رسالة مصرية ثقافية
مرحبا بك أخي الزائر نشكر زيارتك ونتمني انضمامك للمنتدي
زيارتك تسر إدارة المنتدي ومشاركتكك تسعدنا وتساهم معنا بارتفاع الثقافة العامة
بعض المنتديات الفرعية والموضوعات
لا يمكنك الإطلاع عليها إلا بعد التسجيل كعضو في المنتدي
رسالة مصرية ثقافية
مرحبا بك أخي الزائر نشكر زيارتك ونتمني انضمامك للمنتدي
زيارتك تسر إدارة المنتدي ومشاركتكك تسعدنا وتساهم معنا بارتفاع الثقافة العامة
بعض المنتديات الفرعية والموضوعات
لا يمكنك الإطلاع عليها إلا بعد التسجيل كعضو في المنتدي
رسالة مصرية ثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رسالة مصرية ثقافية

ثقافية - علمية - دينية - تربوية
 
الرئيسيةرسالة مصريةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 بحث تاريخي (نشأة دولة المماليك وتوليهم مقاليد الحكم) ( الجزء الأول )

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 49

بحث تاريخي (نشأة دولة المماليك وتوليهم مقاليد الحكم)            ( الجزء الأول ) Empty
مُساهمةموضوع: بحث تاريخي (نشأة دولة المماليك وتوليهم مقاليد الحكم) ( الجزء الأول )   بحث تاريخي (نشأة دولة المماليك وتوليهم مقاليد الحكم)            ( الجزء الأول ) Emptyالأحد 31 أكتوبر 2010 - 6:01

- تمهيد .
- أولاً : صفات المماليك المميزة لهم في أثناء فترة نشأتهم في مصر .
- ثانياً : سبب تسمية دولة المماليك بالمماليك البحرية .
- ثالثاً : قيام دولة المماليك في مصر والشام .
- رابعاً : تولية عز الدين أيبك السلطنة المملوكية .
- خامساً : الصعوبات التي واجهت قيام الدولة المملوكية :
1- موقف بني أيوب من السلطنة المملوكية .
2- ثورة الأعراب في مصر .
3- الصراع بين أمراء المماليك .
4- الخطر المغولي .
- سادساً : أهم سلاطين دولة المماليك البحرية :
1- السلطان سيف الدين قطز .
2- السلطان الظاهر بيبرس :
‌أ- جهوده لتدعيم دولة المماليك .
‌ب- القضاء علي الثورات الداخلية .
‌ج- إحياء الخلافة العباسية في القاهرة .
‌د- العلاقات بين المماليك والمغول في عهد بيبرس .
‌ه- العلاقات بين المماليك والصليبيين في عهد بيبرس.
=======================================
نشأة دولة المماليك وتوليهم مقاليد الحكم
 تمهيد :
في أعقاب الحملة الصليبية السابعة قامت دولة المماليك في مصر ودولة المماليك تعتبر في الواقع استمراراً لدولة الأيوبيين ، لأن سلاطينها الأول كانوا مماليك للأيوبيين ، ولهذا نراهم يسيرون علي نهجهم في إدارة البلاد وحكمها ، فنظم الحكم واحدة في الدولتين إذا استثنينا بعض النظم الجديدة التي أدخلوها فيما بعد واقتبسوها عن المغول بحكم اتصالهم وتأثرهم بهم.
وهناك فارق بين الدولتين وذلك لأن الدولة الأيوبية – رغم استقلالها – كانت تدين بالولاء الروحي للخلافة العباسية التي كانت لا تزال قائمة في بغداد ، فهناك إذن نقص كان يشوب استقلالها، أما الدولة المملوكية فقد عاصرت عند قيامها سقوط الخلافة العباسية علي أيدي المغول، وسعي سلاطينها حتى نجحوا في نقل هذه الخلافة إلي مصر ، فتم لهم بهذا كل مظاهر الاستقلال ، وأصبح لمصر منذ ذلك الحين مركز الزعامة علي كل دول الشرق الأدنى، بل وعلي كل الدول الإسلامية الأخرى.
وبمقتل تورانشاه ابن السلطان الصالح نجم الدين أيوب في عام 648هـ/1250م ينتهي عصر الدولة الأيوبية في مصر والشام وبتولي شجرة الدر السلطنة يبدأ عصر جديد هو عصر سلاطين المماليك الذي حكموا من خلال دولة عرفت باسم الدولة المملوكية ولقد عرفت هذه الدولة بهذا الاسم لأنها قامت علي أكتاف فئة من الرقيق الأبيض أو المماليك ، وأيضاً لأن السلاطين الذين تعاقبوا علي عرش السلطنة فيها كانوا كلهم من المماليك أو من أبنائهم.( )
وأول خليفة عباسي اعتمد علي المماليك اعتماداً كبيراً هو الخليفة العباسي المعتصم (218-228هـ) فلقد ضاق هذا الخليفة بنفوذ الفرس وأراد ان يقضي عليهم وعلي فوذهم فقرر أن يعتمد علي الأتراك بدلاً منهم فامتلك أعداداً كبيرة منهم وشكل منهم قوة حرسه الخاص وجيشه ثم بني لهم مدينة خاصة بهم لم يلبث أن انتقل إليها معهم وجعلها عاصمة لملكه وهي مدينة سامرا . ولقد كان من أثر ذلك أن تغلغل نفوذ المماليك الأتراك في كافة الولايات التابعة للخلافة العباسية ومن بينها مصر ، فصار جند مصر وولاتها من المماليك والأتراك أو أولادهم .
وجاء أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية والذي كان أبوه من المماليك الأتراك فأكثر من شراء مماليك الديلم سكان جنوب بحر قزوين وبلغت عدتهم أكثر من أربعة وعشرين ألف غلام من الأتراك وأربعين ألف من السود وسبعة آلاف من الأحرار المرتزقة ثم تأسست الدولة الأخشيدية في مصر (323-358هـ) فجعل محمد بن طغج الأخشيد جيشه من الأتراك ومن الديلم ، وبعد فتح الفاطميون لمصر عام ( 358هـ/969م) كانوا في حاجة إلي جيش كبير يوطد أركان دولتهم فيها ويسهل عليهم ما اعتزموه من مد سلطانهم إلي بلاد الشرق ، وكان جيشهم بادئ الأمر مؤلفاً من المغاربة ، فأضافوا إليه في مصر الأتراك والأكراد والغز والديالمة والصقالبة .
وبعد قيام الدولة الأيوبية في مصر (567هـ/1171م) عمل سلاطينها علي جلب الأتراك إليها وبذلوا الأموال في شرائهم بغية الاعتزاز بقوتهم ، وكان أكثر الملوك شراء لهؤلاء المماليك هو الملك الصالح نجم الدين أيوب ، وكان معظم هؤلاء المماليك من شبه جزيرة القرم وبلاد القوقاز والقفجاق وآسيا الصغري وتركستان وبلاد ما وراء النهر ، فكانوا خليطاً من الأتراك والشراكسة والروم والأكراد وأقلية من البلاد الأوربية .
 أولاً : صفات المماليك المميزة لهم في أثناء فترة نشأتهم في مصر :
وعاش المماليك في مصر أثناء حكمهم لها كطائفة منفصلة عما حواليها واحتفظوا بشخصيتهم ولم يختلطوا بأي عنصر من عناصر السكان المصريين ، ولم يسمحوا لسكان مصر أن ينخرطوا في صفوفهم ولم يتزوجوا منهم إلا فيما ندر.
واقتصر المماليك علي أعمال الجندية كما اشترطوا علي ألا ينخرط في سلك المماليك الحربية إلا من يستوردونه من جديد ، فأبناء المماليك مهما عظم شأنهم كانوا يقصرونهم علي العمال الكتابية والإدارية ولا يسمحون لهم بالدخول في الجيش وأهالي مصر كانوا يتولون الأعمال الكتابة ولم يكن لهم نصيب في الجيش العامل .
وكان المملوك شديد التمسك بسيده وأستاذه وكانت رابطة الأستاذ بممالكيه رابطة لا انفصام لها، فقد كانوا يخلصون له في السراء والضراء ويكونون رهن إشارته يوجههم كيفما شاء لتحقيق مآربه، ولم تكن رابطة الأستاذية هي الرابطة الوحيدة التي كانت تسيطر علي عواطف المماليك ، فالمماليك الذين كانوا ينشأون معاً عند أستاذ واحد كانت تنشأ بينهم رابطة تعرف بالخشداشية ، وهذه الرابطة كانت لها قوة واحترام فيما بينهم وكانت تجعل الواحد منهم يتعاطف مع خشداشة أي زميله ويؤازره في المحن والشدائد وينصره علي أعدائه وينصر له دائماً.
وكان للمماليك نظام خاص يبدأ منذ اللحظة التي كان يتم فيها شراء السلطان للمملوك ، فبعد عرض هذا المملوك الجديد علي السلطان كان يرسل مباشرة إلي الثكنات المخصصة لتربية المماليك السلطانية بالقلعة والتي كانت تعرف بالطباق وكانت كل طائفة من هذه الطباق مخصصة لجنس معين من أجناس المماليك ، لذلك كان يبعث بالمملوك الجديد إلي الطبقة المخصصة لبني جنسه ، وهناك يبدأ تهذيبه وتثقيفه وتعليمه فيشرف علي تعلميه فقيه مخصص لهذا الغرض يحضر كل يوم ويقوم بتعليمه هو وزملائه القرآن والدين والصلاة والكتابة والخط ، ثم يلتحق المملوك بخدمة السلطان فيلحق عندئذ بأحدي وظائف خدمته بالقصر وكان باب الترقي في حكومة المماليك مفتوحاً علي مصراعية لكل مملوك يثبت كفايته للعمل فيرقي من مملوك بسيط إلي أمير خمسة أو عشرة أو خمسين أو مائة أو ألف حتى يبلغ السلطنة نفسها .

ومن خواص المماليك جمعهم بين الصلاح في نظر الشعب والاستمساك بقواعد الدين الحنيف من حيث الصلاة والزكاة وتشييد العمائر الدينية وغير ذلك ، بينما تجدهم في حياتهم الخاصة لا يتورعون عن أتيان أشنع المنكرات والتعسف في أذي الخلق وإهراق الدماء بلا اكتراث بأبسط المبادئ الإنسانية .
ومن هنا يظهر لنا أن للمماليك شخصيتان واحدة عامة وأخرى خاصة واحدة تعمل علي إعلاء كلمة الإسلام وأخرى لا تأبه بما يبشر به الإسلام من قواعد العدل والخلق الكريم ، وهذا طبعاً كلام عام ينطبق علي المماليك في مجملهم لأنه كان هناك أيضاً في صفوفهم أفراد قلائل اتصفوا بحب الخير والدين الصحيح ، وعلي ذلك فإننا لا نظن أن شعورهم الديني كان عميقاً ولكنهم رغم رذائلهم وجرائمهم كانوا في بعض الأحيان يتخذون مظهراً خارجياً فيه شيء من التقوي ، فيبنون العمائر ويوزعون الإحسان والعطايا.
كما نري أنهم المماليك كانوا لا يجدون بأساً في الاحتفاظ بنسبة تشير إلي صاحبهم الأول أو إلي أستاذهم وتذكر هذه النسبة بعد أسمائهم فنري المعز أيبك التركماني تسمي بالصالحي النجمي لأنه كان من مماليك الصالح نجم الدين أيوب ، كذلك الظاهر بيبرس العلائي البندقداري الصالحي تسمي بالعلائي البندقدراي لأنه كان في أول أمره من مماليك الأمير علاء الدين أيدكين البندقدار ، ثم تسمي بالصالحي بعد أن أنتقل إلي خدمة الملك الصالح نجم الدين أيوب وضار من ممالك البحرية.( )

 ثانياً : سبب تسمية دولة المماليك بدولة المماليك البحرية :
وترجع المراجع أن الدولة تنسب إلي فرقة المماليك البحرية التي كونها الصالح نجم الدين أيوب، وسماها البحرية نسبة إلي بحر النيل( )، وذلك لأنه أسكنها في القلعة التي بناها خصيصاً لهم في جزيرة الروضة والتي كانت تطل علي النيل.
ولكم هذا السبب كان موضع مناقشة لأن المراجع التي أرخت للدولة الأيوبية تشير إلي وجود فرقة أخرى من المماليك كونها الملك العادل أبو بكر (حد الملك الصالح) وأسماها "البحرية العادلية"، كما أن الفرقة التي كونها الصالح كانت تعرف باسم "البحرية الصالحية" تمييزاً لها عن الفرقة البحرية التي كونت قبل عهده أو بعد عهده مثل "البحرية الظاهرية" التي تنسب إلي الملك الظاهر بيبرس.
والأرجح في التسمية بالبحرية لأن المماليك جاءوا من وراء البحار أو عن طريق البحار، ويؤيد هذا رأي "جوانفيل" مؤرخ الحملة الصليبية السابعة علي مصر فقد قال في كتابة "سيرة القديس لويس" إنهم يسمون البحرية أو رجال ما وراء البحار ، ورأي جوانفيل له قيمة لأنه اشترك في محاربة المماليك البحرية الصالحية ، وأسر عندهم ، واتصل بهم وتحدث إليهم .
وممن يأخذ بهذا الرأي المؤرخ التركي رضا نور ، الذي ذكر في كتابه تاريخ الملوك إنهم سموا بالبحرية لأنهم جاءوا مع تجارهم البنادقة عن طريق البحر وقال في موضع آخر من كتابه إن المغول كانوا يحبون البنادقة ويقفون عليهم تجارة الرقيق الذي كانوا يأخذونه من القفجاق . وعليه نأكد هنا أنهم سموا بالبحرية لأنهم جاءوا إلي مصر عبر البحار ومن وراء البحار.( )
 ثالثاً : قيام دولة المماليك في مصر والشام :
لم يكد النصر يتحقق علي حملة لويس التاسع الصليبية حتى شهدت مصر قيام سلطنة المماليك ، وهي السلطنة التي شملت في أوج عظمتها مساحات واسعة شملت مصر وبلاد الشام ، فضلاً عما كان لسلاطين المماليك من سيادة علي بعض القلاع والمدن في أعالي الفرات والجهات الجنوبية الشرقية من آسيا الصغري وشمال السودان وبرقة والحجاز .
وإذا نجحت السلطنة الجديدة في أن تخلف البيت الأيوبي في الحكم ، فإن عوامل هذا النجاح لا ترجع إلي النصر الذي أحرزه القادة المماليك علي حملة لويس التاسع الصليبية فحسب ، بل إلي عوامل أخرى مكنت لهؤلاء القادة من إقامة دولة استطاعت أن تكسر موجة الغزو المغولي في وقعة فاصلة وأن تتزعم حركة الجهاد ضد الصليبيين في المرحلة الأخيرة من مراحل الحروب الصليبية بالشرق ، وبالإضافة إلي هذه الانتصارات الكبري أسهمت السلطنة المملوكية الجديدة بسهم كبير في تطور الحضارة الإسلامية وثقافتها نتيجة انتقال مركز الخلافة من بغداد إلي القاهرة، وهذا فضلاً عما أسهمت به من دور فعال في التجارة الدولية منذ القرن الثالث عشر الميلادي.( )
ولقد لقي أولئك المماليك البحرية الصالحية صدمة الهجوم الصليبي علي المنصورة وإليهم يرجع الفضل في انتزاع النصر في وقت كانت مصر بدون سلطان بعد أن توفي سلطانها الصالح أيوب ، علي أن حسن الحظ شاء عندئذ أن تمسك بزمام الدولة ارمرأة قديرة ، هي شجرة الدر زوجة السلطان الصالح أيوب المتوفي ريثما يصل ابنه وخليفته تورانشاه من مقره بحصن كيفا بأعالي العراق ، ثم وصل هذا الابن إلي مصر ، فسلمته شجرة الدر مقاليد الحكم ، إلا أن مقتله علي أيدي زعماء المماليك البحرية الصالحية وهو الحادث الذي أنهي الدولة الأيوبية في مصر وأدي إلي فراغ كان لابد من الإسراع إلي ملئه، قبل أن يفلت زمام الموقف من أيدي أولئك الزعماء ، ذلك أنه كان بالشام عدد كبير من أمراء البيت الأيوبي الذين تطلعوا منذ سنين إلي الفوز بالسلطنة علي مصر ، هذا فضلاً عن الخوف من مجيء نجدة صليبية حربية إلي مصر للانتقام مما حل بحملة الملك الفرنسي لويس التاسع ، ولذا وقع الاختيار علي شجرة الدر لمواجهة الأمراء الأيوبيين الطامعين في عرش مصر ، باعتبارها زوجة السلطان الصالح أيوب( ).
ثم عرض بعد ذلك منصب أتابكة العسكر وهو من أهم مناصب الدولة علي أحد الأمراء الذين ظلوا مغمورين حتى ذلك الوقت وهو أيبك التركماني فوافق وهكذا تم مولد دولة المماليك ، التي لم تكن في الواقع سوي استمرار للدولة الأيوبية في سياستها الداخلية والخارجية .
واتفقت كلمة أمراء المماليك البحرية بعد قتل تورانشاه علي تولية شجرة الدر السلطنة في مصر، وحملت لقب بـ "الملكة عصمة الدين شجرة الدر" و"الستر العالي والدة الملك خليل" ودعي لها علي المنابر ، وتقربت شجرة الدر من أمراء المماليك ومنحتهم الرتب والإقطاعيات ، كما خفضت الضرائب عن الأهالي لتستميل قلوبهم وساست الرعية أحسن سياسة ، علي أن الأحوال اضطربت علي أثر توليتها السلطنة فإن الخليفة العباسي المستعصم بالله نعي علي أهل مصر إقامة امرأة في السلطنة ، ولم يتمكن أمراء المماليك من أن يحصلوا علي موافقته علي اختيارهم .
ولذلك أسرعت شجرة الدر بالزواج بأحدهم وهو الأمير عز الدين أيبك التركماني الذي لقب بالملك المعز وتنازلت له شجرة الدر عن السلطنة بعد أن حكمت البلاد ثمانين يوماً .
 رابعاً : تولية الملك المعز عز الدين أيبك السلطنة المملوكية :
يعتبر عز الدين أيبك أول سلاطين هذه السلطنة فعلياً بعد شجرة الدر التي حكمت مصر لمدة ثمانين يوماً ، والتي راعي المماليك حين اختيارها أنها زوج أستاذهم الصالح وأم ولده خليل – الذي مات طفلاً- وأنها وقفت إلي جانبه في محنته الشديدة أثناء اعتقاله في الكرك قبل أن يلي السلطة في مصر ، وأنها أبدت استعداداً كبيراً لتولي السلطة عندما أشرفت بحزمها علي إدارة المعركة بعد موت الصالح ، ولكن هذا كله لم يكن كافياً لإقناع الرأي العام في مصر والعالم الإسلامي .
وكان التقليد المتبع في عهد الأيوبيين أن السلطان لا تصبح ولايته شرعية إلا إذا اعترف بها الخليفة العباسي وأرسل إليه التقليد بذلك .
ولكن الخليفة العباسي أرسل مستنكراً تولي شجرة الدر لمقاليد الحكم ولذا أسرع المماليك بزواج شجرة الدر من عز الدين أيبك والذي تولي السلطنة وهي محاصرة بالعديد من المشاكل الخطيرة ، وأثار انتقال الملك إلي المماليك معارضة جديدة ؛ وذلك لأنهم لا ينتمون إلي أسرة مالكة ، وإلي هذا فهم ليسوا أحراراً ، بل هم (مسهم الرق) فاسقر الرأي أخيراً بين أمراء المماليك علي أن يشترك في الحكم مع أيبك في السلطنة أحد أمراء بني أيوب في السلطنة ، ووقع الاختيار علي طفل من بني أيوب وهو الأشرف موسي – حفيد الكامل محمد- لم يتجاوز العاشرة من عمره، ليكون شريكاً لأيبك في الحكم ، لكن هذه الحيلة لم تنطل علي أصحاب الحق الشرعي من أمراء البيت الأيوبي .
وحاول المعز أيبك أن يقطع حجة الأيوبيين فأعلن – إلي جانب إشراك الطفل الأيوبي معه في الحكم – أن مصر تابعة كما كانت قديماً للخلافة العباسية ، وأراد كذلك أن يكسب عطف الرأي العام فاحتفل بنقل جثمان أستاذه الملك الصالح احتفالاً مهيباً من قلعة الروضة إلي المقبرة التي بناها لنفسه بين القصرين ، وفي نفس الوقت أخذ يستعد لملاقاة الناصر.
إلا أن أمراء البيت الأيوبي أخذوا بالزحف فعلاً نحو القاهرة بزعامة الناصر يوسف أمير حلب ودمشق ، ثم أن فئة من المماليك في القاهرة نفسها اختارت أميراً آخر من بني أيوب وهو الأمير المغيث عمر أمير الكرك ليكون سلطاناً علي مصر أما أيبك الذي ظن البعض أنه شخص سهل يمكن التخلص منه دون صعوبة فأثبت أنه أكثر مهارة مما تراءى للناس ، إذ أعلن أن مصر تابعة للخلافة العباسية في بغداد ، وأنه يتولي السلطنة فيها بوصفه نائباً عن الخليفة العباسي ، ثم لجأ أيبك إلي الحيلوية دون أي تقارب بين الأيوبيين الزاحفين علي مصر والملك الفرنسي لويس التاسع الذي لم يزل مقيماً وقتذاك في عكا ، بأن أطلق سراح بعض الأسرى الصليبيين الذين كانوا في حوزته( )، ووصل إلي مصر حينئذ الجيش الأيوبي لمحاربة المماليك والقضاء عليهم إلا أن المعركة بين القوتين انتهت بهزيمة الأيوبيين قرب الصالحية ، وقد ساعد هذا النصر في تثبيت أركان الدولة الناشئة ، بالإضافة إلي استيلاء المماليك علي غزة بقيادة فارس الدين أقطاي وعندما انتهي الأمر بانتصار المماليك بادروا علي الفور بتجديد اتفاقية الصلح من الصليبيين ليضموا عدم تضامنهم مع الأيوبيين ، إلا أن هذا العداء لم يستمر طويلاً بسبب ظهور خطر جديد يهدد العالم الإسلامي كله ألا وهو خطر المغول .
 خامساً : الصعوبات التي واجهت قيام الدولة المملوكية :
1] موقف بني أيوب من السلطنة المملوكية :
لقد اشتعلت نار الثورة في الشام ضد السلطنة الوليدة في مصر ، حيث رفض بني أيوب أن يعترفوا بما تم ضد السلطنة الوليدة في مصر ، فقد رفض بني أيوب أن يعترفوا بما تم في مصر من قيام المماليك في الحكم وإعلان شجرة الدر سلطانة ، كما امتنعت فئة من المماليك في الحكم وإعلان شجرة الدر سلطانة ، كما امتنعت فئة من المماليك يعرفون بالقيمرية عن الاعتراف بالولاء للنظام الجديد ، وما لبث أن أصبح ملوك بني أيوب يتكتلون بالشام للوقوف في وجه المماليك بمصر بل لغزو مصر واستردادها للأيوبيين ، وقد بدأت بوادر الثورة من دمشق حيث رفض الجند الأكراد أن يقسموا يمين الولاء للسلطانة المملوكية الجديدة ، وأعلنوا الثورة واستعان هؤلاء الثوار بالملك الناصر يوسف الأيوبي أمير حلب ، وطلبوا منه النهوض وهو سليل صلاح الدين ضد مغتصبي الحكم في القاهرة ، ولذا زحف الناصر يوسف علي دمشق التي فتحت له أبوابها ،فقبض علي جميع من كانوا فيها من المماليك .
وفي نفس الوقت أخذ الخليفة المستعصم بالله يعيب علي أهل مصر لاختيارهم إمرأة تحكمهم وأرسل إليهم يقول "إن كان الرجال قد عدمت عندكم ، فأخبرونا حتى نسير إليكم رجلاً" هذا فضلاً عن وجود بعض آراء دينية تنكر قيام إمرأة في حكم أية دولة إسلامية .
وعليه رأي رجال المماليك أن تتزوج الملكة رجل منهم وهو الأمير عز الدين أيبك أتابك العسكر وتترك له السلطنة وبالفعل تنازلت الملكة شجرة الدر عن الحكم لأيبك بعد أن حكمت مصر لمدة ثمانين يوماً ، برهنت خلالها علي مهارة نادرة وكفاءة وحسن تدبير في تسيير أمور البلاد .
وعليه بادر الأيوبيين بالاستيلاء علي السلطنة بالشام فاستولي الملك الناصر يوسف صاحب حلب علي دمشق ، والملك المغيث عمر علي الكرك والشويك، والملك السعيد حسن علي قلعة الصبية فاستقر رأي أمراء المماليك علي أن يشترك في الحكم مع المعز أيبك طفل من سلالة الأيوبيين هو الأشرف موسي حفيد الملك الكامل محمد وكان في نحو السادسة من عمره ، علي أن تكون جميع الأمور في يد المعز أيبك ، ولكن هذا الإجراء لم يكست غضب الأيوبيين في الشام ، فاضطر المعز أيبك إلي أن يعلن في جميع أنحاء البلاد أن مصر تابعة للخليفة العباسي المستعصم بالله ، وأن الملك المعز أيبك نائبه بها ، ورغم ذلك صمم الملك الناصر يوسف علي المسير إلي مصر والقضاء علي المماليك .
خرج الناصر يوسف بعساكره من دمشق يوم الأحد منتصف رمضان سنة 648هـ الحادي عشر من ديسمبر سنة 1250م بصحبة عدد من ملوك الأيوبيين بالشام في طريقة إلي مصر ، فلما وصلت هذه الأخبار إلي القاهرة ، أسرعت العساكر المملوكية بقيادة الأمير حسام الدين أبو علي ، والأمير فارس الدين أقطاي الجمدار إلي الصالحية ، كما سار الملك المعز أيبك إلي الصالحية أيضاً، وفي نفس الوقت وصل الملك الناصر يوسف إلي قرية كراع القريبة من العباسة ، وكان التفوق واضحاً لجيوش الناصر لكثرة عساكره ولميل أكثر عسكر مصر إليه ولكن سرعان ما انتهي القتال لصالح الملك المعز أيبك وفرار الملك الناصر يوسف وأسر عدد من ملوك الأيوبيين ، وكان من نتائج هذا النصر أن أقدم المعز أيبك علي عزل الملك الأشرف موسي وانفرد باسم السلطنة في عام 650هـ/1252م.
وفي عام 651هـ/1253م عقد الصلح بين الملك المعز أيبك وبين الملك الناصر صاحب دمشق، عندما أرسل الخليفة العباسي المستعصم بالله رسوله نجم الدين البادرائي للقيام بالوساطة بين الطرفين ونجح في عقد الصلح علي أن تكون مصر وجنوب فلسطين بما فيه غزة والقدس وبلاد الساحل للمعز أيبك وأن تكون الأجزاء الواقعة شمال هذه المنطقة لملوك البيت الأيوبي وأن يطلق المعز سراح من أسره من رجال الناصر يوسف.
ومع الوقت نفسه بدأ نفوذ المماليك البحرية يزداد حتى خشي المعز أيبك من سيطرتهم علي البلاد، فاضطر للتخلص من أقطاي فقتله مجموعة من جنوده وقطعوا رأسه ، وألقوا بها للماليك فخافوا علي أنفسهم وفروا إلي الشام ، وفي نفس الوقت بدأ أيبك ينفرد بالحكم، فقررت شجرة الدر التخلص منه فقد كانت دائماً تشعر بالندم لتنازلها عن الحكم له ، إلا أن المعز أيبك علم بهذه المؤامرات التي كانت تدبرها له فحاول الابتعاد عنها إلي أن دبرت له مكيدة ، وبالفعل بدأت في تنفيذ خطتها واستدعته إلي القصر ، وحرضت جماعة من الخدم لقتله إلا أن مماليك المعز انتقموا له حيث قتلوها بعد قليل .
2] ثورة الأعراب في مصر :
ثارت القبائل العربية في مصر وبلاد الصعيد وبعض المناطق من الوجه البحري وقطعوا الطرق براً وبحراً فتوقف التجار عن القيام بنشاطهم ، وكان الدافع الرئيسي ، وراء ثورة هذه القبائل العربية هو رفضهم الخضوع للمماليك لأنهم من الجنس التركي وليسوا أحراراً، وتولي زعامة تلك الثورة الشريف حصن الدين ثعلب الذي نسب إليه قوله " نحن أصحاب البلاد ، وأنا أحق بالملك من المماليك، وقد كفي أنا خدمنا بني أيوب وهم خوارج خرجوا علي البلاد" ، كما سارع حصن الدين ثعلب بالكتابة إلي الملك الناصر يوسف صاحب دمشق يستحثه علي القدوم إلي مصر.
اجتمعت حشود القبائل العربية بالقرب من ديروط وأقسموا يمين الطاعة والولاء لحصن الدين ثعلب ، وبلغ عددهم أثني عشر ألف فارس ، فجهز إليهم الملك المعز أيبك فارس الدين أقطاي الجمدار ، والأمير فارس الدين أقطاي المستعرب في خمسة آلاف فارس ، فبرز إليهم الأمير حصن الدين ثعلب ولكن الهزيمة لحقت بحصن الدين ثعلب ، وفر هارباً ، ثم طلب الآمان من المعز فأمنه ، واستدعاه إليه ، وسرعان ما قبض عليه وعلي سائر أصحابه وكانت عدتهم نحو ألفي وستمائة رجل، فأمر الملك المعز بشنقهم جميعاً ، أما حصن الدين ثعلب فقد أرسل إلي الإسكندرية وحبس بها، وفي نفس الوقت سارع الملك المعز بإخماد ثورات العرب في أنحاء البلاد ، وفرض عليهم المزيد من الضرائب والمكوس ومعاملتهم بالعسف والقهر فانتهت ثوراتهم طوال العصر المملوكي .
3] الصراع بين أمراء المماليك :
استفحل نفوذ فارس الدين أقطاي خاصة بعد نجاحه في القضاء علي ثورة العرب ، وانضمت إليه المماليك البحرية ، فأصبح ملجأ لهم يسألونه في حوايجهم ويكون هو المتحدث باسمهم مع الملك المعز. وقد اضطر الملك المعز إلي السكوت عن تصرفات أقطاي وحاول استرضائه فأقطعه ثغر الإسكندرية ، ولكن سكوت الملك المعز جعل أقطاي يتمادي في تصرفاته بحيث كان إذا ركب من داره إلي القلعة ، سار في موكب فخم يفوق موكب الملك المعز ، ثم صاهر أقطاي الملك المظفر صاحب حماة ، وطلب أقطاي من الملك المعز أن يسكن قلعة الجبل مع عروسه ، فقرر المعز قتله قبل أن يفكر في عزل المعز وتولي السلطنة في مصر بدلاً منه .
أرسل الملك المعز إلي أقطاي يستدعيه إلي القعلة للتشاور ، وبمجرد دخوله القلعة أغلقت الأبواب، وأمر المعز بالقبض عليه وقتله ، وانتشرت الإشاعات في القاهرة بقتله ، فسارع أصحابه في نحو السبعمائة فارس ، ووقفوا تحت القعلة ، وفي ظنهم أنه لم يقتل وإنما قبض عليه ، ولكن المعز أمر بإلقاء رأس المعز إليهم ، فسقط في أيديهم ، وقرروا ترك القاهرة ، فمنهم من قصد الملك المغيث صاحب الكرك ، ومنهم من سار إلي الملك الناصر صاحب دمشق ومنهم من ذهب إلي الملك علاء الدين ملك سلاجقة الروم بآسيا الصغري ، وقد تتبع الملك المعز أيبك من بقي منهم بالقاهرة فقبض علي من بقي منهم وقتل بعضهم وحبس باقيهم وصادر أملاكهم وأموالهم ونسائهم وأتباعهم واستصفي أموالهم ، ونودي في القاهرة ومصر بتهديد من أخفي أحداً من البحرية .
ومن بعد صفا الجو للمعز أيبك مدة ، واستمر الحال علي ذلك إلي سنة 655هـ/1257م حين ساءت العلاقة بينه وبين زوجته شجرة الدر ، فقد نغص عليها حياتها أنها كانت شديدة الغيرة علي زوجها أيبك ، حتى أرغمته علي التخلص من زوجته الأولي أم ولده علي ومنعته من زيارتها هي وأبنها ، ويبدو أن الملك المعز سأم هذه الحياة الزوجية وأرسل إلي الملك بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل يخطب ابنته ويظهر أنه كان يرمي من وراء ذلك إلي هجر شجرة الدر ، التي ما لبثت أن فطنت إلي ما يدبر لها ، وتوجست خيفة حين غادر أيبك القلعة وأقام في مناظر اللوق ، فبعثت إليه تلتمس منه الصفح عنها ، فاستجاب إلي دعوتها ، ودخل القلعة في الوقت الذي دبرت فيه شجرة الدر قتله بحمام القصر في الرابع عشر من ربيع الأول سنة 655هـ/الأول من أبريل 1257م فثار مماليك المعز لقتله ودبروا مؤامرة أخرى شاركت فيها أم علي زوجة المعز السابقة وانتهت بمقتل شجرة الدر ، وانتقلت السلطنة بعد مقتل المعز أيبك إلي ابنه علي ، وعمره يومئذ إحدي عشرة سنة علي أن يلقب بالمنصور ويعين الأمير سيف الدين قطزاً أتابكاً له .
4] الخطر المغولي :
أثار استيلاء المغول علي بغداد وقتلهم للخليفة المستعصم بالله العباسي في الرابع من صفر سنة 656هـ/العاشر من فبراير سنة 1258م موجه شاملة من الذعر والأسي في العالم الإسلامي أجمع وبدأ الناس في الشام ومصر بالذات يحسون أن دورهم قريب وأن الموقف يتطلب الاتحاد لمواجهة تلك الأزمة التي لم يشهد المسلمون مثلها حتى ذلك الوقت، ولكن ملوك الأيوبيين بالشام رأوا أن يتخذوا في مبدأ الأمر سياسة مداهنة وملاينة للمغول لعل ذلك ينقذهم من أذاهم فبعث الملك الناصر يوسف صاحب حلب ودمشق بابنه إلي هولاكو يخطب وده ويسأله أن يعينه علي أخذ مصر من أيدي المماليك ، لكن هولاكو رد عليه رداً جافاً يأمره بالخضوع والتبعية دون قيد أو شرط ثم بدأ هولاكو يغزو الشام ، فلم يجد الناصر يوسف بداً من مد يده للماليك يطلب منهم العون والمساعدة.
 سادساً : نظام تولية السلطنة في العصر المملوكي :
وهذا تقليد بدأ في عهد نور الدين علي بن المعز أيبك وسيظل متبعاً طول عصر المماليك ، وذلك أن كل سلطان من سلاطينهم كان يعني عناية كبيرة بتوريث ابنه السلطنة ، فيأخذ له الأيمان ويوصي له بولاية العهد ، فإذا توفي احترم الأمراء المماليك هذه الأيمان مؤقتاً ، وأقاموا الصغير علي العرش ، ولكنه لا يمكث سلطاناً إلا ريثما يصفي الأمراء ما بينهم من حساب وتنتهي مؤمراتهم ومنافستهم إلي الاتفاق علي توليه واحد منهم ، فيعزل الصبي الصغير دون جلبة ، وينفي إلي دمياط أو الإسكندرية ، وقد يبعد خارج مصر فيرسل إلي أراضي الدولة البيزنطية مثلاً .
ومعني هذه الظاهرة أن الدولة المملوكية لم تعرف النظام الوراثي ، وإن كانت قد حاولته فإنها لم تفلح في التمكين له أو الأخذ به ، وذلك باستثناء حالات قليلة حدثت لأبناء قلاوون.
ويرجع السبب في عدم نجاح نظام الوراثة الشرعية عند المماليك إلي أنهم كانوا جنوداً محاربين، نشأوا نشأة واحدة وروبا تربية واحدة متجانسة ، فهم قوم قد انقطعت صلاتهم بأسرتهم منذ اشتروا في أسواق الرقيق أو أسروا في ميادين الحروب ، فضعفت عندهم مع الزمن معاني الصلات الأسرية وقويت عندهم في نفس الوقت معاني صلات أخرى كان لها شأن كبير في حياتهم وهي :
- صلات الأستاذة التي تربط بين المملوك وأستاذه (أي السلطان أو الأمير الذي اشتراه ورباه).
- وصلات الخشداشية (الخجداشية) أو الزمالة التي تربط المملوك بالمملوك.

فكان من الصعب علي المماليك دائماً أن يلي السلطنة ابن سلطان سابق ، لأنه لم ينشأ نشأتهم ولم يرب تربيتهم وليس بينهم وبينه من العلاقات ما يلزمهم بالولاء له ، فكانوا في العادة يقبلون سلطنة هذا الابن مؤقتاً ، احتراماً لما أخذ عليهم من مواثيق وأيمان إلي أن تنتهي المشاورات بين كبار أمرائهم ويتفقوا علي تولية أحدهم ، وكان الاختيار يقع عادة علي أقرب الأمراء إلي السلطان السابق ، وأقرب الأمراء إلي السلطان السابق كان في العادة أقدمهم ، والأخذ بنظام الأقدمية من المبادئ الهامة التي كان يحترمها ويعمل بها المماليك.
 سابعاً : أهم سلاطين دولة المماليك البحرية :
بعد أن قتل المعز أيبك [تم التنويه عن حكمه فيما سبق] - أول سلاطين دولة المماليك- أجتمع المماليك المعزبة وبايعوا ابنه نور الدين علي الذي كان في الخامسة عشرة من عمره، ولقبوه بالملك المنصور ، واختار سيف الدين قطز أتابكاً له هذا وقد حاول الأيوبيين في الشام العودة إلي مصر إلا أنهم فشلوا بسبب صد سيف الدين قطز لهم .
1] السلطان سيف الدين قطز :
كان نائب السلطنة لنور الدين علي ؛ وتولي السلطنة بعد عزله ، ويقال إنه من البيت الخوارزمي، فلما قضي المغول علي الدولة الخوارزمية شرد مع من شرد من جنودها وسيق أسواق الرقيق ، وقادته المقادير إلي مصر حيث ترقي في سلك الجندية إلي أن أصبح نائباً للسلطنة.
وكان نور الدين علي بن أيبك غلاماً صغيراً ومع هذا لم تكن له حمية الملوك ، بل كان يقضي معظم وقته في اللهو واللعب بالحمام ومنافرة الديوك ومناطحة الكباش وركوب الحمير، ولهذا تركت السلطة كلها في يد نائب السلطنة سيف الدين قطز.
وأهم حدث جرى في عهد نور الدين علي هو محاولة الأيوبيين في الشام للمرة الثانية الإغارة علي مصر واستعادتها من أيدي المماليك ، وقد قام بهذه المحاولة الملك المغيث عمر بن العادل الثاني بن الكامل محمد – صاحب الكرك – وذلك في سنة 656هـ ،فتولي الدفاع عن مصر وعن الدولة الناشئة سيف الدين قطز ، وتقابل بجيشه مع المغيث عمر عند مدينة الصالحية وهزمه هزيمة شنعاء ارتد بعدها إلي الكرك.
وفي عهد نور الدين علي أيضاً هاجم هولاكو العراق وقضي علي الخلافة العباسية ، وقتل المستعصم بالله وخرب البلاد تخريباً شديداً.
وبهذا النصر قرب الخطر المغولي من الشام ومصر قرباً شديداً ولم يكن في الشام ملك قوي يستطيع الوقوف أمام هذا الخطر الداهم ومقاومته ، فعقدت الآمال كلها علي مصر وعلي جيشها المملوكي وبعبارة أدق علي سيف الدين قطز ، لأن السلطان الشرعي نور الدين لم يكن له من السن أو المقدرة ما يؤهله لتحمل هذا العبء.
ويضاف إلي هذا سبب آخر وهو أن قطز كان موتوراً من التتار وكان أعرف الناس بهم وبخطرهم علي العالم الإسلامي ، إذا هم نجحوا في الاستيلاء علي الشام ومصر ، وذلك لأنه كما يقال من أصل خوارزمي ، فيقال إن أمه كانت أخت السلطان جلال الدين خوارزمشاه ، وأن أباه كان ابن عم السلطان . وأنه حضر المعارك الأخيرة التي قضي فيها المغول علي الدولة الخوارزمية ، وقد أسر في أعقابها وبيع في دمشق ثم حمل إلي القاهرة .
ولهذا كله رأي قطز أنه لا يستطيع العمل وهو نائب السلطنة ، والسلطان الفعلي غلام يلهو ، فأقدم علي عزله وإعلان نفسه سلطاناً علي مصر بعد أن نادي بأن الملك المنصور علي ابن المعز أيبك صبي صغير لا يعرف تدبير أمور السلطنة وأنه لابد من وجود سلطان قوي علي عرش السلطنة ليقاتل التتار . الذين قد وصلوا سنة 656هـ إلي بغداد وأستولوا عليها وحرقوا المساجد وسفكوا الدماء ، ووجد الفرصة سانحة أمامه لكي ينصب نفسه سلطاناً علي البلاد فقد انتهز فرصة غياب الأمراء في الصيد وقبض علي المنصور علي وأخيه وأمه ونصب نفسه سلطاناً معللاً هذا التصرف بأنه خشي المغول كما خشي الملك الناصر من ناحية أخرى ؛ ودافع قطز عن فعلته هذه أمام أمراء المماليك بقوله :
(ولابد من سلطان قاهر يقاتل هذا العدو ، والملك المنصور صبي صغير لا يعرف تدبير الملكة) ، وقبض علي الملك المنصور علي وأخيه وأمه وأبعدهم إلي دمياط ثم إلي الإمبراطورية البيزنطية .
وقد غضب لعزل المنصور علي بعض مماليك أبيه ، فاعتذر لهم قطز بقوله :
(إني ما قصدت إلا أن نجتمع علي قتال التتار ، ولا يتأتي ذلك بغير ملك ، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو فالأمر لكم أقيموا في السلطنة من شئتم). وأخذ يترضاهم بعد هذا حتى هدأت غضبتهم .
وفي نفس الوقت اندفع هولاكو بجيوشه إلي شمال الشام ، فاستولي علي حلب وقلعتها ، ومنها إلي دمشق فاستولي عليها ، فاضطر الملك الناصر يوسف إلي الإنسحاب إلي غزة ، وفي غزة استمر جنده ينفضون من حوله وانضم بعضهم إلي المماليك ، فاضطر إلي أن يتجه إلي قطياً الواقعة علي حدود مصر ولكن المغزل بعثوا ببعض رجالهم فأسروه .
وفي سنة 658هـ/1260م أرسل هولاكو إلي مصر خطاب تهديد ووعيد إن هي امتنعت عن التسليم إليه والإذعان له ، فلما وصل الخطاب إلي قطز جمع أمراءه وشاورهم في الأمر، فاتفقوا علي قتل رسل المغول والمسير إلي الصالحية ، وتناسي المماليك وأمراؤهم خصوماتهم السابقة ، وأسرعوا يتحدون مع بعضهم كتلة واحدة لمواجهة هذا الخطر الذي يهددهم ، جميعاً ، ومما يذكر في هذا الشأن أن كثيراً من المماليك البحرية من أنصار أقطاي الذين كانوا قد فروا من مصر علي إثر مقتله أخذوا في العودة إليها ثانية وعلي رأسهم

بيبرس البندقداري ليساندوا حكوماتهم وسطانهم في هذه الفترة العصيبة ، فرحب قطز بهم وأقطع الإقطاعات لكبارهم .
ونودي في القاهرة ومختلف مدن مصر بالخروج للجهاد في سبيل الله ، ونصرة لدين رسول الله  وأرسل الملك المظفر سيف الدين قطز إلي ولاته علي مدن وأقاليم مصر العساكر تمهيداً للخروج إلي الشام ، وتضامن الأمير بيبرس البندقداري أحد أمراء المماليك البحرية بالشام مع سيف الدين قطز لتوحيد جبهة المسلمين ضد خطر المغول واستعان قطز ببيرس بجلب أخبار عن التتار الذين وصلوا إلي غزة وقد انسحبوا منها فاحتلها بيبرس ، وسار قطز قاصداً بحيرة طبرية ونزل بالصالحية وتكاملت عنده العساكر ، فطلب اللقاء مع أمراء المماليك، وتكلم معهم في الرحيل لقتال المغول ، فوجد منهم تقاعساً ورفضوا الرحيل، فقال لهم " يا أمراء المسلمين ! لكم زمان تأكلون أموال بيت المال ، وأنتم للغزاة كارهون ، وأنا متوجه فمن اختار الجهاد يصحبني ، ومن لم يختر ذلك يرجع إلي بيته ، فإن الله مطلع عليه ، وخطيئة حريم المسلمين في قارب المتأخرين" فاضطروا إلي الرحيل مع قظز .
عاد هولاكو إلي بلاده بسبب وفاة الخان الأعظم مانجوخان ، وجعل متبغا نوين نائباً عنه بحلب ، وبيدراً نائباً عنه بدمشق.
عهد السلطان قظز إلي الأمير بيبرس البندقداري بأن يتقدم إلي بلاد الشام مع فرقة من العسكر ليقف أو ليستطلع أخبار المغول ، فسار بيبرس إلي غزة ، واضطرت حامية المغول التي تنزل بها إلي الإنسحاب ، فاستولي بيبرس علي غزة .
وفي نفس الوقت سار قطز إلي بلاد الشام ببقية جيشه ، ثم تقدم الجيش المملوكي كله نحو الشمال ، فلما وصل غزة واصل المسير علي رأس العساكر المصرية محاذياً الساحل نحو الشام ، وضمن حياد الصليبيين بعكا ، ثم اجتمع بالأمراء وحثهم علي إنقاذ الشام من المغول ونصرة الإسلام والمسلمين .
والتقي الجيش المملوكي بجيش المغول قرب مدينة بيسان في موضع يقال له عين جالوت يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان سنة 658هـ/الثالث من سبتمبر سنة1260م وفي موقعة عين جالوت أظهر الجيش المملوكي شجاعة نادرة ، حتى يقال أن العسكر اضطرب في أول الامر ، فألقي السلطان قطو خوذته عن رأسه إلي الأرض وصاح بأعلي صوته "وا إسلاماه" وحمل بنفسه علي المغول ، وانتهت معركة عين جالوت بانتصار حاسم للإسلام والمسلمين . ومقتل كتبغا ، وفرار التتار من دمشق لم من شمال الشام كله ، فاستولي عليه قطز ، وبذلك أصبحت مملكته تضم مصر والشام كله .
أعاد قطز الأمن إلي نصابه في جميع المدن المخربة بالشام كما أعاد أمراء الأيوبيين علي ولاية حمص وحماة علي أن يدفعوا له الجزية .
مقتل قطز وتولية بيبرس :
وقد طمع بيبرس بعد الانتصار علي المغول وضم الشام لملك مصر أن يولي علي حلب ، ولكن قطز أقطعها للملك السعيد علاء الدين بن بدر الدين لؤلؤ – صاحب الموصل – مكافأة له علي ما أداه أبوه للدولة المملوكية الناشئة من خدمات جليلة ، فقد دل سلاطينها علي حركات المغول وعلي أسرار مشروعاتهم الحربية للتقدم نحو الشام .
ولكن بيبرس كان يعتقد أن جهوده في مقاومة المغول لا تقل عن جهود بدر الدين لؤلؤ إن لم تتفوق عليها ، فإليه يرجع الفضل الأكبر في إثارة المماليك بالشام لمقاومة التتار ، وهو صاحب الفضل الأكبر في إحراز النصر الأول عليهم عند غزة ، ثم هو من الأمراء القلائل الذين صدقوا القتال مع قطز في عين جالوت ، لهذا غضب بيبرس الغضب كله عندما آثر قطز ابن بدر الدين لؤلؤ بنيابة حلب ، وأخذ من ذلك الحين يأتمر بقطز ، وتدبير المؤامرات فمن قديم يتقنه بيبرس منذ ائتمر علي قتل المعظم تورنشاه بن الصالح نجم الدين .
عند عودة قظز إلي مصر تعرض له قواد الجيش وعلي رأسهم بيبرس الذي ثار الحقد إلي نفسه، وصمم علي الانتقام من قطز في أول فرصة مواتية ، ولم تلبث أن واتته الفرصة عندما وصل ركب السلطان قطز إلي الصالحية في طريقه إلي القاهرة ، إذ أظهر قطز رغبته في الصيد ، ولما فرغ السلطان من الصيد تقدم منه بيبرس وطلب منه امرأة من سبي التتار، فأجابه السلطان إلي طلبه وأنعم عليه بما أراد ، وكان أن تظاهر بيبرس برغبته في تقبيل يد السلطان – وكانت إشارة بينه وبين شركائه من الأمراء المتآمرين- فقبض بيبرس علي يد قطز ليمنعه من الحركة في حين إنهال عليه بقية الأمراء من البحرية بسيوفهم ورماحهم وألقوه عن فرسه حتى أجهزوا عليه يوم السبت الخامس عشر من ذي القعدة سنة 658هـ/ الثاني والعشرين من أكتوبر سنة 1260م. ثم تقدم الأمير الفارس الدين أقطاي المستعرب وبايع الأمير بيبرس بالسلطنة وتبعه بقية الأمراء قرب الصالحية ، ولم يجد أمراء القلعة في مصر غضاضة في أن يحلفوا للسلطان الجديد علي الرغم من هول الصدمة عليهم عندما وصلهم نبأ مقتل قطز حيث كانوا في انتظاره إذ اقترن اسم الانتصار في عين جالوت باسم قطز .
 نتائج موقعة عين جالوت :
موقعة عين جالوت تعتبر من أهم المواقع الحاسمة في تاريخ المماليك ، بل في تاريخ الشرق الأدني الإسلامي ، بل في تاريخ العالم كله ، وأهميتها بالنسبة للمماليك أنها كانت تجربة من أخطر التجارب التي مرت بها الدولة المملوكية الجديدة ، وأنها كانت من أقوي العوامل التي ساعدت علي تدعيم ملكهم ، وقد كان حتى ذلك الحين مزعزعاً غير معترف به، وذلك أن القوى الإسلامية كلها لم تستطع الوقوف في وجه هذا التتار الجارف المدمر ، فهزم الخوارزميون – رغم قوتهم الممتازة – بعد نضال الممتازة – بعد نضال عنيف ، ثم هزمت الخلافة العباسية في العراق وقضي عليها نهائياً هناك ، ثم هزمت جيوش الأيوبيين في الشام.
فالتتار منذ خروجهم من موطنهم الأصلي لم يذوقوا طعم الهزيمة أبداً قبل هذه الموقعة ، ولهذا أثاروا الرعب الشديد في العالم الإسلامي كله ، وليس أوضح في التعبير عن هذا الرعب من الأوصاف التي أثبتها المؤرخ العربي الكبير عز الدين بن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) ، أدرك ابن الأثير قبيل موته السنوات الأولي من تاريخ هذه الغارات وهي في طريقها إلي قلب العالم الإسلامي ، وظل سنوات يقاوم نفسه أن تسطر أخبارها ، فإنه كان يستشف ما وراء الأفق ويعي وعياً باطنياً أن في تاريخ هذه الحوادث نعياً للإسلام والمسلمين، إنه يعبر عن هذا كله بقوله في حوادث سنة 617هـ :
(لقد بقيت سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها كارها لذكرها ، فأنا أقدم رجلاً وأؤخر أخرى ، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين، ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك ؟! فيا ليت أمي لم تلدني ، وياليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً).
ثم يعدد ابن الأثير بعد ذلك الأقطار والبلدان الإسلامية التي اجتاحتها جيوش المغول في أقل من سنة فيقول :
(فإن قوماً خرجوا من أطراف الصين ، فقصدوا بلاد تركستان ، مثل كاشغر وبالاساغون ثم منها إلي بلاد ما وراء النهر مثل سمرقند وبخاري وغيرهما فيملكونها ويفعلون بأهلها ما تذكره ، ثم تعبر طائفة منهم إلي خرسان فيفرغون منا ملكاً وتخريباً وقتلاً ونهباً ، ثم يتجاوزونها إلي الري وهمذان وبلاد الجبل وما فيه من البلاد إلي حد العراق ، ثم يقصدون بلاد أذربيجان وأرمينية ويخربونها ويقتلون أكثر أهلها ، ولم ينج إلا الشريد القادر في أٌل من سنة ، هذا ما لم يسمع بمثله).
لم يشاهد ابن الأثير هذه الغارات فقد كان مقيماً في الشام حينذاك ، ولكنه كان معاصراً لها واستمع إلي أولئك السعداء الذين نجوا بأنفسهم وفروا بأرواحهم إلي الشام ، ثم روي بعض ما سمع ، ومما يدل دلالة واضحة علي مبلغ الذعر والرعب اللذين أصابا نفوس المسلمين في ذلك الوقت أنه يتابع حديثه فيقول :
(ولم يثبت أحد من البلاد التي لم يطرقوها إلا وهو خائف يتوقعهم ويترقب وصولهم إليه ، ثم إنهم لا يحتاجون إلي ميرة ومدد يأتهيم ، فإنهم معهم الأغنام والبقر والخيل وغير ذلك من الدواب يأكلون لحمها لا غير ، وأما دوابهم التي يركبونها فإنها تحفر بحوافرها وتأكل من عروق النبات ، ولا تعرف الشعير ، فهم إذا نزلوا منزلاً لا يحتاجون لشيء من خارجه).
إلي أن يقول :
ولقد حكي لي عنهم حكايات يكاد سامعها يكذب بها من الخوف الذي ألقاه سبحانه وتعالي في قلوب الناس منهم ، حتى قيل إن الرجل الواحد منهم كان يدخل القرية أو الدرب وبه جمع كثير من الناس فلا يزال يقتلهم واحداً واحداُ لا يتجاسر أحد بمد يده إلي ذلك الفارس ، ولقد بلغني إن إنساناً منهم أخذ رجلاً ولم يكن من التتري ما يقتله به فقال له : ضع رأسك علي الأرض ولا تبرح ، فوضع رأسه علي الأرض ومضي التتري أحضر سيفاً فقتله به ..إلخ).
أما المؤرخ الجغرافي ياقوت فقد كان مقيماً بمدينة مرو وشاهد هذه الكارثة ففر منها كما يقول :
(بقلب واجب ، ودمع ساكب ، ولب غارب ، وحلم غائب ، فيتوصل ، وما كاد حتى استقر بالموصل ، بعد مقاساة أخطار ، وابتلاء واصطبار ، وتمحيص الأوزار وإشراف غير مرة علي البوار والتبار ، لأنه مر بين سيوف مسلولة ، وعساكر مغلولة ، ونظام عقود محلولة ، ودماء مسكوبة مطلولة ، وكان شعاره كلما علا قتباً ، أو قطع سبسباً : لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً.
فالحمد لله الذي أقدرنا علي الحمد ، وأولانا نعماً تفوق الحصر والعد ، وجملة الأمر أنه لولا فسحة الأجل ، لعز أن يقال : سلم البائس أو وصل ، ولصق عليه أهل الوداد صفقة المغبون ، وألحق بألف ألف هالك بأيدي الكفار أو يزيدون ، وخلف خلفه ذخيرته ، ومستعد معيشته ..إلخ).
وعندما أغار المغول علي شمال الشام واستولوا علي معظم مدنه وخاصة حلب (في سنة 657هـ) . فمر منها من استطاع النجاة بنفسه وحياته إلي جنوبي الشام ومصر يمتلكهم النصر ، ويروون من قوة التتار وتخريبهم تاريخاً جديداً ، وكان من الفارين مؤرخ حلب القاضي كمال الدين بن العديم ، وقد عاد إليها في سنة 660هـ بعد أن استردها المسلمون سنة 658هـ فشاهد من تخريب المغول لها ما أثار حفيظته وأيقظ شاعريته ، فرثاها رثاءً قوياً بقصيدة طويلة باكية( ).
هذه الأقوال وغيرها كثير تبين في وضوح القيمة الكبري للانتصار الذي أحرزه المماليك في موقعة عين جالوت ، وتؤكد ما ذكرناه من أنها كانت من أهم الأسباب التي ساعدت علي تدعيم ملك المماليك ، فقد بدأ العالم الإسلامي ينظر إليهم نظرة عطف وإكبار .
ويعترف المؤرخون الأوربيون عند التأريخ لهذه المعركة أنها لم تنقذ العالم الإسلامي وحده من خطر المغول المخرب المدمر ، بل لقد أنقذت العالم المسيحي كذلك ، لأنه لم يكن في أوروبا المسيحية وقتذاك ملك قوي يستطيع مقاومة المغول لو أنهم انتصروا علي المماليك وتقدموا في اتجاههم الطبيعي نحو أوربا .
ومن النتائج الهامة لهذه الموقعة أيضاً أنها قضت نهائياً علي المعارضة الأيوبية ، بل لقد وضعت السلطان المملوكي موضع السيادة ممن بقي من ملوك الأيوبيين ، فقد طلب صاحب حمص الأمان من قطز ، فأمنه وأعاده إلي ملكه ، وكذلك فعل بصاحب حماة ، أما الملك الناصر صاحب حلب فكان قد أرسل يستغيث بالمماليك في مصر عندما قرب الخطر المغولي في بلاده ، ولما تأخرت النجدة وهاجم المغول حلب اضطر أن يستسلم لهم ، ثم قصد هولاكو بعد عودته إلي فارس فأكرمه وأعطاه فرمانا بتوليته علي الشام ومصر ، وخرج من عنده قاصداً الشام فوصلت أخبار هزيمة المغول عند عين جالوت فأعاده هولاكو إليه وقتله .
 سنوات التجربة العشر :
عشر سنوات كاملة مضت منذ قتلك الملك المعظم تورنشاه إلي أنولي بيبرس ، وهذه المدة هي الدور الأول من تاريخ الدولة المملوكية ، ويعتبر هذا الدور بحق دور التجربة والامتحان، وقد اجتازته الدولة بنجاح بعد بذل الجهود المضنية ، فقد قضت علي معظم الصعوبات التي قامت في سبيلها .
قضت علي ثورة البدو العرب في مصر ، وتغلبت علي كبار ملوك البيت الأيوبي ، ولم يحاول الانتقاض علي الدولة بعد ذلك إلا الملك المغيث عمر صاحب الكرك ، وسيقضي بيبرس علي حركته في يسر وسهولة .
وأهم من هذا كله من أن الدولة الجديدة أثبتت في هذه السنوات العشر أنها ذات مقدرة وجدارة حربية ممتازة ، وخاصة بعد انتصارها الرائع في عين جالوت ، لهذا بدأ الرأي العام في مصر وفي العالم الإسلامي يحترمها ويمجدها ويعترف بها .
ولم يعد ينقص الدولة الجديدة من المق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
 
بحث تاريخي (نشأة دولة المماليك وتوليهم مقاليد الحكم) ( الجزء الأول )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
رسالة مصرية ثقافية :: قسم العلوم التربوية والأدبية :: التاريخ العربي-
انتقل الى: