابتدأ بظهور العزبة في العصور الوسطى.

ومنذ ذلك الحين صار العاملون بالزراعة في كافة أنحاء أوروبا يعملون مقابل أجر أو في أرض هي ملك لهم، فصار حافز المصلحة الشخصية يلعب دوره بالكامل في تحسين الزراعة، وقد شجع هذا على الاستثمار وتبني الأساليب الجديدة وضم بقع الأراضي الصغيرة التقليدية ضمن وحدات أكبر وأكثر فعالية.

من الأسباب الأخرى لهذا الارتفاع الفوري في إنتاج الغذاء في هذا العالم تطور التقنية، الذي مكن من استثمار أراض جديدة خارج أوروبا، لقد ازدادت مساحة الأراضي القابلة للزراعة في العالم بصورة سريعة وحادة، فأصبح بالإمكان استغلال سهول أمريكا الشمالية والجنوبية والمناطق المعتدلة من استراليا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بصورة لاسابق لها.

وكان الفلاحون يأتون إليها لأن الاستيطان وكسب المعيشة أصبحا ممكنين بفضل الثورة الجارية في مجال النقل، فمع بدء استعمال القطار البخاري والسفن البخارية منذ ستينيات القرن التاسع عشر انخفضت تكاليف السفر أيضاً، وأصبح الغذاء الآتي من هذه المناطق أرخص. ومع تزايد الطلب عليه ازداد عدد الناس الذين يحاولون استغلال الأراضي العذارى.

وحصل نفس الشيء بصورة أقل حدة في أوروبا الشرقية، فمع بناء السكك الحديدية في روسيا وبولندا التي تحمل الحبوب إلى مدن أوروبا الوسطى، ومع بدء مرافئ البحر الأسود بتصدير المزيد من حبوب روسيا في السفن البخارية، كانت التأثيرات على مناطق زراعة الحبوب تأثيرات حادة. أما في الأراضي البعيدة فكانت التأثيرات أشد من هذا، لأن تطور عمليات معالجة الغذاء مثل التعليب واختراع السفينة المبردة قد جعل تربية الحيوانات أوفر ربحاً من أي وقت مضى.

وكانت هذه التغيرات وبالاً على بعض المزارعين الأوروبيين لأنهم باتوا عاجزين عن منافسة الأسعار الرخيصة للمستوردات، وكان هذا الأمر ظاهراً في كافة أنحاء القارة في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، فقد انخفضت مساحة الأراضي المزروعة في بعض البلاد انخفاضاً حاداً ، بينما تحول المزارعون في بلاد غيرها إلى الزراعة التخصصية.

ومرت صناعة الحليب ومشتقاته بتغيرات هائلة خاصة في الدنمرك التي طورت أيضاً تربية الخنازير واستغلاله بصورة كبيرة جداً، وصار الفلاحون يلجأون إلى زراعة الخضار والفواكه من أجل الهرب من كارثة زراعة الحبوب. وقد اقتضى عبور سنوات الكساد في أواخر القرن التاسع عشر مجهوداً رهيباً للتأقلم في كافة أنحاء أوروبا الغربية، وبدأت أعداد الأشخاص المعتمدين على الزراعة في معيشتهم بالتقلص.

التغير البيئي

لقد كانت للثورة الزراعية نتائج بيولوجية تجاوزت كثيراً نطاق حياة البشر، كانت النباتات تنقل من بلد إلى آخر لكي تتأقلم مع ظروف جديدة في بقاع أخرى من العالم، وعاد الإنسان ليتدخل في عملية الاصطفاء الطبيعي، ولم يكن هذا بالأمر الجديد، فقد سبق له أن أدخل الحرير إلى أوروبا والبطاطا الحلوة إلى أفريقيا، ولكن هذه التغيرات صارت تتم الآن على مستوى أوسع بكثير بسبب ازدياد عدد السكان والتقنيات الصناعية الجديدة.

فقد ظهرت مزارع المطاط في ملقا بجنوب شرقي آسيا في السنوات الأولى من القرن العشرين، بعد أن جلبت أشجاره من أمريكا الجنوبية، وبدأ الشاي يزرع على نطاق واسع في سيلان وشرق أفريقيا، ونقلت الكرمة من أوروبا إلى كاليفورنيا وأمريكا الجنوبية.

كما أن الحيوانات كانت تهاجر أيضاً فقد جلب الإسبان الحصان إلى العالم الجديد منذ زمن بعيد، وازدادت في القرن التاسع عشر العناية بالاستيلاد الانتقائي للأبقار المناسبة للمناخات غير المعتدلة، فساهم هذا الأمر في تزويد الأمريكتين وجنوب أفريقيا بقطعانها الهائلة، بينما ازدهر خروف المرينوس في أستراليا.

ولكن نتائج عمليات النقل هذا لم تكن إيجابية، فقد أحضرت إلى أستراليا في خمسينيات القرن التاسع عشر أربعة أزواج من الأرانب مالبثت أن تكاثرت مثل وباء خلال سنوات قليلة، كما عانت الحيوانات الأصلية من اعتداءات الذين استغلوها للحصول على اللحم وغيره من منتجاتها. وكان الناس بطيئين في وعيهم لتأثير قتل الحيوانات الواسع وخطره على البيئة، ونتجت عن ذلك بعض النتائج المريعة، مثل انقراض ثور البيسون الأمريكي على أيدي الصيادين من أجل إطعام عمال بناء السكك الحديدية مثلاً، كما لحقت بحيواني الفقمة والحوت في قارة أنتاركتيكا والمحيطات الجنوبية أضرار جسيمة في بداية القرن التاسع عشر.

كانت الزراعة إذاً أهم نواحي الثورة الكبيرة الجارية في مجال استغلال الموارد الطبيعية، ولكنها لم تكن الناحية الوحيدة، لقد ظل أكثر البشر في بداية القرن العشرين يحصلون معيشتهم من الأرض مباشرة، ولكن الأعداد القليلة منهم التي كانت تعيش في دول العالم الأوروبي كانت تنتقل إلى حياة اقتصادية جديدة مبنية على الإنتاج الصناعي، وربما كان هذا التغير أهم تغير في تاريخ البشرية منذ اختراع الزراعة، أو حتى منذ اكتشاف النار ولم يكن بإمكان هذا التغير الصناعي أن يحدث إلا بتوافر كميات كبيرة من الغذاء.

كانت الزراعة حينذاك مختلفة جداً عن الزراعة القديمة الهزيلة التي كانت أشبه بعائق أمام تطور البشر، أما الآن فلم تعد الزراعة عائقاً، بل إنها صارت واحداً من عوامل دفع التطور نحو الأمام.





* البوشل = 8 غالونات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 49

الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير    الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:36

الوجه الجديد للصناعة

هناك تعبير قديم آخر يعود هذه المرة إلى القرن التاسع عشر ومازال مألوفاً اليوم، هو تعبير الثورة الصناعية، وقد أوجده رجل فرنسي ليصف به واحداً من التغيرات الاجتماعية الكبرى التي كان يراها تجري حوله، وهو يقصد بها تبدل المجتمع وإنتاج البضائع المصنعة بكميات أكبر وعلى مستوى أوسع من أي زمن مضى.

وكان هذا التطور يعتمد على جمع أعداد كبيرة من العمال للقيام بذلك، وعلى استخدام الآلات العاملة على الطاقة بأعداد متزايدة ومنذ ذلك الحين تستخدم كلمة صناعة Industry بشكل دائم تقريباً للدلالة على التصنيع الواسع المدى.

مع هذا لم يكن هناك في عام 1914 إلا بلاد قليلة يمكننا أن نسميها حقاً دولاً صناعية Industrialized وهي كلمة أخرى تعود إلى القرن التاسع عشر، وكانت أبرز تلك الدول هي بريطانيا، إذ لم يكن يعمل فيها بالزراعة في عام 1901 إلا أقل من 10% من مجموع القوى العاملة، والولايات المتحدة وهي ذات أكبر إنتاج إجمالي، وألمانيا، وبين الدول الأصغر تبرز بلجيكا أيضاً كما كانت هناك دول أوروبية عديدة فيها قطاعات صناعية كبيرة، مثل فرنسا وإيطاليا وروسيا التي كانت تنمو بسرعة والسويد.

ولكن الصناعة في هذه الدول كانت صناعة محلية أو متخصصة، فقد كان لإسبانيا مثلاً مصانع أقمشة في كتلونيا، وبعض المدن المختصة بالتعدين وصنع الفولاذ في أستوريا وبسكايا، بينما كانت المصانع قليلة في أنحائها الأخرى.

لقد لاحظ الناس بسرعة أن قدوم الصناعة قد يغير نمط حياتهم بأكمله، وكان هذا التغيير في المراحل الأولى تغييراً قاسياً جداًَ في بعض الأحيان، فالحرفيون الذين كانوا يعملون في بيوتهم لخدمة الأسواق الصغيرة كثيراً ماكانوا يجدون أنفسهم بلا عمل. وعندما أعيد تنظيم صناعة النسيج على أساس المصنع لم يعد بإمكان الحرفيين العاملين في الحياكة والنسج في بيوتهم أن ينافسوا البضائع الأرخص التي أمنتها الآلات والأسواق الكبيرة، فوجدوا أنفسهم مضطرين للقبول بهذا الواقع الجديد والبحث عن عمل في مصنع ما، إذا أمكنهم ذلك.

وكان هذا تغيراً آخر، هو البزوغ التدريجي لمجتمع يحصل فيه أكثر الناس العاملين دخلهم من التصنيع أو من الأعمال الأخرى التي نشأت حوله، ولم يكن هذا الأمر ممكناً دوماً إذ كان هناك الكثير من الأيدي العاملة الرخيصة، وكانت الأجور منخفضة والأرباح عالية بسبب وجود تلك الأعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل.

التمدين

من التغيرات الأخرى الهامة التبدل الكبير الذي طرأ على حياة المدن، فقد ازدادت أعداد الناس المقيمين في المدن وازدادت معها نسبة سكانها إلى مجموع السكان في دول كثيرة، ومن الصعب أن نقارن الدول بشكل مباشر لأن التعاريف تختلف من مكان لآخر، ولكن من المفيد لفهم تلك التطورات أن نذكر نسبة سكان المدن في إنكلترا في عام 1801 كانت حوالي 16% بينما ارتفعت بعد تسعين سنة إلى أكثر من 53%.

وقد ازداد عدد المدن وحجمها في كافة المناطق الصناعية، فبين عامي 1800 و 1910 كبرت برلين حوالي عشرة أمثلا فتجاوز عدد سكانها المليونين، وفيينا حوالي ثمانية أمثال فبلغت نفس حجم برلين تقريباً ولندن حوالي سبعة أمثال، وبلغت 7.2 مليون نسمة، وكان هذا التوسع أحياناً ينتهي بغياب الحدود السابقة بين الأحياء بحيث يعجز المرء عن معرفة أين ينتهي أحدها ويبدأ الأخر.

وقد سببت هذه التبدلات تغير شكل بعض المناطق تغيراً كاملاً خلال نصف قرن مثل منطقة بلاك كنتري في إنكلترا ووست رايدنغ في يوركشاير، ومنطقة الرور في ألمانيا، كما أن المرافئ القديمة مثل هامبرغ ومرسيليا وليفربول أبدت نمواً سريعاً مع نمو التجارة الدولية وازدهارها.

في النصف الأول من القرن التاسع عشر كانت الحكومات تعتبر أنها لايجب أن تتدخل في هذه العملية، بل أن تتركها تجري وحدها دون تخطيط مسبق كنتيجة لآلاف القرارات الفردية التي يتخذها الآلاف من المخترعين والمصنعين والبنائين ورجال الأعمال.

ولكن نتائج ذلك كانت مأساوية، لأن بعض المناطق التي كانت منذ عقود قليلة مدناً ريفية صغيرة مثل مانشستر قد نمت نمواً هائلاً من دون أن تكون لها موارد عامة، وحتى في خمسينيات القرن التاسع عشر، كان العمر المتوقع للطفل الذكر المولود هناك حوالي 25 سنة.

لقد راح البناءون يشيدون الأكواخ بشكل صفوف يستند فيها كل كوخ إلى ظهر الآخر، وتطل على شوارع ليس فيها من وسائل التصريف إلا مسال راكد في منتصفها، وكانت الشوارع غير مرصوفة ولا مضاءة ولم تكن تنظف، وكنت تجد في مدن القارة الأوروبية مباني كبيرة مكونة من شقق يعيش فيها عشرة أشخاص أو اثني عشر شخصاً في غرفة واحدة.

ولم يظهر الوعي لأهمية النواحي الصحية إلا ببطء، أولاً بسبب قلة المعرفة والموارد، وثانياً لأن أصحاب القرار والرأي كانوا مثقفين، على أن أفضل طريقة لضمان نمو الثروة للجميع هي عدم التدخل في الحياة الاقتصادية وترك السوق تنظم بنفسها أسلوب حياة الناس. وهذه هي المرحلة التي بلغت فيها أفكار سياسة عدم التدخل laissez-faire في القرن الثامن عشر أوسع تأثيراتها.

ولن تظهر أفكار الإصلاح إلا في النصف الثاني من القرن، عندما راح بعض محافظي المدن يلحون على وجوب أن تقوم السلطات أو الحكومات المحلية بامتلاك وإدارة الخدمات العامة مثل تأمين المياه والنقل، ونذكر من هؤلاء جوزيف تشيمبرلن محافظ مدينة برمنغهام الذي صار فيما بعد من الدعاة البارزين للتوسع الاستعماري، وكارل لوغر محافظ مدينة فيينا الذي يدين بالكثير من دعمه للعداء للسامية.

لقد سببت سياسة عدم التدخل شقاء في حياة العمال لامثيل له، كانت ساعات العمل في المصانع طويلة والانضباط شديداً والأجور منخفضة، وكانوا يشغلون النساء والأطفال إذا أمكن لأن أجورهم أخفض من أجور الرجال. وكان أرباب العمل يطالبون القانون بأن يساعدهم في الحفاظ على هذا الوضع، عن طريق منع العمال من تشكيل نقابات للدفاع عن أنفسهم مثلاً، أو عن طريق إقناع السلطات بأن الإضرابات أعمال مخربة ومهددة للنظام الاجتماعي.

إن هذه النواحي الفظيعة التي كنت تراها في بداية الحركة الصناعية، والتي سوف تتكرر في بلاد العالم الواحدة تلو الأخرى مع تحولها إلى بلاد صناعية، قد جعلت بعض الناس يعتبرون أن الصناعة لاتفيد إلا الأفراد القلائل الذين يجنون الأرباح منها.ولكن الحقيقة أن الكثيرين من عمال المصانع في المدن كانوا في الأجيال الأولى آتين بالأصل من قرى فقيرة، وإذا وجدوا عملاً فإنه كان يؤمن لهم دخلاً أفضل مما يمكن أن يحصلوه كعمال في الزراعة.

كما أن تشغيل الأطفال والنساء كان شائعاً في الريف أيضاً، وهو مازال شائعاً حتى اليوم في الكثير من بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، ومن الواضح أيضاً أن ثروة الدول الصناعية قد انعكست إلى درجة ما على مواطنيها على المدى البعيد، لأنهم صاروا يعيشون حياة أطول وصارت أعدادهم تزداد، ولكن كما يقول أحدهم في موضع آخر كلنا سنموت على المدى البعيد.

الاشتراكية

كان بعض الأشخاص بعيدي النظر يدركون أن عملية التصنيع هذه عملية لاسابق لها، وأنها بحاجة إلى أفكار جديدة تماماً لفهمها، وإلى برامج عمل جديدة لإصلاح بعض عواقبها، وكان الكثيرون يعتقدون أن من طرق تحقيق هذا الإصلاح أن ينتظم العمال بصورة مباشرة في نقابات مهنية تعتمد قوتها الجماعية في النهاية على الإضرابات من أجل إجبار أرباب العمل على تحسين الأجور وظروف العمل.

وقد قاوم أرباب العمل الأغنياء هذا الشكل من التنظيمات مقاومة طويلة في جميع البلاد الأوروبية في الولايات المتحدة، وكان القانون والشرطة يقفان إلى جانبهم ويساعدانهم، ولكن من ناحية أخرى كانت مئات الآلاف وأحياناً الملايين من العمال قد شكلوا نقابات مهنية لهم في جميع البلاد الصناعية بحلول عام 1900، وكانت هذه النقابات قد أحرزت نجاحاً كبيراً في تحسين أوضاع أفرادها.

في هذه الأثناء كان الانتقاد الفكري والسياسي للمجتمع المبني على مبادئ عدم التدخل قد أدى إلى ظهور عقائد متنوعة جمعت كلها تحت اسم فضفاض هو الاشتراكية socialism. وكان دعاة هذه العقائد يشتركون فيما بينهم بكراهية هذا الوضع، الذي اعتبره بعضهم استغلالاً مقصوداً واعتبره بعضهم الآخر نتيجة حتمية للنظام الرأسمالي الذي تهيمن عليه السوق.

وكان البعض يتطلعون إلى الصراع لكسير نير الظلم والتفاوت الاجتماعي، بينما كان بعضهم يرون أن مسيرة التاريخ الحتمية كانت إلى جانبهم، وأنها سوف تشهد في النهاية زوال النظام الرأسمالي وحلول نظام أكثر عقلانية وعدالة في توزيع الثروة الهائلة في العالم الصناعي. وإن أكثر أولئك المفكرين تأثيراً وشهرة هو الفيلسوف الألماني كارل ماركس.

الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير  Karl-marx

كارل ماركس

إن العقيدة التي سميت الماركسية والتي كانت تزعم أنها مبنية على كتاباته مع أنه صار يستنكرها على مايبدو، باتت هي المهيمنة على الاشتراكية الأوروبية بحلول عام 1900. والفكرة التي شدد عليها ماركس بالتأكيد، والتي أعطت تلاميذه تلك الثقة الهائلة، هي أن استغلال أرباب العمل للبروليتاريا الصناعية سوف يؤدي حتماً إلى الثورة الاجتماعية والإطاحة بالقمع الرأسمالي، وإلى تأسيس مجتمع منظم بصورة عقلانية يكون البشر فيه أخيراً أحراراً بحق.

لقد صارت الماركسية لدى الكثيرين أشبه بعقيدة دينية تحثهم على الانضباط والعمل مثل العقائد الدينية السابقة لها، كما أنها بدت ملائمة للتيار الإيديولوجي المادي العلمي الذي برز في عصر انحسر فيه الإيمان بالدين. وتبنى الماركسيون أيضاً تلك الفكرة الفرنسية الملهمة التي تعتبر الثورة الشعبية تجسيداً للصراع من اجل الحقوق السياسية والديمقراطية.

بل كان هناك بحلول عام 1900 منظمة دولية للأحزاب السياسية الماركسية وجماعات الطبقة العاملة هي المنظمة الدولية الثانية، التي كانت تتطلع بثقة إلى تبدل قريب في المجتمع، ولكن الأمر الغريب هو أن العلامات كانت منذ ذلك الحين تشير إلى غير ذلك، فبحلول نهاية القرن لم تكن قد حدثت أية ثورة شعبية بأي قدر من النجاح في أي دولة كبرى منذ عقود عديدة، بل كان تنظيم الحكومة وتأمينها لخدمات الإنعاش قد بدأ بتحسين حال العمال في بعض الدول، ولو بدت لنا هزيلة بالقياس إلى معاييرنا الحالية.

كانت هذه واحدة من النتائج البعيدة للتصنيع التي يمكن رؤيتها عند نهاية القرن العشرين، لقد كانت الخريطة الاقتصادية للعالم في عام 1914 خريطة موحدة أكثر من أي وقت مضى، ولو أن التطور الصناعي كان في ذلك الحين محصوراً بأوروبا وأمريكا الشمالية، مع حالات استثنائية قليلة خاصة في الهند والصين واليابان.

وهكذا كتب لهذه الأجزاء من العالم من جديد مصير تاريخي مختلف عن أنحائه الأخرى، مثلما كان الحال منذ زمن بعيد فصارت تشترك الآن أيضاً بغناها المادي الكبير، وكان هذا من أبرز التغيرات التي طرأت على أوروبا منذ غزوات البرابرة، وقد أثر هذا أيضاً في مظهر البلاد وهيئتها تأثيراً أكبر من تلك الغزوات القديمة.

المجتمع في العصر الصناعي

كان هذا التغير نقطة تحول هامة في تاريخ البشرية، فخلال 150 سنة تقريباً، تحولت المجتمعات من فلاحين وحرفيين يعملون بأيديهم إلى عمال آلات ومحاسبين. وقضى هذا لدى ملايين الناس على الشعور الذي كان يجمع بينهم، مثل أجدادهم من قبلهم، بأن الحياة تسيطر عليها الزراعة وأن إيقاعها يحدده التقويم الزراعي وشروق الشمس وغروبها.

وحتى خارج أوروبا تبدلت حياة الملايين من الناس بسبب الارتفاع الهائل والمتزايد في الطلب على المواد الأولية من أجل تلبية حاجات الدول الصناعية، ولم يكن هذا ضاراً تماماً بسكان البلاد التي كانت تؤمن تلك المواد الأولية، ولكن استفادتها كانت عادة أقل بالكثير الكثير من استفادة سكان الدول المتطورة اقتصادياً.

وراحت الثروة تزداد في تلك الدول جاعلة إياها متميزة ومختلفة عن بقية أنحاء العالم، كان النقل العام مثلاً قد تحسن في كافة أنحاء أوروبا في عام 1914 عما كان عليه قبل مائة عام، فأصبح التنقل أسهل، وازداد توفر العناية الطبية والتعليم، وكثرت المحلات التي تقدم للناس البضائع المختلفة.

وكانت هذه الحقائق جزءً أساسياً من زيادة الثروة التي أمنت للأوروبيين وللشعوب المتحدرة من أصول أوروبية في قارات أخرى طعاماً أوفر من سكان الأنحاء الأخرى من العالم، وقد ارتفعت مستويات معيشتهم من نواح كثيرة، وكان الأوروبيون وأبناء عمومتهم في القارات الأخرى أكثر الشعوب استفادة من هذه الثروة المتزايدة. ولهذا فقد عمق هذا التوسع الكبير في الثروة من اللامساواة بين الأجزاء المختلفة من العالم، وربما لم يخطر هذا التغير ببال أخد، فكان مثل غيره من الانقلابات التاريخية الكبرى، من حيث أن تأثيراته تجاوزت إلى حد بعيد ماكان يحلم به من ابتدأوه أصلاً.

إن أوضح التغيرات وأسهلها على القياس هو زيادة الإنتاج الصناعي، وهناك عدد قليل من المواد الأساسية ذات الأهمية الخاصة والتي تعطينا فكرة جيدة عما كان يجري، ومن هذه المواد الفحم، الذي كان المصدر الأساسي للطاقة غير العضلية في مجال التصنيع والنقل في هذه الحقبة، إما بصورة مباشرة لتأمين الحرارة كما في صناعة صهر المعادن، أو بصورة غير مباشرة عن طريق إنتاج البخار ثم الكهرباء فيما بعد، وقد ارتفع إنتاج الفحم السنوي في المملكة المتحدة من 11.2 إلى 275.4 مليون طن بين عامي 1800-1910، بل إن الولايات المتحدة رفعت إنتاجها السنوي من 30 إلى 474 مليون طن بين عامي 1850 و 1910 .

أما المادة الثانية فهي الحديد، وهو المادة الأساسية لصناعة الآلات وبالتالي لجميع أنواع التصنيع فضلاً عن البناء، وهذه هي الأرقام التقريبية لإنتاجه:



إنتاج الحديد الخام بملايين الأطنان


العام

المملكة المتحدة

ألمانيا

فرنسا

الولايات المتحدة

1890

2.72

0.25

0.56

0.56

1900

8.78

0.80

2.66

1.38

1914

9.8

14.84

4.66

30.98

ثم أصبح الفولاذ بعد ذلك هو المادة الأساسية في الصناعة لأن قساوته العالية جعلته أفضل من الحديد، ولم يكن إنتاجه في البداية يتم إلا بكميات صغيرة جداً، ولكن تحسن وسائل تصنيعه جعله ينتج بأسعار أرخص بكثير في أواخر القرن التاسع عشر، وهذه هي الارتفاعات التي طرأت على إنتاجه:

إنتاج الفولاذ بملايين الأطنان

العام

المملكة المتحدة

ألمانيا

فرنسا

الولايات المتحدة

1890

3.60

2.89

0.77

4.30

1900

5.04

7.71

1.70

10.40

1910

6.93

16.24

4.09

26.50

يؤكد هذا الارتفاع على المستوى الكبير لهذه الثروات الجديدة في بعض الدول، ويدل بالتالي على اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، كما أنه يبين كيف كانت علاقات الدول بعضها ببعض تتغير بصورة حادة.

كانت بريطانيا أول بلد عرفت حركة التصنيع، وقد ظلت في الطليعة زمناً طويلاً وكانت في منتصف القرن التاسع عشر ورشة العالم، كما كان مواطنوها يحبون أن يقولوا، إلا أنها في عام 1900 لم تعد في المقدمة، بل كانت ألمانيا قد سبقتها من نواح كثيرة ومنذ ذلك الحين، كانت التفوق الصناعي الإجمالي للولايات المتحدة على المستوى العالمي قد أصبح واضحاً أيضاً.

تدل هذه الأرقام المتعلقة بالمواد الأساسية أيضاً على التعقيد المتزايد في بنية الصناعة، لقد مكن الفحم من اختراع القطار البخاري، وكانت سككه الحديدية بحاجة للحديد فساعدت بذلك على بناء المزيد من مصانع هذا المعدن. وزاد هذا من الطلب على خاماته الأولية كما صار بالإمكان نقلها مسافات أبعد ويكلف أرخص إلى المعامل بواسطة السكك الحديدية بدلاً من الحصان والعربة وازدادت الحاجة لعمال المناجم، كما مكنتهم أجورهم من شراء المزيد من الملابس، فازداد الطلب على الأقمشة في أوروبا وارتفع بالتالي إنتاج القطن والصوف في القارات الأخرى. وجعل هذا رجال الأعمال يضعون آلات أحدث في مصانعهم، وكان هذا بحاجة للمزيد من الحديد وهلم جراً...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 49

الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير    الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:36

التجارة العالمية

لقد شملت هذه العملية في النهاية العالم كله، كانت مصانع أوروبا تستهلك المواد الأولية من الخارج بكميات هائلة، مثل القطن ونبات الجوته والخشب والمعادن، ففي عام 1850 كان أكثر من نصف الصوف المستخدم في مصانع إنكلترا يأتي من أستراليا، كما كانت فرنسا تستورد أكثر من نصف حاجتها من خارج أوروبا أيضاً في عام 1914.

وقد تكتشف أحياناً استخدامات جديدة لمواد أولية قديمة، ومن الأمثلة البارزة على ذلك المطاط قرب نهاية القرن التاسع عشر الذي بدل الحياة الاقتصادية على بعد آلاف الأميال من مكان استخدامه. وكانت هذه المواد الأولية، فضلاً عن الأطعمة والبضائع المصنعة، تنقل بين أطراف العالم مؤدية إلى ارتفاع حاد في التجارة العالمية.

وكانت أكبر الدول التجارية قاطبة هي بريطانيا، قد ارتفعت القيمة الإجمالية لصادراتها ووارداتها معاً من حوالي 55 مليون جنيه في عام 1800 إلى أكثر من 1.400 مليون جينه في عام 1913.

وهكذا ظهرت للمرة الأولى سوق عالمية حقيقية، فصار بإمكان الناس أن يبيعوا ويشتروا في كافة أنحاء العالم مثلما كانوا يبيعون ويشترون ضمن البلد الواحدة، وفي عام 1914 باتت البشرية كلها تشكل بصورة مباشرة أو غير مباشرة جزءً من هذا المجتمع التجاري الواحد الكبير، سواء أعلمت بذلك أم لم تعلم.

فكانت أسعار الحبوب في شيكاغو أو اللحم في بيونس آيريس أو الفولاذ في إسن بألمانيا تسبب تغير أسعار مواد أخرى في كافة أنحاء العالم، وكانت هذه السوق العالمية الأولى ذات الأسعار العالمية دليلاً على وجود عالم واحد على الأقل من الناحية الاقتصادية، وقد اكتملت أخيراً عندما انفتحت الصين واليابان وأفريقيا انفتاحاً كاملاً على التجارة مع أوروبا وأمريكا في القرن التاسع عشر.

كانت هذه التجارة تعتمد على ترتيبات قديمة على إقراض الأموال وتبادلها، وكان أهمها نظام الأوروبيين، أي أن عليهم تسديدها، وكان هذا النظام وليد عمليات التبادل القديمة التي ابتدأت في العصور الوسطى أولاً بين عدد قليل من المراكز التجارية الأوروبية الكبرى.

وقد صارت هذه العمليات مركزة في أكمل أشكالها في لندن، التي أضحت في عام 1914 مركز شبكة عالمية من التجارة، وكان فيها تجمع كبير من المؤسسات المالية لامثيل له في أي مدينة أخرى. وكان هذا النظام برمته يقوم التداول بالأوراق بشكل كمبيالات قابلة للتسديد أو أوراق بنكنوت أو شيكات، وكانت هذه الأوراق دوماً قابلة للاستخدام لشراء بضائع أخرى أو لتحصيل ثمنها في النهاية بشكل ذهب.

وكانت جميع الدول المتحضرة تبني عملتها على الذهب، ولهذا لم تكن أسعار العملات تتأرجح كثيراً، فكان بإمكان المرء أن يسافر إلى أي ركن من أركان العالم وبجعبته عملات ذهبية بشكل جنيهات إنكليزية أو دولارات أمريكية أو ماركات ألمانية وأن يسدد بها مصاريفه. وقد جعل هذا الأمر التجارة العالمية أمراً سهلاً جداً، وكانت التجارة مبنية على قاعدة الذهب هذه، فلم يكن التجار بحاجة لتخمين ما سوف تكون عليه قيمة عمله ما بعد أسابيع من أو أشهر قليلة.

ولكن الدول المختلفة كانت أحياناً تتدخل في التجارة عبر حدودها عندما تجد سبباً يدعوها إلى ذلك، فقد حدث في ثمانينيات وتسعينيات القرن التاسع عشر ركود اقتصادي واسع الانتشار، جعل بعض الحكومات تحاول أن تحمي منتجيها ومزارعيها عن طريق فرض ضرائب خاصة على البضائع المستوردة.

وكانت بريطانيا هي الدولة الكبرى الوحيدة التي رفضت القيام بهذا الإجراء، وظلت متمسكة بتقاليد التجارة الحرة التي كانت تعتبرها مسؤولة عن جعلها دولة تجارية كبيرة وعن تأمين الغذاء الرخيص لها، ولكن حتى ضرائب سنوات التسعينيات هذه تركت مجالاً واسعاً لحركة التجارة الدولية.

كانت المناطق المختلفة من العالم ضمن هذه السوق الدولية تلعب عادة أدواراً اقتصادية مختلفة، فكانت أوروبا بالإجمال مستورداً أساسياً للمواد الأولية من طعام ومستلزمات للصناعة من القارات الأخرى، وكانت بالمقابل تصدر البضائع المصنعة، فأصبحت بذلك محرك التجارة العالمية.

وبسبب نمو عدد سكانها وازدياد ثروتها ومصانعها النهمة التي لاتشبع كانت أوروبا تنقل كميات هائلة من الطعام والمعادن والخشب والبضائع المصنعة بين أطراف العالم المختلفة، كانت بريطانيا حتى ستينيات القرن التاسع عشر تنتج القسم الأعظم من الحنطة واللحوم التي تستهلكها، أما في عام 1900 فقد صار 80% من حنطتها و 40% من لحومها مستوردة.

ولكن مع هذا كانت الحركة التجارية الأساسية هي بين الدول الصناعية نفسها، فكانت البضائع تنقل بكميات كبيرة بين الدول الأوروبية وبين أوروبا والولايات المتحدة، وكانت الأخيرة بالطبع تزودها بالكثير من المنتجات الزراعية، وفي عام 1914 كانت أوروبا تأخذ أكثر من 60% من واردات العالم وتقدم حوالي 55% من صادراته.

وراحت أوروبا تصدر رأس المال أيضاً إلى الأنحاء الأخرى من العالم، وكان هذا عادة بشكل قروض أو سلع تستخدم لشراء المواد اللازمة ودفع أجور العاملين في المشاريع الزراعية والصناعية التي تقوم بتطوير البلد المستوردة لرأس المال.

وبهذه الطريقة بني الكثير من السكك الحديدية في الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية، وتوسع استخدام المعادن في أفريقيا، وأنشئت مزارع الشاي والمطاط في آسيا، وكانت فوائد رأس المال المقترض هذا تسدد عادة من أرباح تلك النشاطات.

وقد أدى هذا الوضع بمرور الزمن إلى قدر كبير من التوتر، إذ بدا أن المصارف والتجار الأوروبيين يمتلكون قسماً كبيراًَ جداً من الأعمال القائمة في دول غير أوروبية، لأنها كانت معتمدة على رأس المال الأوروبيين، وكان رجال الأعمال في تلك الدول أكثر الناس امتعاضاً من انتقال أرباح هذه الشركات القائمة في بلادهم إلى جيوب الأوروبيين.

وكان الدخل الآتي من هذه الاستثمارات الخارجية يشكل جزءً كبيراً من مدخول بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها بريطانيا، التي كانت تحصل على مبالغ هائلة من أقساط هذه الاستثمارات وغيرها من النشاطات، مثل أجور الشحن والتأمين والعمولات المالية بأنواعها.

وكانت بحاجة لهذه الأموال من أجل موازنة حسابات وارداتها وصادراتها، أي أن هذه الأرباح كانت هي التي تمكن الشعب البريطاني من تسديد ثمن وارداته الكثيرة التي سمحت له بأن يتمتع بمستوى عالٍ من المعيشة، وكان هذا واحداً من الأسباب التي جعلت حكومات بريطانيا حريصة دوماً على الحفاظ على السلام الدولي والشروط الطبيعية الملائمة للتجارة، إذ أنها أكثر دولة تعتمد على بيع الكميات الكبيرة من السلع بالوكالة، وعلى إعادة تصدير جزء كبير من وارداتها، وعلى حرية سفنها التجارية في مخر عباب البحار، وعلى حرية مصرفييها ووكلاء التأمين فيها في أخذ الأخطار المحسوبة في الخارج. ولقد ترتبت على هذا النظام المعقد نتائج كثيرة تجاوزت نطاق النتائج الاقتصادية.

إن تخفيض الأسعار وتحفيز الابتكار والاستثمار قد نشرت الحضارة التي خلقها الأوروبيون، وقد حسنت هذه الحضارة العالم من نواح كثيرة، ولكنها من ناحية أخرى خلقت مشاكل جديدة بسبب هذا التداخل الكبير في الشؤون والمصالح، فإذا أغرقت أمريكا بالحبوب مثلاً فقد تؤدي إلى خراب المزارعين الأوروبيين وإذا انهار مصرف أو مؤسسة تجارية في لندن فقد يفقد الناس عملهم في فالبارايسو* أو في رانغون*.

إن تحسن التجارة وتراجعها المتعاقبين، أي دورتها المؤلفة من ازدهار وركود متتاليين، قد أشير إليها للمرة الأولى في أوروبا في بداية القرن التاسع عشر، ثم صار لها بمرور الزمن تأثير عالمي، وقد بدأ في سبعينيات القرن التاسع عشر ركود طويل يسمى أحياناً الكساد الكبير، كان له تأثيره على أكثر الدول الغنية، فراحت الدول تسعى لحماية أنفسها عن طريق رسوم الاستيراد، وكان هذا الإجراء ضاراً بالنظام التجاري العالمي، ولكنه ظل قادراً على عبور هذه العاصفة إلى أن جاءت الحرب بضربتها القاضية.

ولكن حتى ذلك الحين ظل الكثيرون من الناس يعتبرون أن عالم التجارة الدولية القديم، كان هو الوضع الطبيعي الذي سوف يعودون إليه ذات يوم، إذ أنه كان قد بلغ من النجاح ماجعل الناس يرونه أمراً عادياً، ولم يعلموا أنه كان في الحقيقة إنجازاً غير عادي.






* مدينة في التشيلي


* عاصمة بورما
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 49

الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير    الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير  Emptyالخميس 16 يونيو 2011 - 5:37

عصر آلات جديد

في القرن التاسع عشر بدأت الآلات الجديدة بالظهور في كل مكان بأعداد كبيرة، ورغم أنها كانت تزداد تعقيداً فإن استخدامها كان يزداد سهولة، فكنت تراها في كل مكان في أوروبا وأمريكا الشمالية، مثل السيارات وعربات الترام والدراجات في شوارع المدن الكبرى، والأنوال والمخارط والمثاقب في المصانع، وآلات تسجيل النقد والآلات الكاتبة في المكاتب والمحلات، وقد بدلت هذه كلها الحياة من نواح كثيرة.

كانت أولى النتائج وأكثرها جلاء أن الآلات قد رفعت قيمة مجهود الإنسان بقدر كبير جداً، فصار بإمكان العامل أن ينتج بسرعة أكبر بكثير، وكانت هذه مساهمة أساسية في النمو الهائل للثروة في ذلك العصر.

وكنت ترى النتائج حتى في الريف، فبعد بداية القرن التاسع عشر بقليل كانت الآلات الزراعية الإنكليزية تعرض في المعارض الأوروبية، وفي منتصف القرن كان البخار يستخدم لإدارة الآلات وجر المحاريث، كما ارتفع عدد الحصادات الميكانيكية في المزارع الألمانية من 20.000 عام 1880 إلى أكثر من 300.000 في عام 1907، ويمكننا أن نذكر أرقاماً كثيرة مثل هذه، وفي عام 1910 وكان قد ظهر أيضاً الجرار الذي يعمل على البنزين.

وكانت الصناعة أكثر من الزراعة اعتماداً على وجود الآلات المبتكرة الجديدة والرخيصة، فظهرت المخارط وغيرها من مكنات صنع الآلات، والمطارق الساقطة والأفران العالية (الأتونات) لصهر المعادن، وآلات صنع جسم السيارة، وألف مثال ومثال غيرها.

كما وفرت الآلات مجهود الإنسان بطرق أخرى غير الصناعة أيضاً، فعربات الترام الكهربائية وقطارات الأنفاق المترو مثلاً كانت في عام 1914 تنقل ملايين الناس إلى أعمالهم في مدن كثيرة، وكان هذا توفيراً كبيراً للطاقة التي كانت تستهلك قبل خمسين سنة، في قطع المسافات الطويلة على الأقدام، فضلاً عن اختصار الوقت اللازم لكسب المعيشة.

وحتى في البيت كانت تأثيرات الآلات كبيرة جداً، فتزويد البيوت بالغاز للطبخ من مصانع الغاز المحلية قد خفف كثيراً من متاعب وتكاليف إدخال الوقود وتوزيعه في البيت، وضخ المياه من محطاتها المركزية كان متوفراً في ملايين البيوت في عام 1914، وإذا شئت أن تعرف مدى تأثير هذا التطور فما عليك إلا أن تنظر إلى مواكب نساء القرى في بعض أنحاء أوروبا الجنوبية وهن يذهبن إلى الساقية أو النبع القريب لأخذ حاجاتهم من الماء لمهام البيت، وإن هذا المشهد بالطبع أكثر شيوعاً في آسيا وأفريقيا.

وقد غيرت آلة الخياطة أيضاً عملية صنع السلع في المنزل، أما في بيوت الأغنياء في أوروبا وأمريكا فكنت تجد آلات أخرى غير هذه، مثل المكانس الكهربائية والمصاعد وآلات الغسيل، وفي بيوت جميع الطبقات كنت تجد تلك المكواة المكونة من أسطوانتين تمرر بينهما الألبسة، وهي جهاز وفر الكثير من الجهد المبذول في تجفيف الملابس وكيها.

من الصعب أن نرتب أهم الابتكارات الميكانيكية في هذا القرن ترتيباً زمنياً لأن العلاقات المتبادلة فيما بينها كانت معقدة وسريعة جداً، ومن الصعب أيضاً أن نحدد التأثيرات العامة لقدوم الآلات على تنظيم العمل وشكل المهن ولو كن من الممكن وصف ذلك إلى حد ما في أي مهنة معينة.

وقد ظهرت مجموعة من الوظائف الجديدة، كانت كلمة مهندس engineer كلمة قديمة، ولكن معناها اتسع كثيراً في القرن التاسع عشر، فظهر التخصص ضمن الهندسة في مجالات البناء والأشغال الكهربائية والسفن والكيمياء، وكانت قد ظهرت مؤسسات للتعليم التقني في بلاد كثيرة تقدم تعليماً متقدماً في مجال الهندسة وتمنح مؤهلات معترف بها بصورة واسعة كمعادلات للشهادات الجامعية، كما بدأت بعض الجامعات بتدريس هذه المواد، فصار المهندسون يعتبرون الهندسة مهنة قائمة بذاتها، وكانوا عادة منظمين في هيئات مهنية ترعى مصالحهم.

وكانت كلمة ميكانيكي Mechanic كلمة أخرى صار لها معنى جديد، هو الحرفي المختص بالتعامل مع الآلات، وقد ازداد عدد هذا النوع من العمال المهرة بسرعة هائلة في الدول الصناعية، وصاروا يميلون أيضاً للتخصص في نهاية هذه المرحلة،وصارت مؤهلاتهم تحدد بمعايير المهنة وبالشهادات. وكان معنى كلمة ميكانيكي يتسع باستمرار، فظهر صانعوا المراجل والمخترعون وصانعوا الآلات والمختصون بضبطها ومعايرتها وتصميمها، وكانت الحاجة تزداد لهم بأعداد كبيرة، كما كانت أعمالهم تزداد تخصصاً بمرور الزمن.

فليس من الصحيح إذاً أن التصنيع والمكننة قد أضعفا من تنوع المهن وتفردها، ورغم أنهما قضيا على الكثير من الحرف فقد رفعا أعداد المهارات الخاصة المطلوبة من نواح عديدة، ولكن الآلات كانت من ناحية أخرى بحاجة لأعداد كبيرة من العمال غير المدربين الذين لاتتجاوز مهمتهم صيانتها والعناية بها، فكان عملهم مملاً جداً وخالياً من عوامل التحفيز.

التأثيرات النفسية والفكرية للمكننة

كان من المحتم أن تؤثر هذه التغيرات العريضة على أفكار الناس ونظرتهم للحياة، لقد بدأ الكثيرون منهم يعتقدون أن الآلات قد تقوم بأي شيء إذا أتيح لها الزمن والمجهود اللازمان، وبهذا صار العالم يبدو أقل غموضاً وأكثر قابلية للسيطرة، كما رأى الكثيرون في هذا التقدم التقني دليلاً على أن الحضارة الأوروبية تسير في الاتجاه الصحيح.

وقد كان هناك عدد قليل من الأشخاص الذين يعتقدون غير هذا وكانوا يعبرون عن آرائهم كثيراً وبصوت عال، إلا أن أكثر الناس قبل عام 1914 كانوا مقتنعين من الأدلة التي يرونها من حولهم، فالمهام الشاقة والصعبة قد أصبحت تؤدى بسهولة ويسر، والسلع التي كانت في الماضي سلعاً باهظة الثمن باتت اليوم شائعة.

كما أن الفوائد الاجتماعية للتقنية قد ظهرت خارج العالم الغني أيضاً فامتدت السكك الحديدية ضمن أفريقيا وآسيا، وحملت معها منافع أخرى مثل تحسن المضخات والآبار والاتصالات والطب، لقد أصبحت الحضارة الرائدة في العالم تعتبر الآلات أشياء عادية وتعاملها كجزء أساسي من حركة التطور، وكان هذا تغيراً هائلاً في نظر البشرية.

الطاقة

كانت تلك الآلات الجديدة بحاجة لطاقة جديدة أيضاً، وقد ارتفع استهلاك الطاقة بعد عام 1801 بمعدلات لاسابق لها، إن التحسينات التي جرت على المحرك البخاري في القرن الثامن عشر قد جعلت البخار هو المصدر الأساسي للطاقة في القرن التاسع عشر، ومع أن السكك الحديدية في بعض أنحاء العالم كانت تعمل على الخشب فقد رفعت الطلب على الفحم أيضاً.

وكان الإنتاج العالمي للحم 800 مليون طن في عام 1900، ثم ارتفع في عام 1913 إلى أكثر من 1.300 مليون طن، وكانت تسعة أعشار هذه الكمية تأتي من أوروبا والولايات المتحدة، وكانت قد ظهرت مصادر أخرى للطاقة، فبعد أن اكتشف فارادي في عام 1831 مبدأ عمل المولد الكهربائي وتبين أن الكهرباء يمكن توليدها، ارتفع الطلب على الفحم من جديد لأنه صار يستخدم لإدارة المولدات الكهربائية، كما وجدت أيضاً طريقة جديدة لاستغلال الموارد المائية في توليد الطاقة الهدروكهربائية، فكان هذا توسعاً آخراً في موارد الطاقة.

كانت الزيوت النباتية والحيوانية تستخدم للإضاءة منذ زمن بعيد عندما اكتشف الناس تكرير النفط، وقد أنتج النفط بصورة تجارية للمرة الأولى في بنسلفانيا في عام 1859، فمهد بذلك الطريق لاستخدام الزيوت المعدنية للإضاءة أولاً بشكل مصابيح البارافين، ثم للوقود.

وقد مكن النفط ثم البنزين من اختراع المحرك الداخلي الاحتراق، وهو محرك يعتمد على انفجار الوقود ضمن غرفة الاحتراق لدفع المكبس، بينما يستخدم الوقود في المحرك البخاري لتحويل الماء إلى بخار هو الذي يدفع المكبس. ونشأت من هذا المحرك الجديد اختراعات جديدة مثل السيارة والمحركات المحمولة لجميع أنواع الأعمال، والعنفات العاملة على البترول في السفن وفي توليد الطاقة الكهربائية، وأخيراً في المحركات القوية والخفيفة إلى حد يسمح باستخدامها في الطائرات.

ومع هذا الارتفاع قفز إنتاج البترول العالمي وأكثره في الولايات المتحدة من 5.75 مليون برميل في عام 1871 إلى 407.5 مليون في عام 1914، واقتضى هذا التطور بناء آبار جديدة وصناعة تكرير هائلة مع وسائل النقل الضرورية لشحن البترول إلى أماكن استخدامه.

كانت هذه الآلات الجديدة بحاجة إلى كميات كبيرة من المواد الأولية، وكان بناء السكك الحديدية والسفن يستهلك كميات هائلة من الحديد، وقد تمت خطوة هامة جداً إلى الأمام عندما اكتشف طريقة جديدة في صنع الفولاذ في خمسينيات القرن التاسع عشر، وقد كان هذا المعدن شائع الاستعمال قبل ذلك ولكنه كان غالي الثمن، فصار الآن رخيصاً وبات يستخدم بدلاً من الحديد المطاوع.

ثم حصلت تحسينات أخرى خفضت سعره فزادت الطلب عليه، وخلال العقد التالي حصلت اختراعات مكنت من صنع الألمنيوم من خام البوكسيت، فتحول من معدن ثمين إلى مادة شائعة الاستعمال. أما فيما يتعقل بالمواد غير المعدنية، فقد حصل تطور هائل في الصناعة الكيميائية أدى إلى إنتاج مادة السليوليد في عام 1879 ثم إلى الألياف الصنعية بعد حوالي عشرين عاماً وإلى مادة الباكليت في عام 1909، وهي من أولى المواد التي نسميها اليوم مواد بلاستيكية.

في عام 1914 كانت كل ناحية من نواحي الحياة في الدول الصناعية قد تأثرت بالآلات الجديدة والمواد الجديدة، فحتى ياقات الملابس كانت تصنع أحياناً من السليوليد. ولم تقتصر هذه التبدلات على فنون السلم بل تخطتها إلى فنون الحرب أيضاً.

لقد كان أول استخدام عسكري للسكة الحديدية في عام 1854 في حملة خاضها البريطانيون والفرنسيون ضد الروس في شبه جزيرة القرم، وسرعان ما أخذ القادة العسكريون يخططون لاستخدام السكك الحديدية من أجل نشر مئات الألوف من الرجال.

وكانت الآلات تزداد في عتاد الجيش أيضاً، فتحسنت الأسلحة وصارت أقوى، كما ظهرت آلات عسكرية كثيرة قبل عام 1914، مثل الدراجة النارية والشاحنة والجرار والطيارة وأجهزة الإشارة، أما البحرية فقد شهدت ثورة حقيقية بظهور البخار، وقد ظهرت أول سفينة بخارية في البحرية الملكية في عام 1821، ثم كبرت المدافع والدروع الواقية للسفن وتحسنت.

ولو رأى نلسون السفن العملاقة التي كانت تشكل أساطيل الدول العظمى في عام 1914 لما عرف أنها سفن إلا من كونها طافية على سطح الماء، ولكنه لو وجد نفسه على ظهر سفينة حربية قبل عصره بمائة عام لوجدها مكاناً مألوفاً لديه. وكانت هناك أيضاً غواصات في جميع القوى البحرية الكبرى في عام 1914، ولقد كانت آلات الحرب هذه أبشع العلامات وأبلغها على امتداد عصر الآلات إلى كافة أنحاء الأرض.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
 
الفصل الحادي عشر - التسارع الكبير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
رسالة مصرية ثقافية :: قسم العلوم التربوية والأدبية :: التاريخ العربي :: كتاب تاريخ العالم-
انتقل الى: