رسالة مصرية ثقافية
مرحبا بك أخي الزائر نشكر زيارتك ونتمني انضمامك للمنتدي
زيارتك تسر إدارة المنتدي ومشاركتكك تسعدنا وتساهم معنا بارتفاع الثقافة العامة
بعض المنتديات الفرعية والموضوعات
لا يمكنك الإطلاع عليها إلا بعد التسجيل كعضو في المنتدي
رسالة مصرية ثقافية
مرحبا بك أخي الزائر نشكر زيارتك ونتمني انضمامك للمنتدي
زيارتك تسر إدارة المنتدي ومشاركتكك تسعدنا وتساهم معنا بارتفاع الثقافة العامة
بعض المنتديات الفرعية والموضوعات
لا يمكنك الإطلاع عليها إلا بعد التسجيل كعضو في المنتدي
رسالة مصرية ثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رسالة مصرية ثقافية

ثقافية - علمية - دينية - تربوية
 
الرئيسيةرسالة مصريةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 بحث تاريخي (قيام دولة بني قلاوون وعلاقتها الخارجية حتى قبيل حكم الناصر محمد )

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Eng. Ahmedzoubaa
Admin
Eng. Ahmedzoubaa


عدد المساهمات : 1216
تاريخ التسجيل : 28/08/2010
العمر : 49

بحث تاريخي (قيام دولة بني قلاوون وعلاقتها الخارجية حتى قبيل حكم الناصر محمد ) Empty
مُساهمةموضوع: بحث تاريخي (قيام دولة بني قلاوون وعلاقتها الخارجية حتى قبيل حكم الناصر محمد )   بحث تاريخي (قيام دولة بني قلاوون وعلاقتها الخارجية حتى قبيل حكم الناصر محمد ) Emptyالأحد 31 أكتوبر 2010 - 5:53

قيام دولة بني قلاوون وعلاقتها الخارجية حتى قبيل حكم الناصر محمد
[ 1279م- 1293م]
• تمهيد :
• أولاً : تولية قلاوون العرش .
- ثورة سنقر الأشقر .
- صفات قلاوون .
- أولاد قلاوون .
• ثانياً : العلاقات بين المماليك والمغول في عهد قلاوون .
• ثالثاً : العلاقات بين المماليك والصليبيين في عهد قلاوون وابنه الأشرف خليل :
- سقوط طرابلس الإمارة الرابعة .
- سقوط عكا آخر معاقل الصليبيين في الشام .
• رابعاً : إصلاحات ومنشآت المنصور قلاوون .
=======================================
قيام دولة بني قلاوون وعلاقتها الخارجية حتى قبيل حكم الناصر محمد
[ 1279م- 1293م]
 تمهيد :
في هذا الفصل نود توضيح قيام دولة بني قلاوون وكيف حكمهم وكيف أنهم استطاعوا تغيير نظام وراثة العرش ؛ حيث أنهم استطاعوا أن يحولوا نظام تولية العرش للنظام الوراثي والذي لم يكن المماليك يؤمنوا به ، فهم كانوا يؤمنون بالمساواة لأنهم جميعاً نشأوا نشأة واحدة ، ولم يل سلطانهم الأول الملك عن طريق الميراث ، بل كانت العلاقات التي تربط بينهم تقوم أساساً علي علاقتين : علاقة الأستاذية ، وعلاقة الخشداشية أو الزمالة ، فولاء الأمير المملوكي كان لأستاذه أولاً ، ولخشداشة ثانياً .( )
ومع هذا فقد شذت عن هذه القاعدة أسرة قلاوون وحاولت أن تصطنع نظام الوراثة في الحكم ، وقد نجحت إلي حد كبير في إقامة هذا النظام ، فحكم قلاوون وعدد من أولاده وأحفاده مدة تنيف عن القرن (1279م-1382م) حقيقة كان يثور بعض أمراء المماليك ضد عدد من أفراد أسرة قلاوون ويبعدونهم عن الحكم ويلون السلطنة مكانهم ، ولكن هؤلاء المبعدين من آل قلاوون كانوا لا يلبثون أن يعودوا إلي العرش .
وقد يرجع السبب في نجاح أسرة قلاوون في إقامة نظام الوراثة إلي أن اثنين من سلاطينهم وهما قلاوون وابنه الناصر محمد قد حكما مدة طويلة استطاعا في أثنائها أن يدعما بشخصيتهما القويتين وأعمالهما المجيدة قواعد النظم الوراثي بحيث استطاع أفراد الأسرة رغم صغر سن الكثيرين منهم أن يلوا الحكم في سلسلة متتابعة إلي نهاية دولة المماليك البحرية .
لقد حاول من قبل كل من أيبك وبيبرس أن يورث ابنه العرش ، ولكن التجربتين انتهيتا بالفضل وقد يرجع هذا إلي أن كلاً من الرجلين شغل بحروبه الكثيرة عن أن يفرغ لتربية ابنه التربية الصالحة التي تؤهله للسلطنة ، فكان المنصور علي ابن المعز أيبك – كما سبق أن أسلفنا – يحيا حياة كلها لهو ولعب ، فلم يستطع أن يسمو إلي مستوي الأحداث عندما هدد المغول حدود مصر ، واضطر المظفر قطز أن يبعده ، وأن يمسك هو بمقاليد الأمور ، وأن يتقدم الجيوش لصد العدو المغير.
وشبيه بهذا ما حدث بعد موت الظاهر بييرس ، فلقد سعي بيبرس أثناء حياته لتوريث السلطنة لابنه بركة خان ، وفي سنة 1262م أعلنه والياً لعهده ، وأخذ له الأيمان والمواثيق من كبار أمراء الدولة ، ومع هذا كان بيبرس يعتقد أن الملك يصفو لابنه – بعد موته – في يسر وسهولة ، وأيقن أن كبار أمراء المماليك لم يبايعوا ولده بولاية العهد إلا رهبة وخوفاً منه ، وتوقع أن يقوموا بتدبير المؤامرات بعد وفاته لاغتصاب الملك منه ، لهذا لجأ قبيل وفاته في سنة 1257م إلي تزويج ابنه بركة خان من ابنة كبير الأمراء المماليك وقتذاك وهي السيدة غازية خاتون ابنه سيف الدين قلاوون بدمشق في سنة 674هـ/1275م ، ليضمن بذلك ولاء هذا الأمير الكبير وليكون عضداً له في إدارة شئون الدولة ، وبالتالي ولاء أمراء المماليك الصالحية لابنه .
ومع هذا فإن بيبرس لم يطمئن نفساً ن فقد كان أعرف الناس بأمراء المماليك وأساليبهم ورأيهم في نظام ولاية العرض ولهذا ترك لابنه قبل وفاته وصية أوصاه فيها باستعمال العنف ضد كل من يقف في طريقه ، فقال في وصيته لابنه : إنك صبي ، وهؤلاء الأمراء الأكابر يرونك بعين الصبي ، فمن بلغك عنه يشوش عليك ملكك ، وتحققت ذلك عنه فاضرب عنقه في وقته ، ولا تعتقله ، ولا تستشر أحداً في هذا ، وافعل ما أمرتك به وإلا ضاعت مصلحتك".

وتوفي بيبرس بدمشق يوم الخميس السابع والعشرين من المحرم سنة 626هـ/ الأول من يوليو سنة 1277م ، كتب الأمر بدر الدين بيليك الخازندار إلي الملك السعيد بركة خان بالقاهرة يخبره بوفاة أبيه فبايع القضاة والأمراء الملك السعيد بركة خان سلطاناً ، ودعي له علي المنابر في مصر والشام ، وكان عمره وقتذاك تسعة عشرة عاماً ، وهي سن كانت تمكنه من تحمل أعباء السلطنة لو أنه احتذي والده ، ولكنه كان شاباً مستهتراً يميل لمجالس اللهو والشراب ، وقد أدي سلوكه هذا إلي زيادة نفوذ مماليكه الخاصكية وصاروا يتدخلون في تعيين نواب السلطنة وعزلهم وفي توزيع الإقطاعات مما أغضب كبار الأمراء الصالحية ، وفي مقدمتهم صهره قلاوون والأميران سنجر الحلبي وسنقر الأشقر والأمير بدر الدين بيسري ومما زاد من صعوبة الموقف قيام بركة خان بالقبض علي الأمير شمس الدين سنقر الأشقر والأمير بدر الدين بيسري وسجنهما بالقلعة ، فزادت الوحشة بينه وبين الأمراء وتآمروا فيما بينهم علي عزله ، فاجتمعوا مع أجنادهم وصعدوا إلي قلعة الجبل وبعثوا إلي الملك السعيد بركة خان : " إنك قد أفسدت الخواطر ، وتعرضت إلي أكابر الأمراء ، فإما أن ترجع عما أنت فيه وإلا كان لنا ولك شأن " فاضطر إلي ملاطفتهم وعقد الصلح معهم ، وعزلوه فعلاً في سنة 1279م ، أي بعد سنتين من حكمه .
وتدخل مماليك الملك بركة خان لإفساد العلاقة بين بركة خان وأكابر الأمراء ، فأشاروا عليه بأن يعهد إليهم بغزو سيس والقبض عليهم عند عودتهم من سيس ، فلما علم الأمراء بما يدبر ضدهم ، أشاروا علي الملك بركة خان بإبعاد هؤلاء المماليك الخاصكية عنه علي أن الملك رفض طلبهم، وعاد من دمشق إلي قلعة الجبل ، فحاصروه وعزلوه وعينوه نائباً علي الكرك تنفيذاً لرغبته .( )
ولما تم خلع الملك السعيد وعزلة للكرك عرض الأمراء السلطنة علي قلاوون ، إلا أنه كان ماكراً فلم يشأ أن يلي السلطنة مباشرة بعد عزل بركة خان عندما عرضها عليه بقية الأمراء ، بل قال لهم "أنا ما خلعت الملك السعيد طمعاً في السلطنة ، والأولي أل يخرج الأمر عن ذرية الظاهر" والواقع أن قلاوون كان يخشي بأس كبار الأمراء وبأس المماليك الظاهرية ، وأعلن زهده في الملك إلي أن يتمكن من تدبير الأمر وتمهيد الطريق ، فرشح الأمير سلامش – الابن الثاني لبيبرس – لتوليه العرش ، ووافق الأمراء وعين سلامش ، وكان طفلاً صغيراً في السابعة من عمره ، فعين قلاوون أتابكاً له ، كما عين الأمير عز الدين الأفرم نائباً للسلطنة .
ولم يحكم سلامش سوي مائتي يوم استطاع قلاوون فيها أن يعمل علي تدعيم مركزه ، فاقتنع الأمراء أن يقسموا له يمين الطاعة باعتباره أتابكاً للسلطان ، واتخذ كل الوسائل التي تجعله شريطاً فعلياً في الحكم ، فأمر أن يخطب باسمه واسم سلامش معاً علي المنابر ، وأن يضرب اسمه مع اسم السلطان علي السكة ، فنقشت السكة وعلي أحد وجهيها اسم سلامش وعلي الوجه الآخر اسم قلاوون ، كما عمل خلال هذه الأيام علي استمالة كبار الأمراء إليه ، وتعيين مماليكه وأنصاره في النيابات والوظائف الكبري.
عند ذلك فعل قلاوون ما فعله قطز من قبل ، فجمع الأمراء وأعلنهم أن الملك لا يصلح مع وجود طفل قاصر علي العرش ، وقال لهم : " قد علمتم أن المملكة لا تقوم إلا برجل كامل " فوافقه الأمراء علي رأيه ، وعزل سلامش ، وأبعد إلي الكرك ليكون قريباً من أخيه بركة ، أما خضر الابن الثالث لبيرس فقد عين نائباً علي حصن الشويك.
 أولاً : تولية قلاوون العرش :
وعين الأمير سيف الدين قلاوون الألفي العلائي الصالحي النجمي (وسمي كذلك لأنه اشتري بألف دينار) سلطاناً في يوم الأحد العشرين من رجب سنة 678هـ/ السادس من ديسمبر سنة 1279م ، ولقب بالملك المنصور (679-689هـ- 127-1290م)، وهو أحد المماليك البحرية الذين نبغوا في أواخر العصر الأيوبي ، وهو قفجاقي من قبيلة برج أغلي، جلب إلي مصر وهو صغير ، واشتراه الأمير علاء الدين أقسنقر الساقي العادلي أحد مماليك العادل أبي بكر بن أيوب بألف دينار ، فلما مات أستاذه الأمير علاء الدين انتقل إلي الملك الصالح نجم الدين أيوب ، وكان قلاوون أحد الأمراء الذين خرجوا من مصر مع من غادرها من المماليك البحرية عقب مقتل الأمير فارس الدين أقطاي علي يد الملك المعز أيبك ، ولكنه ما لبث أن عاد إليها وعظم نفوذه في عهد السلطان الظاهر بيبرس حتى أصبح من أمراء مصر البارزين.

 ثورة سنقر الأشقر Sad )
ولما اعتلى قلاوون عرش السلطنة في مصر خرج عليه بعض الأمراء الصالحية الذين اعتقدوا أن لهم أمجاداً حربية لا تقل عن أمجاد قلاوون ، وأن لهم مثله الحق في تولية السلطنة ، كما غضب الأمراء الظاهرية لعزل بركة خان وسلامش ابني أستاذهم ومن بين هؤلاء الثائرين الأمير سنقر الأشقر نائب السلطنة بالشام فقد رفض مبايعة قلاوون ، وأعلن نفسه سلطاناً علي الشام وتلقب بالملك الكامل ، وخطب له علي منبر الجامع الأموي ، كما انضم إليه خضر وسلامش ابني بيبرس وكان بركة خان قد توفي.( )
وهنا أدرك قلاوون خطورة الموقف ولهذا آثر أن يستعمل اللين والسياسة ، فأرسل إلي سنقر يعاتبه ويستميله ويعده الوعود الطيبة ، ولكن سنقر أصر علي موقفه ، فاضطر قلاوون إلي استعمال العنف فأرسل إليه في سنة 1280م حملة إلي الشام بقيادة الأمير عز الدين الأفرم ، واستطاع الفرم أن يهزم أعوان سنقر عند مدينة غزة ، وألحق بهم العار ولما علم سنقر الأشقر بهزيمة عسكره ، جمع وحشد وبعث إلي الأمراء بغزة يدهم ويستميلهم ، كما أتته النجدات من حلب وحماة من جبال بعلبك ، فسير سيف الدين قلاوون إمدادات جديدة إلي الجيش المصري بغزة ، واجتمعوا مع الأمير عز الدين الأفرم ، وساروا جميعاً بقيادة الأمير علم الدين سنجر الحلبي إلي دمشق ، والتقوا بجيش سنقر الأشقر في التاسع عشر من صفر سنة 679هـ/ العشرين من يونيو 1280م . وثبت سنقر الأشقر وأبلي بلاءً عظيماً ، غير أن طائفة كبيرة من عسكره انضمت إلي الجيش المصري ، كما رجع عنه عسكر حلب وحماة إلي بلادهم ، وتخاذل عنه عسكر دمشق وحمل عليه الأمير سنجر الحلبي ، فنهزم وهرب إلي الرحبة بعد أن بعث حرمه وأمواله إلي قلعة صهيون .
عند ذلك اتصل سنقر بأباقا – خان مغول فارس- وحرضه علي السير لغزو الشام ، وسار سنقر إلي قلعة صهيون وتحصن بها
فقرر قلاوون المسير وخرج بنفسه إلي الشام فوصل في التاسع عشر من المحرم سنة 680هـ/العاشر من مايو 1281م ، ومن هناك أرسل إلي الأمير عزل الدين أيبك الأفرم والأمير علاء الدين كشتغدي الشمس لقتال سنقر الأشقر ، فأدرك سنقر أن لا فائدة من المقاومة وأرسل إلي قلاوون يطلب الصلح بشروط خاصة [ وهي أن يسلم شيزر مقابل أن يعوض عنها بفامية وكفر طابا وأنطاكية وصهيون واللاذقية وغيرهما ، كما اشترط أن يكون أميراً علي ستمائة فارس عدا من عنده من الأمراء ] وقبل قلاوون هذه الشروط وكتبه له تقليداً بولاية هذه البلاد .
ولكن الصراع بين قلاوون وسنقر الأشقر لم يلبث أن تجدد فيروي المقريزي في حوادث عام 686هـ ان الامير حسام الدين طرنطاي نائب السلطنة قد توجه علي رأس جيش كبير لقتال الأمير سنقر بقلعة صهيون وكان السبب وراء ذلك أن سيف الدين قلاوون حين نازل حصن المرقب وهي علي مقربة من صهيون لم يحضر إليه سنقر الأشقر وبعث إليه بابنه ناصر الدين صمغار ، فغضب قلاوون وحمل معه صمغار إلي مصر فسار حسام الدين طرنطاي إلي مصر ومعه سنقر الأشقر ، فخرج قلاوون وأولاده وأولاد الظاهر بيبرس في عساكره للقاء سنقر الأشقر . وعاد به إلي القلعة وبعث إليه الخلع والثياب والتحف والخيول وأنعم علي بإمرة مائة فارس وقدمه علي ألف فارس في سنة 1287م ، وبإخماد هذه الفتنة زالت المتاعب الداخلية ، وبدأ قلاوون يركز جهوده لاستئناف الجهاد ضد العدوين التقليديين : الصليبيين والمغول .
وسار قلاوون علي نهج بيبرس في إدارة شئون البلاد وتقريب الشعب إليه ، وكانت سياسته قائمة علي الإكثار من المماليك ليكونوا عوناً له ولأولاده من بعده في تثبيت عروشهم، وأنشأوا لذلك فرقة جديدة من المماليك أطلق عليهم اسم [البروجية] ، نسبة إلي أبراج القلعة التي أقاموا بها. لم ينجح قلاوون في تحقيق الغرض الذي من أجله أنشأ فرقة الممالية البرجية ، إذ لم يكونوا دائماً عوناً له ولأولاده من بعده ، بل ظهر فيها من المماليك كتبغا ولاجين وبيبرس الجاشنكير الذين اغتصبوا العرش من ابنه محمد الناصر كما سيلي ، كذلك اغتصب أحد مماليكها في النهاية العرش من أحد أحفاد الناصر وقضي بذلك علي بيت قلاوون وأسس دولة المماليك البرجية .
وسار قلاوون علي سياسة بيبرس في إخراج الصليبيين من بلاد الشام واستولي علي ما بقي في أيديهم سنة 686هـ (1289م) عدا ميدنة عكا التي استولي عليها ابنه الأشرف خليل سنة 691هـ بعد وفاة أبيه كما تابع سياسة بيبرس إزاء التتار فهزمهم وأبعد أذاهم عن مصر والشام .
وكان قلاوون ملكاً عظيماً لا يميل إلي سفك الدماء إلا أنه كان محباً لجمع المال ( )، ولكن لم يكن حبه المال بقصد الإنفاق علي شئونه الخاصة بل كان لإنفاقه علي المشروعات الحيوية التي رأي شعبه في حاجة إليها .
وأشرف قلاوون علي تنفيذها في حزم وعزم ، يدل علي ذلك تلك المنشآت العظيمة والآثار الجليلة التي خلدها في مصر كالمدارس والمساجد والمستشفيات والملاجئ ، فقد أنشأ قلاوون القبة التي دفن تحتها ، ومدرسته ومارستانه الذي يعرف الآن بمستشفي قلاوون ، وكان سبب إقامته في سنة 688هـ أنه لما ذهب لغزو الروم سنة 675هـ
(1276م) في عهد السلطان بيبرس ، أصابه وهو بدمشق مرض شديد ، فعالجه الأطباء بأدوية أخذت من مارستان نور الدين محمود ، ولما شفي قلاوون ذهب بنفسه لمشاهدة المارستان وندر إن هو اعتلى عرش مصر أن يبني مارستاناً مثله( ) [كما سنوضح بالتفصيل تفاصيل هذا البيمارستان في الجزء الثاني من البحث].
 صفات قلاوون Sad )
وصفه ابن فضل الله العمري فقال أنه كان رجلاً مهيباً شجاعاً فتح الفتوحات الجليلة مثل المرقب( )، وطرابلس التي لم يجسر أحد الملوك مثل صلاد الدين وغيره علي التعرض لها لحصانتها، وكسر جيش التتر علي حمص وكانوا في ثمانين ألف فارس ، وقد كشف لنا بيبرس الدوادار عن صفات قلاوون المتينة وطيب شمائله فقال إنه "كان حليماً عفيفاً عن سفك الدماء مقتصداً في العقاب كارهاً للأذي لا جرم أن الله جازاهه في ذريته وحاشيته بالحسنى ورفع قدر عتقائه وألزمه وربط ذكر مماليكه وخدامه وصيرهم ولاة للأمور وساسة للجمهور وقادة للعساكر ونوباً للماليك وآتاهم من سداد الرأي والتئام الأهواء والمحافظة علي حفظ البيت ما لم يؤته واحداً من العالمين ن ولقد مررت بتواريخ الأمم وسير ملوك العرب والعجم فلم أقف علي أن أحد وفيّ كوفائهم ، ولا سلك في السداد مثل أنجابهم ، وكان ذلك بحسن نية الشهيد، والمرجو لبيته الحفظ والتأييد ولأنصاره وأعوانه العون والتسديد" ، وعلي الجملة فقد أقام قلاوون طوال مدة حكمه منار العدل وأحسن الملك وقام بتدبير السلطنة خير قيام.
 أولاد قلاوون : علاء الدين وخليل :
[ 679-693هـ / 1279-1293م ]
وفي عهد قلاوون ظهرت ولاية العهد ثانية في تاريخ دولة المماليك ولكن بشكل أعم ، فإن السلطان بيبرس منح ابنه بركة خان ولاية العهد وما يتبعها من اختصاصات السلطنة دون منحه لقب "سلطان" ولكن قلاوون لما استتب له الأمر فكر سنة 678هـ أي في نفس التي تولي فيها السلطنة – في تعيين ابنه علاء الدين( ) علي مصر في حياة أبيه قلاوون . فجمع لذلك الأمراء وعرض عليهم ما استقر عليه رأيه من تفويض ابنه الأكبر "ولاية العهد وكفالة الممالك" ، فأقروا السلطان قلاوون علي رأيه وركب علاء الدين بشعار السلطنة كما ركب بركة خان بن بيبرس من قبل( ). وكان الدافع لقلاوون علي إقامة ابنه سلطاناً في حياته أنه كان دائم السفر إلي بلاد الشام لمحاربة التتار فرأي أن يقيم ابنه مكانه في إدارة شئون مصر أثناء غيبته مع منحه لقب السلطنة حتى تكون له الهيبة في نفوس الأمراء والأهالي .
استقر علاء الدين علي في السلطنة في رجب سنة 679هـ ، وكتب له تقليد( ) من إنشاء القاضي محي الدين ابن عبد الظاهر ولقب بالملك الصالح ، وقرىء التقليد في الإيوان الكاملي بالقلعة بحضور الأمراء والمقدمين والوزراء ،ولما انتهت تلاوة التقليد خلعت عليهم دعا الناس بالعز والتأييد له ولابنه المنصور قلاوون ، ولما انتهي قلاوون من إتمام تلك المراسم خرج إلي بلاد الشام لمحاربة التتار وتفرغ بذلك لما كان يشغله من أمر السلطنة وولاية العهد لابنه .
وكان الدافع لقلاوون علي إقامة ابنه سلطاناً في حياته أنه كان دائم السفر إلي بلاد الشام لمحاربة التتار فرأي أن يقيم ابنه مكانه في إدارة شئون مصر أثناء غيبته مع منحه لقب السلطنة حتى تكون له الهيبة في نفوس الأمراء والأهالي ، وذلك في شهر رجب سنة 679هـ/نوفمبر سنة 1280 م.
وأقام الملك الصالح في دست السلطنة ثماني سنوات (679-687هـ/1280-1288م) ثم توفي في حياة أبيه (شعبان سنة 687هـ/1288م) فأظهر السلطان قلاوون لموت ابنه جزعاً بالغاً وحزناً شديداً.
وبعد موت علاء الدين عهد قلاوون من بعده إلي ابنه الثاني خليل ولقبه بالأشرف ، وكتب القاضي محي الدين عبد الظاهر كتاب ولاية العهد للأشرف خليل( )، إلا أن بعض المؤرخين ذكروا أن قلاوون امتنع عن تولية خليل العهد ، وهاك نص ما ذكره كل من المقريزي وأبي المحاسن : "طلب من القاضي فتح الدين بن عبد الظاهر تقليده فأخرجه إليه مكتوباً بغير علامة( ) الملك المنصور ، وكان ابن عبد الظاهر قد قدمه إليه (إلي قلاوون) ليعلم عليه فلم يرض وتقدم طلب الأشرف وتكرر وابن عبد الظاهر يقدمه إلي الملك المنصور ، والمنصور يمتنع إلي أن قال : يا فتح الدين ! ما أولي خليلاً علي المسلمين ، فلما رأي الأشرف التقليد بالإعلان قال : يا فتح الدين . السلطان امتنع أن يعطي وقد أعطاني الله ورمي التقليد من يده".
ويرجع سبب امتناع قلاوون عن العهد لابنه خليل إلي أنه كان مبغضاً عند كثير من الأمراء لاستهانته بهم وتصغيره شأنهم ولما اتصف به من القسوة وعدم التدين ثم لاتهامه بدس السم لأخيه الملك الصالح علاء الدين . ولم يكن هذا الامتناع – إن صح – مانعاً من أن يؤول الملك إلي الخليل (689-693هـ=1290-1293م) فقد جدد له الأمراء الإيمان .
وفي ولاية الأشرف يعود نفوذ الأمراء إلي الظهور بشكل جلي ويتضح للعيان مدي أثرهم في تدعيم عروش السلاطين أو تفويضها ، وقد افتتح خليل عهده بالغدر برجالات الدولة الذين كانت لهم السطوة والنفوذ في عهد أبيه ، فبادر إلي التخلص منهم ، ولم يدرك ما للأمراء من شدة البأس وقوة الشكيمة والعناد والقدرة علي الدس لمن لا يردعهم ويوقرهم ويرعى حرمتهم ومقامهم من سلاطين مصر ، كما لم يتعظ بما حدث للسلطان قطز ولا بما حدث للسلطان بركة خان بن بيبرس ، فإن حلف الأمراء له في سنتي 762هـ ، 767هـ لم يمنعهم من الخروج عليه وإذلاله والتصميم علي عزله في سنة 678هـ (1279) . وكان من السهل عليه أن يذكر كل ذلك لأنه كان قريب العهد به .
وبمجرد اعتلاء السلطان خليل العرش بدأ الأمراء دسائسهم وكيدهم له بأن حرضوا نائب السلطنة الأمير حسام الدين طرنطاي بالقبض عليه لما كان بين خليل وطرنطاي من العداوة مذ كل خليل ولياً للعهد ولكن طرنطاي لم يستمع لنصحهم فقبض عليه السلطان وقتله بعد أيام قليلة من اعتلائه العرش ، فهال الأمراء ما فعله خليل مع نائبه ، وزاد في عدائهم له تعاظمه عليهم واستخفافه بهم بعد عودته من فتح عكا – التي حاصرها سنة 692هـ (1292م) والتي انتهت باستيلائه عليها دولة الصليبيين بالشام – فاتفق الأمراء عليه وبدءوا يدبرون له المكايد.
وكانت العداوة التي استحكمت بين الأمير بدر الدين بيدرا نائب السلطنة وبين السلطان ، هي العامل الأكبر في القضاء علي سلطنة الأشرف خليل فقد مثلت من جديد هذه المأساة التي مثلها بيبرس مع قطز في سنة 656هـ ، وإن ما فعله بيبرس مع قطز قد فعله بيدرا مع السلطان خليل . واتفق كل من بيدرا وحسام الدين لاجين علي قتله إذا أمكنتهما الفرصة ، وقد حانت لهم هذه الفرصة عند ما نزل خليل في سنة 693هـ بمكان يقال له الحمامات علي مقربة من أبي المطامير بمديرية البحيرة للصيد ، فلما وصل السلطان إلي تروجه (من أعمال مديرية البحيرة) سمح لأمرائه بالتوجه إلي القاهرة حتى يعود من رحلته ، وسرعان ما أرسل بيدرا إلي الأمراء الناقمين علي السلطان فحضروا وخرجوا متظاهرين بالرغبة في صيد الغزال في الصحراء مضمرين صيد السلطان نفسه والغدر به فهجموا عليه وضربوه بالسيف حتى مات وتركوه في المكان الذي قتل فيه( ).
وتشاور الأمراء قبل أن يبرحوا مكان الجريمة في أمر السلطنة فاتفقوا علي تولية بيدرا علي نحو ما فعله الأمراء حين تشاورا في الصالحية بعد قتل قطز واتفاقهم علي تولية بيبرس، وفي تروجه حلف الأمراء لبيدرا وقبلوا الأرض بين يديه – علي ما جرت به عادتهم عند تولية سلطان جديد- ولقبون "الملك الرحيم" وقيل "الملك الأمجد" ، وقيل "الملك الظاهر" ، ثم قصد بيدرا والأمراء في ركابه إلي قلعة الجبل علي نحو ما فعل بيبرس ، ولكن مماليك السلطان الأشرف خليل ساروا في أثر بيدرا ومن معه فلحقوهم في الطرانة من قري مركز كوم حمادة بمديرة البحيرة ووقعت بينهم موقعة كبيرة هزم فيها بيدرا وأصحابه وتتبعت المماليك السلطانية بيدرا وقتلوه قبل أن يصل إلي القلعة . وقد أراد "بيدرا السلطنة لنفسه ولكن المقادير قهرته والدنيا والغرور غدرته"، أما الأمير لاجين فقد اختفي ولم يعثر له إذا ذاك علي أثر .
وهنا لا تتم المشابهة بين الظاهر بيبرس وبيد بيدرا : فبينما نجد أن بيبرس قد قتل قطز وارتكب جريمة قتل السلطان وارثاً شرعياً لأبيه في السلطنة ، بينما يتمكن بيبرس من الوصول إلي قلعة الجبل حيث تتم مراسم اعتلائه العرش ويصبح سلطاناً علي مصر وتطول مدة سلطنته حتى يتمكن من أن يعهد بالملك لأولاده من أن يعهد بالملك لأولاده من بعده ومن تثبيت دعائم ملكه وينسي التاريخ فعلته لما كان عليه من حميد الصفات وما أتاه لخير مصر من جليل الأعمال – بينما يتمكن بيبرس من تحقيق ذلك كله ، فنجد أن بيدرا لم يستطع الوصول إلي شيء من ذلك ، وسرعان ما أنهارت آماله وتفرق عنه أتباعه ووقع فريسة بين المماليك الأشرف خليل الذين قتلوه شر قتله .
حكم الأشرف خليل مصر ثلاثة سنين وشهرين ، برهن خلالها علي أنه كان حاكماً شديد البأس مهيباً في أعين الناس كفؤا لتولي ملك مصر عارفاً بأحوال المملك ، وفيه يقول ابن إلياس : "كان الأشرف بطلاً لا يكل من الحروب ليلاً ونهاراً ، وكان مسعوداً في حركاته ولا يعرف في أبناء الملوك من كان يناظره في العزم والشجاعة والإقدام ... وكان يسمع الكلام في حق الناس بالباطل من وزيره اين السَّلعْوس وكان ذلك سبباً لزاول ملكه.
ونشأت من جديد مشكلة اختيار السلطان الجديد ، وقامت المنازعات بين كتبغا وسنجر الشجاعي ولم يستطع واحد منهما الغلبة علي زميله . وانتهي الأمراء علي اختيار الابن الأصغر لقلاوون (محمد) ، ولم يكن اتفاقهم عن إيمان بمبدأ الوراثة ، فالمماليك – كما سبق أن ذكرنا – لم يكونوا يؤمنون بهذا النظام من نظم الحكم ، ولكنه كان اتفاقاً مؤقتاً إلي أن ينجلي الموقف ويدبر كل أمير أمره ويجمع أعوانه ، ثم يكون الفور للأقوى.
ولم يكن من الصعب حينذاك علي الفائز بالسلطنة أن ينحي عنها هذا السلطان الطفل ، غير أن الناصر محمد خيب ظن الأمراء فقد حكم بعد ذلك سنين طويلة ، حقيقة قد عزل عن السلطنة مرتين ، ولكنه كان يعود إلي العرش أقوي مما كان ، واستطاع أن يلي السلطنة ثلاث مرات ، وأن يقوم بأعمال كثيرة مجيدة خلال مدد حكمه الطويلة ، وكان لشخصيته القوية أثر واضح في تدعيم نظام الوراثة في بيت قلاوون ، [وهذا ما سيتم شرحه بالتفصيل في الفصل القادم إن شاء الله تعالى].
 ثانياً : العلاقات بين المماليك والمغول في عهد قلاوون ( ):
انتهز مغول فارس فرصة الاضطرابات التي أصابت مصر بعد موت بيبرس والفتنة التي قامت بعد تولية قلاوون وبدأوا يهددون حدود الدولة المملوكية ، لهذا رأي قلاوون أنه لا يستطيع مجابهة الصليبيين والمغول في وقت واحد ، وآثر أن يبدأ بالمغول أولاً ، ولهذا جدد الهدنة التي كان بيبرس قد عقدها مع الصليبيين ، وليضمن عدم تحالفهم مع المغول أو استنجادهم بقوي أوروبية سار علي نهج سلفه فقعد عدة معاهدات واتفاقيات مع مغول القفجاق ، وإمبراطور بيزنطة ،وصقلية ، وقشتالة، وجمهورية جنوة.
وركز جهوده لمقاتلة المغول ، فلم يكد يعلم أنهم وصلوا بجيوشهم إلي قرب حلب حتى أرسل في سنة 1280م حملة استطاعت أن تستولي علي بعض المدن المحيطة بحلب ، فاضطر المغول إلي الانسحاب محملين بالأسلاب وفي السنة التالية 1281م ، أعاد أباقا الهجوم علي الشام ووصل بجيشه إلي حماة ، فخرجت جيوش قلاوون ، وتقابل الجيشان عند حمص ، وانتصر الجيش المملوكي ، وهزم المغول هزيمة منكرة ، وفر أباقا إلي بغداد حيث توفي بعد قليل في سنة 1282م.
وخلف أباق أخوه تكودار ، وكان يدين بالمسيحية ، فأعلن إسلامه وسمي نفسه أحمد ، وفي عهده بدأت العلاقات تتحسن بين دولة المماليك ودولة مغول فارس ، فقد أصبح الإسلام يجمع بين الدولتين والملكين ، ولهذا بدأ تكودار أحمد بإرسال رسالة إلي السلطان قلاوون أعلن فيها ، عن رغبته في خدمة الإسلام وحقن دماء المسلمين وإقامة العلاقات الطيبة بينه وبين إخوانه وجيرانه المسلمين ، "فقد وجب التمسك بالعورة الوثقي ، وسلوك الطريق المثلي ، بفتح أبواب الطاعة والاتحاد ، وبذل الإخلاص بحيث تعمر تلك الممالك وتلك البلاد ، وتسكن الفتنة الثائرة ، وتغمد السيوف الباقرة ،وتخلص رقاب المسلمين من أغلال الذل والهوان" ، ورد قلاوون علي تكودار أحمد برسالة رحب فيها بدعوته ، وأعلن فيها استعداده للتعاون علي خدمة الإسلام والمسلمين .
غير أن فترة الصفاء هذه لم تعمر طويلاً ، فإن اعتناق تكودار الإسلام أثارت غضب أمراء المغول وقوادهم ، فثار ضده ابن أخيه أرغون ونجح في قتله ، وولي العرش مكانه في سنة 1284م.
واضطهد أرغون المسلمين في مملكته وأبعدهم عن مناصب الدولة ،وعادت العلاقات بين مغول فارس والمماليك إلي أسوأ مما كانت عليه ، وسيقوم بعبء مناضلة المغول أبناء قلاوون وخاصة خليل والناصر محمد .
أما العلاقة بين قلاوون ومغول القبيلة الذهبية فقد استمرت علي ما كانت عليه من المحبة والمودة وتبادل السفارات والهدايا ، وقد بلغ عدد السفارات المتبادلة بين الدولتين في عهد قلاوون أربع سفارات ، وكانت الأولي في سنة 679هـ(1280م) من قلاوون إلي منكوتمر ، والثانية في سنة 682هـ(1283م) من مانجو خان إلي قلاوون ، والثالثة في سنة 683هـ (1284م) من قلاوون إلي مانجو ، والأخيرة في سنة 685هـ(1286م) من مانجو إلي قلاوون .
ثالثاً: العلاقات بين الدولة المماليك والصليبيين في عهد قلاوون وابنه الأشرف خليل : ( )
تهاوت الإمارات الصليبية الثلاث من قبل علي أيدي أبطال الجهاد المسلمين :
 فسقطت إمارة الرها علي يد عماد الدين زنكي .
 وسقطت إمارة بيت المقدس علي يد صلاح الدين .
 وسقطت إمارة إنطاكية علي يد الظاهر .
ولم تبق إلا الإمارة الرابعة ، وهي إمارة طرابلس التي كان يحكمها أمراء النورمان ، وبقيت إلي جانبها بعض فلول الصليبيين في مدن أخرى متناثرة ، وهي :
 بقايا مملكة بيت المقدس وكان مقرها مدينة عكا .
 حصن المرقب ويحكمه فرسان الاسبتارية .
 طرسوس ويحكمها فرسان الدواية .
وسيكون لقلاوون وابنه الأشرف خليل شرف القضاء علي هذه البقايا الصليبية جميعاً .
وقد ذكر من قبل أن قلاوون بدأ فور توليه العرش بعقد هدنة بينه وبين الصليبيين ، ولم يكد ينتهي من نضاله ضد المغول ويجبرهم علي مغادرة أرض الشام والتقهقر إلي ملكهم حتى بدأ يفرغ للصليبيين .
 سقوط طرابلس الإمارة الرابعة :
وكان هجمومه الأول علي حصن المرقب في سنة 1285م ، وهو حصن من أقوي حصونهم ، وبعد حصار دام ثمانية وثمانين يوماً استسلم أصحاب الحصن من الفرسان الاسبتارية ، واتفق علي أن تجلو الحامية عن الحصن ويسمح لها بالرحيل إلي عكا .
هذا الهجوم المفاجئ علي حصن المرقب ، وهذا الانتصار السريع علي حاميته أنزلا الرعب في أفئدة أصاب الحصون والمدن الصليبية الباقية ، فسارع أمير طرابلس بوهمند السابع لمسالمة قلاوون ، وكذلك فعلت مرجريت أميرة صور فاشترت الصلح من قلاوون بشروط مهينة ، وحذا حذوها ملك أرمينية الصغرى ، فاشتري الصلح بجزية سنوية وتعهد فوق ذلك بإخلاء جميع بلده من أسرى المسلمين .
ولم تمض ثلاث سنوات حتي تلقي قلاوون خطاباً من نائبه في الشام ينبئه فيه أن فرنج طرابلس قد نقضوا الهدنة واعتدوا علي التجار المسلمين برغم تعهدهم في اتفاقيات الهدنة السابقة ألا يتعرضوا لتاجر أو يقطعوا الطريق علي مسافر .
وبدأ قلاوون يستعد للزحف علي طرابلس ، وخرج من مصر علي رأس جيش ضخم حتى وصل إلي طرابلس ، فحاصرها تسعة وثلاثين يوماً ، وبعد قتال ، عنيف سقطت طرابلس واستولي عليها قلاوون في أبريل سنة 1289م.
 سقوط عكا آخر معاقل الصليبيين في الشام :
سقطت طرابلس آخر الإمارات الأربع علي يد قلاوون ، ولم يبق إلا عكا ، البقية الباقية من إمارة بيت المقدس ، وقد لجأ إليها وتحصن بها كل الصليبيين الذين فروا من الإمارات الاخري، فكأنهم بذلك كانوا يعيدون سيرة أسلافهم من الصليبيين الذين فروا أما صلاح الدين بعد انتصاراته المتلاحقة في حطين وغيرها من المواقع التالية وتجمعوا في مدينة صور.
وسعي هؤلاء إلي حتفهم ، واستعجلوا نهايتهم بانتهاك بعضهم حرمة المسلمين الذين كانوا يعيشون في أمان بالقرب من عكا بمقتضي معاهدة معقودة بين السلطان والصليبيين ، وقتلهم جماعة من تجار المسلمين في شعبان سنة 689هـ(أغسطس 1290م) فرأي قلاون أن لا مناص من العمل للإجهاز عليهم والاستيلاء علي مدينتهم .
وبدأ قلاوون يعد العدة للزحف علي عكا ، غير أنه توفي في ذي القعدة من السنة نفسها ، فأخذ ابنه الأشرف خليل علي عاتقه إتمام المشروع ، وبدأ يستعد لهذه المعركة الحاسمة ويجمع الجيوش والعتاد والأسلحة من كل مكان في مصر والشام .
ونودي في الجامع الأموي بدمشق بالاستعداد لغزو عكا وتطهير الشام نهائياً من الصليبيين واشترك الأهالي مع الجند في جر المجانيق .
وخرج الأمير حسام الدين لاجين نائب الشام بجيشه من دمشق .
وخرج الملك المظفر بجيشه من حماة .
وخرج الأمير سيف الدين بلبان بجيشه من طرابلس .
وخرج الأمير بيبرس الدوادار بجيشه من الكرك .
وفي القاهرة أقام السلطان الملك الأشرف خليل بن قلاوون احتفالاً دينياً في القبة المنصورية دعا إليه القضاء والعلماء والأعيان وحضرته طوائف الشعب ، وضج المجتمعون بالدعاء إلي الله أن يكتب النصر للسلطان ، ثم خرج خليل بجيشه من القاهرة .
واجتمعت هذه الجحافل الزاحفة من كل مكان عند أبواب عكا في ربيع 1291م ومعها العتاد والسلاح ومدفعية ضخمة تتكون من اثنين وتسعين منجنيقاً.
واشتد الصار ودام ثلاثة وأربعين يوماً ، وأحس فرنج عكا بالضيق الشديد وعجزوا عن المقاومة فاستسلموا ، وسقطت عكا في أيدي العرب ، بعد أن لبثت في أيدي الصليبيين مائة عام كاملة .
وسرعان ما تساقطت المدن الصليبية القليلة الباقية كما تتساقط أوراق الشجر ، فسقطت صور ، ثم سقطت صيدا ، وتبعتها بيروت وعثليت وأنطرطوس.
وعاد الأشرف خليل إلي عاصمة ملكه القاهرة ، فاحتفلت المدينة المجيدة باستقباله احتفالاً باهراً ، وأقيمت الزينات ورفعت الأعلام في كل مكان ، ودخل السلطان المدينة وفي ركابه عدد كبير من أسرى الفرنج المقيدين في الأصفاد ، والجنود المنتصرين يحملون أعلام الأعداء منكسة ورؤوس القتلي علي أسنة الرماح .
وهكذا اختتمت حلقة من حلقات الاستعمار الأوربي ، وكرد من عكا آخر جندي صليبي بعد نضال طويل كفاح مستمر مرير ، بدأه عماد الدين زنكي ، وشارك فيه جماعة من الأبطال المغاوير : نور الدين محمود ، وصلاح الدين ، وبيبرس ، وقلاوون ، ثم كان التطهير علي يد الأشرف خليل بن قلاوون .
رابعاً : إصلاحات ومنشآت قلاوون :
لم تطل مدة حكم السلطان قلاوون ، فقد حكم أحد أحد عشر عاماً (678هـ- 689هـ = 1279- 1290م) مع هذا فقد أثبت جدارة ممتازة في معالجة مشاكله الخارجية ، واستطاع أن يتابع سياسة سلفه بيبرس ، وقاد الجيش المقاتلة العدوين التقليديين ، المغول ، والصليبيين ، وانتصر علي المغول في حمص واسترد طرابلس من الصليبيين .
ولم تشغله هذه الجهود الحربية عن الاهتمام بأمور البلاد الداخلية ، فقد قام بعدة إصلاحات وأقام في القاهرة منشآت عمرانية كثيرة ، أما إصلاحاته فقد كانت منصبة كلها علي الجيش باعتباره الأداة الفعالة للدفاع عن الدولة ، فعني بتنظيمه ، وضم إليه طائفة جديدة من الجند معظمهم من الجراكسة، وأسكنهم أبراجاً جديدة في القلعة ، ولذا سموا بالبرجية أو الجراكسة ، واستطاع هؤلاء البرجية أن يكونوا وحدة متماسكة متعاونة كان لها أثرها في توجيه الأحداث التاريخية بعد وفاة قلاوون إلي نهاية دولة المماليك البحرية حيث استطاعوا أن يستولوا علي السلطنة ويكونوا دولة المماليك البرجية.
ومن أهم المنشآت والمباني التي أقامها قلاوون في القاهرة القبة العظيمة التي دفن فيها ، والمدرسة والبيمارستان ، ولا زالت هذه المباني الفخمة الجميلة موجودة حتى الآن في شارع النحاسين بالقاهرة.
ولم يكن بيمارستان قلاوون أولا مؤسسة علاجية عرفتها القاهرة بل سبقته مؤسسات مشابهة وأول بيمارستان بني في مصر الإسلامية أنشأه أحمد ابن طولون في مدينة الفسطاط .
أما البيمارستان الذي أنشأه قلاوون ، والذي لا زالت بقاياه تعرف حتى اليوم بمستشفي قلاوون ، فقد كان أعجوبة في زمنه حتى لقد قال عن الرحالة ابن بطوطة (يعجز الواصف عن محاسنة ، فقد كان مقسماً إلي أربعة أقسام : قسم للحميات ، وقسم للرمد ، وقسم للجراحة ، قسم لأمراض النساء ، وخصص لكل مريض فراش خاص به ، كل ما يحتاجه من التخوت والطراريح والمخدات واللحف والملاءات) ، وألحق بالمستشفي عدد من الأطباء المتخصصين للإشراف علي علاج المرضي وعدد من الصيادلة لتركيب الأدوية ، وذلك بالإضافة إلي الفراشين والفراشات ، الذين كانوا يقومون علي خدمة المرضي وغسل ثيابهم وتنظيف المستشفي وألحق بالمستشفي كذلك مطبخ لإعداد الطعام للمرضي .
ولم يقصر العلاج علي طبقة معينة ، بل وقفه السلطان علي (الملك والمملوك والكبير والصغير والحر والعبد) ولم يكن يسمح للمريض بمغادرة المستشفي إلا بعد أن يتم شفاؤه وعند خروجه كان يصرف له كسوة وتقدم له معونة مالية.

وامتدت خدمات المستشفي إلي المرضي في منازلهم ، فكان يرتب لهم كل ما يحتاجون إليه من أغذية وأشربه وأدوية ، كما كان يشرف علي ذوي الأمراض الخفيفة الذين يترددن عليه للكشف عليهم أو لطلب الدواء ، أي أنه به قسم يشبه ما نسميه اليوم بالعيادات الخارجية .
وسيتم بمشئة الله تعالي ذكره وشرحه بالتفصيل وذكر عدد الطوابق به وعدد الغرف والأسرة والحمامات وغرف العلاج والكشف والعمليات وعرف المرضي والأطباء وشرحه باستفاضة في الجزء الأثري من هذا البحث . بالإضافة إلي اللوحات والصور المرفقة والموضحة للبيمارستان خارجياً وداخلياً ، مما يساعد علي توضيح الرؤيا وتوضيح مدي إهتمام قلاوون بهذا البيمارستان والذي يعد من أضخم أعمال دولة المماليك بصفة عامة .


عدل سابقا من قبل Admin في الأحد 31 أكتوبر 2010 - 5:55 عدل 1 مرات (السبب : تعديل التنسيق)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://resalahmasriyah.mam9.com
 
بحث تاريخي (قيام دولة بني قلاوون وعلاقتها الخارجية حتى قبيل حكم الناصر محمد )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» بحث تاريخي (السلطان الناصر محمد بن قلاوون )
» بحث تاريخي (العلاقات الخارجية في عهد الناصر محمد )
» بحث تاريخي (أبناء الناصر محمد وأحفاده ونهاية دولة المماليك البحرية)
» بحث تاريخي (نشأة دولة المماليك وتوليهم مقاليد الحكم) ( الجزء الأول )
» بحث تاريخي (نشأة دولة المماليك وتوليهم مقاليد الحكم) ( الجزء الثاني)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
رسالة مصرية ثقافية :: قسم العلوم التربوية والأدبية :: التاريخ العربي-
انتقل الى: